كانت سيّارات قليلة في جنوب لبنان وتحديداً في خمسينات القرن العشرين، كان الإنتقال من قرية إلى ثانية يكون غالباً سيراً على الأقدام أو ركوباً على الدواب التي منها الحمير، البغال والخيل. كان يوماً المرحوم الشيخ عبد الحسن حمّود ـ والمشيخة له اعتباريّة لسعة معرفته الدينيّة الإسلاميّة ـ ضيفاً عند "عيثا الشعب" ـ القرية الحدوديّة اللبنانيّة مع فلسطين المحتلّة ـ وفي طريق العودة إلى كونين ماشياً مرّ بقرية عين إبل المسيحيّة.
الشمس ناعمة، ومائلة صوب الغروب، وأن تميل الشمس صوب الغروب يعني موعد صلاة المغرب. كان بالصدفة بجوار الكنيسة. انتشل من بئرِ فنائها ماءً وتوضّأ، اتّجه صوب القبلة كما يفعل المسلم إذا صلّى وهو في مكانه. اكتفى من رآه من أهل عين إبل بالنظر حتى إذا انتهى سألوه بعدما سألوا الله أن يتقبّل منه إذا جائز أن يصلّي وهو المسلم في حرم مسيحي؟.
قال إنّ الجامع والكنيسة بيتان لله الواحد وإن المؤمنين إخوة. وأحبَّ أهل عين إبل ما سمعوا منه وصادقوه كثيراً بعد هذا اليوم. وكان الشيخ عبد مرّةً في صراع مع مخلّفات العثمانيين حول أرض كونين وذلك في خمسينات القرن الفائت، ولم يجد مُعيناً أخيراً إلاّ أن يُعلن في الضيعة أنّه سيقصد كنيسة عين إبل، وسيقرع ناقوسها، وسينصره السيِّد على المتسلّطين واللصوص أجمعين.
ـ أعلاه صفحة من الجزء الثاني لكتاب كونين لطائف وطرائف، وسيكون بعنوان الحياة حكايات. وإذ أنشر هذه الصفحة تذكيراً أنّ رفض الإقطاع قديم في كونين. وذاته الشيخ عبد الحسن قضى قهراً بالسكتة القلبيّة وهو عند حقل صخري بين كونين وعين إبل، ولا يزال في ذاكرة أبناء كونين إلى اليوم أنّه مات قتلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق