ما من شك أن الحراك الشعبي الفلسطيني في قطاع غزة ، والقمع العنيف المرفوض وغير المبرر له من قبل مليشليات وأمن سلطة " حماس " ، هو نتاج حالة اليأس والاحباط والاحتقان والغضب والاستنزاف المسيطرة على الجماهير الشعبية المسحوقة الكادحة والفقيرة في القطاع ، في ظل استمرار الحصار التجويعي المفروض عليه ، وحالة الانقسام الفلسطيني المعيب المدمر ، الذي لا يستفيد منه سواء الاحتلال وجميع اعداء شعبنا ، ناهيك عن غياب الوحدة الوطنية الميدانية والفصائلية ، بما يهدد المشروع الوطني التحرري الفلسطيني ، وتفكك وتمزق النسيج المجتمعي الفلسطيني .
الانفجار الشعبي في القطاع مرده وسببه الأحوال الاقتصادية والمعيشية الصعبة السيئة التي يعيشها السكان ، والوضع الكارثي الانساني الذي يعم القطاعات الجماهيرية الغزية ، وتأزم الوضع المعيشي نتيجة غلاء الأسعار ، والارتفاع في أسعار الحاجات اليومية الضرورية ، وفرض ضرائب جديدة ، واستخدام اساليب حديثة للجباية ، اضافة إلى انقطاع الكهرباء ، والنقص في الأدوية للمرضى ، وانعدام البنى التحتية والخدماتية وغير ذلك . كل ذلك زاد من معاناة المواطن الغزي ، حتى بلغ السيل الزبى ، ما دفع إلى الحراك الشعبي لاحتجاجي الغاضب ، والنزول الى الشوارع للتظاهر تحت شعار " بدنا نعيش " ، وهي صرخات مشروعة ومطالب عادلة .
وفي حقيقة الأمر أن الوضع والحال الكارثي المأزوم في قطاع غزة ، ليس فقط نتاج حكم وسلطة حماس واخطائها وعلاقتها مع الشعب وممارساتها القمعية للقوى الفلسطينية الاخرى المعارضة لحكمها ونهجها وسياستها ، وإنما أيضاً نتيجة الحصار الظالم المجحف القاتل منذ العام 2007، الذي تشارك فيه أطراف محلية وعربية واقليمية ودولية ، والعدوان الاحتلالي المتواصل ، والحروب التي فرضتها المؤسسة الصهيونية الحاكمة على شعب القطاع .
ولكن من المؤسف وعار على حماس ، وهي التي عانت من القمع والتنكيل الاحتلالي ، أن تلجأ إلى العنف لتفريق المتظاهرين ومنعهم من الاحتجاج والتظاهر من اجل الخبز والحليب والماء والكهرباء والدواء ومتطلبات الحياة الانسانية البسيطة بكرامة ، بحجة تطبيق سلطة القانون .
من حق المواطنين والسكان في قطاع غزة كباقي شعوب العالم التجمع والتظاهر السلمي والقيام بالمسيرات الاحتجاجية السلمية ورفع مطالبهم بالعيش الكريم وتحسين اوضاعهم الانسانية والاقتصادية ، ولا يجوز بأي حال قمع ومنع الحراك الشعبي والتنكيل بالمتظاهرين والمحتجين واللجوء إلى القوة والعنف لتفريقهم كما رأينا ذلك عبر الشاشات والفضائيات ووسائل الاعلام المختلفة . ويجب على جميع الاطراف أن تعي وتدرك أن مصلحة الشعب والوطن فوق أي اعتبار ، وفوق كل المصالح الحزبية والسياسية والفئوية والخاصة .
المطلوب من حماس مراجعة نفسها، والاستجابة لنداء الضمير الوطني ، وتلبية المطالب الشعبية المرفوعة ، والبدء بحوار وطني حقيقي مسؤول وعاجل ، والتفاوض السياسي مع جميع القوى السياسية والفصائلية والمجتمعية في الشارع الفلسطيني داخل القطاع ، بدلًا من اساليب العنف القمعية ، ومن لغة التخوين والتشكيك والشيطنة ، وتعميق الشرخ الداخلي والتناقضات الفلسطينية – الفلسطينية ، وكيل الاتهامات لهذه القوى والتحريض عليها ، وكذلك بحث تحديات المرحلة المقبلة وتحديد اولوياتها ، بما فيها استكمال الحوار حول المصالحة الوطنية ، وتوحيد الشارع الفلسطيني بكل قواه واتجاهاته واطرافه المتعددة ، لإسقاط مشروع " صفقة القرن " الذي يستهدف تصفية قضية شعبنا الوطنية وحرمانه من الاستقلال واقامة دولته فوق التراب الوطني وعاصمتها القدس الشرقية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق