" أعدل السير أن تقيس الناس بنفسك فلا تأتي إليهم إلا ما ترضى أن يؤتى إليك"
عاش روزبة بن داذويه بين 724 و759 وإذا كانت فيروز آبادي هي أرض المولد فإن بغداد أو البصرة هي مكان وفاته واشتهر بنقله إلى العربية الحكمة المشرقية وخاصة من اللغة الفارسية والهندية والبهلوية.
اشتهر بحكمته العملية ومعرفته النظرية ونظرته التاريخية وفكره الموسوعي وأدبه الصغير والكبير ونقده السياسي للحكام على لسان كتابه الشهير الذي يجمعه من مختلف الثقافات الشرقية والمعنون"كليلة ودمنة".
لقد كانت حياته قصيرة ولكنها حافلة ومليئة بالمغامرات والمواقف والتحديات ولذلك كانت نهايته تراجيدية وجسدت الصراع الذي اندلع بين القلم والسيف وبين المعرفة والسلطة حيث جسد نموذج المثقف الرافض.
لقد عرف عنه ارتياده سوق المربد واختلاطه بالناس وحضور مجالس العلم والنهل من المعارف الملقاة ولقد ساعده ذلك على تعلم العربية بسرعة والتخصص في الأدب وما يضمه من شعر وقصة وفقه ولغة.
تتلمذ على يد عيسى بن علي وتواصل مع مواليه من بني الأهتم وتبنى الكثير من الأفكار الفلسفية والعقدية التي أثرت في نظريته عن الإنسان وعلاقته بالكون ودوره في المجتمع ودفعته إلى اعتماد العقل والمنطق.
لقد ألف وترجم الى لغة الضاد الكثير من الكتب أهمها "كليلة ودمنة" و"الدرة الثمينة والجوهرة المكنونة" و"سير الملوك" و"التاج في سيرة أنو شروان" و"رسالة الصحابة" و"الأدب الكبير" و"الأدب الصغير" و"عجائب سجستان" و"أيساغوجي" و"باري تارمينياس" و"أنالوطيقا في تحليل القياس" و"كتاب نزدك".
لقد أطلعنا على عادات الفرس وسير ملوك الساسانيين والمعارف القادمة من الهنود ولقد اتصف برجاحة العقل وعمق التفكير وصلابة الرأي وسداد العمل وقدم قراءة فنية مغايرة للثقافة الفقهية والكلامية السائدة.
لقد جعل من الملك دبشليم والحكيم بيدبا وكسرى أنو شروان شخصيات أدبية ونزع عنها الصفة التاريخية واستعمل الحيوانات في النقاش السياسي حول الملك والعدل والظل وتدبير شؤون الناس وتحصيل السعادة.
لقد جمع في هذا الكتاب الشهير عددا هائلا من الحكم والأمثال والأقوال والعبارات والصيغ والمأثورات والمواعظ التي تنصح بتهذيب الأخلاق وتدعو إلى الابتعاد عن الرذائل والتحلي بالفضائل وترك الشرور والحقد والدسائس والكذب والجبن والسرقة والالتزام بالقيم المثلى كالصدق والعفة وأمانة والوفاء والخير.
لقد حرص على تفضيل المصلحة العامة في السياسة ونبه الى اعتماد جواهر الحكمة العملية ومدح العقل في حضارة تقدس النص بقوله:" إن أمارة صحة العقل ، اختيار الأمور بالبصر وتنفيذ البصر بالعزم".
إذا كان الأدب الصغير يتضمن حاجة العقل إلى الروية والاعتدال والتوسط ويجعل من الأدب أسلوب لتنمية العقول وشحذ الأفهام وتقوية الإرادات وتمتين العزائم فإن الأدب الكبير يشتغل على تزكية النفس بالرياضة العقلية والصداقة البشرية ويحلل قواعد الحكم وشروط الصداقة وحاجة الناس إلى التعاون. لكن لماذا تخلص الساسة من ابن المقفع بسرعة ؟ وأي خطر مثله أدبه سواء الكبير أو الصغير على سلطانهم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق