بين ترامب وتحرير الجولان/ جورج الهاشم

اثنتان وخمسون سنة والجولان تحت الاحتلال الاسرائيلي. اثنتان وخمسون سنة ونحن نحارب بالبيانات والمظاهرات والادانات وتحميل اللوم لأميركا ولأسرائيل. هل تتوقعون أن يعود الجولان بهذه الطريقة؟ هل تراهنون على تغيير النظام في أميركا؟ ومتى وقفت أميركا ضد مصلحة اسرائيل؟ وما الجديد في موقفها؟ هل تتوقعون أن تتخلى اسرائيل عن عدوانيتها وتعيد لنا الجولان؟ اسرائيل قامت وتقوم على اغتصاب أراضي الغير، ولن تتوقف. كلما لاحت لها فرصة لقضم المزيد من الأراضي العربية ستغتنمها. اسلوب الاحتجاج والتظلّم لن يعيد الجولان ولا الضفة ولا القدس ولا الكرامة العربية.                                         
في تاريخنا الحديث أمثلة كثيرة للتعامل مع اسرائيل بالنسبة  لأراضٍ عربية احتلّتها بعد نشوئها. سأذكر منها أربعة. المثل الأول من مصر: بعد احتلال اسرائيل لسيناء في حرب ال 67، شنَّ عبد الناصر حرب استنزاف ضد اسرائيل كانت قاسية عليها ومكلفة. وعمل في الوقت نفسه على اعادة بناء الجيش وتدريبه على حرب العبور. لم يمتدّ العمر بناصر ليرى خطّته تنتصر على أرض الواقع سنة 1973. هذا النصر كان منقوصاً بسبب تدخّل السياسة في الامور العسكرية،  ووضع كل البيض المصري في السلّة الأمريكية، مما قاد الى كامب دايفد مهين كافأ اسرائيل على عدوانها وأبعد مصر عن بقية الدول العربية. وفتح الباب عريضاً للتطبيع مع الاحتلال قبل التوصّل الى حل عادل وشامل.                                
المثل الثاني من فلسطين. مشت منظمة التحرير الفلسطينية على خطى كامب دايفد، واعتقدت انها حصلت على دولة. أكثر من ربع قرن من المفاوضات لم تسفر الا عن تحويل أراضي الحكم الذاتي الى سجن كبير تتحكَّم اسرائيل بكل معابره. تفتحها حين تشاء وتغلقها حين تشاء. وتعربد ساعة تشاء. الفرق أن الشعب الفلسطيني لا زال يقاوم، ويحاول دائماً أن يعدّل ميزان القوى لصالحه، مع اختلاف في اسلوب المواجهة  في كل من قطاع غزة والضفة الغربية. 
المثل الثالث من  لبنان: احتلّت اسرائيل أراضٍ واسعة من لبنان ودخلت عاصمته سنة 1982. وقبل أن تسكت المدافع أعلنت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية حرباً شعبية مفتوحة على جيش الاحتلال. استكملها حزب الله . قدَّمت المقاومة تضحيات كبيرة ولكنها بالمقابل أنزلت  خسائر فادحة باسرائيل، وأجبرتها على الانسحاب، دون قيد أو شرط، من معظم الأراضي اللبنانية. بعد أن علَّمت "الجيش الذي لا يُقهر" درساً لن ينساه وخلقت ما يسمى بتوازن الرعب بين الطرفين، لا زال قائماً حتى الآن.                                                                   
المثل الرابع من سوريا. احتُلَّ الجولان سنة 1967. فشل نظام الأسد الأب باسترجاعه في حرب نظامية، بالاشتراك مع مصر سنة 1973. ومنذ ذلك الحين والجبهة هادئة. رفض النظام اتباع النموذج الناصري بحرب استنزاف. كما رفض النموذج اللبناني بحرب تحرير شعبية. ورفض أيضاً النموذج الفلسطيني. قال لنا انه يعدُّ للمعركة الفاصلة وانه هو من سيختار المكان والزمان، رغم اعتداءات اسرائيل المتكررة على السيادة السورية. الأسد الابن حافظَ على سياسة أبيه. ومضى اثنان وخمسون عاماً والجولان تحت الاحتلال.               
لو تُرِك الأمر للنظام اللبناني سنة 1982  لكنا سمعنا غداً قراراً امريكيا بالاعتراف بالجنوب أرضاً اسرائيلية. ولكن النظام اللبناني لم يكن له سلطة على الجنوب. وعندما أخذت المقاومة الوطنية قرارها لم تسأل لا عن اسرائيل ولا عن أميركا ولا عن ميزان القوى. قررت أن تحرِّر أرضها  وانتصرت. وفرضت نفسها على الجميع.                                           
بعد اعلان ترامب، أو بلفور الثاني، اعطاء ما ليس له لمن لا يحق له بذلك، تعالت الأصوات الغاضية، وتكاثرت البيانات الشاجبة و"المتأسفة" لهذا الموقف الاميركي. وكأنهم كانوا يراهنون على موقف اميركي عادل. وكما العادة عدنا الى نوم عميق. هكذا فعلوا يوم اعترفت أميركا بالقدس عاصمة لاسرائيل. أخشى ما أخشاه، اذا لم نقرن القول بالفعل، أن نستيقظ غداً على وعد بلفور ثالث ورابع.                                                                              
أمام سوريا اليوم طريق واحدة، وفرصة تاريخية لا تُعوَّض، اذا أرادت فعلاً أن تحرِّر الجولان. وذلك باعلان حرب استنزاف تستمر حتى التحرير، مدعومة بخطط لتقوية الجيش واعادته الى دوره الطبيعي على الحدود. وان فعلت فهي ستنتصر لا شك بذلك وستفرض نفسها على اسرائيل وعلى أميركا والعالم. وسيقف معها كل الاحرار. أما غير ذلك، فاستمرّوا في اصدار البيانات. وتخوين كل من يشير، صراحة أو تلميحاً، الى الجهة الحقيقية المسؤولة ليس فقط عن ضياع الجولان، وليس فقط عن ضياع كل الاراضي العربية المحتلة، بل وأكثر عن ضياع الكرامة العربية، وعن ضياع الأمل بأن نلتحق قريباً بركب العدالة الاجتماعية وركب دولة المواطنة وحقوق الانسان.  ناهيك عن وضع اسمنا على قائمة الدول التي تحترم نفسها.                                                                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق