البند الاول من قانون القوميه الاسرائيلي الذي أقره الكنيست في 18 يوليو الماضي يوضح بفقراته الثلاثه بما لا يبقي ذرة صغيرة للشك والتأويل لمن هي الارض؟ومن هو الشعب؟ ولمن حق تقرير المصير على هذه الارض؟ وما هي هوية الدوله التي لا تُعَّرِف لها حدود جغرافية… اقرأ النص الحرفي:
"(أ) أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، بها قامت دولة إسرائيل.
(ب) دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، التي يحقق فيها حقه الطبيعي الثقافي والديني والتاريخي في تقرير المصير.
(ج) تحقيق حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل مقتصر على الشعب اليهودي."
رغم هذا الوضوح، الذي لا يختلف على تفسيره عاقلان، تصر ثله من المثقفين والسياسيين الفلسطينيين بالداخل الفلسطيني على التمسك بسياسة حجب الشمس بالغربال وذر الرماد في عيون أبناء الشعب الفلسطيني بالداخل الذين قالوا كلمة فصل وصمود وتحدي في مظاهرتهم العظيمة في الامس في منتصف تل ابيب ضد هذا القانون العنصري بامتياز.
قرار القيادات السياسيه الفلسطينيه بالداخل بعدم رفع العلم الفلسطيني بالمظاهرة استند بحسب قرائتي لحججهم وتحليلي لطرحهم السياسي لقناعات تكتيكية وحجج عقائديه راسخة عند بعضهم ولعدم وضوح الرؤية وفقدان الاستراتيجيه السياسيه الواضحه للمواجهه عند البعض الاخر … في توضيح قرارهم والدفاع عنهم ساقوا العديد من الحجج لتبرير القرار اختصرها بالأربعة التالية:
اولا رفع العلم الفلسطيني سوف يستفز "الأصدقاء اليهود" الذين يشاركونا في مناهضة القانون العنصري.
ثانياً رفع العلم الفلسطيني يدعم توجهات اليمين اليهودي الاسرائيلي العنصريه ويزيدهم قوة بالتشبث بسياستهم المبنية على الابارتهايد
ثالثاً تعتقد هذه الثلة ان رفع العلم الفلسطيني يدعم حجج الائتلاف الحكومي العنصري لاهمية سن قانون القوميه لتداعي مخاطر وجودية تهدد اليهود في اسرائيل.
واخيراً هنالك فئة من النخبه الفلسطينيه بالداخل ما زالت تعتبر الجهر بالهوية الوطنيه لابناء الشعب الفلسطيني في الداخل كرفع العلم واستعمال بعض الرموز الوطنيه "تهور واندفاع سياسي يعبر عن غليان بالراس وعدم توازن بالعقل" .
مساء البارحه ردت الجماهير الفلسطينيه على قرار قياداتها السياسيه بالتجاهل ورفعت علم فلسطين في منتصف تل ابيب وهتفت لفلسطين وللصمود وللدفاع عن الوجود…
مرة اخرى برهنت جماهير الشعب الفلسطيني بالداخل على انها سبقت نخبتها السياسية بقراءة الواقع والتعامل معه…
قانون القوميه الاسرائيلي يوضح ببسيط العباره كما يفهمها ويريدها اسياد القانون ان لا شيء اسمه "شعب إسرائيلي" … شعب يتكون من يهود اسرائليين وغيرهم من غير اليهود، كما يتمنى البعض داخل الأقلية الفلسطينيه ولا يتكلم عن مواطنه أو مساواه وخلافها من الاشتقاقات والعبارات الانشائية التي تناولتها النخب السياسيه اليهوديه والفلسطينيه وتم من خلالها طمس الهوية الوطنيه الفلسطينيه بالداخل لخمسة قرون ونيف… قانون القوميه يثبت ان هنالك اسياد وهنالك عبيد…هنالك من لهم "حق تاريخي وإلهي" بالأرض ومستقبلها ومن يُسْمَح لهم من قبل "اسياد الارض" بالتواجد على هذه الارض … قانون القوميه أنهى الجدل والسجال حول المساواه امام القانون والنقاش حول الحقوق المدنية لمن هم من غير اليهود في اسرائيل… القانون أقفل الباب على ما اعتاد تسميته "التضامن العربي اليهودي من اجل المساواه".
قانون القوميه يعبر بوضوح ان اكثريه يهودية في اسرائيل لا ترى عيب في نظام عنصري يميز أبناء الديانة اليهوديه عن غيرهم ويجعل الفصل العنصري والتمييز جزءاً من هوية الدوله السياسيه… قسماً كبيراً من النواب اليهود في الكنيست الاسرائيلي الذين صوتوا ضد القانون لم يعارضوا مشروع القانون من حيث المحتوى …اَي انهم لم يعترضوا على المثلث الأيدولوجي الذي رسمه القانون والمكون من الأعمدة الثلاثة : الشعب اليهودي، الارض اليهوديه ودولة اسرائيل…اعتراضهم كان ضد الإجهار بالعنصرية بهذه ألطريقه وصبه في قانون أساس يحول الدوله التي سوقتها الصهيونيه على مدار سبعين عام على انها " دولة ديمقراطية" واشتراها العرب على انها "نصف ديمقراطية" الى دولة عنصريه بهويتها وسياساتها.
قانون القوميه نقل الصراع داخل اسرائيل بين مكونات الشعب المختلفة من صراع حول المساواه امام القانون للجميع الى صراع حول الوجود بين اليهود الاسرائليين والأقلية الفلسطينيه من جهة وعلى صراع حول الأخلاق والانسانيه بين مكونات اليهود الاسرائليين أنفسهم … هذا الواقع الجديد لم تراه النخبه السياسية الفلسطينيه بالداخل بالوضوح المطلوب وما زالت تتعامل مع المستجد باستراتيجيات والآيات قديمه لم تعد تصلح للواقع الجديد… محاولة مقايضة الانتماء الوطني برضى الأسياد اخفقت…
النخبة السياسيه وعلى رأسهم النواب في الكنيست الذين يتباكون الان امام الانتقاص من اهميه ومكانة اللغه العربيه في الدولة اليهوديه بحسب ما يراه قانون القوميه…هؤلاء هم ، مع احترامي وتقديري العاليين لعطائهم ونضالهم جميعاً، الذين أساؤوا اولا للغه العربيه وإمكاناتها وفاتهم ترسيخها كلغة رسميه وإلا كيف نفسر ان احدا من هؤلاء النواب الحاليين ومن سبقهم منذ سبعين عام لم يلقي خطاباً واحدا باللغة العربيه الرسميه بالبرلمان الاسرائيلي وفضل استعمال لغة الأسياد لإرضائهم رغم ان القانون كان يسمح له بذلك!
قانون القوميه تحدي جدي للوجود الفلسطيني بالداخل وتحدي للقضية الفلسطينيه بشكل أوسع وعلى الجميع العمل على رسم استراتيجيات مواجهه تأخذ بعين الاعتبار المستجد بإسرائيل وبنية نظامها السياسي وثقافتها الايدلوجيه ومفهومها لهويتها الوطنيه العنصريه… الركض وراء استرضاء السيد ومحاولة الحصول الى فتات من كرم اخلاقه لم تعد الاستراتيجيه المطلوبه والتنكر للانتماء الوطني (اقصد عمداً الانتماء الوطني وليس الانتماء القومي لان الأخير لم يكن عليه اَي اعتراض بداخل اسرائيل منذ اليوم الاول لقيام الدوله) هي السياسة الخاطئة ولَم يعد هذا الكلام يقنع الجماهير الفلسطينيه بالداخل التي تجاوزت قياداتها السياسيه وأصبحت على بعد خطوه ونيف من الانشقاق عن قياداتها ونخبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق