تصادف هذه الأيام ذكرى وفاة الشاعر والاديب والمفكر الفلسطيني فوزي عبد الله ، أحد اعلام الثقافة العربية الفلسطينية في الداخل ، الذي شكلت حياته صراعًا دؤوباً للعطاء الشعري والابداع الوطني والفكري السياسي الملتزم ، والبحث عن المعرفة والحقيقة الثقافية.
ولد فوزي عبداللـه في مدينة الناصرة سنة 1942 وتعلم في مدارسها ، وحصل على شهادة الماجستير باللغة العربية ، عمل مدرسًا في مدارس الناصرة، واشتغل بالصحافة في جريدة " الوطن ".
عانى فوزي عبداللـه في حياته تعتيماً وحصاراً إعلامياً وثقافياً قهرياً ، لكنه تجاوز الصعاب وواجه التحديات ، واستطاع أن يرسخ اقدامه، ويثبت حضوره ومكانته الأدبية والفكرية ،ويحقق شهرة أدبية واسعة في الداخل والخارج.
تميز فوزي برؤيا شمولية ونظرة فلسفية للحياة والفكر والأدب ، وساهم في تأطير حركة الإبداع الثقافي والأدبي المحلي من خلال مجلة "المواكب" التي أنشأها مع لفيف من رجالات الفكر والأدب والقلم في الداخل الفلسطيني ، وكان لها دور ريادي فاعل في استقطاب الكثير من المواهب ومحبي الكلمة الرشيدة السديدة والواعية، وتنشيط الحياة الثقافية والحركة الادبية الفلسطينية.، و كان من المبادرين لإقامة وتأسيس "الحركة التقدمية للسلام" و"رابطة الكتاب والأدباء الفلسطينيين".
عكف فوزي عبداللـه على الكتابة الأدبية الإبداعية منذ مطلع شبابه ، وظهرت كتاباته الشعرية والادبية ومتابعاته النقدية ومداخلاته الفكرية على صفحات المجلات والدوريات والملاحق الأدبية الفلسطينية . وصدرت له مجموعة من الأعمال الشعرية ، وهي :" موعد مع المطر ، الطيور المهاجرة، الفارس يترجل، شدوا الخطى، قصائد عن الخروج والعودة ، وقراءة في سفر التكوين "
حمل فوزي عبداللـه الهم الجماعي وتفاعل مع الجماهير ونبضها وانغمس في قضاياها الروحية والمادية والمعيشية اليومية ، وملأ سماء حياتنا بالشعر الوطني والإنساني والوجداني التأملي ، الذي يجسد هموم شعبنا ويتناول مأساة الإنسان الفلسطيني وقضيته الوطنية ومسائل الحياة والهم الإنساني ونضالات الشعوب من أجل الحرية والخلاص من القهر والكبت ، ويعكس المشاعر الوطنية المرهفة الصادقة ، والارتباط بالأرض والوطن والتراب المقدس ، وله قصيدة تختزل وتختصر حبه لفلسطين وشعبها المنتفض والمقاوم .. يقول في مطلعها:
لا تعذليني إذا اشركت في ديني
ديني الهوى وهوى ديني فلسطيني
تتسم قصائد فوزي عبداللـه بصدق التجربة وحرارة العاطفة والشفافية والرؤى والخيالات ، ووضوح الفكرة ودقة التعابير ، وقوة ونقاء اللغة، والتكثيف في المعاني ، وابتكار الصور الشعرية الموحية ، واستخدام القصة الشعرية والاستعارات الدينية والتاريخية والتراثية. وغني عن القول أن هذه القصائد والأشعار مزيج من الحب والحياة الإنسانية والأمل، وذات بعد وطني واضح، ونظرة تأملية ،ورؤيا فلسفية شمولية ، وصور حسية جمالية ملونة ومبتكرة، وتشع رقة تأسر القلوب وتذكي فيها الحس والشعور الوطني الجياش والفياض.
فوزي عبداللـه شاعر مسكون بالوطن ، رسم بمداد قلمه الواقع والحلم، وتفاصيل المعاناة اليومية الحاضرة ،حكى أوجاع الحصار ،وحمل هموم الطائر الذبيح، ورفض الليل الجاثم على صدر الوطن الفلسطيني المثخن بالجراح ، وكتب أشعاره التي التزمت الموقف الوطني الواعي، بالدمع والألم والتحدي والشموخ.
أخيراً، فوزي عبداللـه الإنسان والشاعر والمفكر والمناضل السياسي الفلسطيني الذي انغرس كالزيتون والسنديان في وطنه، سيظل حاضراً في قلوبنا وعقولنا وآهاتنا ووجداننا وذاكرتنا الشعبية، بقصائده ومواقفه وأفكاره الوطنية ، وبالقيم النبيلة العليا التي ناضل ونافح من اجلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق