هل حزب الله جادّ في محاربة الفساد؟/ جورج الهاشم

أثبت حزب الله مقدرة فائقة في خوض المعارك المصيرية.  لم يتمتع أي قائد عربي بمصداقية السيد حسن نصرالله على الاقل بالنسبة للصراع مع اسرائيل. لم يتبجَّح بانتصارات وهمية، ولم يعِد بما لا يستطيع الوفاء به. رغم تحفظاتنا على معارك كثيرة خاضها، ويخوضها، لتثبيت جبهات تعج بالمذهبية والقبلية والدكتاتورية ولتأبيد أمر واقع ساهم في جرِّ شعوب المنطقة الى مستنقع التخلف الغارقة فيه منذ عصور.                                           
لقد أعلن الحزب، بلسان أمينه العام، الحرب على الفساد في لبنان واعتبره، محقاً،  المدخل الحقيقي لأي اصلاح ولبناء دولة العدالة والقانون. وأعلنها حرباً شاملة على الهدر والفساد لأن الامر لم يعد يُطاق. وسمى النائب حسن فضل الله لمتابعة هذا الملف. والقضاء على الفساد هو معركة الحزب الكبرى. انها معركة لا تشبهها اية معركة اخرى حتى ولا اجبار اسرائيل على الخروج من لبنان دون قيد أو شرط. فالفساد تسلل الى كل شيء في لبنان: من المياه الملوثة الى الهواء الملوَّث الى مافيات أينما اتجهت،  لا تترك للمواطن أية فسحة أمل بتغيير أو اصلاح.                                                                                 
حتى العهد الذي بنى شعبيته على التغيير والاصلاح ومحاربة الفساد افتتح عهده باستحداث وزارة لمكافحة الفساد، وعيَّنَ وزيراً مختصاً لملاحقة هذا الموضوع. وبعد أكثر من سنة ونصف لم يضع  الوزير نقولا تويني  يده  على أي ملف فساد، ولم يقدِّم فاسداً واحداً للمحاكمة، رغم ان روائح الفساد أزكمت كل الانوف الا أنف معاليه.                                          
واليوم ينبري حزب الله، على أعلى المستويات، للتصدي لهذه الآفة اللعينة التي نخرت مفاصل الوطن وتكاد تقعده مشلولاً على قارعة الطريق. فهل سيحالفه الحظ؟ وهل سيتمكن الحزب من استئصال هذا السرطان الخبيث من جسد "وطن النجوم"؟ أم أن اعلانه هذا يأتي من ضمن الحرب النفسية التي ربما تدب الرعب في قلوب الفاسدين الذين يمارسون "أعمالهم" على عينك يا تاجر؟                                                                                        
الوقائع لا تشير أبداً الى هلع الفاسدين. ربما لأن ظهورهم مسنودة جيداً. فهم يتَّكلون على قوى مؤثِّرة متغلغلة حتى النخاع الشوكي في كامل الطبقة السياسية بكل تلاوينها المذهبية. فالفساد لا دين له. وأثبت أيضاً أنه لا يعترف بالاقليمية ولا ينحصر داخل حدود الوطن. فقانون التجنيس الاخير قوَّى جبهة الفساد الداخلي بانضمام مجموعة من المحترفين الفاسدين العرب والدوليين اليها.                                                                                       
ان معركة حزب الله الكبرى كان يُمكن أن يُكتب لها النجاح لو انطلقت من اسس صحيحة. فتعيين وزير واستحداث وزارة لم يكشفا عن فاسد واحد. وتعيين نائب وتكليفه بالملف لن يسفر عن نتائج أفضل. لأن الاسئلة الكثيرة والاجابات مبهمة. فمن أين ستبتدىء مكافحة الفساد؟ هل فقط نفتح سجلات الاعداء؟ أم أننا سنفتح ملفات الاصدقاء والحلفاء أيضاً؟ وهل سنعتمد مبدأ ستة وستة مكرر؟ أي فاسد منا مقابل فاسد منكم؟ هل سنفتح ملفات "الممانعين"؟ أم نكتفي بملفات "المنبطحين"؟ هل أن المؤيدين لثلاثية الجيش والشعب والمقاومة مستثنون من الملاحقة؟ وماذا عن مؤيدي ولاية الفقيه؟                                                      
معظم الفاسدين في لبنان أيّدوا دعوة حزب الله لمكافحة الفساد. وهذا، بحدّ ذاته، دليل كافٍ على عدم الجديّة في الموضوع. فالفاسد موجود في كل المواقع. ومطمئن في مواقعه. هو شيعي، ماروني، سنيّ، درزيّ الى آخر اللائحة . هو ممانع ومنبطح ومؤيد ومعارض وصديق وحليف وربما من عظام الرقبة أيضاً.                                                                  
لا شك ان وقوف حزب فاعل كحزب الله في طليعة من يريد  مكافحة الفساد خطوة هامة ولكنها لا تكفي. فالمدخل الاساسي لمحاربة الفساد هو وجود جسم قضائي مستقل تماماً عن جميع السلطات. له وحده حق الادعاء والتحقيق واصدار الاحكام. فإذا كان حزب الله جاداً فيما أعلنه فليعمل على تحقيق مبدأ فصل السلطات، واعطاء القضاء الصلاحية الكاملة لملاحقة الفاسدين. وما على السلطتين التشريعية والتنفيذية الا أن تصدرا القرارات الجادة لتمكين القضاء من القيام بواجباته. ولحزب الله القدرة، إن كان على صعيد مجلس النواب، أو على صعيد مجلس الوزراء، لتحقيق ذلك لو أراد. فهل يريد؟                                        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق