مرات كثيرة كان والدي يضبطني فيها عند حلقة القصاص في السوق الأسبوعية يوم الأربعاء... يصفعني بيده الخشنة و يركلني بقوة ثم ينهرني : ـــ عد الى البيت! هيا ... اسرع!
كذلك كان يفعل عمي ، وخالي لما يلمحاني واقفا مع المتحلقين حول سي بلال يروي حكاياته وقصصه الممتعة!
وحلقته دائما تكون في الزاوية الجنوبية من السوق تتوسط بائع الملابس والموالين بائعو المواشي وبائع قطع الغيار القديمة....
ورغم عقوبة والدي وخالي فإني كنت كل أربعاء أرافق صديقي منصور مكرهاً و بسبب إلحاحه الشديد ، وكان يغريني بأسلوبه المميز بأننا في الحلقة نتعلم أشياء كثيرة لا يذكرها المعلمون في قاعة الدرس ... وأيضا أسلوبه الفكاهي الذي يبتدع به قصص النساء ومكر العجائز...
كل أربعاء ، تقريبا ً نفس الكلام ، الحكايات نفسها ، طريقة ألحكي ، والموضوع نفسه هو الوصفة السحرية التي تجعل الرجل سعيداً ويعيش حياته مبتهجا ً!..
وهذا الموضوع هو الذي كان يُغضب أبي ويصفعني بقوة لأنه يراني لا أزال صغيرا ًعن فهم العلاقات المعقدة بين الرجل والمرأة... ويأتي هذا الدجال لكي يسرق من الناس نقودهم ممنيهم بأنه يقدم لهم الحل بوصفاته السحرية !...
وفي أحد المرات عاقبني بقوة بحضور المعلم الذي يدرسني اللغة العربية الذي صدف أن التقاه عند الخضار فلمحني وعاقبني أمامه...
وسمعت المعلم يقول بأني طفل صغير لا أعرف شيئا ً إنما أقلد الكبار ... ثم يشير قائلا ... أنظر الى عددهم وأعمارهم! يبيع لهم سي بلال الوهم ... يسرق نقودهم التي كسبوها بالعرق والدموع ... ألا يكفيهم أن يعرفوا وصفة واحدة ... وصفة واحدة ... الحب ... إذ وُجد الحب في البيوت فإنها تمتلئ صراخاً وأولاداً... الحب هو المفقود وليست القوة الجنسية التي يتباهى هذا الكذاب بها ويبعها لهم بخمسمائة دينار.... بخمسمائة دينار! أجرة يوم واحد لموظف!...
كانت تلك أول مرة أسمع فيها كلمة الحب...
كلمة لم يذكرها سي بلال أبدا في حلقاته...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق