قد يرى البعض في هذا العنوان تجني على القدس والمقدسيين،ولكن لا بأس من وضع النقاط على الحروف،فما يحدث من تدمير ممنهج للنسيجين المجتمعي والوطني،وإنهيار منظومة القيم والأخلاق،هو نتاج لممارسات وأفعال،نحن جزء أساس فيها،والإحتلال له مصلحة في هتك وتدمير نسيجينا الوطني والمجتمعي،ولكنه يقوم بتوظيف أدواته واطره ولجانه ومؤسساته المشكلة ممن هم جزء من نسيجنا المجتمعي المقدسي،لخدمة أغراضه واهدافه في هذا الجانب،حتى يغدو وجوه وقادة مجتمع..فلا احد يقول لي بانه لا توجد سياسات وعمليات استقواء ذات طابع عشائري او جهوي وغيرها،حيث أن جزء من العائلات في القدس ومحيطها تشعر بأن حقوقها تسلب ويتم التعدي على بيوتها وأراضيها وممتلكاتها،من قبل "مافيات" منظمة،دون ان يكون هناك أي رادع أو وضع حد لها،وعندما تلجأ الى من يسمون أنفسهم اهل العقد والحل،تكتشف بان جزء منهم يريد ان يبتزهم مالياً،او يقنعهم بالقبول بالأمر الواقع ،وطبعاً أنا لا اعمم ولكن هذه الظاهرة منتشرة،فهناك عشرات القطع من الأراضي والبيوت إن لم يكن مئات تم التعدي عليها و"إحتلالها" بسياسة الأمر الواقع والترهيب والتخويف...عملية إنتشار ظاهرة تأجير المباني والممتلكات والأراضي لبلدية الإحتلال ومؤسساتها من أجل إحداث حالة من الإختراقات سواء على صعيد أسرلة العملية التعليمية،تاجير الممتلكات من اجل افتتاح مدارس للمنهاج الإسرائيلي و"البجروت" ومراكز جماهيرية وغيرها،وكذلك هناك العديد من المؤسسات تم تأجيرها كمقرات لبنوك ومؤسسات أكاديمية وتجارية اسرائيلية،ونحن نشهد حالة من الزحف من اجل السيطرة تجارياً على شوارع القدس الرئيسية...والحجج والذرائع التخفيف على المواطنين،وطبعاً هذا نتاج لغياب أي خطة ذات بعد وطني شمولي،من اجل مواجهة مخططات الإحتلال على هذا الصعيد...بل تجد من هم منتفعين من ذلك كسمسرة أو تسهيل عمليات التأجير يدافعون عن مثل هذا السلوك وتلك الممارسات ..
الإحتلال اخترق حتى حصوننا الداخلية،وأصبح يتدخل في أدق تفاصيل حياتنا،بما في ذلك المشاكل الأسرية والعشائرية،وأصبح يشكل اللجان والمؤسسات الخاصة به للتدخل في مثل هذه الأمور والقضايا،وبما يمكن اجهزته من النفاذ الى قلب الأسرة والمجتمع،وبالتالي يحدث حالة من " التطويع" لوعي الناس،بما يجعلهم يتقبلون الإحتلال والتطبيع معه،ويخرجهم من دائرة أي فعل وطني مناهض لإجراءاته وممارساته بحق اهلنا وشعبنا في المدينة .
اما بالنسبة لمالكي البيوت في المدينة،فعندما يعرضون بيوتهم للأجرة،فهي تعادل راتب المستأجر في شهر،وفي أقل الحالات ثلاثة أرباع راتبه،عدا عن الدفع المقدم لمدة ستة شهور او عام،والدفع يكون بالعملة الصعبة بالدولار،بل البعض يضع الإعلانات التأجير فقط لأجانب او مؤسسات اجنبية...أين الحديث عن الوحدة والتعاون والتعاضد والتكاتف والتسامح وأبناء الوطن الواحد والدين الواحد وغيرها من الشعارات الطنانة الرنانة التي لا تجد لها أي ترجمة في أرض الواقع،فمصلحة الفرد تعلو على أي مصلحة..
