قبرشمون: قبر العدالة اللبنانية/ جورج الهاشم

منذ اللحظات الاولى لحادثة قبرشمون، وقبل أي احالة على القضاء، انقسم اللبنانيون جازمين بين من يدين وليد جنبلاط ويتهمه بنصب كمين لاغتيال وزير أو أكثر، وبين من يدين جبران باسيل وطلال ارسلان وصالح الغريب بافتعال مشكل لتصفية حساب مع جنبلاط، على مرأى وتوجيه من حزب الله. ومنهم مَن خرج خارج الحدود فأدخل دولاً اقليمية وقوى كبرى في التخطيط والتوجيه. وكان من نتيجة هذا الاشتباك السياسي تعطيل جلسات مجلس الوزراء، مستحضرين صلاحيات رئيس مجلس الوزراء وصلاحيات رئيس الجمهورية على خط المساجلات الساخنة.                                                                                   
أكثر من ذلك، اتفاق الطائف أصبح تحت المجهر. هل هذا هو الوقت المناسب للنظر ببعض بنوده؟ ولماذا غض النظر عن بنود اخرى؟ هذا الغبار الكثيف غلَّف دعوات مبطنة، وتهديدات، بحرب أهلية جديدة وكأننا انتهينا من ويلات الحرب السابقة، وكأن جروحها قد اندملت وأصبحنا بكامل جهوزيتنا لحرب عبثية اخرى أول ضحاياها القيم والانسان ولبنان.
 تناظرَ السياسيون حول المرجعية القضائية الصالحة للنظر بالجريمة: المجلس العدلي، المحكمة العسكرية، شعبة المعلومات... ولكل وجهة نظره. شعبة المعلومات مسيَّسة. المجلس العسكري خاضع لمن يبدِّل قاضٍ بقاضٍ ولا ثقة بأحكامه والمقدّم سوزان الحاج أقرب مثل على ذلك. المجلس العدلي يتم تعيين رئيسه من قبل وزير العدل. ووزير العدل أصدر حكمه سلفاً بأنه كمين لاغتيال رئيس حزبه. ارسلان شرب حليب السباع، ولبط رجله بالأرض، وأعلن انه كمين لاغتيال وزيره الغريب. جنبلاط وأركان حربه: استفزاز بدأه باسيل بنبش القبور واستكمله الغريب بالمبادرة باطلاق مرافقيه النار. رئيس الجمهورية أعلن انه كمين لاغتيال صهره. نصرالله: لو كنت أحكم لأحلت القضية الى المجلس العدلي. جعجع مجلس العدلي لتصفية حساب مع جنبلاط، "والمؤمن" لا يُلدغ من مجلس عدلي مرَّتين. سعد الحريري أنا من يحدد جدول اعمال مجلس الوزراء. ونزل معظم السياسيّين الى هذا الخندق أو ذاك. حتى الذين انتهت "صلاحيتهم" هرولوا الى الخنادق مع ما تيسَّر من تصريحات. وضاع العدل.                                                                                               
لا أعرف بلداً، حتى الأكثر تخلفاً، ينتظر حادثة لتقع، ليخوض سياسيّوه جدلاً عقيماً حول الجهة القضائية الأصلح للنظر بها. لا أعرف بلداً يقرر رئيس جمهوريته، ووزير عدله، وكل حلفائه النتيجة قبل ان ينهي القضاء تحقيقاته. ولا أعرف بلداً، يقرر المتهم بالجريمة، مدعوماً يكل حلفائه، المسار القضائي للتحقيقات. أيها السياسيون جميعاً: لو كان عندكم ذرّة من مسؤولية لما تصرَّفتم بهذا الشكل. ربما تتساءلون وما العمل؟                                  
العمل، أيها المسؤولون، هو العدل ثم العدل ثم العدل. لا يوجد عندكم قضاء مستقل. كل زعيم منكم له حصة من القضاة. وفضائح قضاتكم كانت لفترة وجيزة ملء السمع والبصر. خمدت الضجة حول القضاة الفاسدين فجأة. فهل اتفقتم على الحصص؟ أين محاربة الفساد الذي دبَّجتم المعلقات في محاربته؟ القضاء المسيَّس لا يمكن ان يحارب الفساد لا بداخله ولا خارجه. والقضاء المسيَّس لا يحقق العدل. ومن حقِّقم أن لا تثقوا به. منكم من لا يثق بالقضاء العسكري، ومنكم من لا يثق بالمجلس العدلي. ومنا من لا يثق بكم جميعاً.                         
لمرّة واحدة أَثبتوا انكم مهتمّون ببناء دولة حديثة. والدولة الحديثة لا تقوم على المحاصصة. بل تقوم أول ما تقوم على قضاء مستقل. تفضّلوا الى مجلس النواب، إن كنتم مسؤولين فعلاً، وشرِّعوا لقضاء مستقل. اعطوا القضاء الصلاحيات اللازمة ليصحح الخلل داخله أولاً ثم لينطلق لتحقيق العدالة. عندها قضية كقضية قبرشمون ستجد الآلية القضائية الجاهزة لمحاسبة المخالفين الى أية جهة انتموا. دون أن يدلي أي واحد منكم بدلوه بالموضوع تحت طائلة المحاسبة القانونية. ومع القضاء المستقل والنزيه يمكن للبنان أن يحارب الفساد الذي شلَّ كل مفاصله. عندها ستجدون خلف القضبان ما يدهشكم. ربما لذلك لن تطلقوا يد القضاء. تريدونه مكبلاً لتتحكموا بالنتائج. ولا تريدونه مستقلاً لينشر العدل.                                         
فإذا كنتم تريدون لقبرشمون ان تكون قبراً للعدالة، فاستمروا في مجادلاتكم حول جنس الملائكة. وإذا كنتم تريدونها مناسبة لتحرر القضاء من قيودكم السياسيّة واطلاق يده في احقاق الحق والعدالة ومكافحة الفساد فالفرصة أمامكم. الخيار الأول يحافظ على حصصكم. الخيار الثاني يؤسس لبناء وطن. فهل فيكم من هو على مستوى الوطن؟                                 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق