الفتح فى ذكرى انطلاقتها الرابعة والخمسين/ سري القدوة


ارادة الفتحاويين تنتصر ..  جيلا ووعيا وثورة  ..  هي الفتح صانعة الرجال .. هي الفتح العطاء والتضحية والفداء .. هي البداية لنهاية الظلم والعبودية .. هي عيلبون الطلقة الأولي .. هي مجد شعب يبحث عن الحرية .. هي انا .. هي انت .. هي  نحن ..  هي ديمومة العاصفة وشعلة الكفاح المسلح  .. هي وحدة الموقف من أجل المستقبل الفلسطيني الواعد ..  من أجل رفع الظلم وإنهاء عهد العبودية .. 
ما اروع أن يتحد الفتحاويين .. ما اروع أن تتكاتف الأيادي البيضاء لتحمل راية الانتصار ..  ما أجمل هذا اليوم الذي فيه وحدتنا واتحادنا ورفضنا لكل اشكال الهزيمة والعار  .. 
كم راهنوا علي خسارتنا .. 
وكم يراهنون علي تفسخنا وضعفنا  ..
كم يراهنون علي شق صفنا الوطني ..
لكن مؤامراتهم لن تنال من الوحدة الفتحاوية ..  لن تنال من إرادة الفتحاويين .. هذه الإرادة الصلبة المستمدة من قلعة شقيف ومن الكرامة .. من نهر البارد والبداوي .. من جنين ومن رفح .. من جباليا مخيم الثورة ..  ومن جبل النار من نابلس الثائرة ..  لن تنهزم ارادة الرجال  ولن ينالوا من ثوار الفتح هؤلاء الابطال الاوفياء للثورة والتاريخ والدولة والاستقلال .. 

انها إرادة أبناء ياسر عرفات .. انها إرادة من قادوا العمل المسلح في عيلبون والكرامة .. انها ارادة ابناء القدس العاصمة .. انها ارادة الاصرار والتحدي .. انها ارادة التغير وبناء المؤسسات الفلسطينية وحماية الديمقراطية .. 

أننا اليوم على موعد متجدد  لممارسة الديمقراطية وعودة الحياة السياسية في المجتمع الفلسطيني اننا على موعد مع يوم الزحف من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية  .. 
من الألم يأتي الانتصار ومن الوجع والظلم والطغيان يولد الفرح والحب والوئام .. 
فتح قادمة بالمحبة والعطاء والإيمان وستكون رسالة الفتح اننا أصحاب الحق ...  أصحاب المقاومة الأصلية والأصيلة .. من فجر عيلبون وقاتل في بيروت  وخاض معركة جنين ومن بني المؤسسات ومن يحمي الدولة المستقلة والقدس عاصمتها .. هؤلاء هم رجال الفتح عمالقة الثورة .. حراس الوطن فتحية كل التحية لهم فى ذكرى انطلاقة المارد الفتحاوي  .. 

اننا امام المواجهة الحقيقية ولحظة الحسم ليس كما فعلوا وقتلوا الناس والعباد وشردوا الشعب ودمروا الوطن .. 
اننا امام الحسم الحقيقي فى صناديق الانتخابات  .. وممارسة حقنا الديمقراطي والتعبير الحر لاختيار قيادتنا التى تحافظ على عهد الشهداء وتقودنا الى الدولة والحرية والاستقلال ..

 ان شعبنا الفلسطيني سيخوض معركة شريفة وهي معركة الحسم عبر الانتخابات لوضع حد لمعاناة شعبنا والظلم الذي لحق بأهلنا في قطاع غزة  .. غزة بانتظار معركة الحسم الحقيقية .. غزة بانتظار جيش الفتح العظيم .. غزة بانتظار الأحرار والشرفاء من أجل خوض معركة الحسم الحقيقية عبر صناديق الاقتراع  .. 

إن عهد فتح أن تبني الوطن وتحصن المؤسسات الفلسطينية القادرة على حماية إنجازات ثورتنا والحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيز الديمقراطية في وطننا الغالي فلسطين   ..

إن القيادة الفتحاوية وكوادر الحركة وأعضاءها وجماهير الفتح تقف اليوم أمام مسؤولياتها التاريخية في وحدة الموقف والقرار وتعزيز الرؤية الشاملة نحو برنامج السلام الفلسطيني والمبادئ الاساسية لخطة ونهج الرئيس محمود عباس وتكريس مبدأ الديمقراطية واحترام الآخرين نهوضاً لهذه الحركة وتأصيلاً لعلاقتها مع الجماهير الفلسطينية .. جماهير الفتح .. فتح الانطلاقة .. فتح العاصفة... فتح الانتفاضة والديمومة والاستمرارية .. فتح الدولة المستقلة والقدس عاصمتها ..

إن هذا الموقف الفتحاوي ووحدة الأطر الحركية بداخل الوطن وخارجه وفي أماكن الشتات يعزز اليوم أروع صور عبرت عن إدراك كوادر الفتح لحجم المسؤولية الوطنية في استمرار الحركة وضمان تفعيل مؤسساتها وقيادتها للنضال الوطني الفلسطيني على طريق تعميق النهج الفتحاوي وتأصيل العمل الوطني وتكريس روح الوحدة الفتحاوية وفاءً لدماء الشهداء والجرحى والمعتقلين ومن أجل النهوض بمؤسسات الفتح والاستمرار في رسالتها الخالدة على طريق نهج الحرية والوحدة الوطنية ووحدة مؤسساتنا الفلسطينية من أجل قيام دولتنا واستقلالنا الوطني.

فلسطين الدولة تنتصر ويكبر الحلم ويكون الفرح الفلسطيني القادم له مذاق اخر بلون العلم فما اجمل تلك العيون التي انتظرت هذا اليوم وما اروع الطفل الذي حمل العلم وغني لفلسطين .. ما اجمل تلك اللحظة التي امتلأت فيها الوجوه بالفرح وعبرت العيون عن معني الوجود وكبرت الفكرة في حجم دولة طالما حلمنا بها وسجلت في الوجدان الفلسطيني الخلود والبقاء ..

أن نضال شعب فلسطين سيثمر علي قيام دولة فلسطين وان صراع شعب فلسطين هو صراع مع عدوه الاول الاحتلال الاسرائيلي الغاصب لأرضنا والسارق لوطننا وستبقي بوصلة فلسطين تجاه الوطن الفلسطيني مستمرة .. ولن ينالوا من دولتنا ولا من صمود شعبنا مهما تكالبت قوي العدوان والظلم والتآمر .. لن تسقط قلاع الثورة وستستمر حتى قيام الدولة الفلسطينية واحده موحدة فوق التراب الوطني الفلسطيني ..
المجد لشهداء فلسطين والنصر لشعبها العظيم ..
ومن نصر الى نصر وإنها لثورة حتى النصر ..

يا ابنةَ القوافي المميّزة بمَرامِها ومَراميها/ فاطمة يوسف ذياب

ردًّا على قصيدة (إِلَيْكِ أَتوبُ غَمامًا/ آمال عوّاد رضوان)

عزيزتي آمال.. "سلامي لكِ مطرًا"
 في ليلةٍ أخيرةٍ مِن عامٍ يتأهّبُ للرّحيل، هذا العامُ الّذي يَشهدُ رعونةَ الزّمنِ في فصولِ الغمام، تقولين: (إلَيْكِ أَتُوبُ غَمَاما)، فتأخذُني حروفُكِ إلى خواءِ زمانِنا المُرّ، حيثُ يتساكبُ عشقًا ووجعًا من بين حروفِ قصيدتِكِ وعريّةِ الفُصول، والمُتعفّرةِ بمَداها الغموضيّ ما بينَ تيهٍ وضياعٍ، وأحاولُ لملمةَ الشّرودِ والمسافاتِ الشّاسعةِ بينَنا، والّتي تُطاردُكِ في انعطافاتِ عطفِكِ اللّا مُتناهي، وعلى إيقاعِ حبّاتِ المطر، تتسربلُني حروفُكِ (المُتسافكةُ) في تَناغُمٍ عاطفيّ، ما بينَ حوّاءَ هنا وخُواءً هناك، وثمّةَ اكثرُ مِن نقطةٍ مُتشاكِسةٍ بخريرٍ حريريِّ المَلمسِ والصّوتِ، يَتغلغلُ بدواخلِنا، يُدغدغُ أبجديّةَ العطفِ والانعطافِ نحوَ مدلولاتٍ لفظيّة، تبدو غائرةً في جوفِ أرضِ ووجدانِ جسدٍ يرنو لروحِهِ المُتواريةِ خلفَ (تعاريجِ ) الضّياع. 
إنّهُ حرفُكِ الّذي ما فتئَ يَحملُني مِن ظلالِ شرودي، كي أنادمَهُ وطنًا مَلَّ اللّهاثَ خلفَ المواعيدِ الّتي شلحتْ ذاتَها، وتَعرّتْ بزيفِ (ورقةِ التوت)، فلا جرعةٌ مِن مَبسَمِ فجرٍ، ولا قطرةٌ تروي ظمأَ الأماني والأحلام. إنّها الأنثى المُندسّةُ تحتَ عباءةِ أرضٍ كانتْ تُدعى (وطنًا)، وظلّتْ تُدعى وطنًا، رغمَ (تذاؤُبٍ) يَعوي، لا بصَمتِهِ بل بوحشيّة، يَقتنصُ كلَّ فرَصِ الحياةِ الّتي يرنو إليها أصغرُ الحملان والأطفال، فهل تتركُ الذّئابُ فرصةً لذاكَ الحُلمِ السّاكنِ في طيّاتِ القصيدة، وتمنحُهُ فرصةَ مداعبةِ حروفِ اللّغةِ، في مجالِها الأنثويّ الرّابضِ بينَ تضاريسِ النّصّ، المُتوثّبُ المُتوهّجُ ببراعةِ الرّؤيا، رغم (أنّات الآهاتِ التّائهة)؟ 
بهذه اللّوحاتِ النّصّيّةِ المُفعمةِ بالصّورِ ذاتِ الدّلالاتِ الشّتّى، تُحاولُ آمال عوّاد رضوان الإنسانة، أن تسكبَ حروفَها المُتوهّجةَ بالآمال، الرّافضةَ للتّيهِ والضّياع، والمُقاومةَ لضبابيّةِ الأحداثِ، حيثُ تُعِدُّ البناءَ المُتشابكَ بينَ خلايا الرّوحِ وأعمدةِ البناءِ الحِسّيّة، لتضعَنا أمامَ تجانسٍ تامٍّ، وكما اعتدْناها دومًا في قصائدِها المُتعدّدةِ، حيثُ يَظلُّ للوطنِ وللأنثى الوجهَ الواحدَ الّذي لا يعرفُ الانفصامَ أبدًا. إنّها الأنثى الرّافضةُ لاجتراحِ اللّحظاتِ اللّازورديّةِ الثّمينةِ، في ظلِّ هذا الصّمتِ المُتعالي  والمُحلّقِ (بمَلكوتِهِ المُجَنّح)، إنّهُ صَمتُ عالَمٍ تآكلتْ فيهِ إنسانيّتُهُ وهُدِرتْ، بل ومُرّغتْ بوحلِ تَذاؤُبِهِ، لتظلّ إنسانيّةً (تقتفي الخيالاتِ) بخطاها المُرتبكةِ، بانتظارِ فرحٍ أو فرَجٍ قد يَحملُهُ لها حلٌّ سِحريّ، أو ربّما معجزةٌ مِنَ السّماء. وحتّى يتمخّضُ الحُلمُ والخيالُ ويَلدُ حلًّا، فإنّ الشاعرة آمال ستظلُّ هكذا تتّكئُ على أنفاس (حرفِها الأعرج)، الّذي قد يصلُ وقد لا يصلُ، لكنّهُ عكّازُها المُتّكَأُ، الّذي من خلالِهِ تُرسلُ نصَّها الإبداعيَّ الطّاغي بعُمقِهِ، الرافضَ لواقعِهِ، والمُتحدّيَ لكلِّ فنونِ أدواتِ القصيدةِ غيرِ العاديّة.
وهل تملكُ آمال عوّاد رضوان غيرَ إبداعِها؟ إنّهُ رسالةٌ رومانسيّةٌ عشقيّةٌ سِحريّةٌ تبدو وتتبدّى، ولكنّها مُفعمةٌ برائحةِ عكّاز النّبي موسى عليه الصّلاة والسّلام، حيثُ نَراها بحركةٍ ذكيّةٍ تخترقُ أفقَ الْما وراء، وبروحيّةٍ عميقةٍ سلِسَةٍ تشُقُّ حجابَ السّماوات، وكما الطفلة تُحاولُ أنْ تتلصلصَ ربّما على عِلمِ الغيْب، بمدلولِ مَن يُريدُ أنْ يَستكشفَهُ قدَرًا، قبلَ أنْ يُصبحَ كذلك.
هذهِ هيَ الصّورةُ الشّائعةُ لحالاتِ مَن فقدَ الحيلةَ فوقَ الأرضِ، وراحَ يَستقدمُ الغيبَ ويرجوهُ، أما مِن أملٍ قادمٍ؟ أما مِن حلٍّ آتٍ؟ هي القصيدةُ الّتي سبقتْ زمانَها في استقراءِ حاضرِها، فمَن منّا لم يَتمنَّ لو أنّه يستكشفُ ما بعدَ البَعْد، أيْ ما بعدَ هذا الّتيهِ والضّياعِ والطّرقِ اللّولبيّةِ، ليرى لونَ ونكهةَ القادمِ مِن خلفِ عتمةِ الواقع؟
هكذا هي آمال الشّاعرة المتجذّرةَ بملكوتِها الشِّعريّ تُخاطبُ الأنثى، فتسكُبُ شِعرَها الصّافيَ، وتعجنُهُ بدقيقِ حاضرِها وماءِ ماضيها، وتستوقفُنا الصّورةُ التّراثيّةُ المُتجذّرةُ بفولكلورها، صورةٌ مُتعمّقةٌ بتوْصيفِهِ وتوظيفِهِ، ومُلازمةٌ متلازمةٌ بحِرفيّةِ أدواتِهِ وأدوارِهِ: العجين، الشّوبك، صفاء الدّقيق، الأقراص، الخبز) .. إذن؟
هو الوطنُ الّذي يُعجَنُ ويُخبَزُ، يُحَمَّرُ ويُقَمَّرُ أقمارًا في فضاءاتٍ أخرى وما زال يُؤكَلُ ويُؤكَلُ، والشّاعرةُ آمال لمّا تزَلْ تُعاقرُهُ بحروفِ أبجديّتِها، مُستلهِمةً مِن تراثٍ مُتجذّرٍ في خاطرِها، تُحاول استقدامَهُ في متاهاتِ خيالاتِها، وفي (خلوةٍ سهاديّةٍ تتلوهُ قصائدَ وادعة)، لتنشرَهُ في نصٍّ أدبيّ، وتطرحَهُ (على عتباتِ المرايا)، بفسيفسائيّةٍ مُنتقاةٍ بأنفاسٍ (تتلاعبُ أرياشُها). 
إنّها الشّاعرة آمال عوّاد رضوان.. تظلُّ مُخلصةً للصّورةِ الحِسّيّةِ الشّموليّةِ، مِن حيثُ البناء المتكامل المتجانس مع واقعِهِ الزّمانكيّ، ليُعاودَها السّؤالُ ذاتُه: كيف؟ كيف تُحلّقُ آمال في وطنٍ مقصوصِ الجَناحيْن، مُثقلٍ بسوداويّةِ واقعِهِ؟
في حالتِها هذه، تشعرُ كما نشعرُ نحنُ أيضًا معها، إنّنا جميعًا (ريشٌ في مهبِّ الرّيح)، تتلاعبُ بنا الصُّدَفُ والخُططُ، وتقذفُنا إلى فضاءاتِ الهباء، لكنّها الشّاعرةُ المُتمسّكةُ بسراجِها اللّغويّ، تطرَحُهُ آمالًا تُضيءُ فضاءاتِها الخاصّةَ والعامّة، لتقولَ بما يُشابهُ القول: كلّما ضاقتْ حَلقاتُها فُرِجَتْ، فبرغم (ارتجافِ عصافيرِ القلب)، تتّقدُ في دواخلِها جذوةُ اللّهبِ، وتنثرُهُ فوقَ ذرى الوطن، تستظلُّهُ رغمَ فصولِ عُريهِ النّاعسِ السّابتِ إلى حدّ الموت.
هي آمال عوّاد رضوان المُفعمةُ دوْمًا بالآمال، تُتقنُ حروفَ القصيدةِ الأخرى المُكتنزةِ بثروةِ لغتِها، والمُرتوية بينابيع جُذورها، تحملُ (بشرى المَسرّة) رغمَ أنفِ الزّمان، لنراها تتواثبُ فوقَ خرائطِ الدّهشة، وبماسيّةِ حروفِها العشقيّةِ تتعمّدُ بقدس القداسة، وتغتسلُ بنورِ قناديلِ العشقِ والهوى، وتراقصُ عزفًا روحيًّا على قيثارةِ فجرٍ تراهُ هي، وقد (يُطوّبُ مَباسمَ المواسم..)
عزيزتي آمال الغارقة بفرادةِ أدواتها..
قد يتوهُ البعضُ عن مَرامي نصِّكِ وما وراءه، لكنّه نصّكِ المخلصُ لواقعِهِ المتشابكِ في تعقيدِهِ حدّ الدّهشة، فكلُّ أنثى في شِعرِكِ وطن، ترسمينَهُ بلوحاتٍ تَخصُّكِ وتخصُّ ريشتك، وإنِ كانت في مهبِّ الرّيح، تظلُّ ريشتُكِ تَقطرُ بحِبرِ الأماني والرّؤى الموغلةِ في العمق.
هكذا وفقط هكذا، من هذا الواقع الزّمنيِ والمكانيّ تنزفينَ الوطنَ قصائدَ أخرى، تُعلّقينَها في متاحفِ النّرجسيّةِ الفوق عاديّة، وبما أنّكِ تفعلينَ هذا لأغلى مِن الأغلى، أراكِ حريصةً على انتقاءِ صُوَرك الشّعريّة مِن جذور الجذور، ومِن الصّور اللغويّةِ الممتلئةِ بتراثيتها، تستنبطين الحرف والصور، وتُجيّرينهما.
ماذا أقول لكِ يا ابنةَ القوافي المميّزة بمَرامِها ومَراميها؟ لقد أشغلَكِ الواقعُ بكلّ تعقيداتِهِ اللحظيّة وغير اللحظيّة، فكان غمسُ الرّيشةِ في فضاءاتِ شعرِكِ يقطرُ بحبرِ أمانيك، إنّه الوطنُ السّاكنُ روحَكِ وقصيدتَكِ، بل أكادُ لا أخطئ إن قلت، إنّ معظم ما رسمتْهُ ريشتُكِ كان نبراسَ حُبٍّ لعتمةِ وطن، ومن رحم الألم يولد الأملُ، سراجيًّا يبدو، لكنّه في خاطرِكِ شمسٌ وشموسٌ.
عزيزتي آمال عواد رضوان: في آخر يوم من عامٍ حزَمَ حقائبَ سفرِهِ ليُغادرَنا، بكلّ ما حملَ لنا وللوطن مِن أوجاع، أراِك وأراني نستقبل العامَ القادم، بإيقاعٍ يتماهى مع عزف الروح، ويتّكئ على سنن الأوّلين، وعلى ما حملته مغازي الإعجاز في خلايا الروح. 
سلامي لك مطرا يُنبتُ لنا غلالًا مِن الآمال. 
(إِلَيْكِ أَتوبُ غَمامًا/ آمال عوّاد رضوان)

وَعِرَةٌ فُصولُ وَقْتِيَ الأَرْعَنَ .. يَمْلؤُها خَواءٌ
يَ تَ سَ ا كَ بُ
يَتعَفَّرُ بِغُموضِ حَوّاء
وفي تَعاريجِ الّتيهِ بِكِ .. أَحْمِلُني ظِلالاً شَارِدَةً
تَتشاسَعُ...
أُطارِدُ مَسافاتِكِ المُتَسافِكَةِ .. في انْعِطافاتِ عَطْفِكِ
وَعَلى إيقاعِ جِهاتِكِ
مُتَماهِيًا بِي .. يُشاكِسُني حَريرُ خَريرِكِ!
*
دُونَكِ.. يُنادِمُني كأْسُ النُّدَمَاء
يَلْهَثُ وَفاءُ المَواعيدِ الجَوْفاء
يَئِنُّ بُسْتانِيَ ظامِئًا
يَعْوي الصَّمْتُ في قَفصِ جُوعِهِ
يَتذاءَبُ.. يَتَوَعَّدُ حُملانَ حَكاياكِ
يَ تَ هَـ جَّ ى .. أَنّاتِ آهاتِيَ التّائِهَةِ!
*
كَيفَ أَجْتَرِحُ لَحَظاتِكِ اللاّزوردِيَّةَ
ومَلَكُوتُ صَمْتِكِ يَعْتَلي عَرْشِيَ المُجَنَّح؟!
أَمْضي إِلَيْكِ ضارِعًا
تُرْبِكُني خُطُواتُ خَيالي .. أَقْتَفي ظِلالَ الفَرَح إِلَيْكِ
أَتَوَكَّأُ عَلى .. أَنْفاسِ حُروفِيَ العَرْجاء
أَيْنَكِ تُرَمِّمينَ قِبَبَ عَتَماتي؟
أَيْنَكِ تُغَبِّطينَ مُهْرَ حَرْفِيَ المَوْلودَ بِكِ؟
*
مِنْ خَلْفِ حِجابِ السَّمَواتِ
نَجْمِي السَّاهي يَتَلَصَّصُ .. يُنَجِّمُ مَناجِمَكِ الجاثِمَةَ بِكُهوفي
يُعَرّي بِزُمُرُّدِ لَحْظِهِ .. ياقوتَكِ الجاثِيَ في ثُرَيّا الفُؤادِ
مَن ذا الأَباحَكِ بي؟
يا خَميرَةَ زَمانِيَ الآثِم
تَعْجِنينَ دَقيقَ حاضِري بِماءِ الماضي
تُسَوِّينَ بَشَوْبَكِ صَفائِكِ أَقْراصَ قُرْباني
تُخَمِّرينَ خُبزَ خَيالاتي بِمَتاهاتِ طُهْرِكِ
وَفي خِلوَةِ سُهْدِي .. أَتْلوني قَصائدَ وَداعَةٍ
عَلى عَتَباتِ مَراياكِ!
دُورِيُّ أَنا مُثْقَلٌ بِفَضائِكِ!
أَسْرابُ أَنفاسِكِ تُلاغِفُ أَرْياشي
تَغْمِسُ شَمْعَ جَناحَيَّ بضَوْءِ شِعْرِكِ النَّدِيِّ
وتُعَشِّشينَ فِراخَ جَمْرٍ بِفُسَيْفِساءِ أُوَيْقاتي
أَيا ريشَةَ شِعْرِيَ الأَخَفَّ مِنْ ريشِ الهَباءِ!
مَا جَدْوايَ مِنْ أَرْياشِ الذَّهَبِ
وَحُجُبُ سَديمِكِ بَتَرَتْ مِنْقارِيَ 
والقَلبُ كَسيرٌ.. أَسيرُ أَثيرِكِ؟
*
كَيْفَ أُحَلِّقُ بِقَلْبِيَ مَقْصوصَ الجَناحِ
إِلى أَسْدافِ قُدْسِكِ؟
كَيْفَ وَعُيونُ حَرْفِيَ المُقَنَّعِ كَفيفةٌ
تَتَوارى في عَتْمَةِ دُواتِكِ؟
*
أَيا إِلهامِيَ الأَضْيَعَ مِنْ سِراجٍ في شَمْسٍ!
أَقْفاصُ صَدْري مَجْبولَةٌ بِطينِ اليَبابِ
كُلَّما لَمْلَمْتِ أَكْوامَ رَحيلِكِ الكافِرِ .. تَرْتَجِفُ عَصافيرُ القَلْبِ
تُوقِدينَ بي جَذْوَةَ اللَّهَبِ
فَاُحْطِبي في حَبْلي وَأَعِينيني .. ولاَ تَحْطِبي عَليَّ وتُهْلِكيني
علَّ تَعْويذَتَكِ تَحُلُّ رِبْقَتي
ولا تُسْبِلي غُرَّةَ الفَقْدِ .. عَلى جَبيني!
*
كَمْ هِيَ وارِفَةٌ فُصولُ وقْتِيَ العاري
حِينَما تَفِرُّ الحُدودُ التَتَشابَحُ
وَتَنْسَلِّينَ مِنْ ظِلالِ الظُّلُماتِ النَّاعِسَةِ
بُشْرَى مَسَرَّةٍ
حينَما تَتَقافَزُ أَيائِلُ روحِكِ
تَسْرَحُ قُطعانُ آمالي في واحةِ بَوْحِي
لأَتَواثَبَ فوْقَ خَرائِطِ الدَّهْشَةِ!
*
مَيَّاسةٌ عَرائسُ فَرحِي بِكِ
حينَما غُصونُ حَرْفي .. تَميدُ بِكِ
حِينَما تَتَبَخْتَرُ بِغَنَجِها .. تَتَمَايَلُ بِدَلالِكِ
تَتَوارَفينَ عُرى لِقاءٍ
حِينَما تَلُفِّينَ بِاخْضِرارِ زَفيرِكِ شِغافَ شَهِيقي
تَشْرَئِبُّ أَعْناقُ العِناقِ مُزاحِمَةً
وَ أَ تَ فَ تَّ تُ .. عَلى أَعْتابِ أَنْفاسِكِ
*
أَرْصِفَةُ الصُّبْحِ تَتعَرّى
حِينَما تَخْلِبُها لَذائذُ الأَلَمِ المُؤَجَّلِ .. في فِخاخِ الانْتِظار
وحُوريَّةُ الأَمْسِ تَسِحُّ .. مِنْ بَيْنِ أَصابعِ المُوسِيقا
تَتَأبَّطُني مَغْمُورَةً بي .. تَطوووفُ.. دااااااائِخَةً
تَحْمِلُ حُلُمي إلى مَعْمورَةِ هَذَياني
هُو الغَدُ يَأْتيني بِكِ .. وَبَعْدَ الغَدِ يَأْتِيني إِلَيْكِ
لِنَتَوَشَّحْ بِفَرْحَةٍ تَهِلُّ ميلادَ أَحِبَّةٍ!
رُحْمَاكِ
هَيِّئيني بِكِ لِقُدْسِ الفَرَحِ
لأَتَقَدَّسَ بِعِطْرِ زُهْدِكِ البَرِّيِّ!
أَدْمَعُ!.. و.. أَدْمَعُ!.. وَ.. أَدْمَعُ! 

مَن ذا يَغْتَسِلُ بِدَمْعِ قَناديلِ هَوايَ إِلاَّكِ؟!
مَن ذا يَبْتَلُّ بِوَهْجِ لَيالِيَّ العَذْراءَ كَماكِ؟!
هيَ ذي تَرانيمي.. إِلَيْكِ تَتوبُ غَمامًا
إعْزِفيني بِشارَةَ حُبٍّ / كِرازةَ لِقاءٍ
عَلى قيثارَةِ الفَجْرِ
عَلَّ بَشاشَةَ الغِبْطَةِ .. تُطَوِّبُ مَباسِمَ مَواسِمي! 

أيام وذكريات/ وفاء القناوى

.....رحلت الأيام والشهور رحلت  وهى تصارع الوجود وتلفظ أنفاسها الأخيرة , رحلت مسرعة بما حملت معها من آلام وسعادة بعد أن أصبحوا ذكريات جميلة ومؤلمة تضاف إلى رصيد ذكرياتنا التى لا يمحوها الزمان , كنا بالأمس نهلل فرحين ونٌعد الكلمات التى سنستقبل بها تلك الأيام ,نتبادل التهانى وأحيانا الهدايا مع الدعوات بأجمل الأمنيات , قد تكون تلك الأ يام جاءت كما تمنى البعض وحَلِم ولكنها أيضا خيبت ظن آخرين , أفرادا انضموا إلينا وأضافوا لنا بوجودهم لحظات سعادة وفرح  وأيضا منهم من أضاف لنا  لحظات ألم , فقدنا ناس كانوا لنا الحياة ورحلوا وأصبح مجرد ذِكر أسمائهم هو فتح جراح لم تندمل , وكعادتها الأيام الجميلة ترحل سريعة بكل خفة ورشاقة  ,أما الأيام المؤلمة فهى كالسلحفاة تسير متثاقلة و ببطئ  كأنها لا تريد الرحيل تتثائب معلنة الإعجاب بصٌحْبتنا  فلا هى ترحل ولا هى تتغير من أجلنا , هِىَ هِىَ الأيام واحدة ولكن إحساسنا هو ما يٌضفى عليها  من ألوان الفرحة والبهجة والحزن والسواد, مشاعرنا هى التى تحكمها وتفرض عليها سيطرتها ويكون لها الكلمة الأولى والأخيرة .

أيام تتساقط من عمرنا كما تتساقط أوراق الشجر وإن كانت بعض الأشجار تعود مرة أخرى للحياة بعد تساقط أوراقها إلا أننا لا نعود بعد رحيل أيامنا وعمرنا , حياة واحدة فقط كُتبت لنا فهل نستعد لها ونحفر آثارنا بدقة حتى لا تمحوها رياح الحياة وتقلباتها ونصبح ذكرى طيبة لمن حولنا ؟ وقبل أن ترحل هذه الأيام وتلك السنة وقبل أن تهل علينا سنة جديدة ندعو الله عز وجل أن يكون القادم أفضل لنا ولمن حولنا أن لا نكون مفقودين ولا فاقدين وأن تهل علينا تلك الأيام بسلام وترحل بسلام .


حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (هـ)/ أ. .د‮. ‬حسيب شحادة

جامعة هلسنكي


استوقفتني‮ ‬خلال مطالعاتي الدؤوبة. حِكم وأقوال وأمثال، وآراء وطرائفُ كثيرة جدّا، وارتأيت أن أنشرها، علّها تعود ببعض الفائدة الفكرية والروحية، إضافة إلى ما في‮ ‬بعضها، على الأقلّ‮، ‬من التسلية ومن روح الدُّعابة ومن حافز لشحذ الذهن‮. ‬إذ أنّنا نعتقد أن إشاعة الثقافة الجادّة، وتقديمَ كلّ‮ ‬جديد ومفيد وممتع، هما مَهمّة شِبه مقدّسة ملقاة عـلى كاهل كلّ‮ ‬مثقّف‮ ملتزم. ‬كنت قد نشرت نُتَفًا من هذه الجُمل في منابرَ مختلفة على الشبكة العنكبوتية، كما أن زُهاءَ  عشرين حلقةً منها كانت قد أُذيعت عبرَ مذياع صوت ابن فضلان في هلسنكي، في ركن الثقافة والفكر، في أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الحالي.

❊ ‬لوِ اعتبر من تأخّر بمَن تقدّم، لم‮ ‬يكن مَن‮ ‬يتحسّرُ في‮ ‬الناس.‬
❊ ‬أربعٌ لا‮ ‬يشبعن من أربع‮: ‬أرضٌ من مطَر،‮ ‬وأُنثى من ذكَر، وعين من نظَر، وعالِم من علْم‮. 
❊ ‬كلّ‮ ‬عضو لا‮ ‬يؤدّي‮ ‬وظيفتَه‮ ‬يندرِسُ.
❊ ‬الثومُ لا‮ ‬يفقِدُ رائحتَه، حتّى لو‮ ‬غُسِل بماء الورْد.
‮❊ ‬لا أحدَ بسيفِ سواهُ‮ ‬ينتصر.
‮❊ ‬إنْ راقبتَ‮ ‬الإناءَ‮ ‬حتّى‮ ‬يَغلي،‮ ‬فلن‮ ‬يغلي‮ ‬أبدا.
‮❊ ‬إنّ‮ ‬طالبَ‮ ‬العسل، لا‮ ‬يُبالي‮ ‬بلَدغ‮ ‬النَّحْل.
❊ ‬هزّ‮ُ ‬المشمشةِ الفجّة تعبٌ، بلا فائدة‮. ‬
‮❊ ‬ويلٌ‮ ‬لعالٍ‮ ‬أُمِر من سافله، وعالم شيء من جاهله.
‮❊ ‬الذِّكْريات صدى السنين الحاكي.
‮❊ ‬من‮ ‬يضحَكُ أخيرًا،‮ ‬يضحك طويلا.
‮❊ ‬قالوا لسُقْراط‮ (٩٦٤-٩٩٣ ق.م.) ‬يوما‮: "‬إنّ‮ ‬بعضَ‮ ‬الناسِ‮ ‬يَهجونك هَجوًا فاحشًا‮"؛ ‬فأجاب‮: "‬وماذا‮ ‬يعنيني‮ ‬هذا،‮ ‬دَعوهم‮ ‬يهجونني‮ ‬بل دعوهم‮ ‬يضرِبونني‮ ‬ما دُمْت بعيدًا عنهم‮". ‬
‮❊ ‬لو كان الصعتر‮ ‬يُفتّحُ الذِّهْنَ، كانت دابّتُنا صارت ملفانة، أي‮ ‬دكتورة في‮ ‬اللاهوت‮. ‬
‮❊ ‬عندما‮ ‬يشتدُّ الضيقُ،‮ ‬يقرُب الفرَج‮.
❊ ‬إنّ‮ ‬اليد التي‮ ‬تسفُِك الدِّماءَ، لا تزرَع القمح.
‮❊ الضِّحْك هو المُسكِّن الوحيدُ، ولا أعراضَ جانبيةً له.‮
❊ ‬إنّ‮َ ‬البئْرَ إذا لم تنزَح ذهبَ ماؤها.
‮❊ ‬التاريخ خزّانُ التجارب البشرية.
‮❊ ‬من أين‮ ‬يأتي‮ ‬الإنسانُ برَوَقان البال؟
‮❊ ‬إن المآزقَ تخلُق العبقرية.
‮❊ ‬لكلِّ شيء، إذا ما تمّ،‮ ‬نُقْصان.
❊ ‬كلُّ طريق‮ٍ، ‬يؤدّي‮ ‬حتمًا إلى طريق.
‮❊ ‬من الصخر الصّلْب، قد‮ ‬يتفجّرُ الماءُ العذْب.
‮❊ ‬الذكرى ناقوس‮ٌ، ‬يُقرَع في‮ ‬عالِم النسيان.
‮❊ ‬الماءُ إذا سكَن أسِن.
❊ وبِّخِ العاقلَ يزداد حِكمةً، وبِّخِ الجــــاهلَ يزداد جَهالة..
❊ تُريدينَ لُقيانَ المَعالي رخيصةً              
ولا بدّ دون الشهْدِ من إبَرِ النحْل. 
‮❊ ‬العينُ التي‮ ‬لا تبْكي‮، ‬لا تُبصِر في‮ ‬الواقع شيئا.
‮❊ ‬لا‮ ‬يُقرقع في‮ ‬الدِّسْت، إلا العَظْم.
‬❊ التوتّر يكون عندما تفكّر بما عليك أن تكون؛ الاسترْخاء معناه قَبولُ ما أنت عليه.
❊ الوِعاء وحدَه، لا يكفُل لك نوعَ الشَّراب.
‮❊ ‬الضرباتُ القوية تُهشّمُ‮ ‬الزُّجاجَ، لكنّها تصقُل الحديد.
❊  ذاب الثلْج، وبان المرْج.
❊ يسخَر من الجروح، كلُّ من لا يعرِف الألم.
❊ لا تُحاربْ غِرًّا صغيرا، لا يملِك شيئًا يخسَرُه.
❊ لا تبحَثْ عنِ الأخطاء، ولكنِ ابحثْ عنِ العِلاج.
❊ لا شيءَ يتغيّر، بل نحن الذين نتغيّر.
‮❊ ‬تركُ‮ ‬الذَّنْب، أيسرُ‮ ‬من طلَبِ التوْبة.
‮❊ ‬أحيانًا تأتيك ألذّ‮ُ ‬الأطباق، في‮ ‬غِلاف لا‮ ‬يثيرُ الاهتمام.
❊ خطِّطْ من أجل الغدِ، ولكنْ عِشْ يومَك.
‮❊ ‬إسألوا الظروفَ، لا تسألوا الناس‮!‬
‮❊ ‬لا تدْخُلنّ‮ ‬بين العصا ولِحائها.
❊ خُلق الناسُ من أجل بعضِهم البعض.
‮❊ ‬منِ اشترى ما لا‮ ‬يحتاجُ إليه، باع ما‮ ‬يحتاجُ إليه.
‮❊ ‬الكلّ‮ ‬غارقٌ في‮ ‬الوحْل، والبعضُ‮ ‬ينظُر إلى النُّجوم.
‮❊ ‬الأقاربُ‮ ‬والدواءُ،‮ ‬تحتاجُ إليهما في‮ ‬اليوم العسير‮. ‬
‮❊ ‬لم أجِد أطيبَ‮ ‬منَ العافية، ولا أمرّ‮ ‬من الحاجة إلى الناس.
‮❊ ‬أنا الغريقُ، فما خوفي‮ ‬من البَلَل.
‮❊ ‬إنَّ الانفتاحَ بلا خوفٍ، كمن‮ ‬يفتَح بيتَه للعاصفة.
‮❊ ‬لولا رحمةُ النِّسيان بالبَشَر، لانفجروا أو ماتوا.
‮❊ ‬قيراطُ حظٍّ، ولا فدّان شطارة‮.‬
‮❊ ‬الرزقُ‮ ‬يسعى إلى مَن ليس‮ ‬يطلُبه
وطالبُ الرزقِ‮ ‬يسعى وهو مَحْروم
‮❊ ‬لولا دمُ الكَرْمة، لما دبّتِ الحرارةُ في‮ ‬عُروق الربيع‮.‬
❊ ‬اشتدّي‮ ‬أزمة تنفرجي
ما بعد العُسر سِوى الفرَج
‮❊ ‬دوامُ الحالِ من المُحال.
‮❊ ‬حتّى عندَ مُجرّد تحليق فراشة، تكون السماءُ بكاملها ضَروريّة.
❊ ‬المَعِدةُ أصلُ الداء، والحِمْية أصلُ الدواء.
‮❊ ‬ليس كلُّ ما‮ ‬يُعرَف‮ ‬يُقال. 
❊ ‬كلُّ‮ ‬كمينٍ، قمينٌ بالظُّهور.
‮❊ ‬لا‮ ‬يعرِف قَدْرَ الصحّة إلا المرْضى.
‮❊ ‬سِراجُ الجسد هو العينُ.
‮❊ ‬إنَّ أصعبَ شيءٍ على الإطلاق، هو مواجهةُ الذاكرة بواقعٍ مناقِض لها.
❊ ‬مَن تعجَّل الشيءَ قبلَ أوانه، عوقبَ بحِرْمانه.
‮❊ ‬لا شيءَ آتٍ‮ ‬إلا الشتاء بعدَ الخريف.

من شَبَ على شيءٍ شابٓ عليه… حماس والمسيحية / رائف حسين‬

منذ يومين قام عدد غفير من اخواتنا واخواننا الشرفاء في شرقنا الاوسطي وخصوصاً من ابناء شعبنا الفلسطيني بالتعبير عن استياءهم وسخطهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة على استعمال فضائية الأقصى، المحسوبة على حركة حماس، بشريطها الإخباري عبارة " الجاليه المسيحية" واصفه بها ابناء الشعب الفلسطيني من ملة نبينا عيسى عليه السلام… 

البعض اعتبرها زلة لسان وخطأ صغير … وشريحة اخرى لم ترى ان الامر يحتاج اصلاً الى تعليق او اهتمام… الفئة الاخرى، من تيارات الخصوم السياسيه، استعملت هذا الانزلاق الإعلامي، الخطير برأيي، منصة لفتح مدافع النقد اللاذع ضد حماس، الخصم السياسي الذي اصبح بعيون قسط كبير من هذه الفئة بمثابة العدو الاول قبل الاحتلال، وكما هو ايضا بالعكس… هذا الخصم السياسي تعتبره أوساطاً حمساوية بالعدو الأخطر … 

بتواضع أقول لهولاء ان مثل هذا الانزلاق الأيدولوجي الذي من شانه ان يخلق تصدع اجتماعي كبير داخل صفوف الشعب الفلسطيني، لا يمكن تجاهله وهو برايي ايضاً ليس بزلة لسان او سقطة عابره، كما تسائل البعض، إنما هي ترسبات أيدولوجية، سأظهر لكم جذورها بالأسطر القادمة… ولكن هذا الامر ورغم خطورته وجديته لا ينفع ذخيرة لقصف الخصم السياسي … امور أساسيه تتعلق بوحدانية الشعب الفلسطيني وتكويناته العقائدية والاجتماعيه لا يمكن جرها الى حلبة التراشقات الاعلاميه بين الفصائل … فحذاري اخوتي في حركة فتح، ان تُخْرجوا المارد الطائفي من قممه… اعطوا الامور قسطها من الاهتمام، لكن لا تجعلوها شباك اخر مفتوح للتدخل الخارجي بالشأن الفلسطيني … انتم بفتح وحماس كنت وما زلتم سبب الانقسام البغيض الذي فتح الباب على مصراعيه لتدخلات عربيه واجنبية بالشأن الفلسطيني لترسيخ هذا الانقسام السرطاني الذي ما زال شعبنا الفلسطيني يدفع ثمنه غاليا .

تعبير الجاليه المسيحية كوصف لقسم من ابناء الشعب الفلسطيني من ملة نبينا عيسى عليه السلام يحمل في طياته سذاجة وسخافة الصحفي المؤدلج من ناحية، وهو ناقوس خطر يدق عاليا ليسمعه القاصي والداني ليفيقوا جميعهم من سباتهم السياسي، من ناحية اخرى …كما وأنه تعبير صارخ مقيت عن تربيه فصائليه عقائدية انتقائية عنصريه تراكميه أصبحت مع الوقت جزء من الهوية السياسيه المسيطرة لهذا التيار. 
هذه ليست المرة الاولى التي تكشف لنا حركة حماس عن نبض قلبها الايدلوجي المتأسلم … ولن تكن المرة الاخيرة، وانا على يقين تام من هذا… لذا وجب ان نقف لمثل هذه الانزلاقات بالمرصاد. 

بعد السبت يأتي الأحد !
هذا احدى الشعارات التي كتبتها عناصر من حماس على جدران بيوت المسيحيين الفلسطينيين خلال الانتفاضه الاولى … هذا الشعار الذي يظهر لنا العمى الايدلوجي لهؤلاء سوف يبقى وصمة عار في تاريخ حركة حماس … والتاريخ اخوتي لا يرحم ولا ينسى. 

شبان حركة الاخوان المسلمين في فلسطين تأدلجوا على العنصرية الطائفية وعلى العنجهية الدينية والتعصبية المتأسلمه منذ نعومة اضافر حركة حماس في الانتفاضة الفلسطينيه الاولى وتم ترسيخها في وثيقة الحركة التي ما زالت سارية للمفعول دون تعديل او تصحيح … 
شعارات مثل " الاسلام هو الحل" , " الاسلام هو طريق العودة" , " ارضنا اسلاميه، هذه هي الهويه" , " ثوره ثورة عالمحتل، غير المصحف ما في حل" , و " القرآن هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" … هذه شعارات الحركة التي كان الشبان الحمساويين يرددونها في اعتصاماتهم ومظاهراتهم وبعد صلاتهم وفِي كتاباتهم على الجدران في الضفه والقطاع خلال سنوات الانتفاضة الاولى… هذا ما زرعه الاخواني الحمساوي في بدايته واكمل هذا المشوار العنصري، مَن انشق عنهم لاحقا من تيارات سلفيه في قطاع غزة وأضمر النار في الكنائس هناك …وهذا ما نحصده اليوم من قناة الأقصى … من شب على شيء شاب عليه ! 

اخوتي في حركة حماس، انا اعرف ان اكثرية ساحقة منكم، جذورها فلسطينيه اصيله وفِي شرايينكم تجري دماءاً فلسطينيه حمراء ساطعه كشقائق النعمان في جبال الجليل … لا تتركوا ساحتكم وفصيلكم لتيار الاخوان الناقم… انتم اولا فلسطينيون وثانياً عرب قحطانيون وأخيرا انتم مسلمون من ملة الرسول العظيم محمد صلعم.

الاخوان الذين كشفوا عن وجههم الحقيقي في مصر وتونس وسوريا، هذا الوجه المعادي للعروبة والقوميه والوطنية كان دخيلا على اوطاننا، مزورا للإسلام دين الرحمة والتسامح، مأجوراً لتخريب الوطن العربي وأمة عيسى ومحمد، اصبح منبوذاً عارياً … فهل تفقهون؟ 
انتم في حركة حماس لم تعودوا صبياناً طائشون كما كنتم في سنواتكم الاولى … الان اصبحتم في الثلاثين من العمر … عمر الوعي الكامل … نظفوا عقولكم وحركتكم وصفوفكم من شوائب الاخوانية الدخيلة … اسمعوا الى صوت البصيرة المنفتح في صفوفكم … اسمعوا الى الدكتور احمد يوسف وامثاله … تحرروا من تيار الاخوان المزور لفلسطينيتكم وعودوا الى حضن فلسطين الى رحم الوطنيه … اضربوا بسيف شعب فلسطين وارموا بسيف الاخوان على مزبلة التاريخ .

شعب فلسطين، يا اخوتي في فضائية الأقصى وفِي حركة حماس يفتخر بأبناءه من ملة سيدنا المسيح عليه السلام… شعب فلسطين يفتخر بالمفكر القائد نايف حواتمه اطال الله عمره ويعتز بسينديانة القوميه الوطنيه الدكتور جورج حبش والقائد العصامي طلعت يعقوب رحمهم الله… شعب فلسطين يزين تاريخه بالقادة الجبارين، بزيوتونات الصمود الرفاق أميل حبيبي وأميل توما وتوفيق زياد الذين روى دمهم الطاهر ارض الجليل المغتصب … ابناء شعبنا الفلسطيني يفتخرون بابنهم المرحوم البروفسور ادوارد سعيد ويعتزون بابن فلسطين البار البروفسور ايليا زريق وثلة كبيرة من أمثالهم… فلسطين شعباً وقيادة تنحني إجلالا لحامي القدس والأقصى الحقيقي المطران حنا عطا الله .

عليكم اخوتي في حركة حماس ان تعوا وتدركوا ايضاً بان التاريخ لا يزور بالدعاية والعنجهيه الاعلاميه… التاريخ ذاكرة الشعوب ولا يمكن حجب ضوءه الساطع بغربال … تاريخ النضال الفلسطيني المقاوم الحديث بدأ في قرية عيلبون المسيحية في ارض الجليل الطاهرة عندما كان الاخوان في فلسطين منشغلون في بناء المساجد وفتح مدارس تحفيظ القرأن مبتعدين عن النضال ضد المحتل المغتصب… حتى فقتم من سباتكم الايدلوجي بعد أربعين عام.
وفِي النهاية لا بد ان اذكركم في حركة حماس وفِي فضائية الأقصى بان نحن الفلسطينيون القابضون على الجمر في الداخل الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب … نحن أيقونة الصمود والتحدي منذ سبعون عام ونيف… نحن ندين بحياتنا للكنيسه التي ولدنا في مستشفياتها بالناصرة وتعلمنا وتخرجنا من مدارسها وتتلمذنا الوطنيه على يد ابناءها الذين رفعوا راية الوطنيه والصمود على ارض اجدادنا منذ اليوم الاول لاغتصاب فلسطين.
الاعتذار عن الخطأ المشين بحق اخوتنا الفلسطينين من ملة سيدنا عيسى عليه السلام لا يمكن ان يتم بجمله باعلامكم المؤدلج … اثبتوا لنا ان سيفكم فلسطيني وهمكم فلسطين وشعب فلسطين … كل شعب فلسطين… ارفعوا الصليب على بيوتكم ومراكزكم وبسياراتكم ومكاتبكم الى جانب الهلال … ولا تنسوا ان ابناء فلسطين من المسيحيين لا يحتاجون الى صك غفران حمساوي لإثبات فلسطينيتهم … هم ليس تاج راس الشعب الفلسطيني فقط… هم زمرد التاج . 

تكثيف الأيقاع السردي في القصص القصيرة جدا لدى الأديبةنهى الموسوي/ نزار حنا الديراني

فنّ القصّة القصيرة جدًّا من الفنون السّردية، التي  يحاول كاتبها تقديم نصٍّ سرديٍّ مكتنزٍ بعدد قليل من الأسطر وبشكل دلالي مكثّف، من خلال توظيفه لعناصر القصّ، من شخصيّات وأحداث وحبكة ضمن زمان ومكان محدّدين،  تثير لدى القارئ تأويلات تتمثّل في اكتشاف الذّات والوعي بالآخر؛ حيث يحاول الكاتب إبرازها بوعي ليعيش المتلقي حالة الشّخصيّة الواردة في القصّة، ليختبر شعوره ويعيش حالته النفسيّة،...
ومن بين كتّابها الكاتبة اللبنانية المتألقة نهى الموسوي والتي تحاول في قصصها توظيف تكنيك خاصّ في الشّكل والبناء، لما تمتاز به من مهارة في سبك اللغة واختزال الحدث المروي بأقل ما يمكن من الجمل المعبّرة عن الموضوع، كي تثير الإدهاش والرّوعة الفنيّة لدى المتلقي ... 
منذ الوهلة الأولى تثير عنونة قصصها الرّغبة في اقتحام أغوار نصوصها القصصيّة والولوج في أعماقها كما في ( طفلة في قعر النّار، برقه كاذب... ، خيـــوط النعاس.. ، غرباء في أعياد المدينة ، حلم طفلة، غفوة الجسد ، طريق ذات عودة ، في الأرض القاحلة لا تخصب النبوءات، ساكنة في لاوعيه ،  ...)
إذ يمكن للمتلقي أن يتكشف وجود الآخر وعلاقته بالذّات  بدءً من العتبة الاولى (العنوان ) ومن ثمّ عبر مداخل بنيويّة جماليّة تشكّل في مجملها البنية الفنية العامّة كاختيار الرّاوي/ السارد وطبيعة بناء الحدث القصصي، ومن ثم تشكيل المكان والشخصيّات وبشكل ضمني. 
فقد اختارت القاصّة نهى عناوين قصصها بدقّة  وحمّلتها دلالت كاشفة تظهر مدى اهتمام القاصة بقضية الذات في علاقتها بالآخر ( الرجل ) ، حيث تحاول تحديد الفكرة أولًا ومن ثمّ تقوم بمعالجتها "من خلال أحداث مركّزة تتدفّق عبر جمل سرديّة معيّنة ، ضمن قالب زمني متسلسل .
وما يؤهلها للخوض في تجربتها هذه هو ما تملكه من مخزون إجتماعي ولغة تمتلك انزياحاتها التأويليّة، لاعتمادها في أكثر الأحيان على لغة شعريّة تؤهلها المحافظة على توازن البناء السّردي في القصة.
فهذه الانزياحات هي التي قادتها للتّأويل عن الدلالة للواقع الحقيقي الذي تعيشه . فنجحت في اقتناص اللّحظات الومضيّة العابرة قبل تلاشيها‏، لتثبتها في مخيلة القارئ نصًّا مكثّفًا بشاعريّة تكشف عن إشعاعها الدّلالي في أكثر من اتّجاه .
ففي قصتها (طفلة في قعر النّار ) تستخدم جملًا ذات تكثيف عالٍ من خلال استخدامها مشاهد صوريّة جميلة كقولها ( كانت تبادل الزّهرة أول الغرام، وتغازل ضلع الفجر لهفة لهفة، و ترسم من مهرجان الأطفال ظلّاً ... ) هنا  تبني المقطع السّردي على سيل من الجمل السردية المتوالية والمتعاقبة والتي تساهم في تحبيك قصّتها لتصل الى البؤرة فتقول ( حاولت أن تكون في دفتر الزمان أنثى عشق .. فخانتها العتمة بين مقدّس وعيب...وطالبوها أن تواري سوءتها... فأسقطوها طفلة في قعر النّار ) ومن ثم تفصح الكاتبة عن النهاية المأساوية لبطلتها بسبب الواقع الإجتماعي المؤلم الذي يفرضه المجتمع على المرأة من خلال تقرير مصيرها ( وزوّجوها لتابوت أزلي...حتى صارت ثوباً عتيقاً مشنوقاً على مجزرة التقاليد )
نجد الكاتبة في قصّتها هذه وغيرها من القصص القصيرة جدًّا ارتكزت في البداية على صيغة الأفعال المضارعة ( تتبادل ، تغازل ، ترسم  ) تمنح قصتها بعدًا حركيًّا فيه حيوية وقوة. ومن ثم تعود لأستخدام الفعل الماضي (حاولت ، خانتها ، طالبوها ، أسقطوها ) لتوحي لنا بإفرازات الماضي المُثقل بالعادات والتّقاليد ومحاولتها للتّخلص من ثقله ممّا يجذب القارئ كونه يشعر وكأنه يعيش حكاية ماثلة أمامه. فالأفعال المضارعة تمنح القصّة الحركة والزمن والأفعال الماضية تكشف عن التركة الثقيلة التي تركتها العادات على كاهل المرأة.
إلا أنّها في قصّتها خيـــوط النّعاس .. والتي تقول فيها ( على مصطبة أودعت أنوثتها عشرين عاماً...فذبلت أوراقها في قبو الغياب...وطوت صفحات في أقباء النسيان.... هبّت ريح نثرت عطررجل ...هزّها صهيل الشوق ...وسحب خيـــوط النعاس.. وأعاد لجســـدها نسغ الحياة ) تعيش في زمن الماضي وحده، لتفرز لنا ثقل تركاته على المرأة، وتدعونا للتّمرد عليه لنعيش حاضرنا . 
وفي قصتها (دعاء ) أستخدمت عدد كبير من الأفعال بصيغ متنوعة  ماضٍ ومضارع ونهي وأمر (...فاح دعاء ...فتنشقت بخورًا يدعوها...لا تخافي ... افتحي هذه النّافذة ...قالت أخاف من صدأ الإفريز ...ردّد الصوت افتحي ...فكي القيود وابحثي عن طاقة نور...واستسلمي ...لترانيمِ العشق...) لتعطي لقصتها ديمومة ومحاكاة للواقع بشكل مباشر. حيث استعانت القاصة بالقلق التي تعيشه والصراع الذي يلازمها بين البقاء على الماضي أو الأنتقال الى حاضر لا بد من تغييره،  لتوضيح رؤيتها للحياة ، والانتصار لها.
إنها تسعى في قصصها تلك، تحقيق قدر من المتعة الفنيّة عن طريق انكشاف الذّات والتي هي في الوقت نفسه "أنا" القاريء التي تشتاق دومًا إلى التّعرّف على لحظات القلق ومواقف التّحدي التي يتعرّض لها الآخر ( المرأة ) في مجتمعاتنا الشّرقيّة التي تواجه  أزمة إنسانيّة ،  لا تستطيع المرأة  التّصدّي لها بسبب العادات والتّقاليد، مما يؤدي بالأنثى  تذبل أوراقها في سن متقدم من مسيرتها لذا ختمت قصّتها بما يتوافق مع نظرة مجتمعها ، فيجب أن تصادر من قبل رجل كي يعيد لأوراقها الحياة .
وقصّتها ( برقه كاذب ...) تتميّز بالبنية السّرديّة ..كونها تنطوي على مكوناتها التي تنحصر في راو يقصّ لنا الحكاية (رجل يتكيء على ذراعه، تجرُّه شهوة سحرها... يسألها : من أنتِ؟ تردّ: أنا الطالعة من أغوار اهملها الطلاء ... الملاصقة لميتات الوحدة... المتيممة برهيف القصيدة ...) وحدَثْ (هذا الأمل برقه كاذب... تخرج صبية من أصداف الماء......ضباب يزوغل عينيها.. تشدّ وتر المسافات...) وشخصية زمكانية مع ضربة مفاجئة في نهايتها تكشف عن عملية أغتيالها وما تعقبه من مأساة ... (... ويغتال ثغرها حتى أصبح الياسمين في الضلع أنين... وتلاشى في الضباب بعد أن خذلَ أحلام قصيدتها... ومضت كمأة تنتظر رجفة البرق..) وبهذه المقوّمات تشكّل لديها نصًّا متحرّكًا يعتمد على لغة شعريّة تتطلّب موهبة ومخزونًا معرفيًّا وخيالًا ابداعيًّا خصبا.
ونظرا لدخول الحكاية كمكوّن أساسي في بناء القصة السردية، فإن الحوار يأخذ حيّزا مهمًّا في قصصها ، وبشكل مكثف وقصير كي لا  يضعف الفعل القصصي لديها ، وهو الذي يولد الحركة والحيوية في النص لذا نجد القاصة تركز كثيرا على الحكاية والتي هي من المقومات الأساسية في فن القصة وبأسلوبٍ شيّقٍ غير مملٍّ من خلال مشاهد حواريّة منحت القصة الحركة والحيويّة والواقعيّة وبشكل مكثف وأحيانا يكون السبب في ظم هذه القصص الى فن القصة القصيرة لوجود أسهاب في الحكاية كما في قصتها (عتاب ) :
(...نظر اليها قال لها :ما أشدّ الوجع الذي يحتاج إلى جرعة كبيرة من فقدان الشعور كي يواجه الحقيقة ...! نظرت اليه بشفقة...وبقيت صامتة سقطت ورقته وكان علينا أن نتكلم ... ) 
إلا أن الحوار هنا كان عنصرًا إيجابيًّا في تصوير الصراع العاطفي و الحالة النّفسيّة التي تكشف عن معاناة الإنسان كنتيجة لاتخاذه قرارًا متسرّعًا فيعيش في دوّامة الصراع.
( ... تدفّق بطيء مكتسح بالخوف والقلق... في داخله وجعان : :وجع يُسكّنه الدّواء ،و وجع مكتسح بالنّدم ...) كي يعود الى نقطة ما قبل الفراق ... فيختلط الندم بالرغبة والكبرياء (  وحدي رأيت الحواس تتّجه نحوي في نزق خبييء . وقميصه يرتعش على أغصان الرّجاء ... في هذه الكأس الدّاكنة ،أودية ماؤها يهتف للجسد أمطرني توبة ،أخاف من عتمة الأسئلة ...  ) قصص كهذه هي صورة للعديد من الحالات التي تحدث في يومنا كنتيجة للتسرع في الحكم على الآخر .... 
إلا اني أرى أنّ هذا النصّ ، تنقصه ضربة مفاجئة في نهايته يكشف لنا عن حدث ومضويٍّ مكتمل، يشير ولا يصرح... حتى يصير النص قصة قصيرة جدًّا، وصدمة النهاية هي من أبرز ما تمتاز به القصة القصيرة جدّا. 
فالقصّة القصيرة جداً لا تستغني عن الحدث ولكنّها تحيل إليه، ولا تتخلّص من الشّخصيّة ولكنّها قد ترمز إليها، ولا تستبعد الزمن ولكنّها قد تضمره ، فبلاغة القصّة القصيرة جداً هي التّكثيف ووسيلتها في ذلك اللغة.
وهكذا في قصتها (في الأرض القاحلة لا تخصب النبوءات) والتي تعالج فيها من خلال سيل من الجمل السردية المفهوم الخاطئ للتدين والذي يكون السبب في صراعاتنا ومآسينا وبطريقة ذكية تقول (... أنصب عمود الدين الملفوف بالميزان... سقط الفتى ... صاحت العجوز الثرثارة بالعة المحكمة وآكلة خبز القربان يحيا الدين... انحنى الإله اعتذراً وقال في الأرض القاحلة لا تخصب النبوءات إنه رعد القرون المتآكلة ) وهذه أيضا تعتبر من القصص القصيرة ...
أما فيما يخص البناء الشكلي لقصصها القصيرة جدا نجد نصوصها القصيرة تبنى على مرتكزات رئيسية مهمة تميزها عن القصة الطويلة والمتوسطة الطول، وذلك من خلال براعة القاصة في الإختزال والتّكثيف في الحدث السّردي من خلال الاكتفاء بأقلّ ما يمكن من الشّخصيّات، وزمكانيّة مقننة، إذ أنها تقفز مباشرة الى الحدث المركزي بعد عرضها لمشاهد قصيرة يوفّرها لها ذلك المركز لخلق أجواء القصة. إذ أنها تعتمد على حبكة بسيطة في فضاء زمكاني مختزل .
فنصوصها القصصية تكون غنيّة بإشراقات تسلّط الضّوء على دلالات الحدث ، فإنّه بطبيعة تشكّله الفنّي يُثبِت في طبيعة تكشف الذات أمام نفسها وإنبهارها  لترينا ما غرسته العادات البالية في مجتمعاتنا الشّرقية والتي جعلت من الرجل سيدا على المرأة ... 
القاصة نهى الموسوي تكتب بأسلوب أدبيّ شيّق، تصوّر فيه إحباطات الإنسان وهمومه الكثيرة، وأفراحه الصغيرة، لتدعونا من خلال نصوصها القصصية والتي تزهو بفنيّتها وقدرتها على التّعبير السردي المحمّل بحوارات مكتملة وموجزة . للتّضامن مع همّ الإنسان و صراعه مع قيود زمنه ...

إنّ الكاتبة كغيرها من النّساء لا تزال في بحثها المستمر عن أناها التي ضاعت مع حلمها المفقود .... عن ذاتها المتشظية والتي تمثّل ذاتّ كلّ إمرأةٍ شرقيّة، وهي تسعى بجديّة الى فهم كنّه حياتِها الممزّقة، لذا تراها تتأرجح بين الوهم الحلمي والحقيقة الواقعيّة. وهذا ما تجسّده قصتها (حلم طفلة ) :
( ...! طفلة خرجت من بين الرّكام ...تلملم يسير أمانيها من تحت الأحقاد...تهرب خائفة تدمدم ... )
القاصة تنطلق من رؤية خاصة للعالم قائمة على الرؤية الحلمية، والتي ترتكز بدورها على الهروب من عالم الواقع والحقيقة الزائفة (وإذا سألت ربي فهو يهدين...) إلى عالم الأحلام المثالية للتلذذ بالسعادة المنشودة عبر فعل التخييل البلاغي، والإسترسال السردي (...تركض وتجمع أكوام الحطب ومن بين الرّكام تلمح زهرة ...فتقطفها وتهرب...وتضعها في معبد ...على ضريح الطفل المظلوم ...) وتقوم ببناء عالمها الوهمي من خلال (...تتذكر جدّتها وقصص ندور البخور وأغنية فيروز ...) فتقيم تصوراتها على أنقاض مأساوية الواقع المترنح بالكآبة واليأس والملل والسأم القاتل (... وكبرت الطفلة وما زال المشهد لون دم طري وما زالت الطفلة تبحث عن ولي جديد يعيد لأطفال وطنها مواويل شجر الدفلى والطيّون ...)
وهكذا في قصص أخرى حيث تنتقل الكاتبة من ذاتها الأنويّة البؤريّة إلى الرؤية الفجائعيّة السّوداويّة عبر رصد مشاكل المرأة تشخيصَا وإنتقادًا لمجتمعها الذي لا يزال الآخر يطاردها بسيل من أسئلته ( أين كنت ؟ ماذا كنت تفعلين و؟؟؟) وكما في قصتها (حكاية غاليانو ) وهي قصة ربما حقيقية فكانت معالجتها بطريقة ذكيّة وسريعة كالبرق الذي يأتي من السّماء ويصيب الهدف بدقة (أنتِ ؟! “نعم !!! أين كنت طيلة هذه الايّام؟ فتجيبه: في الظل الساكن في لا وعيك وهو يجلد جثامين عمرك بالنسيان )
ومن خلال كل ذلك توجه القارئ للثورة على هذا الواقع المأساوي والذي يدفع ثمنه لا المرأة وحدها بل حتى الطفل مما يدعوها الى دق ناقوس الخطر في قصتها الجميلة جداً (بندقية) :
( في تلك البلاد المفتوحة على كل الرياح الهوجاء ، والعدو أكوام أحقاد باردة ، قدم الوالد لابنه في عيد ميلاده دراجة ... رمى الهدية ، كان ينتظر بندقيّة.... ربت الوالد على كتف صغيره وابتسم مقبّلًا جبينه، ومضى مستشهدًا ...غطى رأسه النّازف بالعلم.... ومضى .. وعلى حافة العاشرة ...وفي زحمة الوطن الضائع ... قدّم له الوطن كومة خيبات وبندقية كبيرة ) إنه تصوير رائع لمستقبل الطفولة في عالم الصناعات الحربيّة والحروب التّدميريّة .
وهكذا في قصتيها (حوافر خيول غريبة، و كش ملك!   ) حيث تعالج فيه الواقع المأساوي لما آلت عليه السياسة من انتاج دكتاتوريّات وقادة ينتهكون الأعراف الإنسانيّة فكانت معالجاتها ذكيّة. وختمتها بنهاية معبّرة، كما في قصّتها (كش ملك!) التي أنهتها بلوحة جميلة (وعندما اطمأنت أن لا أحد يراقبها قالت له: "إنّها عيون الطّيور الّتي أحضرتُها لك، مختبئة بين الأشجار" )
وفي قصتها (  طريق ذات عودة ) تبحث القاصة عن سعادتها الضائعة من خلال التلذذ بالأحلام الطوباوية عبر ممارسة فعل الحلم، وإستشراف العوالم التخييلية الممكنة.
( أنثى على رصيف الانتظار...تتذكّر سراجاً أشعلاه نذراً لسهر طويل وطال وطال الغياب خافت إنطفاء الحواس...وتململ الحظ... أخذت منديلها نفخت فيه من روحها، وربطته بحبل السّحاب هبّت ريح حركت زيت النّذر في السّراج ورمت يمين الحنين ثلاثاً لو أضعت الحكاية في الغياب لمع وميض برق رسم ملامح طريق ذات عودة )
تستعمل الكاتبة في قصتها هذه وكغيرها من قصصها الوصف التعبيري الذي يتناول وقع الشيء والإحساس الذي يثيره هذا الشيء في نفس المتلقي وبإيقاع سردي حركي متعاقب وسريع ينسجم مع وتيرة الأفعال المضارعة الدالة على زمن الحاضر، زمن الهزيمة إلا أنها دائما تنيرنا ببصيص أمل في المستقبل ...
وكما في قصتها ( غفوة الجسد ) حيث يأتي بصيص الأمل من قولها :
( ... فتتعثر...بعِطْرِه الْسَّاكِن صَدْرَها بحنانه يتسلّل جسدها فَيُثِير بِدَاخِلِها رُوْح انْثَى... فتغمره ..وَتَهْرُب مَعَه الَى أَرْض لَا يَسْكُنُهَا إلاّه… وهناك ترتديه روحاً...و تُلْقِي بِرَأْسِهَا وَتُضَمُّه الَيْهَا وَتَغْفو ) .
وفي الختام نقول : 
إنّ السّرد الحكائي في النص القصصي لدى القاصة نهى الموسوي هو الذي نقل تجربتها القصصية الى خارج الطابع الغنائي الذاتي.
 فنصوصها ليست تعبيرًا عن تجربة ذاتيّة بقدر ما هي تصوير لتفاعل أحداث، وصراع شخصيّات، فتحوّلت التّجربة الذاتيّة لديها إلى تجربة إنسانية. فإنّ المتأمّل في تجربتها يجدها غنيّة بالطابع السّردي والمشهدي والتّوظيفي من خلال توظيفها لغة مكثفة، وأحداث متسارعة مشحونة بالألم، تنقل لنا الكاتبة من خلالها واقعًا زاخرًا بالتّناقضات الجدليّة السلبيّة التي تغرق الإنسان في دوّامة من الأزمات النفسيّة المحبطة، وتخضعه لمجموعة من الانهيارات الشّعورية الخطيرة التي تهدّد كيانه النّفسي والبدني وهي لا تستخدم في قصصها القصيرة جدا مساحة كبيرة من الوصف لتضع يدك على الجرح، كونها تقدّمه إليك كومضة لتتشكّل لديك صورة مرئيّة للواقع الذي تعيشه المرأة في المجتمعات الشرقيّة. 
القاصة نهى تحاول دائما أن تزاوج في قصصها بين الواقعيّ والحلمي المبني على الفعل الإنسانيّ الخالد، بين الماضي المكتظ بعادات بالية والحاضر المنشود ، فتنفتح القصّة على تأمّل لتنتهي الى ما يشبه الحلم. القاصة نهى ستكون نجمة منيرة في عالم القصة القصيرة  .

عام جديد/ مفيد فهد نبزو


مِنْ مِهجري وبغربتي                 ما طابَ لي فرحٌ وعيدْ
كيفَ الرجوعُ إلى الحِمى               وأنا الوحيدُ أنا البعيدْ؟
قدرٌ غريبٌ سَامني                     لأكونَ كالطيرِ الشريدْ
يا هجرُ قلبُكَ صَخرةٌ                   أترى فؤادُكَ من حديدْ ؟!  
أتظنُّ أنسى عَهدَهُمْ                        أو عنْ دروبهمُ أحيدْ
كمْ ثارَ بركاناً دمي                      والنارُ منْ حممٍ  تزيدْ !
وأنا بشوقي لهفة ٌ                       والصَّوتُ يخنقهُ النشيدْ
عَّللتُ نفسي بالخيالِ                   ورحتُ بالماضي أصيدْ
وكتمتُ حُرقة آهتي                        لأبوحَ  بالسرِّ الأكيدْ
 أشلاءُ روحي بُعثرتْ                      مذ أقبلَ العيدُ المجيدْ
والنفسُ ليلٌ حَالكٌ                         وينزُّ بالجرح الوريدْ
وطني وأهلي والربوعُ                     بخاطري حُلمٌ سعيدْ 
والأهلُ والجيرانُ لي نُعمى         وواحاتٌ، ولو شوكٌ و بيدْ        
فالعمرُ قربَ أحبتي                     يحلو بهِ العيشُ الرَّغيدْ
تمضي الحياةُ سريعة ً                   والعمرُ كالطفل الوليدْ
  مَن عاشَ عزَّ بلادهِ                       ينأى ليحيا كالعبيدْ
 يجد ُ الحضارة بالغنى                     لكنْ غناها هلْ يُفيدْ؟!
إنْ لم تكن ْ بحرارةِ                      النجوى تبوحُ بما تُريدْ
لا يطفئ الجمرَ النوى                   والقلبُ أمسى كالجليدْ
أملُ المهاجر ِ كلُّهُ                           برسالةٍ عبر البريدْ  
فيها الأماني بالهنا                          والخيرُ بالعام الجديدْ .
كل عام وأنتم للمحبة فرح السماء، وللحزانى ترانيم الرجاء ، وعام جديد ملؤه الخير واليمن والأماني بالسلام للجميع .

الحركة الإبداعية في اللغةِ الحرّة عند الشاعرة: عزة سمهود: ليبيا في نصّ (هروبٌ جماعيّ منَ السلّة)/ كريم عبدالله

  يجد الأنسان العربي نفسه مقيّداً بالواقع المرير والحروب والصراعات المستمرة والكوارث الجماعية وضياع الحريات , عالم مليء بالعذابات والخيبة , تشعره بالغربة والانكسار وتحيله إلى كائن بائس منبوذ تلاحقه الفتن والهزائم . كل هذا السلب والاضطهاد يحدث في زمن فرضت سطوتها المادة الصماء على كاهله وبدلا من أن تعيد اليه حريته المصادرة زادت من عذابه وأمعنت في إذلاله وأخذته الى نفق مظلم لا قرار له . ويأتي هنا دور الأدب بصورة عامة والشعر بصورة خاصة على كشف هذا الزيف والحرمان والتشظّي وإعلان التمرد ضد هذا الواقع في محاولة للانتصار والصمود أمام طغيان الخراب وإيقاف زحف هذا الليل الطويل . لقد تشكّلت روح جديدة دمّر جماليتها هذا الانحدار والسقوط في الهاوية . روح متمرّدة امتلكها الشاعر , روح تبحث عن الحرية والانعتاق والسمو , روح حرّة ومتمرّدة امتدت حتى الى لغته الشعرية , فأصبح يبحث عن اللغة المناسبة التي تصوّر وتفضح وتعالج وتبعث الأمل والمسرّات في زمن القحط والجفاف الروحي والإبداعي . فكان من الطبيعي ان يجد الشاعر مادة إلهامه من هذا العالم المادي , وبخياله الخصب يتمكن من بثّ الحياة فيها , وإعادة تشكيل الواقع بصورة أخرى غير واقعية يشبه الأحلام والأساطير , ويؤلف فيما لا يمكن ان يكون تآلف بينهما من مفردات هذا الواقع وقد يجرّدها حتى من المشاعر الانسانية كي يزيد من حالة التوتر والغرابة داخل النصّ الشعري . لذا كان لابدّ لتحقيق ذلك من إيجاد لغة جديدة عن طريقها يستطيع الشاعر ان يبعث الضياء مشعّة خلاّقة إبداعية لا تبحث عن المتلقي إنما تكون كالزئبق تفرّ منه وتبتعد فإذا ما أراد قراءتها ومعرفتها فلابدّ له من استخدام العقل لفكّ شفراتها والكشف عن حرارتها ومصدر الإشعاع فيها . فأصبح الشاعر يجد مادة إلهامه في أبسط الأشياء كـ / الفراشة / الشمعة / الصورة / العطر / الشجرة / كما عند الشاعر كريم عبدالله , لأن الشاعر يسمع ما لم يسمعه غيره , ويرى بعين أخرى ما لم يره غيره , ولهذا فهو قادر على تحويل وخلق عالمه الشعري الى عوالم من الأفراح والمفاجآت الكثيرة والمثيرة ويعبّر فيها الى ما لانهاية عن طريق اللغة الجديدة والخيال الديكتاتوري . وقد يختار الشاعر مادته من هذا الواقع – واقع الحياة الالية والتقنية والتطور العلمي السريع والمذهل نتيجة ما وصل اليه عقل الأنسان . وهذا ما وجدته مؤخرا في نصّ الشاعرة الليبية ( عزة رجب - هروبٌ جماعي من السلّة – وتحت تصنيف - قصائد الكترونية ) , وأعتقد بأنّ هذا سبق اكتشاف لقصيدة جديدة يجب أن يُسجّل باسمها في الوقت الحاضر , فقد استطاعت ربط العالم الواقعي باللاواقعي وصنعت لنا مجموعة من النصوص المركّبة , يجد فيها المتلقي عوالم كثيرة وفسيحة , وصورا غريبة تتجاور فيما بينها وتتنافر , لقد كانت الشاعرة أشبه بالصانع الحاذق الذي يصنع آلته بعناية فائقة . ان تجربة الشاعرة هذه تستحق الأقدام عليها والمجازفة من أجلها , كونها تجربة جديدة في صناعة القصيدة الحديثة , أننا أمام عالم من المفاجآت التي تدهش المتلقي وتبعث في روحه الحيرة والشكّ , عن طريق اللغة الغريبة والمستفزّة واللا مترهّلة , استطاعت الشاعرة حسابها بدّقة في مختبرها الابداعي فكانت كل مفردة تتواجد في مكانها المناسب لا تبعث الرتابة أو الضعف في النسيج الشعري لديها . إنه اسلوب جديد في الرؤية والأداء امتلكته الشاعرة واستطاعت أن تخلق عالمها الشعري بين أشياء من المستحيل أن تتآلف فيما بينها في الواقع او الطبيعة , وخلق رموز لا يوجد أي تطابق بين الرمز والمرموز إليه , وكذلك تشبّه بين أمور لا وجه للتشابه بينها على الأطلاق .

إننا نجد ونشعر بالذات الشاعرة وهي تفترس نفسها بنفسها من خلال هذا النصّ الغريب , متيقّنة بـأنّ قيمة الشعر لا ترتفع الاّ بمقدار بُعده عن كل ما هو عادي مألوف في العالم الخارجي والداخلي على السواء ( لوركا ) , لذا لن نجد هنا لغة مشاعر جيّاشة ولا للطبيعة حيز في هذا النصّ ولا هناك أي ترابط سيكولوجي داخل النصّ , لأنّ هذا النصّ ينبع من الذات الشاعرة لأمتلاكها قوة خيال قادر على التشبيه والاستعارة , فجعلت من مضمون النصّ مشعّا يغمرنا بكل هذا التساؤل والإدهاش والغرابة بعدما استطاعت استخدام / المادة – الآلة ) الجامدة وبعثت فيها من روحها المتعطّشة للحرية والإبداع الشيء الكثير فجعلتنا نعيش معها ضمن هذا العالم السحري الجميل رغم قسوته وكثيرة الحزن الذي سيطر على أجواء النصّ من البداية حتى النهاية . لقد تأثرت الذات الشاعرة بالعالم الاصطناعي أيما تأثر فحاولت ونجحت كثيرا في تسخير هذا العالم لقضيتها وقضية شعبها وقضية الأنسانية جمعاء .

استخدمت الحاسوب ( الكومبيوتر ) وأقحمت هذا العالم الكبير فيه وسخّرت بعض التقنيات العلمية فيه وكذلك بعض أجزاءه من أجل الخلق والأبداع . حينما يداهمنا الخطر أي خطر فأول ما نفكر فيه هو الهروب والابتعاد عن مصدره , وإذا حلّت الكارثة في أرض ما فسيكون الهروب جماعي بالتأكيد , وإذا انتشر الظلم في بلد ما فلابدّ من الهروب أمام قوى الظلام التي قّبَلَ لنا بمواجهتها . هكذا صوّت لنا الشاعرة وطنها بعدما تحوّل الى عالم غير صالح للاستعمال البشري / نفذت صلاحية الحياة فيه / فمثّلته لنا بـ / سلّة المهملات / الموجودة في تقنية الحاسوب , هكذا استطاعت تصوير العمق المأساوي في أرض أنتشر فيها الموت نتيجة الحروب والتطاحن على المكاسب المادية والسلطة , فأصبح أبناءه يحاولون الهروب منه والبحث عن وطن آخر يمنحهم الأمان والكرامة .

. /  بعد الهروب الكبير .. / من سلة المهملات / اختبأتُ مع ملفِ / أقام علاقة ًمع خلية فيروسية / حُبلى بجرائم سابقة .. / . إنّه النزوح والجلاء الجماعي من الوطن – سلّة المهملات – والاختباء مع – ملف – كما هو موجود في الحاسوب من ملفات تستخدم لحفظ ما نودّ حفظه والرجوع اليها وقتما نشاء – الملف هنا قد يكون مكان ما في هذا الكون , لكن المصيبة حتى هذا – الملف – المكان الجديد – مرتبط ايضا بـ / خلية – هو مفردة حُبلى فعلا تدعو للتأمل قد تعني جزء موجود في الحاسوب او قد تكون خلية إرهابية وهذا ما أصبحنا نعرفه اليوم ونتناوله في أحاديثنا بعدما انتشر الإرهاب في أوطاننا – الفايروس : وهو من مسببات المرض تصيب جميع الكائنات الحيّة ولها أشكال مختلفة وبإمكانها البقاء هامدة لوقت طويل ومن ثمّ معاودة نشاطها , وهي عبارة عن كائنات مجهرية لا تُرى بالعين المجرّدة – هكذا هو الإرهاب الموجود الأن , عالم من الظلام يعتاش على القتل والسبيّ وسفك الدماء , لأنّ الجريمة متأصلة في فكره ونشاطه ../  عن أسلاكٍ وهبتْ شرارتها / لذاكرة رقميةِ شاركتْ / أثناء تظاهر البشر في ساحة الآيباد ../ . نلاحظ هنا أيضا استخدام التقنيات العلمية الحديثة في رسم صور العالم الخارجي , هذا المقطع يعتبر مقطعاً متحركاً زاد من الزخم الحركي والإبداعي في النصّ من خلال / شرارة – شاركت – تظاهر / , فعندما ينتشر الخراب والظلم يهبّ الأنسان متظاهراً ضد الطغيان معلناً كلمته – كلمة الوطن – في العيش بأمان وطمأنينة والابتعاد عن الصفقات التي تمزّق الوطن شرّ ممزّق . . / كنت سأدفن حياً / بحجة أنَّ وحدات من الميغا بيكسل / استعمرت مساحات كبيرة  / من آراضي الويندوز ../ وهنا تعود بنا الشاعرة إلى عمق التاريخ ولبعض العادات والتقاليد البالية في مجتمعنا العربي حين كان الوأد نصيب للبنات , لقد استحضرت هذه الواقع من الواقع البعيد الى الحاضر القريب لتقول لنا بأنّ الفكر المسيّطر على الوطن هو نفس الفكر الجاهليّ المتخلف من قتل وسبيّ وخنق صوت المرأة ومصادرة حريتها , وبنفس التقنية والتكنيك تستخدم مصطلحات من التقدم العلمي وتبثّها داخل نسيج النصّ وتربط بينهما على ارض الواقع بطريقة ذكية ومحببة ورائعة . وبطريقة ذكية تهيّئنا لتلقي الصدمة في النصّ وتقبّل الفكرة فيه واستيعابها  من خلال هذه العبارات ../ و لحسن الحظ  / أنَّ أحد المشاهد ظهر فجأةً / قبل المسح النهائي ../ . وهكذا استطاعت الشاعرة إعادتنا فجأة الى ارض الواقع عن طريق قصة الجندي – دلالة عن الحرب والموت والصراع ما بين البقاء والفناء – بلغة مثيرة ../ كان يحكي قصة جندي  / وجدوه ميتاً وفي يده  / أندرويد صغير / يبثُ فيديو لصور حبيباته / اللاتي راقصهن ليلة / ذهابه للحرب..../ .

من خلال هذا النصّ الألكتروني لم نجدّ أنفسنا نعيش على أرض الواقع وإنما كنا نعيش داخل جهاز الحاسوب ونتحرك في عالمه , لقد كنا نعيش القلق في عالم رهيب مخيف , عالم شعريّ متوتر ينفجر ما بين لحظة وأخرى مليء بالرموز العلمية المتنوعة سيطر على مشاعرنا وأذهاننا , عالم امتلك من الشعرية الشيء الكثير , ومن خلال هذه التجربة الجديدة في كتابة القصيدة , أتمنى الالتفات إليها وتسليط الضوء عليها علّنا سنحضى في قادم الأيام بقصيدة نثر ترتقي إلى العالمية .

النصّ

هروبٌ جماعي من السلّة

بعد الهروب الكبير
من سلة المهملات
اختبأتُ مع ملفِ
أقام علاقة ًمع خلية فيروسية
حُبلى بجرائم سابقة
عن أسلاكٍ وهبتْ شرارتها
لذاكرة رقميةِ شاركتْ
أثناء تظاهر البشر في ساحة الآيباد
كنت سأدفن حياً
بحجة أنَّ وحدات من الميغا بيكسل
استعمرت مساحات كبيرة
من آراضي الويندوز
و لحسن الحظ
أنَّ أحد المشاهد ظهر فجأةً
قبل المسح النهائي
كان يحكي قصة جندي
وجدوه ميتاً وفي يده
أندرويد صغير
يبثُ فيديو لصور حبيباته
اللاتي راقصهن ليلة
ذهابه للحرب....
ــــــــــــــــــــــــــــ
قصائد الكترونية .
هروب جماعي من السلة
.Azza Ra Samhod

الزوجة التي اختارها أدوار!/ نبيل عودة

لشد ما تحيرني حالة صديقي ادوار، للوهلة الأولى يبدو شرسا، بل ويميل ليكون ذئبا مفترسا، غير ان هذا الانطباع الأولي سرعان ما يتغير اذا دار الحديث عن النساء أو معهن . فورا ينقلب الى حمل وديع، طفل على صدر امرأة. 
كان يبدو لي ان ادوار مصاب بانفصام شديد في شخصيته... فهذا الذئب في شراسته مع بعض الناس حوله، من أقرباء وجيران وابناء بلد وأصحاب، يصير طفلا وادعا في ثوان، حين يخاطب امرأة،  وبغض النظر عن جيلها. مجرد نسويتها تجعله حملا وديعا ودودا، مستعدا لتقديم كل خدمة تطلب.
علاقتي معه لم تكن سهلة، ولكنها علاقة بدأت منذ أوائل وعينا، مرت بفترات برود وتباعد وفترات اندفاع وارتباط شبه يومي. أحببت مراقبة تحولاته من الحالات الذئبية الى الحالات الحملية.. أو بالعكس. شيء يبعث على الحيرة.. وأعترف ان ولعي باكتشاف وصياغة شخصيات لقصصي كان يشدني اليه أكثر وأكثر. وكلما تعمقت في حالاته المتقلبة، ازددت شغفا بالمزيد من كشف تقلباته ومفارقات حالته. كان دائما شيء لا يكتمل في صورته التي تتشكل في ذهني، لادوار حياة جنسية ثرية يُحسد عليها .. وأعرف من صديقاته السابقات، واللواتي جمعتني بهن مناسبات عدة، انه انسان مثالي، مليء بالأحاسيس والاحترام والرعاية.. ولا يترددن لتلبية اشارته مرة أخرى ولو انقلب العالم فوق رؤوسهن. واعترفن انه لم يخدعهن بوعود كاذبة، كما يفعل معظم الرجال عادة في علاقاتهم النسائية... أو حتى في السياسة، لدرجة صار الفهم الشعبي ان السياسة هي فن الأكاذيب وفن خداع الجمهور. فهل يكون الحب هو فن خداع النساء؟! 
ادوار لم يخدع فتياته العاشقات ... كان واضحا لهن انها علاقة لا تبشر بارتباط في المستقبل، ربما حلمن بكسر الجليد وتغيير الثابت في شخصيته. لكن هذا، بالتأكيد الملموس لم يحدث. كان يقطع علاقاته بصمت، لا يثرثر، وكأن شيئا لم يكن. ويحافظ على مودة واحترام لعشيقاته السابقات. 
ما عدا صديقه المقرب، الذي يحتمله ويحتمل فظاظته الذئبية، والذي هو انا نفسي، ربما طمعا في الوصول الى رسم شخصية قصصية نادرة، وبالتأكيد بسبب صداقة ربطتنا منذ شبابنا الباكر، تحمل الكثير من الذكريات التي من الصعب اقالتها من حياتنا، وتفقد قيمتها إذا تباعدنا، لدرجة أن ادوار يكاد يكون خلوا من أي علاقة دائمة مع شخصية ذكورية أخرى. 
ربما ليس صحيحا تماما القول بأني احتمله من أجل كسب شخصية قصصية جديدة. صداقتنا ابتدأت ونحن على مقاعد الدراسة الابتدائية. كان طالبا ذكيا ودودا... لا تظهر علية قساوة الذئا. ربما لوجودنا في مدرسة مختلطة للبنين والبنات ... لا أعرف، هل جعله ذلك طالبا ودودا وديعا خدوما ومستعدا للمساعدة وارشاد الصف كله في الامتحانات؟ 
كثيرا ما جّرت عليه تصرفاته المدرسية عقوبات مختلفة، وصلت حد الطرد من الصف، ولكنه يعود لفعل نفس الشيء الذي يثير غضب المعلمين. كان لا يحتمل ان يرى كآبة الراسبين أو الحاصلين على علامات ضعيفة .. خاصة من طلاب صفه. ورغم انه طالب ممتاز وهاد، ويشارك بنشاط في برامج الصف ، الا ان مربية الصف سجلت له في شهادته انه مشاغب، الى جانب علاماته المدرسية غير الناقصة علامة واحدة في أي موضوع كان. 
رغم انه كان تلميذا ذكيا مجتهدا ومرجعا في الامتحانات للجميع طلاب الصف الضعفاء. وقد لجأ أحد المعلمين الى اعفاء ادوار من امتحاناته، واخراجه من الصف، بحجة انه لا يحتاج الى امتحان. عندها كان مستوى علامات الطلاب ينخفض بشكل كبير!! 
قد تكون تصرفات ذلك المعلم ، الذي اثار حنق ادوار وغضبه العاصف ، هي السبب في تصرفات ادوار الذئبية مع الذكور بشكل عام. 
كانت الحلقة حول ادوار تتحول الى أكبر حلقة في ساحة المدرسة ، حيث تؤخذ قرارات مواجهة تعسف بعض المعلمين ، وترتيبات تمرير أجوبة الامتحانات لطلاب الصف . وكان يطربه بشكل خاص تودد فتيات الصف اليه، وتفضيلهن الحديث والضحك معه عن سائر الطلاب. كانت الغيرة تقتلنا ونحاول ان نتودد له لنقترب من مجموعته المكتظة بأجمل طالبات المدرسة. ربما هذا ما جعله في المستقبل ذئبا مع الذكور وحملا وديعا مع الاناث. بالطبع هذا ليس تفسيرا علميا، انما ملاحظة قد لا تكون مهمة، ومجرد فكرة للدخول الى عالم شخصيته الصعبة. ومع ذلك لا يمكن أن أضحي بصداقة من أنقذ علاماتي المدرسية وجعلني انا وشهادتي فخرا لوالدي أمام الأهل والجيران.
فكيف لا أكون ملتزما بهذه الصداقة وبهذا الصديق ؟
كنا نحسد ادوار في قدرته على جذب طالبات مدرستنا لحلقته في ساحة المدرسة ، وثم بتنا نحسده باتساع مغامراته النسائية .. حين كنا بالكاد نحظى بمغامرة غرامية، ترضي غرورنا الذكوري لأشهر ، حتى نحظى بابتسامة أو استلطاف جديد. 
بالطبع ليست هذه هي الحكاية التي جعلتني في فجر يوم ربيعي أشحذ فكري وذاكرتي ، وأمسك القلم لأخط على الورق تفاصيل لم أعد قادرا على تخزينها وحفظها سرا، حين بدأت أقتنع ان الفكرة لقصة حقيقية مشوقة ونادرة قد اكتملت.
عقد كامل وانا أتردد في صياغة هذه القصة ، عذبني التفكير بها ، وأكثر ما أقلقني هو التفكير برد فعل صديقي عندما يقرأ قصته مكتوبة بقلم أقرب أصدقائه ، وأكثرهم ائتمانا على اسراره. 
لم أكن بحاجة ليكشف لي أحد ان ما أعرفه من خبايا وتفاصيل حياة الناس ، لن يكون ، في لحظة التوهج، الا مادتي التي أشكل منها أفكاري القصصية ، وان القريبين مني قد يعرفون شخصيات قصصي، أو يكتشفون أنفسهم بها ... وهو ما كان يقلقني في فترة ما ، ثم استسلمت لهذه العادة السيئة في حكم بعض الأخلاقيين. 
مضى عقدا كاملا.. ولكن تفاصيل هذه القصة ونهايتها ما زالت تثير تفكيري وتشغلني حتى اليوم ، ولا أستغرب ان أعود اليها للكتابة من زاوية أخرى تراودني أحيانا ، ولكني لا أرى انها اكتملت لتشكل حافزا يضغطني لمثل هذا الإنجاز. 
كنت قد تزوجت قبل ادوار بعقد كامل تقريبا.. وصرت أبا تشغلني هموم الدنيا حين واصل ادوار جمع الفراشات والزهور من حوله.. قبل ان يقرر الزواج بشكل فجائي لم يتوقعة حتى الجن .. لو وجد مثل هذا الشيء الخرافي. 
واليوم نحن آباء لأطفال.. ولا أعرف هل حياة المجون أكثر متعة ، ام حياة العمل الأسود لتربية أطفالنا هي الحياة التي يحلم بها الانسان ؟
العاشق صار اليوم رجل بيت ملتزم لدرجة من الصعب مقارنتها مع تاريخه العشقي الحافل . وكثيرا ما حاولت ان أبحث في أعماق ما يبدو انه التزام كامل لبيته وزوجته . كان يردني بود ووداعة لا أعرفهما بشخصيته. ويؤكد ان تاريخ حياته الحقيقي بدأ منذ تزوج .. وما مضى انتهى . كنت أرد عليه مستهجنا 
هل انت ادوار نفسك ؟ .. صديقي من أيام الدراسة ؟ 
فيبتسم بصمت ليشعرني اني لم أعرفه في السابق اطلاقا.
القصة الحقيقة لإدوار الجديد بدأت حين وصل ادوار لمنتصف عقده الرابع .. عازبا عاشقا متجولا بين عشيقاته. 
في يوم شتوي بارد اتصل بي وطلب ان يزورني في بيتي .عادة كانت لقاءاتنا في بيته او في البارات. شعرت باثارة تعتريني كلما شممت تشكل حدث جديد يبشر بنص جديد جاء مهموما على غير عادته ، فأحيا رغبتي الحادة في كشف ما يخفي.
جلسنا امام مدفأة الحطب . عرضت عليه كأس كونياك ، وافق مترددا . صببت كأسي "اوتارد" الفرنسي الرائع ، وتسلينا ببضع حبات كستناء مشوية. وما هي الا جرعتين حتى انتقل الدفء الى لسانه ، قال: 
- حان الوقت لأجري تغييرا في حياتي 
لم أعقب .. لم أفهم مراده ، واصل:
- لا يمكن الارتواء من حواء .. رغم علاقاتي ما زلت ظامئا كما ابتدأت

ملأ كأسه من جديد ، رغم تردده في الشرب في البداية ، وعرفت انها اشارة لكشف ما تشتهي نفسي لمعرفته .. وأن ليلتي طويلة مع أدوار. 
  - كل أصحابي تزوجوا .. أنظر اليك مثلا ، لك زوجة وثلاثة أطفال .. صرت تفضلهم عن السهر معي ..وتفضل بيتك عن قضاء أمسية معي .. لا اعاتبك ولست غاضبا .. أنا أحسدك . عندما تحضر أختي لزيارتي مع طفلها ، أشعر بسعادة غير عادية وانا الاعب الطفل ، واذا ما نجحت بخطف ابتسامة منه ، لا تسعني الدنيا من الفرح .. أنسى حتى مواعيدي .. 
وتررد في ذكر نوع مواعيده .. ولكن المكتوب يقرأ من عنوانه. 
ملأت كأسي وكأسه. رشفنا ، قشرنا الكستناء المشوية . ولم أجد ما أقوله امام تحولات ادوار الفجائية والتي نجحت بمباغتتي وفرض الصمت على لساني . قال: 
 - اليوم لي ثلاث عشيقات .. جميلات ، متعلمات ، مخلصات ... أشعر برغبتهن المجنونة بالزواج ، ولكني لم أخدعهن . انا لست مخادعا . لم ولن أكذب .. مع اللواتي مررن في حياتي. 
ووجدت ما أقوله: 
- العلاقة نفسها توحي .. أحيانا لا ضرورة للكلام المباشر. 
 - هذا صحيح .. لكنهن يعرفن اني لست طالبا للزواج . ليس أكثر من علاقة غير ملزمة
 - ما الذي تغير فيك إذن ؟
 - لا أملك جوابا عقلانيا .. مجرد مشاعر وأحاسيس تجتاحني في الأيام الأخيرة ، وأعرف انها أكثر من نزوة عابرة.. وأكثر من مجرد حلم يراودني. 
ملأت الكأسين مرة أخرى . يبدو ان دفء الخمر انتصر للحمل على الذئب. لا أعرفه بهذا الهدوء وتلك السكينة وهذه الدماثة ، التي لا تنطبق على معرفتي الكاملة والموثوقة به .قال: 
 - اريد ابنا لي .. اريد زوجة .. وسألتزم .. انت لا تصدقني ... لا تقل شيئا .. انا أحيانا لا أصدق نفسي.. ولكني صاحب قرار ، وانت تعرف قدرتي على تنفيذ ما ألتزم به؟! 
.. - الا مع النساء  
 - أيضا مع النساء .. لكن ليس هذه موضوعي 
قالها بهدوء لا يمكن التشكيك به . قلت مازحا: 
 - لو خلقك الله إمرأة ، هل كنت تتصرف بنفس الوله الجنسي ؟
 - ربما .. وهل النساء أقل شأنا؟
 - لنعود الى قصة زواجك ( قطعت عليه الطريق ) هل إخترت الفتاة المناسبة؟
- لي ثلاث عشيقات .. يجب ان أختار احداهن .. وهذا ما يحيرني
 - وماذا تطلب مني ؟
 - المشورة يا صاحبي .. أو أستعملك بديلا لكرسي الاعتراف الكنسي ، لأني لا أقبل الاعتراف لكاهن 
- لا أعرف عشيقاتك لأنصحك بإحداهن 
 - لكل جمالها الخاص .. لكل نكهتها .. ذكائها .. وجاذبيتها المميزة
 - اذن تزوج الثلاث.. 
قلتها بدون تفكير ، بشيء من الاستفزاز . وانا حائر في ما يطرحه من احجية غريبة ، كظم انفجار غضبه بأن كرع الكونياك من الكأس دفعة واحدة . صب بصمت كأسا جديدة ، تنهد وقال متجاهلا استفزازي: 
 - لم أكن جادا كما انا اليوم .. اريد ان أختار واحدة من بين الثلاث 
قالها بجدية وهو يداعب كأس الكونياك ليعطي الكونياك حرارة من جسمه..
 - وكيف لي ان اساعدك ؟
؟ - من هي المناسبة لأختارها زوجة 
قلت في محاولة للخروج من مأزق الثلاثة: 
 - ربما واحدة جديدة .. ليست احدى عشيقاتك ؟
 - لست راغبا بهذه الفكرة .. لن أجد أفضل منهن. ؟
؟ - ادوار... أكاد أجهلك.. انت تغير كل معادلاتك المترسخة في رأسي 
 - اياك ان تصنع مني بطلا لخربشاتك ، انا أعرف مرضك .. ؟
  - ربما ما يعتريك هي نزوة مؤقتة ..؟
!! - ليست نزوة .. قرار لا رجعة فيه
 - مثل قرارات القمم العربية ؟
 - القمم التي لا تشرب من هذا الكونياك ، (وأشار الى زجاجة " الأوتارد ") قراراتها تحتاج الى شبكة تصريف، او مجمع نفايات.
ورشف بتلذذ رشفتين من كأسه.
- يبدو لي اني لم أعد أعرفك ؟
. - اريد حياة أخرى .. مستقرة، هادئة .. وطفلا يملأ فراغ بيتي وحياتي 
- هذا شعر يا إدوار... وحالتك بعيدة عن الشعر ؟ 
- أخالفك .. العشق هو شعر حقيقي أيضا ، وما أحلم به من حياة أخرى هو شعر من بحر جديد .. بدون شعر نذوى .. ننتهي ... حتى السياسة شعرا ، لو استقام السياسيون

 - وأين أقع انا في هذا البحر الشعري الهائج؟
 - انت صديقي ... وأكاد أقول الصديق الوحيد الثابت وغير المتحول .. رغم فظاظتي .. انت صاحب خبرة بحالاتي .. وصدقني اني أحسدك بما انت فيه اليوم. 
 - كنت أظن اني انا الذي يجب أن أحسدك ؟
 - هذا سؤال فلسفي .. يتعلق بموقفنا من النسوية أو الشوفينية الذكورية
 - اتركنا من الفلسفة .. انت تذكرني بقصة عن مثيلي جنس مرت قربهما شقراء رائعة الجمال ، ترتدي تنورة قصيرة وشفافة ، أحدهما تأملها بحسرة وقال : أتمنى لو لم أكن مثلي الجنس . الثاني تأملها مشدوها بجمالها ، فكر بعمق وقال : في هذه الحالة ، أتمنى لو كنت إمرأة مثلية الجنس. 
ضحكنا بحرية لأول مرة منذ بدأت ليلتنا. وقلت لزوجتي ان لا تسرع بالقهوة لأننا سنواصل الشرب، فقبلت على مضض. 
علا عويل الطفل الصغير فوجدتها مناسبة لأحول الحديث: 
 - الأطفال ليسوا لعبة مسلية فقط .. انها مسؤولية وارهاق وعمل إضافي. 
  - بالطبع .. بالطبع 
قاطعني باستخفاف كاد يثير غضبي ، وعاد لمعضلته: 
 - كيف سأختار زوجة من بين عشيقاتي الثلاث ؟
 - يبدو سؤالك فلسفيا أكثر من كونه سؤالا عمليا؟ 
قلتها محاولا استفزازه ردا على مقاطعته الاستفزازية. تجاهلني: 
- عقلي يعذبني .. لكل منهن ميزة خاصة ومكانة خاصة في قلبي 
.. - انا أحسدك 
قلتها بصوت منخفض كي لا تسمعني زوجتي: 
. - لا تخطئ .. حالتي صعبة وخياراتي أصعب 
 - تريدني أن أخرج لك الكستناء من النار؟ 
فهم الرمز. 
 شيء من هذا القبيل .. الست صديقي الوحيد والأوحد ؟ 
رفع الكأس الى شفتيه مستنشقا رائحة " الأوتارد " .رشفنا . أخرج من جيبه صور ثلاث فتيات ، وقال: 
.. - المرشحات للزواج 
نظرت للصور .. هالني جمالهن. 
... - يا ابن ال 
دفنت الكلمات في فمي. 
  - لو كنت مكاني من ستختار ؟
.. - أبقى عازبا مع الثلاث 
لم يعجبه جوابي. 
 - أسأل بمنتهى الجدية.. والا ما جئت لمشورتك؟
بعد تفكير رويت له حكاية: 
- كانت لنا جارة تخرج كل صباح وتناشد ربها بأعلى صوتها : " يا الهي ، ابعد النمور عن بيتي" وفي يوم ما ، وعلى فنجان قهوة مع جاراتها ، قالت لها الجارات ان ما تطلبينه من ربك لا ضرورة له ، أطلبي شيئا آخر .. لأن أقرب نمر لبيتك يبعد الاف الكيلومترات ، فأجابت : رأيتم اذن فائدة ما أطلبه من ربي ؟
 - أي أن طلبي لمساعدتك مثل طلب الجارة من ربها ؟
 - ليس بالمفهوم السلبي ، اني أنظر لصورة المرشحات وأشعر ان النمور أقرب لجارتنا من التخلي عن واحدة ... (وأشرت الى الصور) وما دمنا بسيرة النمور (وفردت الصور) أي نمرة منهن أولى بافتراسك؟ 
 - تعيدني الى البداية دائما ، كان يجب ان لا أقبل مشاربتك .. انفكت عقدة لسانك ، وانطلق عفريتك يبحث عن فريسة لقصة جديدة .. اياك ثم اياك.. ان تصبح حكايتي في متناول قراء صحيفتك؟
!! - ليس ذنبي 
 - ذنبي انا الذي يطلب مشورة عبد للشيطان. 
أفرغ الكاس بعصبية ، وملأها من جديدا بعصبية ظاهرة .. مازحته لأخفف عصبيته: 
!! - شيطاني ليس أمريكيا وليس اسرائيليا .. عربيا أصيلا 
. - انه أسفل الشياطين 
أفرغ كأسه مرة أخرى دفعة واحدة ، مغمضا عينيه متلذذا بالمذاق ، وقال ضاحكا: 
- انتهت الجلسة الأولى دون نتائج .لا اريد قهوة لأعكر طعم الكونياك . الى اللقاء .. فكر بحالتي. 
مضت ايام وانا حائر في ما سمعته . أتأمل الصور في أوقات فراغي ، واحتار بين أن احسده على ما هو فيه أو أحسد نفسي على ما انا لست في أتونه. 
كاشفت زوجتي ، حتى لا تظن ان الصور لعشيقاتي . بعد تأمل قصير قالت انها تعرف من سيختار ادوار من بين الفتيات الثلاث. 
 - كيف عرفتِ ؟ 
 - هذا السر لن أكشفه الآن . دعه يختار اول . جوابي سأسجله وابقيه معك. ولكن اياك ان تفتح الورقة قبل ان يقرر ادوار اختياره . اتفقنا ؟
! -اتفقنا 
قلت مستسلما وحائرا في سرعة معرفتها للفتاة التي سيختارها ادوار . هل للمرأة مجسات لا توجد في الذكور ؟
بعد اسبوع التقيت ادوار وانا متشوق للشكل الذي سيحل به اختياره. قال ضاحكا: 
 وصلت الى قرار .. –
من التي اخترتها ؟

- أجريت اختبارا .. لا تقاطعني .. قلت لعشيقاتي الثلاث ، كل على حدة بالطبع ، أني اذا أعطيتها 100 الف شيكل ، ماذا ستفعل بها ؟ وتلقيت اليوم أجوبتهن : واحدة قالت انها ستجري عملية تجميل لأنفها لأنه يبدو أكبر قليلا مما يجب ان يكون ، حتى يصبح جمالها كاملا الى جانبي . الثانية قالت انها ستشتري ملابس لنا من منتجي الأزياء المعروفين عالميا لأننا نستحق ان نرتدي أجمل الأزياء أمام الناس في المناسبات القادمة علينا . اما الثالثة فقالت انها ستضع المبلغ في برنامج للتوفير ، لضمان مستقبل ابنائنا.. أو ازدياد احتياجتنا ؟ 
ولم أعد استطيع صبرا: 
  - وانت من اخترت ..؟
 - اخترت واحدة وبشكل نهائي 
 - صاحبة أي جواب ..؟ 
سألته وانا أخرج مراهنة زوجتي من جيبي. 
 - لا دخل للأجوبة في اختياري
لم أفهم ما هذا اللف والدوران .. قلت لنفسي : " سهرة على كونياك ، واختبار .. وتفاصيل الأجوبة ، ثم يقول ببساطة ان الأجوبة ليست هي المقرر في الاختيار ، هل هي فلسفة جديدة ، أم نظرية ذكورية في النساء ؟ " وقلت: 
 - زوجتي راهنت على واحدة بعد ان صارحتها بقصتك .. لا أعرف على من راهنت .. سافتح مراهنتها بعد ان تخبرني بالتي اخترتها. 
 - الصور معلمة باحرف الأبجدية أ و ب و ج .. أخترت صاحة الصورة "أ" ما هي مراهنة زوجتك ؟ 
فتحت الورقة وأحترت . قرأت : "سيختار صاحبة أكبر نهدين !!" ونزل علي الصمت. 
نظرت للصور مجددا .. وحبست ضحكتي ، اختياره حقا كان لصاحبة أجمل صدر بينهن .. أعطيته الورقة ليقرأها ، فانفجر ضاحكا كما لم أعهده يضحك من قبل. ... 
هل كانت زوجتي اكثر ذكاء مني في فهم شخصية ادوار وتفكيره ؟ ام انها تفهم عقلية الذكور ، التي لم تخرج كما يبدو .. من البدائية في النظر الى المرأة ؟

nabiloudeh@gmail.com

أُنثى من ماءٍ تودعُ 2018 / سماح خليفة

  عزيزتي 2018 ما الذي يدفعُني للاسْتمرارِ في الكتابَة لك، وأنت التي رَحلْت ولم تمنَحيني حتى فرصَة الوداع؟!   
  أتذكرين عندما طَلَلْتِ برأسك من نافِذَةِ الحياةِ على حافّةِ البِداياتِ الجَميلة، تركُلين البابَ بقدمِك الواثِقَة في وجهِ 2017، بابتسامةٍ عريضَةٍ مُشرقةٍ، وغمازةٍ شقيةٍ تنبئ بعامٍ حافلٍ بالمغامرات، وبوجهِك الذي أربَكني لدفء البوحِ فيه ورهافةِ القصائِد التي تقطرُ من شفتيه، مدَدْتِ يدَك نحوي، مسَحتِ بأصابِعكِ ملامحَ وجهي، أبحرْتِ في عينيّ حتى فاضَتْ بِكِ نَفسي، هَمسْتِ في أُذُني: كيف لك أن تكوني أنثى من ماء، وتقفينَ على قدَمَيْكِ حتى اللحظة؟! ابتسمتُ حينها وقلتُ لك: لا تعلمينَ كم أحرزتُ من كَبواتٍ وكم حُفَرٍ شهِدَتْ على قدميّ المُدماتَيْن! عندَها لوّحْتِ أمامَ ناظري بِعصا الوقت ونفَثْتِ في كفَّيْكِ من روحِ الزّمنِ الجميل؛ ففاضَتْ منها أيامٌ بِغاية الرّوعة والبهاء والألوان، وقُلْتِ: أتَرَيْنَ كلَّ هذا يا عزيزتي؟ هو لَكِ، سأمنَحُكِ إياه بكلِّ محبةٍ وشغَفٍ للعطاء، ولكنْ بشَرط، أن تَحُطّي عن كَتِفَيكِ كلَّ ما أثقَلَتكِ به السنينُ العِجاف، وأن تهجُري عينَيكِ وتبتُري أصابِعَك، وتمضي دون أن تلتَفِتي لها، واثقةً بالنّور الذي سَيبزُغ من عينِ الشمس ليُنيرَ دربَك، ولا تأبَهي بأصابِعك المبتورة، سيَنبُت مكانها الحنّونُ وقد ارْتوى من هذا النور المُتَسربل في عروقِك.
"ها...ماذا قلت؟"
 " قلتُ سأحاول" 
 "لا يكفيكِ شرفُ المُحاولة، الجُرأةُ وحدها كفيلةٌ بِجَمع ما تقاطرَ من ندى الأنا المُتوارية في ظلالك" 
 "قلتُ سأُحاول، امنَحيني تأشيرةَ فرح لِأسافرَ فيك وأروّض كلّ هذا الذي أثقلني وشدّني للوراء" 
 "سيشُدّك إلى قاع الزمن فَحاذِري، اترُكي كلّ شيءٍ خلفَك فلا شيء يستحِق، تذكري ذلك جيدا" 
 "سأُحاول" 
 "عنيدةٌ يا جميلتي" 
 "أحببتُك كثيرا 2018" 
 "إذن أقبِلي عليّ سأهديك فرحَة تتخِمُك العمرَ كله، هاتي إليّ قلبَك" 
 "قلبي المتواضِع لن يحتَمل" 
 "كوني جريئة".
 أذكرُ كيف تماهَت كفُكِ في صَدري، قبضْتِ على قَلبي، أوْدَعتِ فيه ما لا أستطيعُ وصفَه غيرَ أنّه شيءٌ ارْتوى به القلبُ حتى نبتَ له جناحان، حلّقَ بي عالياً في الأفُق، عالياً بِخفّةٍ حتى أحالَني نجمةً تتألّقُ وتحتضنُها السماءُ وتُباهي بها الأرضَ بما حَوَت. لحظات فإذا بأشيائي وعَيْنَيَّ وأصابِعي تسحبُني للأسفل، السماءُ تتشبّث بي من جهةٍ والأرضُ تجذبُني بِكُلِّ أشيائي من جهة، و2018 تصرخُ بي: "يا عنيدة، اقْطَعي حبالَ الوَصل وحلّقي عالياً" ، أجبتُها بِكُل الهدوء الذي اعْتَراني في تلك اللحظة: "تَعِزُّ عليّ عيناي، هي أغلى ما أملِك، وأصابِعي التي حمَلتُها معي عُمراً بأكملِه كيف أبْتُرها وأتَخلى عنها؟! وأشيائي التي تُثقُلني أصبَحت جزءاً لا يتجزأ منّي".
"يااه يا صديقتي!! أنتِ لَست أنثى من ماء، أنت أنثى من جِراح!! تنزِفُ نوراً سيُحيلُها ناراً، حتى يأذنَ اللهُ أو تَفنى دونَ ذلك!"
"أنا أنثى من رمادِ الزّمن الغارقِ في العدميّةِ، نُفِثَت فيها روحُ نسمةٍ علِقَتْ في محرابِ ناسِكِ يتلمّسُ طريقَ العودةِ إلى الله بهمةِ عاشقٍ للحياة" 
لم أكّدْ أكمِل حديثي، هي لحظات، هكذا شعرْتُ بها حتى صفّرَت الريحُ، ولفَحنا بردُ الرحيل، وأجهشَت السّماء بالبكاء، ونضبَ درعُ الغَيمِ في صوتي لحناً وارفاً بالكثير من المشاعر التي تجنّبْتُ الإحساسَ بها كي لا أفقدَ طفلةً لازمَت صَدري، وتشبّثت بضلوعي ولم تتحرّر بعد، لكنّها اقترفَت الفرحَ على أثرِ فراشةٍ حطّت على أهدابها ذات غفوةٍ على كف حُلمٍ ناضجٍ في ثغرِ الليل، ورحلَت 2018، نعم رحلَت، أخذَت أشياءَها الجميلة وتركَت لي أشيائي أروّضها على مهلٍ بروحها العالقة في جسدي حتى يأذن الله!
كم أنت قاسية يا صديقتي 2018! أشعلْتِ فكرةً مجنونةً ما زالت ترتعشُ في عقلي، ثم رحلْتِ ولم تَمنحيني الوقتَ حتى لِأودعك!