أترك موضوع اجرة البيوت،وأذهب الى المسؤولية تجاه الممتلكات العامة،حيث تسود لدينا ثقافة غربية عجيبة انعدام المسؤولية تجاه المال العام والممتلكات العامة،فقلما تجد محطة من محطات الحافلات التي تقي الناس من حر الصيف وبرد الشتاء،لم تتعرض للتخريب،بل وحتى الإقتلاع،اما ما تراه في حاويات القمامة،فتجد هناك حالة مأساوية،انعدام مسؤولية من قبل الأهالي،بحيث عجزهم او ما يعشعش في رؤوسهم من ثقافة اتكالية وتربية غير سليمة،يرسلون أبنائهم القصر من اجل القاء القمامة في الحاوية،وهم يقومون برميها بالقرب من الحاوية،او من ثقل الحمل يجرونها في الشارع،وما تخلفه من مناظر مقرفة بعد تمزق الأكياس التي تحويها،وبعض الأولاد بطريقة التسلية يقومون بحرق حاويات القمامة وما تخلفه من روائح كريهة ودخان أسود كثيف يضر بالبشر والحيوان قبل البيئة .
وانا لا اريد أن اتحدث عن حالة " تنمر" الطلبة على المدرسين في المدارس وتخلفهم عن الدوام المدرسي،بل في نهاية الفصل او العام الدراسي،نعبر عن تخلفنا وجهلنا وعداءنا للثقافة والتعليم بطريقة همجية،فتجد بان الكتب " تذبح" بطريقة ممنهجة،حيث يجري تمزيقها في الطرقات والشوارع العامة،وبما يثبت بأن أمة إقرأ لا تقرأ.
نحن نريد ان نحشر الدين اعتباطاً في كل شيء،لكي نبرر جهلنا وتخلفنا وتشوه وعينا وثقافتنا،رغم ان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول بأن " الدين المعاملة ،وبانه بعث متتماً لمكارم الأخلاق،ولذلك ما نشهده،انهيار كامل في منظومة القيم والأخلاق، فهناك فروض وعبادات لا تنعكس في السلوك والأخلاق والحياة العامة،حتى تجد هناك من يصلي ويبرر سرقة الكهرباء او الماء وغيرها،فالسرقة مرفوضة كمبدأ عام.
وللتدليل على الإنهيار الكامل للمنظومة الفكرية والثقافية،فأي شخص يتجول في شارع صلاح الدين بالقدس وتحديدا يوم السبتً،يجد عشرات الشبان كقطعان الزرافات،يسيرون بلا هدف مشاة وبسيارات تصاحبها موسيقى صاخبة غير مفهومة المعاني والكلمات عبرية وأجنبية تعبر عن دونية المحتل تجاه محتله،وبعضهم موشم الأيدي وقصات شعر عجيبة غريبة،مع انتشار موضة السير برفقة كلابهم في الشارع العام،وطبعاً لا ننسى ظاهرة التحرش و"الحركشة" بالفتيات والطالبات بألفاظ خادشة للحياء،وربما تصل حد التحرش الجسدي،ولا ننسى "التشحيط" و" التفحيط" والسير بسرعة جنونية في السيارات او "المتروسايكلات".
هذا غيض من فيض عما نفعله بانفسنا،اكثر مما يفعله الإحتلال بنا،حيث تغيب المرجعيات الوطنية والمجتمعية والدينية...نحن علينا أن نغادر ثقافة " النعام" دفن رؤوسنا في التراب و"أقفيتنا" مكشوفة،علينا أن نقر بوجود ازمات عميقة اجتماعية وجنسية نعاني منها حتى نستطيع أن نعالج ونضع الحلول،ما يظهر على السطح ويطفو من مظاهر خادعة عن محبة وتسامح وتعاون، لا يعكس ما يحدث في الداخل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق