تعاني الحكومة الفيدرالية الأسترالية إنعدام الوزن السياسي، وفقدان الجاذبية الإنتخابية، منذ شهر أب الماضي، تاريخ الإطاحة بمالكوم تيرنبول من منصبه في رئاسة الوزراء بعد تآمر جناح اليمن في حزب الأحرار لإطاحته من منصبه، لأنهم يعتقدون أنه يعارضهم إيديولوجياً، بالإضافة الى أنه يقف حجر عثرة في تنفيذ خططهم وسياستهم وطموحاتهم، التي تتجه الى أقصى اليمين في ما يتعلق بقضايا أهمها التغييرات المناخية وأسعار الطاقة والهجرة والتي تحاكي سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب كما يقول محرر الشؤون السياسية في جريدة ذي سدني مورننغ هيرالد بيتر هارتشر.
جاءت نتيجة الإنتخابات الفرعية في مقعد ونتورث الآمن، والذي كان يشغله تيرنبول لتزيد الطين بلة، حيث كان هذا المقعد يعتبر أكثر مقعد آمن في أستراليا لحزب الأحرار وبهامش 17.7% من الأصوات، والذي خسره مرشح الحزب دايف شارما في الانتخابات الفرعية التي جرت السبت الماضي، وكان شارما الذي شغل منصب سفير أستراليا لدى إسرائيل قد أنزل بالمظلة كمرشح للحزب، ضد رغبات رئيس الوزراء سكوت موريسون الذي كان يرغب بترشيح إمرأة للتنافس على الفوز بالمقعد. وقد بلغ التأرجح ضد الحكومة قرابة 20% من الأصوات لصالح المرشحة المستقلة كارن فيلبس التي فازت بالمقعد ، وهذه هي المرة الأولى التي يخسر فيها حزب الأحرار المقعد منذ 70 عاماً وقد شغله قبلهم المحافظون منذ تأسيس الأتحاد الفيدرالي عام 1901.
تعرضت فيلبس لحملة قذرة، لتشويه سمعتها، بعد إرسال رسالة الكترونية الى الناخبين تقول أن فيلبس مصابة بمرض فقدان المناعة المكتسبة (ألأيدز) وقرّرت الإنسحاب من السباق للفوز بالمقعد، وكأن المراد من تلك الرسالة القول للناخبين بأن فيلبس مثلية الجنس، وقد نفى مرشح الأحرار أي علاقة له بالموضوع الذي وصفه بالحقارة.
لم تدخّر الحكومة أي جهد من أجل التأثير على الناخبين، وقد ذهب رئيس الوزراء بعيداً في مغازلة الصوت اليهودي في المنطقة، التي يشكل اليهود فيها نسبة 12% من عدد الناخبين، فقال أنه على إستعداد لنقل السفارة الأسترالية من تل أبيب إلى القدس، رغم تحذيرات أجهزة الإستخبارات من خطورة الإقدام على هكذا خطوة، والتي قد تتعارض مع مصالح أستراليا الإقتصادية وعلاقاتها مع جارتها أندونيسيا والدول العربية والإسلامية. وقد أُحضررئيس الوزراء الأسبق جان هاورد في محاولة للتأثير عاطفياً على الناخبين الاحرار الغاضبين على قيادتهم، بسبب الإطاحة بمالكوم تيرنبول الذي يملك شعبية كبيرة في تلك المنطقة، بالأضافة الى عدم وجود سياسة واضحة للحكومة في قضايا كثيرة زد على ذلك معاملة اللاجئين خصوصاً الأطفال، يشار ألى أن هاورد نفسه كان ثاني رئيس وزراء يخسر مقعده في الإنتخابات في تاريخ أستراليا وذلك في إنتخابات العام 2007.
ما هي العوامل التي أثرت في النتيجة وأدت الى هذه الخسارة التاريخية وهذا التأرجح الكبير؟
1- الإطاحة بمالكوم تيرنبول
2- كسر كلمة رئيس الوزراء ورفض ترشيح إمرأة للتنافس على الفوز بالمقعد، وإنزال دايف شارما بالمظلة بسبب ضغط الأجنحة واللوبي المؤيد لإسرائيل في الحزب .
3- الإفراج عن تقرير لجنة رادوك المكلفة بالبحث بقضية الحريات الدينية، والتي أوصت بإعطاء المدارس الدينية الحرية وعدم قبول الطلاب والمعلمين المثليين.
4- عدم وجود مشروع لدى الحكومة لمحاربة الانبعاث الحراري، والحد من التغييرات المناخية، وعدم وجود خطة لتخفيض أسعار الطاقة بعد الغاء الخطة الوطنية لتأمين الطاقة، فعلى الرغم من أن الناخبون في منطقة ونتورث محافظون إقتصادياً الا انهم يحتفظون بافكار تقدمية بهذا الخصوص.
5- المعاملة غير الإنسانية لطالبي اللجوء الموجودون في جزر مانوس وناوروو، خصوصاً الأطفال حيث تصر حكومة موريسن على عدم إحضارهم الى أستراليا وحتى من أجل المعالجة الطبية.
6- إستمرار الأشتباك السياسي بين أجنحة الحزب وقاداته، وقد بدى ذلك عندما وجه رئيس الوزراء الاسبق طوني أبوت إنتقادات الى مالكوم تيرنبول لعدم مشاركته في الحملة الإنتخابية.
7- الأزمة القيادية في الحزب الوطني الشريك الاصغر في الحكومة بعد تصريحات بارنبي جويس الرئيس السابق للحزب برغبته العودة الى رئاسة الحزب إذا ما عرض عليه الأمر.
8- تحالف كل القوى السياسية الأخرى من أجل إسقاط مرشح الأحرار ( العمال، الخضر، المستقلون وباقي منظمات المجتمع المدني).
9- تصويت الحكومة مع بولين هانسون على مشروع قانون عنصري يحاكي شعارات العنصريين في أوروبا، وقد عادت الحكومة وصوتت ضده في القراءة الثانية على أرضية أن خطأ أدى الى سوء الفهم! والمشروع يقول ( ما هو الخطأ بأن تكون أبيض) . ( It is ok to be white)
10- إعلان سكوت موريسن عن نيته نقل السفارة الأسترالية من تل أبيب الى القدس، والتي يؤيدها مرشح الأحرار دايف شارما والجناح المؤيد لإسرائيل في الحزب الذين يشتغلون على هذا الموضوع سراً وعلانية منذ زمن بعيد وقد يكون توقيت الاخراج جاء في التوقيت الخطأ.
يبقى من هم والخاسرون الرابحون؟
اول الخاسرين رئيس وزراء الصدفة سكوت موريسون وهو على عتبة الإنتخابات العامة وتلقى هذه الصفعة الإنتخابية الموجعة.
2- حزب الأحرار الذي أصبح أمام مفترق تاريخي، ولم ولن يتعافى من أمراضه السياسية والعقائدية والشخصية في المستقبل القريب، والتي أدت الى هذه النتيجة في ونتورث وما تظهره إستطلاعات الرأي التي تجاوزت الثلاثين والعداد ما زال يعد حيث ما تزال المعارضة تتقدم على الحكومة منذ إنتخابات عام 2016.
3- الطبقة السياسية الأسترالية التقليدية من يسار الوسط ويمين الوسط والتي انتفض عليها الناخبون في ونتورث.
4- الجناح المؤيد لأسرائيل في حزب الأحرار لأنه ضغط لترشيح شارما.
أما الرابحون فيأتي في مقدمتهم وزير الخزينة جوش فرايدنبرغ الذي يتموضع لقيادة حزب الأحرار بعد خسارة الحزب الإنتخابات القادمة.
2- المواطن الأسترالي الذي ما زال يتحكم بقراره رغم ضغط الألة الإعلامية التي يتحكم بها الإعلاميون المحافظون.
3- حزب العمال أذا أدرك أبعاد الرسالة التي وجهها ناخبو منطقة ونتورث.
يبقى السؤال من هنا الى أين، بعد الإنتفاضة الإنتخابية المدوية؟
هل سنشهد إنتخابات نيابية عامة مبكرة، وكيف سيتمكن سكوت موريسن وحزبه من الحكم بدون أكثرية رغم إستعداد 5 من أصل 6 ( أندرو ويلكي يعارض التصويت مع الحكومة) من النواب المستقلين لتقديم الدعم للحكومة في حال طرح الثقة بها، ولكن هؤلاء النواب انفسهم لهم رأي آخر في ما يتعلق بمشاريع القوانين التي قد تطرح على البرلمان.علماً ان نفس الحكومة لم تستطيع الحكم عندما كانت تملك الأكثرية في مجلس النواب حتى ولو بصوت واحد.
أخيراً، يبقى السؤال من هنا الى أين؟ خصوصاً ان البلاد ما زالت تعيش وتعاني من الأزمة السياسية منذ أكثر من عشر سنوات، ولا تبدو في الأفق بوادر حلحلة على الأقل قبل الإنتخابات القادمة المقررة مبدئياً في أيار من العام القادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق