من فرسان العربية في القرن التاسع عشر/عرض ومراجعة ب. حسيب شحادة

جامعة هلسنكي

محمّد سَواعي، من فرسان العربية في القرن التاسع عشر، عبد الله النديم وأحمد فارس الشدياق وجورجي زيدان، دراسات في آرائهم اللغوية. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ط.١، ٢٠١٧، ١٨٠ ص. 
يعالج هذا الكتاب في فصوله الثلاثة غير المتوازنة من حيثُ عددُ الصفحات نواحي لغوية معيّنة لدى كل واحد من:
أ) أحمد فارس الشدياق (١٨٠٤-١٨٨٧)، رأيه في بعض المستشرقين، في مشاكل الترجمة، في النحت والمصطلح اللغوي، موقفه من تطوير المعاجم، ١٩-١٠٧.
ب) جورجي (أفندي) زيدان (١٨٦١-١٩١٤) وتحديث العربية، ١١١-١٣٦.
ت) عبد الله النديم (١٨٤٢؟-١٨٩٦) دعاة العامية الغربيون وآراؤه حول العربية الفصيحة والعامية، ١٣٩-١٩٧. 
في آخر كل فصل من هذه الفصول الثلاثة قائمة بالمصادر التي اعتمد عليها المؤلف في بحثه، وهي بالعربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية، ويبلغ عددها حوالي١٥٠ مصدرا، أقلّ من ثلثها بلغات أجنبية. وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض تلك المصادر لا تظهر في الحواشي وهذه ظاهرة شائعة يجب تفاديها لا سيّما في الأبحاث الرزينة. زد إلى ذلك، غياب أبحاث سليمان جبران مثل: الفارياق : مبناه واسلوبه وسخريته، ط. ٢، القاهرة: دار قضايا فكرية ١٩٩٣؛ على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربية المعاصرة. حيفا: مجمع اللغة العربية، دار الهدى للطباعة والنشر كريم، ٢٠٠٩.
وكان المؤلّف قد أصدر كتابين يتعلّقان بالشدياق وهما: الحداثة ومصطلحات النهضة في كتابات أحمد فارس الشدياق، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ٢٠١٣؛ رسائل أحمد فارس الشدياق المحفوظة في الأرشيف الوطني التونسي. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ٢٠٠٤. والأمر اللافت للنظر تشكيل شبه كامل لمادّة الكتاب وهذه ظاهرة استثنائية في مثل هذه الأبحاث وتشتّت، في نظري، تركيز القارىء. ومعظم ما في هذا الكتاب كان قد نُشر من قبل في منابر مختلفة. ويقول الشدياق على ضوء تجربته في بريطانيا وفرنسا إنّ مكانة تدريس اللغة العربية في الجامعات مقارنة بالعبرية والسريانية متدنيةٌ، وراتب مدرّس العبرية في جامعة كمبردج، على سبيل المثال، كان ألف ليرة سنويًا في حين أن دخل معلّم العربية كان سبعين ليرة فقط (الشدياق، كشف المخبا، ١٢٢). وينتقد الشدياق بعض الترجمات من العربية للإنجليزية بسبب جهل السياق الحضاري والثقافي للعربية، وينتقد كذلك الجامعات الغربية التي يسمّيها ”المدارس“ لعدم توظيفها ”الغرباء“  أي أبناء اللغة. ويأتي الشدياق على ذكر ظاهرة شائعة في جامعات فرنسا آنذاك، ألا وهي وجوب معرفة اللاتينية بالنسبة لمعلّم العربية؛ وهذا قد يذكّر القارىء الفلسطيني في البلاد بوجوب معرفة العبرية بالنسبة لمدرّس العربية. وعمل الشدياق مترجمًا مع جمعيات التبشير الإنكليزية والأمريكية، لا سيما نقل الكتاب المقدّس للعربية المعروف للجميع. أضف إلى ذلك انخراط الشدياق في صراعات مع عرب وأجانب حول قضايا لغوية وأخرى متعلّقة بالترجمة. وإجمالًا يمكن اعتبار الشدياق من طلائع النقّاد العرب للاستشراق الغربي، وهو الذي أقام في فرنسا وبريطانيا وتعرّف عن كثب على بعض المستشرقين. وبالرغم من موقف الشدياق المتشدّد في القضايا اللغوية، إلا أنّه كان منفتحًا ومشجّعًا للعلوم الحديثة وهو القائل ”… فإن وصول الخبر من قاعدة مملكة أوستريا إلى ليفربول في أقلّ من ثانية أنفع من تجويز عشرين وجهًا في مسألة واحدة“. (المقصود: الصفة المشبّهة، ينظر في: الواسطة في معرفة أحوال مالطة وكشف المخبا عن فنون أوروبّا، ط. ٢، استنبول: مطبعة الجوائب، ١٢٩٩ هـ، ص. ٢٠٨؛  Mohammed Bakir Alwan, Ahmad Faris ash-Shidyaq and the West, 1970. ويرى الشدياق أنّه لا شين في استعارة العرب لمصطلحات أجنبية في حالة عدم وجود مقابلات عربية لها مثل ”التلغراف والغاز“، فالمخترعون أجانب ولكن ينبغي استبدال ألفاظ أجنبية بأخرى عربية مثل ”فابريقة، بيمارستان وديوان“ وبالعربية ”معمل أو مصنع، مستشفى ومأْمر“. ويمكن تلخيص انتقادات الشدياق للمعاجم العربية بالنقاط التالية: اعتباطية الترتيب؛ تقديم المعنى المجازي على المحسوس؛ عدم وضوح في إدخال المفردة؛ عدم ذكر الفروق في المعاني؛ الاختلاف حول اشتقاق المفردة. ويرى الشدياق أنّ المعجم الجيّد ينبغي أن ”يكون سهل الترتيب، واضح التعاريف ...، شاملًا للألفاظ التي استعملها الأدباء والكتّاب وكلّ من اشتهر بالتأليف“.  كما عمل الشدياق على تطوير الفصحى وجعلها قادرة على التعبير عن مستجدّات العصر الراهن، وانتقد بشدّة استخدام العامّية. وتابع في هذا المجال إبراهيم اليازجي متأثرًا بالشدياق. 
جورجي (أفندي) زيدان هو أحد رجال النهضة البارزين، مؤسّس مجلّة ”الهلال“ ذائعة الصيت عام ١٨٩٢، وما زالت تصدر في القاهرة حتّى الآن. إنّه معلّم ومترجم وصحافي ومؤرخ وروائي وفيلسوف لغوي. وبالرغم من عمره القصير تمكّن زيدان من انتاج وافر، ٢٣ رواية تاريخية وعدد من المؤلفات تُعنى بالأدب العربي والتاريخ الإسلامي والمصري والتاريخ العامّ، زد إلى ذلك سيرته الذاتية وفلسفة اللغة ومواضيع كثيرة أخرى. وقد دعا زيدان إلى إنشاء مجمع للعربية ذي سلطة في استخدام ما يقرّره من مفردات، وكذلك من أجل توحيد المصطلحات في ميادين مختلفة في العالم العربي. وكان زيدان من أنصار الفصحى، وفي الوقت ذاته من دعاة تبسيط العربية لتكون في متناول الكثيرين. وقال إنّ استعمال اللهجات العامية في الأقطار العربية بدلًا من الفصحى يؤدّي إلى تفكيك العرب، واللهجات غير قادرة على استيعاب العلوم المعاصرة. في حين أنّ الفصحى لغة حيّة قادرة على التعبير والتكيف، إلا أنّه لا يشرح ما المقصود من ”لغة حيّة“. ومن المعروف أنّ زيدان قد ألّف كتابين لغويين: الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية. القاهرة: دار الهلال الطبعة الثانية، مراجعة مراد كامل، ١٨٨٦، وهو، على ما يبدو، أوّل عمل بهذا المجال في اللغة العربية؛ اللغة العربية كائن حيّ. القاهرة: دار الهلال، مراجعة مراد كامل، ١٩٦٥. والحقّ يقال إنّ زيدان رغم مساهماته اللغوية فهو لا يدّعي أنّه علّامة لغوي. وامتاز زيدان عن مجايليه أنّه أدلى بدلوه في الدراسات اللغوية من منظور المقارنة بلغات أخرى، سامية وهندو-أوروبية وقد أجاد بالإضافة للعربية كلا من العبرية والسريانية والإنجليزية واللاتينية والفرنسية والألمانية، وكان على دراية بالإيطالية والإسبانية. ويمكن القول إنّ أهميّة زيدان تكمُن في إدخاله البحث اللغوي الحديث إلى العالم العربي، وفي رأيه العربية كائن حيّ يتغيّر ويتطوّر، وهي ليست مقدّسة وثابتة وهي الوسيلة الملائمة للتعليم. وفي مقدور العربية ملائمة العصر الحديث كما فعلت في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين واستعمالها علامة بارزة في الهوية العربية. وقد نادى زيدان بتطوير التعليم وتحديثه.
عبد الله (بن مصباح بن إبراهيم) النديم (الإدريسي الحسني) أديب، شاعر وصحفي وخطيب وطني مصري تصدّى لثقافة التغريب وحصر ثلاثة تحديات تهدّد العربية: موجة التتريك إذ أنّ حزب الاتحاد والترقي فرض اللغة التركية على الأقطار العربية، اللغات الأجنبية والعامية. وينتمي النديم فكريًا إلى أُستاذه الشيخ جمال الدين الأفغاني مؤسّس تيّار الجامعة الإسلامية. ومن المشاكل المركزية التي شغلت بال النديم كانت أسباب تقدّم الغرب وتأخّر العرب. ورأى النديم أنّ الإسلام مرجعُ المجد وأصل الشرف وهو أقوى دعائم العمران، واعتبر العربية ركيزة هامّة في الهوية العربية الحضارية، فهي لسان الدين وترجمان الوطن. مع ذلك، ذهب النديم إلى أخذ العلوم والتقنيات من الغرب بعد تفحصّها وملائمتها للأوضاع العربية. كما خاض النديم معارك فكرية وثقافية مع ما دُعي بالمسيحيين الشوام، أصحاب مجلة ”المقتطف“ وصحيفة ”المقطّم“ من أمثال يعقوب صروف وأمين شميل وشبلي شميل وشاهين مكاريوس. 
ومن المعروف أن عهد النديم، شهد حركة قوية تدعو إلى استخدام العامّية بدلًا من الفصحى، ومن أنصارها نذكر ڤلهلم سبيتا بك (١٨٥٣-١٨٨٣)، مدير دار الكتب المصرية ومؤلف كتاب ”قواعد العربية العامية في مصر“، لايبزج، ١٨٨٠ (بالألمانية). ومقدّمة هذا الكتاب تزخر بالعديد من الأفكار مثل وجود بون شاسع بين العربية المكتوبة والعربية المحكية، وهو يقف حائلًا دون إنجاز تعليم عامّ للشعب. ويذهب سبيتا بك إلى أنّه من الأسهل على الإنسان كتابة اللغة التي يتحدّثها بدلًا من لغة قديمة ومصطنعة بعيدة عن حياة الناس بُعد اللاتينية عن الإيطاليين والإغريقية عن اليونانيين. ومن دُعاة العامّية كان وليام ولكوكس (١٨٥٢-١٩٣٢) القائل بأنّ تأخّر المصريين ناتج عن لغة التعليم بالفصحى. وكذلك جون سيلدن ولمور (١٨٥٦-١٩٣١) الذي ألف كتابًا بالإنجليزية بعنوان: العربية المحكية في مصر، ١٩٠١. 
ومن ضمن دعاة العامية العرب نذكر إبراهيم بك مصطفى وأمين شميل ويعقوب صروف وفارس نمر وجورج ستفنصن. هؤلاء الأجانب والعرب وغيرهم نادوا بوجوب تبنّي العامّية في التعليم وكتابتها بالحروف اللاتينية. في هذا الجوّ العامّ إزاء لغة التعليم، برز النديم ونعت دعاة العامية العرب بـ ”المتفرنجين“ وقد أصدر عدّة صحف مثل ”التنكيت والتبكيت والطائف والأستاذ“ وكُتبت بعض مقالاتها بالعامية المصرية والبعض الآخر بالعربية المعيارية. في الواقع كان يعقوب صنّوع قد سبق النديم في الكتابة بالعامية في صحيفة ”أبو نظارة“ التي أُسّست عام ١٨٧٨، أي ثلاث سنوات قبل صدور صحيفة ”التنكيت والتبكيت“. ويبدو أن النديم سار على هدي القول ”خاطبوا الناس على قدر عقولهم“. ويربط النديم علاقة متينة بين اللغة والدين، فالارتباط بينهما كارتباط الروح بالجسد وتتأتّى اللغة عن طريق السمع وعن طريق البصر. وركّز النديم بشكل خاصّ على تجنّب المصطلحات الأجنبية التي غزت لغة الضاد في أيّامه في شتّى مجالات العلم والمعرفة. واعتقد النديم أن الفجوة أو البون كما ورد سابقا بين العامّية والفصحى قابلة للتجسير وهذا شأن بحاجة لبحث مفصّل ومنفرد. خوفه على العربية كان عميقًا، ومصدره من الداخل أي العامّية ومن الخارج أي اللغات الأجنبية لا سيّما الإنجليزية والفرنسية. ما الجواب أو الأجوبة الشافية عن السؤال: لماذا كتب النديم بعض مقالاته بالعامية ولماذا الخلط بينها وبين الفصحى في مقالات أخرى؟ أهو تحبيب العربية المعيارية على الشعب عن طريق لغة يفهمها السواد الأعظم؟
”حول اللغة عند النديم أنظر: محمود فهمي حجازي، الرؤية اللغوية عند عبد الله النديم. بحوث ندوة الاحتفال بذكرى مرور مائة عام على وفاة عبد الله النديم. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ١٩٩٧؛ مديحة دوس، العامية المصرية عند عبد الله النديم، ن. م. ؛ محمد عوني عبد الرؤوف، المستويات اللغوية عند عبد الله النديم، ن. م.؛ نفّوسة زكريا سعيد، عبد الله النديم بين الفصحى والعامّية. القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر، ١٩٦٦“.
وقعت هذه الهفوات:
وِفْقَ، ١١؛ كلّ مَنْ استمع، ١٦؛ تُحظى، ٣١، ٣٢؛ صَحّ، ٣٣؛ أشياءً، ٤٣؛ من الصعب تقيمُ التأثير المباشر، ٩٩؛ وشهيج الحمار، ١١٨؛ على المعنى نفس، ١١٩؛ بمعانيَ مختلفة، ١١٩؛ من الناحية الصوتية (الفونولوجية) أي من ناحية مخارج الأصوات، ١١٩؛ أقكار، ١٣٢؛ سداد هذه الديون، ١٦٢؛ تاجر أوْ استوطن، ١٧٠. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق