السَّادَةُ ساسة العراق،
أحببتُ بوصفي مواطن عراقي
أنْ أخاطبكم بوصفكم تحكمون بلدي.
لستُ أشكُّ في أنَّ الكثيرينَ من شعبي باتوا يعتبرونكم من أسوأ الحُكّام الذين مرّوا على تاريخ العراق.
فأنا المغتربُ قسرًا أعرفُ ما يختلجُ في صدورهم،
وأعلمُ معهم حدّ اليقين من أودى ببلدنا إلى هذا المصرع الأليم.
بالأمس عشنا في زمنٍ لم نستطع أن نقول فيه رأيًا
حتّى لو كان بين أقرب الناس؛
فقد كانت حريتنا مغلولة وكلماتنا مكبلة اليدين وأقلامنا معقودة اللسان،
زمن حلّت المظلوميّة بكم وبالكثير من مكونات شعبنا العراقي.
واليوم بعد إعتلائكم سدة الحكم؛
تحول المظلوم فيكم إلى ظالم شرسٍ!
فلماذا استعرتم سياط الجلاد وجلدتم البلاد والعباد؟!!
كنا فقراء فأصبحنا أكثر فقرًا
وكنا مهاجرين فازدتمونا تهجيرًا
وكنا مظلومين فزاد الظلم علينا
وكان العراق مريضًا فقتلتموه وازدتم شهوة القتل!!
لكن دعوني أكون منصفًا معكم، فأقول:
أجل في عهدكم استنشقنا بعض نسائم الحريّة
رغم أنَّ الكثيرين وضعوا حجرًا في أفواههم،
فما جدوى الحريّة في زمن الموت والفساد؟!
بالطبع، رسالتي هذه لا تُقدّم ولا تؤخر بالنسبة إليكم،
ولكن أملي أن يهمّكم ولو قليلاً وقليلاً جدًا رأي مواطن عراقي، قذفتم به خارج الديار كما قذفتم بالملايين مثله من العراقيين؛ يؤمن بالسَّيّد المسيح، ويؤمن بالعراق مهد الحضارات والأديان؛ ويؤمن بأرضه التي هي مرقد الأولياء والقديسين؛
يعنيه السلام ؛ ولا أقصد السلام الذي تريده أمريكا وحُكّام إيران أو زعماء بعض قادة الجوار؛
وإنّما السلام الذي صدحت به حناجر ملائكة السماء:
" المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر".
ففي هذه الرسالة ثمَّة تذكير أودُّ أن أسوقُه إليكم:
أنا مؤمن بالعراق الذي رضعتُ لبنًا من ثديه؛
أما أنتم فأشكُ.
لكني لا أشكُ أنكم مؤمنين، وأنا مؤمن،
ومن مقومات إيماننا المشترك أنْ نؤمن بالله الواحد ونؤمن بالإنسان على تنوعه لأنه صورة الله،
وأنّنا جميعًا نؤمن بالوقفة الأخيرة أمام حضرة الله،
إله المحبة والسلام، إله العدالة والرحمة، أب البشر وخالقهم، وديان الجميع بِلا إستثناء؛
لذا دعوني أضرب لكم مثالاً من الإنجيل المُقدّس، لعلّكم تتعظون:
"... لأنني كنتُ جائعًا فلم تطعموني. كنتُ عطشانًا فلم تسقوني. كنتُ غريبًا أو عريانًا أو مريضًا أو مسجونًا ولم تزوروني...
فالحق أقول لكم، كلُّ شيء عملتموه لإحد إخوتي الضعفاء فإنّما قد عملتموه لي".
لهذا أقول لكم :
ماذا قدمتم لشعب العراق؟
وماذا ينفعكم لو ربحتم في هذه الأرض، الأموال، الجاه وكراسي الحكم؟
وماذا ينفعكم لو كسبتم ودّ الجارة إيران والعمة أمريكا...وخسرتم أنفسكم وشعبكم وخسرتم الله؟
كما لا يفوتني هنا أن أذكركم بحجم التخلف والدمار والفساد الاداري الذي لحق بالعراق؛ بل لا بدّ أن أذكركم بإعداد الضحايا بدءًا من عام ٢٠٠٣ وصولاً إلى يومنا هذا؛ حيث إنتفاضة الشعب في ساحة التحرير وعموم محافظات وطننا المنكود؛ فقد رسمت دماؤهم خارطة جديدة للعراق.
فهل مناصبكم أو عروشكم أغلى من تلك الدماء؟
من المؤكد كلا والف كلا
لذا ليس لي إلّا أن أهمس في أذن يسوع المصلوب على خشبة العراق ليستودعها بدوره في قلب الله
فدعاء الشعب المظلوم مُستجاب:
يا ربّ أنتَ الذي تهوي بالظَلاّم المقتدرين عن كراسي عروشهم وترفع من شأن المستضعفين.
أخيرًا
أودُّ أن أُذيَّل رسالتي بنصٍ فيه الكثير من التمنيات والعتاب؛ كتبتُه بلسان الكثير من أبناء شعبي العراقي، ليصدح صوتي مع المتظاهرين الشجعان؛ نص خرج من رحم المعاناة، آمل وصوله إلى مسامعكم أو يبلغ آذان بعض المقربين منكم،
فتتقوا الله وأنتم تتحكمون بمصير شعبنا المستضعف.
هو نصٌ أشبه بصورة فوتوغرافيّة
التقطتُه بعدسةِ كلمتي،إيمانًا مني أنَّ الصور تخلد الذّكريات.
بقايا عشب رطب
استمعُ لحججِكم الواهيّة
وأجمع ردّي في سلّةِ الصمت
رغم هذا
لازلتُ أدربُ نفسي على تصديقكم
مثل غريق يتشبثُ بقرشِ البحر!
....
أتعهد لكم بأنني
لن أزعجكم برسالةٍ أُخرى
بل ساركنُ إلى غربتي
وأتنحى جانبًا
مثل مقاتل
انسحب من معركةٍ خاسرة؛
لأركلُ باقدام قلبي
أمنياتٍ عاجزة أو عاقرة
بصقت على حظِّ عاثر
اغمضَ عينيه عن وطنٍ
عبثتم به
حتّى ناله الثرى!.
.....
لكني اعدكم في ذات الوقت
بأنّ روحي
ستظلُّ مثل يمامة
تقفُ على اغصانِ شجرة الوطن
تنقبُ في الأنقاض
عن بقايا عشبٍ رطب.
.....
أعلمُ يا ساسة وطني
الذين لا أفاخر بهم
أنكم ستقرأون رسالتي
فتقولون: ما هذا الهراء
وربّما تلقون بها
في قمامة مكاتبكم؛
لكني على يقين تام
أنّ صدى الكلمات
سيجلجل في مسامعكم
وأنتم على سجادة الصلاة،
علُّه يوبّخ ضمائركم
فأنتم لا تعلمون
بوجعِ عراقي مغترب
لم يزل يقف
على قمة الوفاء شامخًا
يبكي وطنًا
لم يتبقَ منه
سوى شجرة خريف
كتبَ على أوراقها الباقية
ذكريات غير منسيٍّة
وربطَ بجذعها كلبًا
عَسى أن تمروا يومًا بجانبهِ
فتتعلموا منه
شيم الإنتماء والوفاء.
والسلامُ هو الختام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق