جوائز الرواية والأسئلة المشروعة!/ فراس حج محمد

في إحصائية نشرها موقع الجزيرة نت عن عدد الأعمال المقدمة للتنافس على الفروع الخمسة لجائزة كتارا عام 2019: (بلغ عدد المشاركات في الدورة الخامسة لجائزة كتارا للرواية العربية 1850 مشاركة، منها 612 رواية نُشرت عام 2018، وبلغ عدد الروايات غير المنشورة 999 مشاركة، و77 مشاركة في فئة الدراسات غير المنشورة، و147 مشاركة في فئة روايات الفتيان غير المنشورة، إضافة إلى 15 رواية قطرية منشورة في الفئة الخامسة التي أضيفت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي).
ومن وحي هذا العدد الضخم تثور عدة أسئلة وتساؤلات: متى قرأ المحكمون كل تلك الأعمال؟ وهل قرأوها فعلا؟ وهل يعتمد المحكمون على المراجعات الصحفية والمقالات والدراسات؟ هل فعلا يتم استبعاد رواية ما؛ لأن كاتبا كتب فيها مقالا ما مركزا على ما في تلك الرواية من هنات وسلبيات، فيعتب الروائي على ذلك الكاتب، لأن مقالته كانت سببا كافيا لاستبعاد اللجنة المحكمة لروايته؟
الأمر كله مريب ويستحق البحث. لعل يوما ما يأتي، ويخرج أحد المحكمين عن صمته ليقول الحقيقة، إذ لا يعقل أن تُقرأ هذه الأعمال خلال فترة زمنية محددة كتلك المخصصة للجائزة، وإذا أرادت اللجنة القراءة الجادة الفاحصة الناقدة التي تأخذ بعين الاعتبار الموازنة بين الأعمال أيضا لن يكفيها عام كامل للقراءة. فهل كانت لجان التحكيم تلتهم الروايات التهاما ومزودة بآليات دقيقة وسريعة لاستخراج تلك الأحكام؟
إن كل هذه الأرقام هو موضع شك كبير في آليات التحكيم وقواعده ومن ثمّ نزاهة الجائزة ولجانها.
مع أن هذا العدد الكبير من الروايات يحيل الدارس إلى مناقشة من نوع آخر، تتعلق بالإسهال المرَضي في كتابة الرواية ونشرها، والاستسهال في شروط كتابتها، ويكفي النظر إلى أسماء الفائزين أو بعضهم على الأقل وما يعقب الإعلان عن الفائزين من نميمة ثقافية.
لقد خلقت الجوائز الخاصة بالرواية عموما مناخا استهلاكيا تجاريا لدى الكتاب كأنه بازار كتابي محموم يشعل أحلام الكتاب ومخيلتهم للحصول على واحد من تلك المبالغ المرصودة للفائزين، ويكفي أن ندرك فداحة هذا الجشع من إصرار بعض الكتاب على أن يشاركوا سنويا في هذا البازار غير النافع بالتأكيد ولا يفيد الرواية ولا الروائيين.
باختصار شديد الوضوح؛ لقد ساهمت هذه الجوائز بإفساد الكتاب وأخلاقياتهم، فبدلا من اهتمامهم بالصنعة الروائية والتجويد وهم يكتبون، تكون عيونهم معلقة بالجائزة، وأفئدتهم ناطفة على الفوز بها؛ كونها جائزة مسيلة للعاب، وما يصاحبها من صخب دعائي يدغدغ نرجسية الكتاب وسعيهم نحو صناعة شهرة زائفة. 
وهكذا أصبحت الجوائز جميعا على اختلاف بيئاتها وأسمائها ولجان تحكيمها مناخا خصبا لصناعة العبث الروائي، ومن حق الدارس أن يتأمل هذه الصناعة وأخلاقياتها، ومآلاتها وتأثيراتها السلبية في وعي القرّاء الذين سيسارعون إلى قراءة تلك الروايات الفائزة أو التي حالفها الحظ في الوصول إلى قائمتيها الطويلة والقصيرة باعتبارها نماذج روائية ناجحة! 
يا لهؤلاء القراء كم يرضخون لهذه الآلية المتسلطة من السيطرة على عقولهم وجيوبهم! هذه السيطرة التي لا تنفكّ أيضا عن إشغال النقاد صغيرهم وكبيرهم وتوجيههم نحو إنجاز دراسات نقدية ومراجعات صحفية، فيتوجهون في لا وعيهم لمدح تلك الأعمال وتسويقها، وربما تجنبوا الخوض في سلبياتها إلا ما ندر. فكثير من هؤلاء النقاد إما راكب للموجة والصخب الإعلامي، وإما أنه جبان لا يجرؤ على قول الحقيقة، وإما أنه متطفل على النقد وصنعته لا يدري من أمره شيئاً.
وفي نهاية المطاف تصنع الجوائز محافل تطبيل لا تمتّ للثقافة بأية صلة ما خلا قشرة رقيقة هشّة، لن تدوم طويلا وتجف، فتظهر حقيقة كل تلك الارتكاسات والنكسات والنكبات الثقافية المضافة كضريبة القيمة المضافة على النكبات والانتكسات والارتكسات السياسية. فهل من راحم يرحمنا من كل هذا الجنون؟ لاسيما وأن الأعداد مرشحة للزيادة في كل دورة قادمة، نظرا لعدة أسباب، أهمها عدم لمس الكتاب جدية في كتابة الرواية والتدقيق في فنياتها، ولزيادة عدد الكتاب الجدد الداخلين على طمع لميدان هذه الجوائز. فما زالت هذه الجوائز حلما يداعب المخيلة، ما دام أن الدولار هو الحل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق