في الوقت الذي دخلت فيه رشيدة طليب عضوة الكونغرس الأمريكي من أصول فلسطينية مكان عملها بالزي الفلسطيني الشعبي، لترفع اسم إسرائيل من خارطة مكتبها وتستبدله بفلسطين، يطمئن الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين الإعلامية الكويتية فجر السعيد بأنها في حما الله والموساد من الهجمة التي تعرضت لها بعد دعوتها للتطبيع مع إسرائيل. بينما مواطنة أمريكية تحرر وطن أهلها معنويا من الاحتلال الإسرائيلي، تحصل مواطنة كويتية على حماية إسرائيلية تحرج حكومة بلادها بعدم قدرتها على توفير الحماية المطلوبة للحفاظ على حياتها.
ليس من الصعب استيعاب الدوافع خلف إساءة بعض الإعلاميين الأجانب لشخص النبي محمد لغرض استفزاز مشاعر المُسلمين وبلوغ الشهرة بعد تهديدهم بالقتل، لكن كيف يمكن تفسير فعل استفزاز الإعلاميين في الخليج لمشاعر العرب وتعريض حياتهم للخطر. كيف يمكن أن نفسر دعوة فجر السعيد للتطبيع مع إسرائيل بينما تدافع حكومتها عن حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية؟
القضية الفلسطينية ليست تطبيع العرب مع إسرائيل، ولكن حقوق الشعب الفلسطيني، فإذا كانت حكومة نتنياهو لا تريد الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، لماذا تحتاج حكومات الخليج التطبيع معها؟
طبعت مصر والأردن مع اسرائيل للحصول على الدعم الأمريكي وتخليص اقتصادهما المتآكل من الانهيار، وتدعو دول الخليج الصغيرة للتطبيع مع إسرائيل بسبب حاجتها للحماية الأمريكية من المشروع الإيراني، إذا امريكا هي حقيقة الغاية من التطبيع مع اسرائيل لا معاناة اليهود والعرب في فلسطين. لكن ماذا لو اضطرت امريكا التي تواجه محنة اكتساح الدب الروسي والتنين الصيني للاسواق الشرق أوسطية للتخلي عن إسرائيل. من غير المعقول أن تواصل امريكا دعمها لإسرائيل مقابل توسع روسي يضيق عليها الخناق، ويحاكي رغبة شعوب المنطقة بالتخلص منها؟
نحن بحاجة إلى دراسة المجتمع الإسرائيلي لنتعرف على حقيقة الأزمات التي يعاني منها، وندرك النهاية الحتمية للكيان الديني الذي غرست بريطانيا رآيته في قلوب الفلسطينين. للأسف لازلنا نتعامل مع رفضنا لهذا الكيان لا معرفتنا به.
انتهت المغريات الاقتصادية والإيمانية التي استخدمتها الصهيونية لتشجيع أثرياء يهود الغرب للهجرة إلى فلسطين. لم تعد إسرائيل ارض الإيمان والرب الموعودة، لأن الرب الإسرائيلي كباقي الأرباب في العالم مهدد بالعلمانية وموجات الإلحاد العاصفة، وشعبه يعاني فساد حكومته في ظل اقتصاد معزول يبحث في خدعة التطبيع عن أسواق خليجية تنقذه من الانهيار. معظم المهاجرين اليهود اليوم من روسيا وافريقيا، شعوب يبحث فقرائها في اسرائيل عن جنسية تمنحهم، لاحقا، فرصة الهجرة إلى دول أكثر أمنا واستقرار.
لم تكن هجرة يهود الغرب الى فلسطين غير سياسة إنكليزية للتخلص منهم. بينما كان يهود العرب ينعمون بحقوقهم كمواطنين، كان يهود اوربا يعانون من الظلم الاضطهاد. لم تشوي الحكومات العربية يهودها كما شوى هتلر يهود ألمانيا، ولم يجسّد الأدب العربي الشخصية اليهودية كما جسدها شكسبير في تاجر البندقية، وديكنز في اوليفر تويست. ان للعرب رموز يهودية سياسية وثقافية طالها من الاعتزاز والتقدير ما طال امثالها من باقي الديانات. اليهود في فلسطين ليسوا ضحايا العرب، بل ضحايا السياسة الانكليزية. احتلت بريطانيا فلسطين وأدركت بخبرتها الاستعمارية طبيعة شعبها. الفلسطينيون ليسوا أقوام بدائية من السهل ترويضهم وذوبانهم في ثقافة غير ثقافتهم. لم تترك بريطانيا فلسطين إلا على أثر الضربات الموجعة للمقاومة الفلسطينية، وعندما قررت أن تمنح أرضهم لليهود، إنما إرادات التخلص منهم ومن اليهود في صراع وجودي لا يعني غير إبادة الطرفين لبعضهم البعض.
في الحقيقة ليست الدول العربية بحاجة للطبيع مع إسرائيل، لكن اليهود الذين نفتهم حكومات بلدانهم إلى فلسطين بحاجة للطبيع مع أهلها، التطبيع كنتيجة لعملية سلام عادلة وشاملة تضمن حقوق الطرفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق