نعيش مرحلة مخاض عسير بعد الانتكاسة الفكرية ، وأفول الهوية القومية ، وفشل مشاريع التنمية والتنوير والنهضة الثقافية ، وفي ظل حالة ارتداد شديد ، ونجاح التمترس الديني تحت يافطات الاسلام السياسي وحركات التطرف الديني بكل مسمياتها ، فضلًا عن الصراعات الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية التي تعم الاوطان العربية . وامام ذلك تقف الدولة الحديثة عن توفير الدرع الواقي لحماية وحفظ هويتنا الثقافية والفكرية .
من جهة أخرى نرى نكوص دور المثقف في المجتمعات العربية ، وخفوت صوته واشعاع فكره ، في عصر يتجه نحو عولمة الثقافة ، وهذه المجتمعات اصبحت تفتقد المثقف العضوي المساهم في التغيير ، وفي بناء عالم أكثر عدلًا وديمقراطية وانفتاحًا واستنارة .
لقد تغير مفهوم المثقف في ظل انتشار شبكات التواصل الاجتماعي والوسائط الجديدة ، وتراجع الوسائط التقليدية ، ولم يعد مفهوم الثقافة في وعي أجيال العصر مقتصرًا على الثقافة العالمة والمكتوبة التي تعمل على تنمية الذوق والحواس وزيادة المعرفة ، وانما هيمنت الوان واجناس جديدة كانت مستهجنة عند النخب المثقفة كالرقص والراب وثقافة الجسد وما يرتبط بها ، وكل هذا جعل مثقف اليوم ، ليس من يمتلك المعرفة وإنما من ينشرها ، وأدى بالتالي الى تغير مفهوم المثقف ووظيفته ، واتساع الفجوة بين المثقف والواقع .
وعلى ضوء هذا الحال البائس لا امل في ارساء أسس الدولة المدنية الديمقراطية العصرية في مناخ تسيطر عليه الردة الفكرية والسلفية الدينية ، وتراجع دور الانتلجنسيا في صناعة الرأي .
إننا في هذه المرحلة العصيبة والمأساوية التي تمر بها شعوبنا ومجتمعاتنا العربية ، نحتاج لصحوة فكرية وثورة ثقافية ، واعادة الاعتبار للثقافة ودور المثقف ، ولرؤيا معاصرة وحضارية لمستقبل أكثر اشراقًا ، تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، ومواصلة مشاريع النهضة والتنوير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق