صُلحة“ تَنَكات”/ ترجمة ب. حسيب شحادة


A Reconciliation of Tins

جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها الكاهن الأكبر عبد المعين بن صدقة بن إسحق الحفتاوي (إلعزر بن صدقة بن يتسحاك هحبتئي، ١٩٢٧- ٢٠١٠، كاهن أكبر بين السنتين ٢٠٠٤-٢٠١٠، عنه أنظر في الشابكة: حسيب شحادة،  عبد المعين صدقة، الكاهن الأكبر، في ذمّة الله) بالعربية على مسامع الأمين (بنياميم) صدقة، الذي ترجمها إلى العبرية، نقّحها، اعتنى بأسلوبها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٣٦-١٢٣٧، ١ أيّار ٢٠١٧، ص. ٨٨-٩٠. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني. 

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحسني (بنياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”أيّام جيّدة

رفعت يديّ إلى الله، الإله الأعلى مالك السماء والأرض، مسبّحًا ومهلّلًا له على كل ما قام به من أجل عباده الطالبين 
صدقته، صباح مساء كل يوم جديد، ويغدق عليهم من نِعمه الوافرة. له الامتنان والعظمة لأنّه  وهب بوفرة  طيبته عائلة الكهنة وعائلات بني إسرائيل السامريين الحقيقة، وأحيانا وأبقانا إلى هذا اليوم الذي نحظى فيه برؤية الخير، وبمراحمه الجمّة أغدق علينا من الهبات الحسنة، مثل هبة الحياة التي منحها لبني هذه الطائفة التي تسجد في المكان الذي اختاره، جبل جريزيم، بيت إيل.

كلّنا نتذكّر ما قام به جدّ جدّي، الحكيم الكاهن الأكبر، سلامة بن غزال (شلمه بن طابيه) [١٧٨٢-١٨٥٥، أصبح كاهنا أكبر في سنّ مبكّرة عام ١٧٩٨، زاول مهنة خياطة القنابيز للقرويين، أتقن علم التنجيم، ورع وفقير. تراسل مع أوروبيين مثل هانتينجتون وجريجوار؛ توفي أبوه وهو طفل وهو ابن وحيد، أمّه هدية، غزاوية أخت غزال بن سرور صديق أبيه. كان عدد السمرة في عام ١٨٠٨ في نابلس ويافا حوالي المائتين. أولاده: عمران وأهرون وإسحاق. له قصّتان: الواحدة مع الخياطين والثانية مع جاره حسين عبد الهادي زعيم نابلس، رواهما الكاهن الأكبر يعقوب بن عزي في كتابه عن السامريين، وقد نشرتُهما مع ترجمة إلى الإنجليزية، أنظر مثلا أخبار السامرة ٧٨٥-٧٨٨، ٦ نيسان ٢٠٠١، ص، ١٨٥-١٧٥؛ ٨١٧-٨١٩، ١٤ حزيران ٢٠٠٢، ص. ١٣٨-١٢٣.] الذي كان رئيس طائفة تعدادها قرابة المائتين نسمة، ومع هذا لم يفقِد شيئًا من إيمانه وأمله في أنّ هذا النزر بين الشعوب على وجه البسيطة سينمو ويزدهر. ها أنا الكاهن عبد المعين بن إسحق بن عمران (عمرم) بن سلامة في نابلس وجبل جريزيم شاهد على ازدهار الطائفة. رأينا أيّامًا حلوة حقّا للجميع. نسكن في بيوت فاخرة، سواء في نابلس أو على جبل جريزيم، وعلمنا أنّه ليس بسبب استقامتنا جازانا الله بكل هذه الخيرات، بل من جرّاء محبّته لنا ومحافظته على القسَم الذي أقسمه لآبائنا، إبراهيم وإسحق ويعقوب، لاوي ويوسف، وقد ردّدها على مسامع موسى ونقلها من موسى ليهوشع، للسبعين شيخًا وللكهنة الكبار بني أهرون، فنحن بنو عائلات الكهنة في نابلس وجبل جريزيم وحولون أبناؤهم ونكمل مسيرتهم.

شِجار الحمائل في نابلس

وعليه اسمحوا لي أن أسرُد عليكم قصّة عن جدّ جدّي، الكاهن الأكبر سلامة بن غزال، وهي تُبرز بجلاء كيف تمكّن الكاهن سلامة من قيادة سفينة طائفتنا في أمواج بحر من العزلة والتنفير والتثبيط من قبل جيرانها وأبناء الطبقة الحاكمة في نابلس، في غضون عشرات السنين الأولى من القرن التاسع عشر، ١٧٩٨-١٨٥٥، السنوات التي كان جدّ جدّي الكاهن الأكبر، رئيس السامريين.

حاكم نابلس في تلك الفترة كان موسى بك، حكم بيد من حديد بسبب العداء الأبدي بين الحمائل المختلفة التي حكمت في نابلس. لا عجب في أنّ سامريين كثيرين نسبيًا قد خدموا في تلك الفترة، في نطاق الحكم المحلي لأنّ كل الحكّام لم يثقوا بأيّ من أبناء الحمائل المتخاصمة في نابلس. لذلك وثِق الحاكم بأبناء طائفتنا ومكانة الكاهن الأكبر في معظم الفترات كانت مرموقة. عُرف جدّ جدّي، الكاهن الأكبر سلامة، أكثر من أيّ كاهن أكبر آخرَ بعلاقاته الطيّبة مع حكّام نابلس. إجمالًا، حرَص السامريون في عهده على الحفاظ على علاقات طيّبة مع أبناء كل الحمائل العربية الكبيرة في نابلس، باستثناء حادث واحد، اضطّر فيه سامري للهرب من نابلس، لأنّ الذي أيّده فشل في المعركة على تقلّد الحُكم في نابلس. لا أحد كان في مقدوره التنبؤ بالفائز، في الشجار الدموي حولَ إشغال منصب الحاكم الذي شغَر لسبب ما. الحمائل التي أيّدت المرشَّح الفاشل قاست من انتقام المرشح الفائز .

”صُلحة“ كهذه

عندما وُلد أحد أحفاد الكاهن سلامة، نزَل كعادته إلى بيت الحاكم موسى بك، ليدعوه للاشتراك في احتفال ختن الحفيد. فرِح الكاهن الأكبر سلامة بالفرصة التي أُتيحت له للحضور إلى الحاكم الجديد، الذي دعا أبناء حمولة أرى النابلسية لوليمة صُلحة كبيرة في داره، بالرغم من أنّها أيّدت ألدّ خصومه. تعبيرًا عن حُسن النية،  دعا موسى بك وجهاء الحمولة لوليمة كبيرة في قصره، وهناك قدّم طعامًا كثيرًا، خرافًا محشوة بالأرز والصنوبر. أصوات الفرح والتراضي سمعت جيدًا في الجوار. في هذا الجو البهيج دخل الكاهن الأكبر قصر موسى بك.

ما أن صعد درجات القصر، وإذا لدهشته ولمفاجأته توقّفت أصوات الفرح والبهجة، وحلّت محلها أصوات الرعب والصراخ. لم يلتفت الكاهن إلى الوراء، بل تابع صعوده الدرجات إلى قاعة الوليمة الكبيرة. حرّاس القصر لم يمنعوه من الدخول إلى القاعة، إذ لديهم أمر من الحاكم، يسمح لكاهن  السامريين الأكبر أن يزوره في أي وقت. شاهد الكاهن الأكبر سلامة مشهدًا مرعبًا مفزعا، كلّ وجهاء حمائل أرى كانوا ممدّدين موتى على بُسُط القاعة، وسيف موسى بك كان ما زال ينِزّ دمًا كسيوف حرّاسه الذين ساعدوه في نحر وجهاء حمولة أرى. أُصيب الكاهن الأكبر سلامة بالهلع، وفوجىء بأنّ الحاكم موسى بك لم يكن محتدًّا بالمرّة. بالعكس، ابتسامة عريضة مفعمة بالرضا ارتسمت على وجهه. فتح يديه مرحّبًا بالكاهن الأكبر. ”إنهم نالوا ما استحقّوا من عقاب، كم كانت ستكون فرحتهم لو قتلني خصمي“.

تنكات ”الفرح“
تراجع الكاهن الأكبر سلامة، همّ بالرجوع على أعقابه، كأنّه قال إنّ الوقت غير ملائم للتعبير عن فرح ولادة حفيده. موسى بك أوقفه، أخذه إلى قاعة أخرى في القصر. ”ما غاية زيارتك؟“ وألحّ على الكاهن الأكبر سلامة أن يخبره، وما كان بمقدور الكاهن أن يرفض. ”فرحك هو فرحي، إنّه حقًّا يوم عظيم هذا اليوم، فيه ممزوجة فرحتي بتخلّصي من ألدّ خصومي بفرح ولادة حفيدك“. استلّ موسى بك من زنّاره العريض صُرّة مملوءة بعملات من الذهب، ودسّها بيد الكاهن الأكبر - ”يجب أن تأخذ هديتي هذه لتقيم فرحًا عظيمًا لمناسبة ولادة حفيدك. إنّي أطالب بأن تُسمع أصوات الفرح من بعيد ليعلمَ سكّان نابلس أنّ هناك من يفرح بفرحتي“.

دُهش الكاهن الأكبر جدّا من كلام موسى بك، إلا أنّه لم يستطع أن يقول شيئا. عاد إلى بيته مقفرًا متألّما. عرف أن نابلس في حِداد قاسٍ على قتل حمولة أرى، والوقت غير مناسب لإطلاق أصوات الفرح. إذا نفّذ الكاهن الأكبر أمرَ الحاكم ألحق الضرر بالسامريين.

في يوم الختانة قدِم أبناء الطائفة خِفيةً إلى بيت الكاهن الأكبر سلامة. ”خذ هذه التنكة لحرس موسى بك، اضرب عليها بكل ما أوتيت من قوّة“ قال الكاهن الأكبر لابنه عمران. فعل الكاهن عمران ما قاله أبوه. سمع السامريون وأسمعوا موسى بك بأن هناك أصوات فرح متصاعدة من التنك. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق