لا أحد ينام في سرير جلجامش/ بن يونس ماجن

لا تهمني حرائق غابات كاليفورنيا الموسمية
ولا فياضانات نهر المسيسيبي
أومخلفات الأعاصير بألقاب أنثوية
ليست لي قدرة على اسكات هدير الدبابات
ولا نعيق الجرافات لانقاذ زيتونة أو شيخ هرم
سيان عندي ان مشيت فوق الجمر أم فوق الماء
فأنا لا أرى غير أكوام القمامة
كأنها كائنات متشردة في مغارات الزمن
هكذا أمتطي صهوة حواسي الطائشة
وأعيد ترتيب قوانين الجاذبية
وأتفادى السقوط في بئر جافة
أسرج نعالي البلاستيكية
في الصحاري المشتعلة
فلم أعد أثق بخلود أرواث الحيوانات
ولا نبتة الخلود الرابضة في قاع  المحيطات
فلم أرى أحدا ينام في سرير جلجامش
لا أنكيدو ولا  عشتار
لا شهرزاد ولا شهريار
عبثا أحاول الجلوس مع النرجسيين
وألعن صانعي المرايا
وابصق على شفيف الماء البائت
فليس في حقائبي ما أزفه الى المغرورين
لا أزعم أني طرقت كل الابواب السرمدية
ولا  انوي تاسيس امبراطوريتي على انقاض مدينة سومرية
ألست أنا الذي رجحت أن الأرض
قد خرجت من ضلع البحر؟
وأن الكلاب التي لا تنبح في الليل
تنام مرتاحة البال
لتحافظ  على مخالبها الناعمة
أما الطيور الأسيرة
التي لقنت نافخ المزمار آخر تغريدة
فما تزال تتدرب على الطيران
والقفز على دجلة والفرات
أكتب مرثية الى وردة
مغروسة في قلب مهجور
لعلي أحظى بفك حزام سروال
حورية في بحر لا يتسع الا لاثنين
وتنفيذا لرهان خاسر
أحرقت كل أوراقي
 فكان من نصيبي
منفضة وأعقاب سجاير
وخرق حيض في بيت خلاء...

ما يسمى بدولة غزة والمشروع الوطني الفلسطيني/ سري القدوة

إن لغة العربدة والقوة التي تستخدمها حكومة الاحتلال لن تجلب للمنطقة الأمن والاستقرار وستدفع بمزيد من أعمال المقاومة وتكريس نهج عدائي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وأن لغة السلام هي منح الشعب الفلسطيني حقه لإقامة دولته وتقرير مصيره على أراضيه وضمان حق عودة اللاجئين بعيداً عن إرهاب حكومة الاحتلال الذي يقوده نيتنياهو بحق الشعب الفلسطيني ، وإن أعمال القمع والقتل والتدمير التي يمارسها جيش الاحتلال هي أعمال تعبر عن وحشية الاحتلال وهمجية جيشه وقد رفضتها الأمم المتحدة وعبرت المنظمات والهيئات والجمعيات الحقوقية الدولية عن إدانتها لهذه الممارسات .

اننا نؤكد علي ضرورة تدعيم العمل الوطني والمقاومة الشعبية ودعم جهود القيادة والحكومة الفلسطينية في جهودها لإزالة آثار الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية ومواجهة سياسة الاحتلال التى تستخدم العقاب والتنكيل الجماعي ورفض مشاريع دولة غزة التي يسوق لها بعض المرتزقة مؤكدين علي ضرورة العمل بشكل فاعل لاسترداد الحقوق الفلسطينية من خلال المحافل الدولية ووفق المواثيق والمعاهدات الدولية وخاصة حقنا في الأرض والحدود والسيادة من اجل ترسيخ مؤسسات الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين بما يليق بتضحيات ابناء شعبنا ونضالاتهم .

عندما نحمي وحدة الوطن الفلسطيني ونحمي المشروع الوطني الفلسطيني وندعو الى افشال مشروع الانقسام ودولة غزة فإننا بذلك نحافظ علي بوصلتنا الوطنية ضد الاحتلال ونحافظ علي الارث الكفاحي ووصية شهداء فلسطين، وعندما نطالب الامة العربية والإسلامية بحماية الشرعية لتكون فلسطين هي الحاضرة والمشروع الوطني الفلسطيني هو القائم  فهذا هو الوضع الطبيعي ان نحمي اهلنا ونحافظ علي مستقبل قضيتنا ونضالنا ضد الاحتلال وان نوقف الاستمرار في الفساد والافساد في الارض الذي لحق في غزة وأن استمرار حكومة الاحتلال بتنفيذ مخطط الحرب على الشعب الفلسطيني يدفع بالمنطقة إلى الدمار الحتمي ويعيق فرص التقدم باتجاه خلق جبهة مقاومة فلسطينية قوية ومتينة من اجل حماية شعبنا ودولتنا الفلسطينية .

ان وحدة فلسطين ووحدة الشعب الفلسطيني هي الاساس وليس التعامل بالعواطف وما احوجنا الي وحدة موقفنا في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وهذا الموقف لا يمكن ان يكون وغزة ينهشها الانقلاب ويفتك بها التآمر وان غزة هي جزء اساسي من وطننا وهي بوابة الحرية والدولة  وصانعة السلام لذلك كان يجب ان يتم وقف هذا المسلسل الانقلابي التآمري على اهلنا وشعبنا .

اننا مستمرون من اجل وحدة الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقلاب وإقامة دولتنا الفلسطينية وحماية نضالنا ووحدة شعبنا في اطار المواجهة المشروعة مع الاحتلال المستفيد الوحيد من هذا الانقسام الذي ينهش بالجسد الفلسطيني .

اننا ندعو الي التصدي لمؤامرة استهداف الوطن والأرض الفلسطينية والي ضرورة حشد جماهير شعبنا وتعزيز الثورة الشعبية وتبني فعاليات العصيان المدني الشامل والعمل علي تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة والمضى قدما فى طريق المقاومة الشعبية الشاملة والمشروعة لشعبنا ومقاومة الاحتلال والاستيطان، الأمر الذي يتطلب وقف كل أشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال ومقاطعة شاملة للاقتصاد الإسرائيلي واعتماد استراتيجية اقتصادية ومالية واجتماعية بديلة ودعم المناطق المهددة بالاستيطان وتعزيز صمود شعبنا وتكريس كل الطاقات الاقتصادية والسياسية والإعلامية والأمنية وسواها في خدمة معركة الاستقلال والخلاص من الاحتلال والاستيطان وبذل كافة الجهود الوطنية والعربية لإنهاء الانقسام ووضع حد لسياسة التفرد والهيمنة علي شعبنا في قطاع غزة .


كلابُ الجيران الأليفةِ الغدر/ كريم عبدالله

مسعورةُ البنادق متخمة ٌ رصاصاتُ أنيابها منشار ٌ أعمى نشرتْ أحلامنا على حبالِ الخيانةِ ذئابُ الوطنِ المنكوب بـ غزواتها فتكتْ تنهشُ مواسمَ نيسان الأجرد أزهارهُ شوّهتْ عطرها مؤامرات جيران السوء عناكبُ رقطاءَ نسجت الخراب في نفوسها المظلمة لا ترى إلاّ قُبحها تبذرهُ هنا وهناك بينَ قطيعٍ أدمنَ الأفيون ( سكارى وما هم بـ سكارى )* أنهكتْ عقولهم ( أفكارٌ متطايرة )* تُلهبُ ظهورهم المحنيةِ سياط ُ الخرافةِ تؤجّجُ الفتنة تذبحُ أحلامنا في وضحِ الحقيقة تُرسلها عاريةً إلى إيوانِ سلطانها الأحمقَ ينكثُ ثغرها الباسمَ الحزن بـ مِخصْرتهِ العرجاءَ جيّشَ أمنياتهُ المجنونة فتكتْ في البلاد .

أزهر الحزن... وصار أغنية: قراءة في ديوان "ما يشبه الرثاء" للشاعر فراس حج محمد/ عمر عبد الرحمن نمر

وأنا أقرأ ديوان الشاعر "فراس حج محمد" (ما يشبه الرثاء) الصادر عن دار طباق للنشر والتوزيع في 195 صفحة من القطع المتوسط، سنة 2019م، شعرت بأنني أتجول في بستان واسع، أنتقل بين أشجاره، من شجرة إلى أخرى... ومن نبتة إلى ثانية...
الشجرة الأولى شجرة البؤس، ورقها يأس، وجذرها عذاب.
والثانية شجرة القهر، ساقها معاناة، وثمرها مرّ علقم.
والثالثة شجرة موت، رائحتها الموت، والفناء، والعذاب.
الليل في البستان حزين، والقمر مظلم، والربيع عابس، الحيوانات عمياء باكية تنوح. غيم بلا مطر، غربة واغتراب، قتل وظلم واستبداد، شتاء ثقيل بائس عابس وحشي.
الزمن مظلم مستبد، في سورة الزمن: السبت: قهر، والأحد: قتل، والإثنين: نهب، والثلاثاء والأربعاء والخميس: قهر وقتل ونهب ومرض.
نعم، أيها السيدات والسادة، ولكم أن تضيفوا ما شئتم من معاني الفقد والحرمان والظلم والحزن ما شئتم...
فمعاني الحزن في الديوان مثل البهارات، مرشوشة على كل لفظة من ألفاظه؛ لتخلق فضاءات من الأسى والنواح والغربة والاغتراب، عندها يتم رسم السياق الحياتي، ويمكننا تشخيصه وتأمله.
الوقت قيد يعيش به الحزانى، يكبلهم ويبقيهم أحياء... "لا أنت مني أيها الوقت العقور" ص 86.
والمكان: تابوت ينتظر الموتى.
والأمل: أيقونات حزينة، والحزن أورق وأزهر وصار أغنية...
والورود: ذابلة يابسة تذوي، والذات تذوي وتتهالك أيضاً.. القمر يبكي لأن الصبح جنازة.
الصور دموع نائحات لاطمات في أبحر لجية.. حتى لا ترى فرحاً.
هي معمارية النص، كما شعرت.. وآمل أن أكون مبالغاً، معمارية، لو مات من في الأرض جميعاً لكفتهم رثاءً وبكاءً، بل عويلاً.
في النص الفوقي، أشاد الكاتب جميل السلحوت بلغة الكاتب، وقالت ديمة السمّان، امتلك الشاعر اللغة، وشكلها باقتدار.
نعم، استطاع الشاعر من خلال انزياحاته اللغوية، وتشظي مفرداته حيناً وتمددها حيناً آخر، وروعة التآلف بينهما حتى غدت كالعقد المنظوم، استطاع بهذه اللغة أن يتحدث عن معاني الرثاء كلها، بل يغني لها...
فهو يضحك حتى البكاء..وفي هذا ربط طباقي عجيب، أنجب صورة بكراً وفيه تناص مع غسان كنفاني، فهو الذي كان يموت من الضحك في (موت سرير رقم 12)، والتغاير اللغوي يمدد المعاني في أوسع مساحاتها، فيبدو الحب في الحياة، غير الحب في القصيدة (ص 148).
نعم، استطاع الشاعر أن يبني قاموساً من معاني الحزن، وظفها في رثاء الأرض، والطير، والشجر، والحجر، والذات.
فبدا الطير يسجع ولا يغني، والأرض موات بور، والشجر ذابل لا حياة فيه، والحجر بائس، والذات تذوي.
حتى المدن أصابتها العدوى، فكانت مثل معظم نساء النصوص، لا تستقيم على حال.
يصف الشاعر لنا صورته التي أتى بها إلى بياض الورق:
أتيتكم.. بلا قناع، بلا تنميق، بلا تزييف، بلا تكلف.. بل ساخطاً.
وكأن هموم الوطن والناس فاضت عن حدّها، فنرى الشاعر يقابلها بعبارات تحمل شحنات من الغضب والأسى، وهو الشاعر المنحاز لقضايا شعبه، والمشتبك مع هذه القضايا، إلا أنه لا يملك المفتاح السحري فيقف ويندب كل عقد من الزمن:
73، 83، 73، 2003، 2013، لقد تحول كل عقد إلى بوتقة حزن تفاعلية مع الناس وعناصر الطبيعة، وتكامل مع أحزان العقود التي تليه والتي تسبقه... أزمنة  حزينة وتزداد حزناً بشكل مطرد، لنجد الشاعر، وقد امتد خط الحزن البياني لديه، حتى كاد يقفز من الصفحة، عندها وجدناه يرثي نفسه، (ص 127).
يقول الأديب محمد عويسات: لقد غرق الشاعر في الرمزية والاستعارة الغريبة، والعبارات غير المفهومة، وهذا أدى إلى صورة شعرية باهتة خالية من العواطف، ويضرب في ذلك مثلاً "المدينة لا تموت" ص 118.
بينما يرى الأديب إبراهيم جوهر أن الديوان يحتاج إلى قارئ مثقف لا قارئ جريدة؛ لإدراك أبعاد الصورة التي تزخر بها القصائد.
وأرى أن صورّ الشاعر متعددة الأبعاد مركبة، فيها جمالية الخيال، وصدق الواقع، مجبولة بالتشويق لأنها مبتكرة وغير مستهلكة، إلا تلك الصور التي عبرت عن مواقف  إباحية مكشوفة،  أو شبه إباحية، فأتت سطحية مبتذلة، وفي رأيي المتواضع، فإنها لم تخدم النص لا أدبياً ولا جمالياً (لاعبة التنس ص 74) وغني عن القول عند التطرق إلى صور المنجز النصي، فإنه من الضرورة بمكان التفريق بين المعنى والدلالة. فالمعنى يحيط بالبيت الشعري إحاطة السوار بالمعصم... بينما تتملص الدلالة من بين أصابع اليدين حال الإمساك بها لكتابة النص الموازي... مما يخلق صعوبة الفهم أحياناً...
في الوقت ذاته رأينا بعض الصور تتولد من (طوشة)، أو موقف غضب للشاعر: مثل نص (نقمة المثقف) ص70، حيث يذكر الصرف الصحي المقزز واقعاً وصورة.
في الإجمال فقد استطاع الشاعر كسر الصورة النمطية، وتفرّد في صوره كما قالت الشاعرة فاطمة نزال، وقد جاءت صوره تهكمية ساخرة في قصائد الديوان الأخيرة (الإمبراطور يلقي خطبته الأخيرة) ص 149.
الاقتباس والتناص:
تميز الديوان بتناصات متنوعة، واقتباسات أيضاً، ربطت هذه التقنية الشعرية، الحداثة بالماضوية، وعززت الحكاية، وشدت حبل التفاعل بين السارد والمتلقي، وأذكر بعض مواطن هذا التوظيف: 
في النص الأول: مقولة تميم بن مقبل: لو أن الفتى حجر... ومعروف أن الشاعر مخضرم، وقد فرق الإسلام بينه وبين الدهماء، أرملة والده (حيث كانت الجاهلية تجيز للابن الأكبر الزواج من أرملة أبيه)... وعشق الشاعر الدهماء، وظل يتغنى باسمها، وفيما قال: ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر... حيث تمنى الشاعر تميم أن تنتفي المشاعر والأحاسيس عنده...
وأخذ شاعرنا فراس حج محمد هذا المعنى، ليقول: إن الأحاسيس والمشاعر والعواطف، مهما عظمت فإنها لا تفي نصوصي حقها "ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر"!
ص74: قول الحطيئة: الشعر صعب.. وطويل سلمه... وكذلك قصائدي...
ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى .. على سبيل التهكم ص 51
لم تعطني من لحن قيس أو عمرو ... ص 104
وقد جاء توظيف الاقتباسات والتناص بشكل موفق في معظم النصوص الاّ أنه (كما أرى) لم يكن التوظيف موفقاً في قصة سيدنا يوسف ص 150، وقصة سيدنا يونس (غريبان هناك... هنا) ص 164، فقد جاء التوظيف متكلفاً، مباشراً خلا من الخيال والجمال... ولم يستطع الشاعر توظيف إمكانات الديني التاريخي إلى شعري جمالي... وازدادت هذه السطحية في توظيف أسطورة (عوليس) بطل هوميروس، في تصوير جهده وتعبه وبلائه.
في حين أجاد شاعرنا  في تذويت السندباد الحكائي، وتقمص شخصيته في أسفاره وابتلاءاته.
جاءت القصائد بلسان أنا المتكلم المنحاز، أنا العارف، أنا الشاهد، وتشكلت هذه الأنا (الذات) وتشقق عنها أنا الأخرى ( إياي) "فأنا وإياي القديم على سواء" ص 107.
وفي موطن آخر يتساءل الشاعر: أنا طبعة تجريبية، متى تأتي طبعتي النهائية؟ ص 103. وسؤالي هنا: هل حمّل الشاعر قسماً من سياقاته الشعرية لأنا... وحمّل القسم الآخر لأنا الأخرى... ربما...
ولكن الأكيد أن يعترف الشاعر بــِ (أنا) الكمال و(أنا) النقص، أنا التي تطرح السؤال، ولا تجيد الإجابة، وترسم الممارسات السلبية أحياناً.
وقبل أن نخرج من هذه المماحكات الأدبية لا بد أن نذكر أن " ما يشبه الرثاء" تطرق إلى: مدينتين: مدينة السلب الموحل كما في "دون جدوى" ص 112.
ومدينة الطهر المقدس، المدينة التي لا تموت "القدس" ص 118
 وتوازى ظهور المدينة مع ظهور المرأة، فهي الفلسطينية الواعية التي تقاتل الاحتلال والعنصرية، وهي الزوجة الرائعة، والحبيبة الجميلة، والعاشقة ال...... وعند الخروج من الديوان، فإن العتبة تواجهنا... (العنوان)
 العتبة التي ندلف منها إلى النص، ونخرج منها، والتي تفتح احتمالات جمّة وتأويلات كثيرة، لقد أراحنا الشاعر فراس حج محمد من تحليلها وتأويلها، عندما أولّ العنوان وحلله.
قال الشاعر: "ما يشبه الرثاء"... إما أن تكون "ما" للاستفهام، وهل يشبه الرثاء إلا المزيد من الرثاء؟ وقد تكون للنفي، وفي هذه الحالة، تأكيد موارب للرثاء نفسه، أو بمعنى الاسم الموصول "الذي" عندها يصبح العنوان جملة مفتوحة مبدوءة باسم موصول لا يكتمل إلا بالنصوص.
عود على بدء:
نسيت أن أقول: عندما دخلت بستان الشاعر، وتجولت بين أشجاره، ووروده، وثماره، كانت هناك.. هناك في قرنة البستان، مغارة مزوية... مظلمة باهتة.. فيها أصوات كثيرة، وبوح صريح.. ولم أستطع الاقتراب منها.
اقترب منها شيخنا السلحوت، وقال: لم يخرج الشاعر عن سياق الثقافة العربية الإسلامية، بينما قاطعت النزهتان: نزهة الرملاوي، ونزهة أبو غوش مناقشة الديوان في اليوم السابع، لما فيه من ألفاظ إباحية.
وقالت ديمة السمّان: حرم الشاعر المدارس من أن يتوفر فيها كتاب شعر جيد؛ نتيجة وجود هذه الألفاظ الإباحية فيه.
وأطلق إبراهيم جوهر على هذه الظاهرة (المربع الناقص) بحيث تفضي الحالة إلى نسيان جماليات النصوص، وما فيها من سمات رائعة، ولا نرى إلا  الثالول في وجه العروس.
 قلت في سياق آخر، ربما أصبحت جرأة التعبير الأدبي موضة أدبية، وهناك كتّاب دللوا على الظاهرة، مثل: منى النابلسي، ومروة جرار، وكفاح طافش، وآخرون.. وهنا أطرح سؤالاً: هل هذا مُبَرّر.. فنياً، تربوياً.. اجتماعياً؟... ربما...!
________________
* باحث وكاتب وأكاديمي فلسطيني

سيّدة البلاد/ سماح خليفة


في القُدسِ دارٌ لِلحَبيبِ أَجَلَّهُ
وَحيٌ إلهيٌ فَعزّزَ مَسكَنَهْ
***
وأنا الحَبيبَةُ قَد تَسامى عِشقُها
والرّوحُ مِن خَلفِ الحُدودِ مُشَرذَمَهْ
***
قَيدٌ على قَيدٍ وَقانونُ العِدا
قَدْ مَزَّقَ الأوطانَ ضيَّعَ قِبلَتَه
***
روحُ الفُؤادِ لِكُلِّ شِبرٍ تَوقُها
نَزَفَ اشتِياقًا مِمَّ أرَّقَ مَضجَعَهْ
***
فَشَجى حَمامُ الدّارِ بَعدَ رَنيمِهِ
وَتكَسّرَتْ ألحانُهُ، ما أوْجَعَهْ!
***
زَغرودَةٌ، أمُّ الشّهيدِ تَألّقَتْ
وَتَزَيَّنَت وتَعَطّرَتْ: ما أجمَلَهْ!
***
بَدرٌ تَوَضَّأ في دِماهُ طَهورُهُ
في سَجدَةِ الفَجرِ الضّحوكِ فَوَدّعَهْ
***
أُماهُ سيِّدةُ البلادِ وَصبرُها
دَرسٌ، فِلَسطينُ الأبيّةُ ألهَمَهْ 
سماح خليفة 

في الفرق الدّقيق بين الشّهيد والضّحيّة/ مادونا عسكر

كلّ زمن عبر ويعبر وسيأتي، يحمل في طيّاته آلاماً جمّة وجروحاً تحفر في النّفوس. وقد يتناسى الإنسان جروحه، إلّا أنّها تبقى في عمق العمق أثراً بالغاً يستيقظ كلّما تداعت الظّروف وتحرّكت السّياسات واندلعت الحروب وحلّ الموت وحصد آلاف الأرواح. قد يموت النّاس  دفاعاً عن الوطن، أو عن قضيّة سياسيّة أو حزبيّة أو دينيّة. وفي شتّى الأحوال ثمّة التباس حول اعتبار هؤلاء الأشخاص شهداء أم ضحايا. ولعلّنا نخلط بين مفهوم الضّحيّة ومفهوم الشّهيد. والفرق بينهما شاسع ودقيق، ولا يجوز استغلال مبدأ الشّهادة كلّما توفّي شخص في حالة حرب أو اشتباك أو تصفية حسابات سياسيّة أو حزبيّة أو فرديّة. كما لا يجوز استغلال مبدأ الشّهادة إعلاميّاً لخلق جوّ من التّشنّج وتعزيز التّحريض لإثارة للغرائز.
الشّهيد هو من اختار طوعاً أن يحيا مسيرة حياة توصله إلى الشّهادة. لذلك لا نستطيع أن نطلق على كلّ الّذين يموتون في أوطاننا لقب "شهداء". وبعد الخيار، يأتي القرار الّذي يجعل من مسيرة حياتهم، مسيرة خاصّة جدّاً تتأقلم مع الواقع الّذي آمنوا به، واعتبروه حقيقة مطلقة، وبالتّالي يتناسب القرار مع الخيار الّذي عاشوه. ومن هذا المنطلق، تبدأ مسيرتهم كشهداء، وتطال حياتهم وهم أحياء. هي مسيرة نضال، وسلوك طريق واضح وانطباع خاصّ لما آمنوا به، إلى أن يصلوا لعيش شهادة الدّم. هدف الشّهيد واضح، وهو يعي أنّ الخطّ الّذي اتّبعه يؤدّي به إلى شهادة الدّم، وهو مستعدّ دائماً إلى أن يضحّي حتّى النّهاية، ولو بسفك الدّماء. ويُطلق لقب "شهيد" على من اختار طوعاً ودون أيّ ضغط اجتماعيّ أو دينيّ أو عائليّ، بل بملء إرادته الحرّة أسلوب  حياته. كما يدفع الشّهيد ثمناً باهظاً للوصول إلى هدفه، والثّمن يخصّه وحده، ولا يمكن أن يحمّله لشخص آخر، ممّن يعرفونه أو حتّى يحبّونه من أهله أو أصدقائه أو معارفه .
إذاً، فالشّهيد، يختار مسيرة حياة، ويناضل في سبيل هدف، ويدفع ثمنه بإرادته الحرّة والطّوعيّة. وهذا الثمن بالنّسبة لمن اختار أن يكون في مصاف الشّهداء، يبلغ أقصاه في شهادة الدّم. 
إلّا أن ما نراه فعليّاً هو إمّا التباس حول مفهوم الشّهادة، وإمّا استغلال له بهدف التّخدير أو امتصاص النّقمة أو إنعاش الغرائز في سبيل الفتك والانتهاك أو تحويل مسار الأمور. ولو دققنا في الأحداث التّاريخيّة والأحداث الحاليّة وجدنا أنّ قلّة من الضّحايا الّتي هلكت في الحروب والنّزاعات والصّراعات، شهداء. وأمّا الأغلبيّة فضحايا استُغلّوا وماتوا دون أن يكون هدفهم الموت. 
فالضّحايا هم الّذين يدفعون ثمن أهداف غيرهم، ويموتون دون أن يختاروا ذلك، وهم أبعد ما يكون عن هذه الأهداف. فهؤلاء الّذين يلقون مصرعهم في انفجار أو في حادث إرهابيّ، هم ضحايا، لأنّهم لم يختاروا طوعاً أن يموتوا. لذا فالإنسان الضّحيّة يعيش الظّلم والقهر، وبالتّالي يدفع ثمن ما لم يختره وما لم يقرّره، وذنبه الوحيد أنّه أُقحم في لعبة الموت. هناك آخر قام عنه بخيار معيّن وقرّر، وبالتّالي يُسفك دمه دون هدف.
والضّحيّة شخص مجرّد من كلّ قرار، ويوظّف طاقته وقوّته كي يستمرّ بالرّغم من كلّ القرارات الّتي أُخذت عنه في سبيل أن تجعل منه ضحيّة. كما أنّه مجرّد من كلّ هدف إلّا هدف البقاء. فالضّحيّة تصارع البقاء وتناضل من أجل البقاء حيّة راجيةً تحقيق أهدافها على شتّى أنواعها. وهي لا تسعى وإن في ظلّ الصّراعات والنّزاعات إلى الموت.
الموت هو الموت، لا يفرّق بين إنسان وآخر. والأهم من الطّريقة الّتي يموت فيها الإنسان هو أسلوب الحياة الّتي يحياها. ولا بدّ من القول إنّ الموت في سبيل قضيّة ساميّة أسمى ما في الوجود، لكنّ الأهم هو السّلوك الحياتيّ لتحقيق هذه القضيّة. فالّذين يرحلون يتركون آثارهم مضاءة في الذّاكرة، وقد تتلاشى الذّاكرة مع الضغوطات الحياتيّة والانهماكات اليوميّة. وقد تنتعش ليخرج الفاشيّ من جسد الضّحيّة، كما يقول محمود درويش. إنّها الدّائرة المقفلة، دائرة العالم الغارق في الأنانيّة والاستغلال والصّراعات. 
الّذين يرحلون، شهداء كانوا أم ضحايا يمضون إلى عالم أفضل من عالمنا التّعيس. والإنسان كائن مقدّس، وإن اختار الشّهادة فطوبى له، فما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبّائه. وإن لم يختر وسقط وروت دماؤه الأرض، فدماؤه مقدّسة لأنّها دماء أريقت بفعل سطوة القهر والظّلم والانتهاك.

سامي ابو دياك، وموت أمنية فلسطينية/ جواد بولس


بدأنا نراجع تفاصيل الالتماس الذي قدمته الوحدة القانونية في "هيئة شؤون الأسرى والمحررين"، باسم الأسير سامي أبو دياك؛ بعد أن "بشّرتنا" سكرتارية "محكمة العدل العليا" الاسرائيلية، صباح الاثنين الفائت، بقبول الطلب وتقديم موعد الجلسة وتعيينها في الثاني من ديسمبر/كانون أول القادم، بدلا من موعدها الأصلي الذي كان مقررا في السادس من كانون الثاني/ يناير المقبل.
قرأنا، مرّة أخرى، تداعيات القضية، وتحققنا من دقة الوقائع التي أوردناها؛ وتمنّينا أن يصمد جسد الأسير أبو دياك أسبوعا اضافيًا، كيما نمضي إلى معركتنا مع طواحين الهواء الاسرائيلية؛ فعسانا ننجح، باسم الوجع، بإقناع هئية المحكمة بالافراج عن أسير فلسطيني أكله المرض ويعيش أيامه الأخيرة على أمل أن "ينعم" بالموت في حضن والدته وفي أرجاء بيته وتراب قريته.
ولد سامي قبل ثمانية وثلاثين عامًا في قرية "سيلة الظهر"، ففتح عينيه على صباح عبوس، لا يعرف طعم اكتمال الفرح. نشأ في بلدة فلسطينية تجيد، كسائر أخواتها، لغة الغبار؛ ومشى، مثل أترابه، نحو ماض لصيق كظل لشبح غد رمادي كسيح. 
هو ابن لجيل تربى، بفطرة الفوضى، على قيم شوّهها الاحتلال، وعلى حالة، كل ما فيها "سائل" وملتبس؛ فلا معنى للحب ولا لصفائه إلا إذا واجه نقيضه الدامي، ولا قيمة للحياة إلا إذا تحققت على عتبات الموت .. موتك أو موت نقيضك.
كان في الثانية والعشرين من عمره عندما قرر دفع حصته في الذود عن شرف الوطن؛ فقتل ثلاثة من عرب  "باعوا روحهم وضاعوا" ، حسبما جاء في لائحة اتهامه، وحُكم، في اعقاب ذلك، في محكمة الاحتلال العسكرية لثلاثة مؤبدات وأكثر.
كبر في السجن كما تكبر الأيائل في الأسر؛ عالمهم مدىً من مجازات واخزة، وأيّامهم مجرد انكسارات لأضواء خافتة تبعثها بقايا أرواحهم الحزينة. كان سامي يتغطى بنتف من فجر أبيض ويتنفس تحتها كما يفعل دود القز، فيفيق كل يوم محلقًا على شفرة ضوء ساحر وبعيد.
لم يواجه سامي الأسير عبء السؤال وحيرة الشك، ولم تشغله هواجس العدل الآدمي ولا غضب السماء؛ فالتفكير الرويّ، وانت في حلق اليأس، ترفٌ لا يجيده إلا الفلاسفة والشياطين، لا سيّما إذا كنت مثله، تعيش على أهداب ثورة تقاوم النعاس والخبل.  
بدأت صحته تتراجع بشكل ملحوظ في العام 2015؛ وبعد عدة فحوصات وجد الأطباء انسدادًا في أمعائه فأخضعوه لعملية، أوهمتهم بأن حالته في تحسن؛ لكنهم اكتشفوا بعد الانتهاء من الاجراءات المخبرية انه مصاب بسرطان الامعاء، وأن القدر قد قرر، هذه المرّة، أن يتدخل وكأن قضاء الاحتلال كان مجرد طعنة في الهواء.
بعد اعلامنا بسوء وضعه الصحي قمنا، طاقم المحامين، بتقديم طلب للافراج المبكر عنه لاسباب مرضية وخسرنا، كما كنا نتوقع، الجولة الأولى فعاودنا المطالبة بعد عامين. وزودنا اللجنة المتخصصة بمجموعة تقارير  أعدّها الاطباء الذين كانوا يعالجونه في المستشفيات الاسرائيلية، وكذلك بعض الاخصائيين الخارجيين الذين توجهنا اليهم، ففحصوه وقرروا أن وضعه قد وصل الى مرحلة حرجة وأن مرض السرطان قد انتشر في عدة أعضاء داخلية من جسده.
استمعت اللجنة لادعاءات المحامين وقرأت التقارير الطبية التي قدمت امامها؛ لكنها، رغم قناعتها بأنه مصاب بالسرطان وبأن احتمالات علاجه وشفائه معدومة، رفضت الافراج عنه بتبنّيها ذرائع نصّتها أياديهم المجبولة من جبص وطين.
وهن جسد سامي بشكل ملحوظ حتى بدا لنا في الزيارات الأخيرة كالظل؛ فقررنا تقديم طلب افراج جديد، الا أنّ ّلجنة الافراجات رفضت التعاطي معه بالمطلق وذلك بمقتضى تعليمات قانون "مكافحة الارهاب" الذي كانت الكنيست قد صادقت عليه في عام 2018 وحظر بموجبه على لجنة الافراجات التعاطي مع طلبات افراج عن الاسرى المحكومين بالسجن المؤبد على خلفية ضلوعهم في عمليات قتل "ارهابية".
حاولنا التوجه مرة اخرى لتلك اللجنة بادعاء أن ليس للقانون أثر رجعيّ، فقضية الأسير سامي كانت منظورة أمامهم قبل صدور ذلك القانون، الا ان أعضاءها رفضوا حتى مجرد استلام الطلب.
لم يتبقّ أمامنا إلا تقديم طلب عفو من قائد جيش الاحتلال؛ فأمنية الأسير، الذي باتت أيامه معدودة، هي أن يموت في حضن والدته وبين أهله.
قدمنا الطلب وانتظرنا شهرا ونيّف؛ الا اننا لم نتلقّ أي رد أو اشعار عليه، فاضطررنا الى تقديم التماس لمحكمة "العدل" العليا الاسرائيلية.
قدمنا الالتماس في أوسط تشرين الأول / اكتوبر المنصرم، وعلمنا بان سكرتارية المحكمة قد عينت موعدا للجلسة يوم السادس من كانون الثاني /يناير  2020 المقبل. شعرنا بمهانة وبخيبة أمل؛ فإرجاء موعد الجلسة لأكثر من شهرين، فيه رسالة واضحة للملأ، مفادها: وما ضر أن يموت الفلسطيني وتموت معه الأماني، ولماذا لا تبكي أمه وهي تدفن في حضنها غصة !
 لم نرضَ بقرارهم، فطالبنا بتقديم موعد الجلسة محذرين أنّ جميع الشواهد تؤكد أن الملتمس، سامي ابو دياك، يعاني من وضع صحي حرج؛ وأنه، في الواقع، يترنح على شرفة العمر، ويستعدّ لرحلته القادمة الى قلب العدم.
فرحنا عندما استلمنا قرار تقديم الجلسة وخشينا، في الوقت نفسه، لعنة القدر .
قضيت ليلتي وأنا أتمرن على أوقع وأبلغ المرافعات التي علي أن ألقيها، بعد عدة أيام، على مسامع القضاة الثلاثة. حرت في غابة من النصوص والخيارات وجرّبت أمام مرآتي خطبة المحارب: "لم آتيكم لأنني مؤمن بعدلكم"، قلت ، "فلطالما كنتم الذراع الطولى التي حملت بطش الاحتلال وأذلّت به شعب المقهورين، وأوقعته على أفئدة الأمهات وعلى مهج اليتامى الفلسطينيين. أنا هنا لأصرخ في آذانكم عساني أستحضر طائر البرق من ركام التاريخ ليأتي ويرقص أمامكم رقصة الموت، فتروا، ساعتها، كيف يذوي الحنين هناك في الغرف الباردة ويزهر شقائقَ حمراء في قلوب أجيال لم تولد بعد، وينتشر عطره أمالا "سامية" على هضاب جنين. احكموا كما شئتم، فالارض عارية والسماء حبلى والبقية أبدية عند من يحمي الندى من عبث السيافين".
كانت خطبة نارية قاسية، لجأتُ بعدها الى حيلة المراوغ فأضفت: "جئتكم باسم الأمّهات الباكيات اللائي لا يرجون من الحياة سوى ضمة أخيرة لارواح أبنائهم الذابلة.  لا تحدثوني عن قوانينكم الجائرة ولا عن من نصَّ، في غابر الازمان، أن العين بالعين وأنّ السن بالسن؛ ولا تأخذوني إلى بستان آدم وجنته العاثرة ولا الى حكمة الدم في لحم قايين، فكل ما أريده منكم هو أن تدعوا ساميًا يموت بعيدًا عن عيونكم الضاحكة".
لم أشعر متى اغمضت عيني ولا متى نمت على الكنبة. أفقت في ساعة مبكرة من صباح ثلاثاء سوداء قاهرة، فسمعت أن سامي قد سلم الروح ورحل. تملكني حزن شديد؛ وتذكرت مسيرة الهزائم الطويلة التي ما فتئتُ أخطو على دروبها منذ أربعة عقود، ولم ألق عليها الا قصاصات ورق صفراء وعليها اسماء ناس وماس.
 لم أجد ما سأقول للقضاة الذين كانوا سينتظرونني على شوك، سوى وصية شاب أسمر كان قد وُلد في حقول البارود، وعاش وهو يتقلى في قهر ومن غضب؛ فصرخ، قبل الرحيل، وقال: "لا تدعوا الشماتة، يا اخوتي، تذيب صدروكم؛ فالظلم أعمى والأمل باقٍ كنطفة ستكبر حتمًا هناك عند حفاف الغيب، حيث سأكون شبحًا يقضّ ليل الظالمين، ونجمة تضيء لأمي ليل دموعها، وتمسح العتم عن روابي خلاني".     
    

بهية أبو حمد في مُؤَلَّف شربل بعيني منارة الحرف: استقصاء جماليات القصيد في شعر شربل بعيني وإطلاقه في فضاء الفصحى الرحب/ د. نجمة خليل حبيب

أَثْرَت الدكتورة بهية أبو حمد  المكتبة العربية بمؤلف قيِّم  بعنوان شربل بعيني منارة الحرف . وليس غريباً على ابو حمد أن تختار لباكورة أعمالها البحثية شاعراً نذر حياته للشعر وخدمة الثقافة العربية. فأبو حمد كما نعرفها، ذواقة للكلمة المبدعة تشجعها وتنشرها أينما وجدت، فهي حاضرة في كل محفل ثقافي في هذا البلد، وراعية لمؤسسة الشعر والتراث ومؤسسة لصالون أدبي مميز في سدني يؤمه المثقفون من جميع أنحاء أستراليا. لن أتطرق إلى نشاطاتها الاجتماعية فهي غزيرة ومتنوعة وغنية عن التعريف. والشاعر شربل قيمة أدبية مرموقة أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب وفي مختلف الأجناس: شعراً ونثراً ، فصحى وعامية، مسرحاً ورواية  وكتب أطفال؛ وفي مختلف المواضيع: رومانسية محببة من غزل وفخر وهجاء؛ نقد أدبي واجتماعي؛ وطنية واستنهاض همم. هذا إضافة إلى نشاطاته التي لا تهدأ  ومنها: تلفزيون ومجلة الغربة اللذان يعملان على خدمة الجالية العربية في كل أطيافها دون التفريق بين قطر وآخر ولا بين ديانة وأخرى. وجائزته الأدبية التي هي مهرجان ثقافي تحكمه رؤية نقدية ثاقبة وعقل نزيه مترفع عن كل مذهبية واقليمية وانتماء عشائري او حزبي او قطري. فبين حاملي هذه الجائزة االفلسطينيي واللبناني والسوري والعراقي والمصري وغيرهم. وبينهم اليميني واليساري، الملحد والمتدين والى آخر ما في هذه الجالية من أطياف والوان.
والدكتورة بهية، ذواقة الكلمة المبدعة، أبدعت في انتقاء نصوص هذا الكتاب وأبدعت في تقديمها. أخذت من كل نوع أجمله معلقة حيناً، شارحة حيناً آخر، ومزينة نصوصها بصور تضيء المناسبة في أحيان أخرى. تأخذنا الدكتورة أبو حمد في رحلة بعيني الشعرية خطوة خطوة منذ أن كانت إرهاصات شاب مراهق إلى ان امسى كهلاً ناضجا ينطق بالحكمة. تبدأ عرضها بديوان مراهقة. بعتبته الأولى، (الغلاف)، فتقرأه بحنكة باحث متمكن يعرف كيف يثير فضول القارئ ويحفز شهوته للقراءة. تقول: 
"الغلاف يثير الاعجاب ويلفت النظر، فالمرأة ذات العينين الزرقاوين تنظر إليك حالمة وكأنها تبغي المغامرة الشيقة. . . الصمت في حضرة العاشقين مقدس. . اللون الأزرق يبهر القارئ ويعطي الأمل والانشراح. اما تقاسيم الوجه فقد ثارت على الزمن لتنقلب ألوان مختلفة تتناغم الظروف التي تقترن بها سواء كانت قاسية ام حزينة صعبة ام رقيقة ام متعجرفة". 
وهذا التقديم، لا يقتصر دوره على النواحي النفعية من تعريف وإشهار، بل إن قيمته الكبرى تكمن في الأسلوب الممتع الذي يثير في ذهن المتلقى إدهاشاً ولذة. وإذ تتخطى عتبة النص، تأخذنا الكاتبة في جولة على مواطن الجمال في الديوان، على النصوص التي تبرز مهارة الشاعر في "الحياكة"، فصل الفستان من حرير الطيلسان ثم حاكته فراشة بيضاء حالمة ...  ثم تكشف عمّا في الديوان من نرجسية محببة تذكرنا بشاعر الغزل الاول في الأدب العربي عمر بن أبي ربيعة صاحب قصيدة: وهل يخفى القمر: تؤكد الحبيبة وبألم صارخ ان الوجد قد اضناها وان الهوى قد لف وهج حبها ... تنتظر حبيبها على مفترق طريق فما أشبه هذا القول بقول عمر: 
بَيْنَما يَذْكُرْنَني أَبْصَرْنَني دونَ قَيْدِ الميلِ يَعْدو بي الأَغَرْ
قالت الكبرى : أتعرفن الفتى؟ قالت الوسطى : نعمْ، هذا عمر
قالت الصغرى ، وقد تيمتها: قد عرفناهُ، وهل يخفى القمر
وتوقفت الكاتبة عند إباحية ديوان مراهقة فانتقت نصاً يبرز جمالية الوصف الحسي والوجداني حيث يقول: 
صَدْرِكْ جَبَلْ عَالِي
وْأَنَا التَّلْجَاتْ
عَـمْ دُوبْ بِلْيَالِي
هَنَا وْآهَاتْ
حِنِّي عَلَى حَالِي
...
صَدْرِكْ صَخرْ مَرْمَرْ
وْفِي تَلْتَيْن بْرُوحْ
تْرَابُنْ جِلدْ أَسْمَرْ
عْلَيْهُنْ تِجِي وِتْرُوحْ
نَسْمِةْ هَوَا شْمَالِي

بِشرب مِنْ نَهْدَيْكِ السّمْرْ
كَاسَيْن تْلاتِه وْأَكْتَرْ
تَخْت وْعَتْم وْمَوْقِدْ جَمْرْ
وْمَعْ أَطْيَبْ مَازَه بِسْكَرْ
نص مكتوب بمناخات شاعر الغزل الأول في عصرنا، نزار قباني، وبالتحديد ديوانه طفولة نهد. 
 
 والجدير بالملاحظة ان نص بعيني المحكي امتاز عن الشعر الفصيح  بقربه من ذهن العامة كونه يقول الوجدان بعفوية وصدق ومباشرة. صحيح أن شربل بعيني في انتهاجه العامية حصر نتاجه في دائرة ضيقة تقتصر على ابناء اللهجة الشامية واللبنانيون منهم على وجه الخصوص، ولكن الصحيح ايضاً أنه تمكن من خلال ديناميكية المحكية أن يحاكي ذائقة القارئ/ة القائم في الحاضر الذي يستسيغ ما تعود عليه سمعه ولاوعيه. فاللغة المحكية، امرأة غجرية حرة  جريئة صريحة لا توارب، منطلقة على سجيتها، تُمتِع وتُشْتَهى بأكثر ما تفعل أختها الفصحى ربة الصون والعفاف المترفعة في برج عاجي. ويبدو أن "أبو حمد" عزّ عليها أن ينحصر انتشار أدب بعيني في محلية إقليمية ضيقة فقامت برتق الفجوة وأطلقته في فضاء الفصحى الرحب الممتد على اتساع الوطن العربي من المحيط إلى الخليج فقدمته بلغة فصحى، سلسة، عذبة، تضيء النص دون أن تخدش عفويته وصدقه. قدمته بلغة السهل الممتنع الذي تستطيعه العامة وتتذوقه النخبة. تقول في تقديمها لكتاب الله في نقطة زيت: 
 كلمة ..."الله"... تعلو في عرشه، و..."الزيت المقدس"... من جدران حروفه. انه ديوان من نوع آخر، جمع النور الالهي، وتعاليم الآب، وأعمال بعض الكهنة، والزيت المقدس، في حروف ثارت على الخطأ والظلم،  والمتاجرة بالدين،  وبهيكل الرب، والإستهزاء بتعاليم الله، وتوجيهات السيد المسيح، وحب النفس، والرضوخ لعالم الشيطان، واستعمال الثوب الكهنوتي المقدس لتكديس المال بغية تحقيق الغايات الخاصة، وتنفيذ المآرب الشخصية،  عوضاً عن استعمالها لخدمة الكنيسة والمؤمنين كما أوصانا ..."السيد المسيح"... في كل حين.   
في هذا الديوان، نتعرف على شربل بعيني الإنسان المملوء حباً، المترفع عن الحقد والبغضاء. نتعرف على ابن الجبل الأصيل الذي لم تأخذ المدنية ولا المجتمع الاستهلاكي  من أصالته قيد أنملة: 
خْلِقْنِي يَقْظَه بْلَيْلِةْ حُلْمْ
فَجِّرْنِي حُبّ وْإِحْسَاسْ
وْتِرْتِيلِه عَ شْفَاف النَّاسْ
وِحْمَامِه تْبَشِّرْ بِالسِّلْـمْ
يَا رَبّ الْقَاعِدْ بِالْبَالْ
نْفِخْنِي غَيْمِه وِسْع الأَرْضْ
تَا شَتِّي لْهَـ النَّاسْ غْلالْ
وْإِجْرُفْ مِنْ قِدَّامُنْ بُغْضْ
وْحَيِّكْ بَدْل الْبُغْض سْلاَلْ
زَيِّنْهَا بْبَاقَات الْوَرْدْ
النَّاطِرْ عَ شْفَاف الأَطْفَالْ

وتتكشف لنا طيبة بعيني وشهامته في مناشدته الإله ليكون رحيماً على الخطأة فيقول: 
وِالأمّ الْـ زَوْجَا قِمَّرْجِي
وْمَا بِتْشُوفُو لِلصِّبْحِيِّه
جَاعُوا طْفَالا.. كَرْجِتْ كَرْجِه
وْفَتْحِتْ بَاب الْبَيْت وْصَارْ
الْجِنْس يْطَعْمِي وْلاد زْغَارْ
هَيْدِي رَحْ تِحْسِبْهَا خْطِيِّه؟!

أبدعت أبو حمد في تقديمها لديوان مناجاة علي، جذبتنا لغتها المقتصدة، سريعة النبض البعيدة عن الرتابة. تبدأ بالغلاف الذي هو صورة الامام علي بن ابي طالب، فتثني على هذا الانتقاء بأسلوب مدهش، تنتقل فجأة من الإخبار (الصورة تزين علاف الديوان وتتربع على عرشه)،  إلى التساؤل، (كيف لا!... وهو هامة دينية، فكرية، فلسفية، وإنسانية بحد ذاته. والحق يقال، ان هذه الصورة لوحة فنية معحبة تكاد بها العينان تنطقان. لقد ذكرتني يمقولة مايكل آنجلو "تكلم يا موسى". وتزيدنا الكاتبة متعة في هذا التناص الجميل بين ما قرأته في الصورة من جمال وجه، وطلة بهية وبين ما قاله المتنبي في شخصية الإمام، فهي في هذا التناص أعطت للصورة وهجاً مبهراً، كيف لا  وصاحبه مالئ الدنيا وشاغل الناس. 
ولا يقل تقديم المادة الشعرية قيمة عن تقديم الغلاف، ففيه عرّفتنا الكاتبة على هوية هذا الديوان: إنه مكتوب بلغة المزامير التي هي لغة الكتاب المقدس وهدف الشاعر التقرب إلى الإمام بلغة السلام والقداسة "ليطلق نور الفلسفة، والحكم القيّمة، والأقوال المأثورة، التي ملكت روحه وقلبه، فأطلق لها العنان ورددتها الأجيال وما زلنا نرددها حتى اليوم"... ولم ترهقنا ولا أتخمت ذائقتنا بإسهاب مطوّل، وإنما تركتنا نستكشف جماليات هذا الديوان بمقتطفات منتقاة بعناية هي خير سفير لهذا الديوان:
إِسْمَكْ، رَسْمَكْ، جِسْمَكْ.. عِنْدي
تَالُوت مْقَدَّسْ.. مِنْجَلّ
مْفَكِّرْ، عَالِمْ، وَاعِظْ، جِنْدي
سَيِّد.. ما في كِلْمِه تْدِلّ
...
مِنْ فَلْسِفْتَكْ، مِنْ أَقْوالَكْ
شَعِّتْ شِمْس.. وْطِلْع نْهارْ
...
.. وْهَاكِ الْوَقْفِه فَوْقِ الْمَنْبَرْ
حِمْلِتْنا عَ جْناحِ الرِّيحْ
كِنَّا بْرَفْعِةْ إِيدَكْ نِكْبَرْ
يا عَلِي.. وْتِعْلا تْسَابيحْ
...
مُشْ جايي للصَّحْرا بَسّ
لْناس.. بْيِحْكوا بِلْسانَكْ
جايي تْكَحِّلْ عَيْن الشَّمْسْ
وِتْلَوِّنْها بْإِيمانَكْ
...
دينَكْ دِيني، دين الْحُبّ
الْحُبّ اللّي بْيِجْمَعْ أَكْوانْ
ما بْيِظْلُمْ مَخْلُوق الرَّبّ
اللّي بْيِظْلُمْ هُوِّي الشَّيْطانْ
...
شو الإِنْجيلْ؟!.. وْشو الْقُرْآنْ؟
كتْب.. وْنِزْلِتْ كِرْمالي
فِسَّرْتا، قلتْ: الدَّيّانْ
واحِدْ.. تا تْرَيِّحْ بالي
...
قُلْتِلِّي: لا تْصارِعْ حَقّ
الْحَقِّ بْيِرْبَحْ مَهْما كانْ
..
وْقُلْتِلِّي: "الْباطِلْ مَغْلُوبْ
وَمَغْلوب الْغالِبْ بِالشَّرّ

في عرضها لديوان  أغنية حبّ إلى استراليا" عرّفتنا  الكاتبة على خصيلة محببة في شخصية بعيني، هو الوفاء والعرفان بالجميل، ففي هذه القصيدة يمطر الشاعر  المدن الأسترالية حناناً وحباً:  
شو بْخَبّرِكْ عَنْ أَرْضْ أَبْعَدْ مِنْ خَيَال
عَنْ شَعْبْ عِنْدُو لِلْبَشَرْ قِيمِه
حِبَّيْتها.. وِالْهَجْر أَتْقَلْ مِنِ جْبَال
بْصَخْرِةْ هُمُومِي زَرْعِت الآمَال
وْسِهْرِتْ لَيَالِي تْزِيدْ تَعْلِيمِي
. . . 
شُو بْخَبّرِكْ عَنْ حُبّهَا وْإِحْسَانْهَا
تْجَمَّعْ بِـ قَلْبَا نَاسْ فِرْحَانِينْ
اخْتِزْلِي الْبَشَرْ.. بِتْكَوّنِي إِنْسَانْهَا
اخْتِزْلِي الإِيمَانْ.. بْتِحصْدِي إِيمَانْهَا
اخْتِزْلِي الدِّنِي.. تَا تَعِرْفِيهَا مِينْ؟"

تختم بهية ابو حمد كتابها بفصل قصير تستجمع فيه لقطات فكاهية هي على حد قولها، أسلوب يحبب القارئ بالشعر والنثر، ويجعله يتذكر تفاصيل القصة بحذافيرها وبفرح عارم.  والأهم أن هذا النوع من "الشعر الفكاهي" يعلق بسهولة في ذهن القارئ ويرى نفسه يردده في سره وعلنه بفرح وغبطة ودون عناء حيث تمسي القصيدة "الفكاهة السائدة" بين أفراد المجتمع بما فيهم الاطفال.
 ننتقي من النماذج المتعددة التي أوردتها الكاتبة شعراً ونثراً هذا النموذج منعاً للإطالة:  
"بساحة الكنيسه النسْوانْ
لساناتُن متل السّكينْ
بْيِحْكوا عَ فلانه وفلانْ
عن حنّا اللاحِقْ فُوتين
جابْ منّا بْنات وصبيانْ
أَزْغَرْهُن عمرو عِشْرينْ
عن سامي الْمتل الشّيْطانْ
عنْ اخْتُو ستّ الحلوين
بدّو يْزَوّجها وْطمعانْ
بدوطه بْتِحْرُز وِبْساتينْ
بْزَنْكيل مْعَبّى وْحِرْزان
يْكُون عمْرو فوق السبعينْ
نسوان لسانُن فلتانْ
وتا حتّى يرضوا الدّيّان
ما بْيِنْسوا يْقُولوا: آمين"

هذا غيض من فيض مما جاء في كتاب شربل بعيني منارة الحرف فهنالك الكثير الكثير من القصائد المدهشة والمواقف الإنسانية المؤثرة النبيلة لم يسمح المجال بالوقوف عندها، وفي النية عودة إليها في مقالة لاحقة. إذ أن مقالة محدودة الصفحات لا تستطيع أن تأتي  على مستلخصات خمسة عشر ديواناً  كل ما فيها شيق وممتع ومؤثر سواء لناحية الانتقاءات أو التقديم أو التعليق.  
يصنف كتاب أبو حمد في كونه نمط جديد في الدراسات البحثية. فهو، وإن التزم منهج البحث العلمي في الاستقصاء والتحليل والالتزام بالموضوعية، إلا انه ابتعد كل البعد عن لغة البحوث العلمية الجافة المملة، واتبع أسلوباً شاعرياً وجدانياً يدهش ويلذ، فكان أن أضافت الكاتبة على شاعرية البعيني شاعرية من نوع جديد، وبتنا، على حد تعبير مصطفى الحلوة، أمام ديوانٍ للدكتورة بهية أبو حمد، يحتوي خمسة عشر ديواناً، ولنغدو أمام شاعرين، وإنْ لَم تحشرْ مؤلفتنا نفسها بين الشعراء، ففي لغتها من روح الشعر وتوهجه ما يرقى بها إلى لغة الشعر. 

د. نجمة خليل حبيب
سدني أستراليا 
‏28‏ تشرين الثاني‏ 2019، 

وين غبت/ روميو عويس

رسالة الى الامام المغَيَّب موسى الصدر

1
وين غبت؟ بعدو ناطرك لبنان
وارزتو رجوعك مشتهيّه
و ع الجمر ناطر شعبك ويئسان
حلم العداله.. وحلم حريّه
2
وين رحت؟ بَعدَك شَرَّعو الحرمان
وعَ ذوقهُن فلتو الحراميّه
وضَل اليتيم مشَرَّد وحفيان
وزادو الارامل.. والعبوديّه
3
عم الجهل.. والظلم.. والطغيان
واديان شحنوها انانيّه
الدين صاير.. ملعب الشيطان
حَرَّفو الكتب السماويه
4
راحو اللي كانو يْدَعّمو البنيان
باخلاص ومحبّه وصدق نيّه
لكن رغم بُعدَك لصَرلو زْمان
طلَّيت من صفحات مطويّه
ورجع صَوتَك نَبَّه الميدان
ع الحُب.. ع نَبذ الكراهيّه
5
مبارحه.. نَهجَك رجع عنوان
بساحاتنا.. صيحات مدْوِيّه
الدين المحبه.. كلنا لبنان
سلامات لعيونك.. من الوجدان
والقلب.. والبركه الالهيّه
**
حجاب وصليب

بين الصليب وقيمة حجابك
شايف وطن.. شايف عَلَم مرفوع
معَنوَن سلام الدين.. بكتابك
بقلبك الصافي بصوتك المسموع

اللي فيه نادوا.. محمَّد ويسوع

المرأة المبتورة الأعضاء/ ماهر طلبه

فى الحرب الأخيرة، بدأت المعارك هكذا.. قذف مدفعى مصحوب بغارات  جوية طيلة النهار، ثم تحرك العدو فى اتجاه بيوت القرية مع حلول الليل مدججا بالسلاح.. تراجعت القرية خائفة، لكن العدو كان قد أعد للأمر عدته، فهو محاصر لها من كل الجهات.. لم تجد القرية حلا سوى أن تلجأ إلى الغابة تحتمى بها، بعد أن ألقت فى وجهه بالرصاصة الأخيرة... 
فى الغابة لم تكن الحياة سهلة أو هينة أو أمنة كما تخيلتها القرية.. كان هناك الأسد الجرئ،  والعصفور البرئ، والقرد اللاهى، والأرنب المذعور، والفأر المختبئ، والذباب المتجمع على القاذورات.... وأيضا الذئب الخسيس والثعلب المكار وآكلى الجيف ممن يحفرون فى قبور الماضى ليأكلوا.
عانت القرية كثيرا ومات  كثيرمن سكانها.. ومازالت تتلقى حتى الآن قذائف العدو المحاصر لها وطعنات الذئاب ومؤمرات الثعالب وأكلى الجيف أصحاب التراث القديم فى القضاء على القرى.

mahertolba@yahoo.com
http://mahertolba62.blogspot.com

عينان في إطار ماس وعقيق أخضر/ د. عدنان الظاهر

(( بعض ُ قصص سناء كامل شعلان تلهمني ما تلهم ... شكراً للسناء )) .

إختطفها إذ غاب زوجها ليلاً عنها ...
 ما رآها قبل ساعة الإختطاف . رآها قبل ذلك مرّاتِ عدة ولكن ، محتواة في إطار من فضة مُلقى ً على منضدة زوجها طبيب الأسنان الوحيد في القرية النائية . لم يرَ في سجنها الفضي ذاك إلا عينيها تشعان فيخترق الشعاع معدن الفضة البارد . تسخن الفضة فتنتقل الحرارة إلى قلب الشاب الباحث في علم حشرات الفاكهة . يلتهب القلب ويتقد . يشتعل العصب في الجسد فتتوهج الرغبة العارمة فيه . غاب زوجها الغيور عنها لفترة قصيرة أتاحت للباحث في علم الحشرات فُرصة إختطافها بعد عذاب وصراع وجرعة قوية فوق العادة من مخدّر أدمن تعاطيه درءاً لآلام أسنانه المزمن . العشق قتال في بعض الأحايين وغريب النشأة والتفاصيل.
ألم الأضراس يقويه ويزيده غرابة ً ووحشية ً وإصراراً على نوال مَن سببته . ألم الجوى والحرمان منه لا يضاهيه إلا ألم الأسنان القاسي . الألم هو الألم ، وعصب السن واحد من أعصاب الجسد المسربل بالعشق المتوحش الضاري . إختطف معشوقته وأدخلها كوخه الصغير ليلاً . عرّاها وتعرّى . مارسها فإستمرأته . وجدته أكثر فتوة ً وشباباً وجبروتاً من زوجها العجوز الخالي العظم . نامت وقد إرتوت حباً وجنساً فلم يدعها عاشقها تواصل النوم . تذكَّر أنها أعرضت عنه مرة ً ، طردته وقد باح لها بحبه . عاودته فجأة آلام أسنانه . ألَمان متساويا الدرجة والعنف والسيطرة. ألم ذل الطرد وألم أسنانه . تسلل عاريا ً رويداً من فراش ضجعتها الأخيرة ... تناول الساطور الضخم الذي إستعاره من فلاح البساتين المجاورة المستخدم في قطع وتشذيب أطراف وفروع الشجرغير المرغوب فيها ولتكريب جذوع النخيل . أهوى به على رقبتها العاجية وكانت غارقة في أحلام النوم وهي مخدرة الجسد لكثرة ما مارست من جولات الجنس مع مَن سيذبحها بضربة ساطور معد ٍّ لا لقطع رؤوس البشر ولكن لقطع أغصان الشجر .
أما أنا ... (( أنا وقد لا أكون أنا )) ... فلقد رأيت عينيها في إطار من ذهب خالص عيار 24 قيراطاً . نادتني عيناها قبل أن أبادر للنداء . أشارت لي   تعالَ فما مضيتُ . ظللتُ واقفا ً أنتظر (( وقوفا ً بها صحبي ... )) . ذاك لأني بطبعي أخشى العواقب غير المحسوبة أو غير المتوقعة . هل سيذبحني زوجها ؟ أهي متزوجة أم لم تزل عزباء في إنتظاره ؟ طال وقوفي وطال إنتظاري فمللت ولم أتشكَ . تقحّمت خوفي وإخترقت الجُدُر الزجاجية (( قصة زاجر المطر / كتاب قافلة العطش لسناء كامل ))  وأُطر الذهب الخالص وحواجز الفضاء والزمان لألتقيها هناك في دارها . ما طردت أحداً قبلي . ألفيتها غير متزوجة ... إحدى حوريات الجنان ... لم يمسسها ولم يطمثها إنس ٌ ولا جان . لم تسأل أو تستوضح سبب زيارتي المفاجئة . قدّمت لي ـ كعادة قبائل الطوارق ـ الطعامَ ،  وما كنتُ لأستطيع تحويل بصري وما فيه من هيام وعشق عن زمرّد عينيها وسحر جسدها وما إختارت من ملبس وألوان . خبيرة في اللون وتصاميم ملابسها . لم تتكلم كثيراً . كلامها بعيون الزمرّد والعقيق . أحياناً توظِّف أناملها في توضيح ما تود توضيحه . تتكلم بأصابع كفيها . تأمرها  فتطيع وتستجيب . لم أكنْ جائعاً فأكلت أقل من القليل . رفعت الصحون وجاءتني بالشاي المهيّل والمخدّر بمسحوق القرفة ( الدارصيني ). قلت لها قد فقدت شهوتي للطعام وللشراب . سألت بعقيق محجريها لماذا ؟ أطرقتُ ولم أجبْ . أعادت السؤال بسبابة كفها اليمنى فلم أجب . أرسلت لي حزمة من موجات غامضة عاتبة تحمل لي ذات السؤال . شعرت برهبة حقيقية فوقعت تحت طغيان قوة روحها السحرية . قوة غريبة في سحرها ومفعولها . جثوتُ على ركبتي ووضعتُ رأسي في حضنها مقبِّلاً معتذراً . رفعت برقة ِ يد ملاك ٍ أو إله ٍ أسطوري ٍّ  رأسي وطلبت مني أن أنهض . قالت لايليق هذا الوضع برجل مثلك . قلت كذا المحب ... هذا هو شأن مَن يعشق . لا تأخذك سيدتي الدهشة (( أردتُ لكني لم أجرؤ. أردتُ أن أقولَ لها : أهوى أن أقبِّلَ مزيج منصهر الذهب وعسل جنات الخلد في ثغركِ . في شفتيك . من بين شفتيك . مخلَّقا ً مع رضابك ... ))  أفلم تقرأي قصة الباحث في علم حشرات أشجار الفاكهة وإلى أي مصير إنتهى به عشقه لزوج طبيب الأسنان العجوز ؟ قالت كان ذاك باحثا ً في علم الحشرات أمضى جُل َّ عمره يجمع ويدرس ويصنّف حيوانات صغيرة تُسمى حشرات ، لكنك باحث ٌ  في علم الكيمياء والمعادن ... والبشر كما قد تعلم معادن شتى . ثم إنك لست حشاشا ً كذاك ولستَ مجنوناً . ثم إني إستقبلتك ضيفاً كريماً ولم أطردك . ثم إنَّ مَن أحبَّ صاحبُ الحشرات والحشرجات إنما أحب صورةً مؤطرة ً في إطار من فضة ، لكنك وجدتني  في إطار من الذهب الإبريز والعسجد النقي الصافي من أعلى عيار وميزان ، والذهب غير الفضة . ذاك قد وقع في غرام إمرأة متزوجة وأما أنا فكما تراني لم أزل ْ في دار وعصمة أبي أنتظر الرجل الذي يستحقني وأستحق. قلتُ لها ـ وقد رفعتُ رأسي بضراعة ٍ نحوها ـ دونما إبطاء : ها إني أتيتُ إليك ماشياً على قدميِّ الجريحتين من أقصى أصقاع الدنيا ... إليك في دار أبيكِ فهل ترينني أستحقك وتستحقينني ؟ إبتعدتْ  قليلاً عني مبتسمة ً في حياء فتاة  بكر ٍ شرقية أصيلة سليلة أصائل . وضعت كفها على رأسي فشعرت بنشوة وقعت عليَّ من أعالي السماوات . غبتُ عني وعنها وحين عدتُ لنفسي وجدت كف َّ المرحومة جدتي لوالدتي العلوية فهيمة بنت ناصر ، أم خالي الوحيد رزوقي الذي سقط من شجرة السدر العملاقة التي تتوسط دارهم القديم ففارق على الفور الحياة ، وجدت ُ كفها المرتعش على رأسي تتعوّذ وتبسمل وتقرأ شيئاً من آي القرآن الكريم وتنقر بالكف الأخرى على أرض الغرفة نقرات ٍ متتالية ً رتيبة الإيقاع . كان هذا دأبها معي ومع باقي إخوتي كلما شعرتُ بألم في رأسي زمان طفولتي . أحببت هذا الطقس حد َّ الإدمان حتى لقد كنتُ أفتعل صداع الرأس لتمارس المرحومة فهيمة معي ذات الطقوس الغامضة في أغلبها . تراتيل دينية وأدعية وشفرات شديدة الغموض ودفء حضن الجدّة وصمت الأهل خاشعين متضامنين مع هيبة العجوز الطاعنة في السن ومع طفلهم المتمارض الصغير . ما أن ْ وضعتْ عقيقيةُ العينين ذهبيةُ الإهاب والهيبة كفَّها فوق رأسي حتى عدتُ لطفولتي المبكّرة محمولاً على بُراق لا يعرف حكم الزمن ... بُراق يطير بسرعة البرق ضد مسار الزمن . يقول الشعراء إنَّ الحب سُكر ٌ ومَن لا يسكرُ لا يعرفُ معنى الحب ولا يتذوق طعمه حلواً أكان الطعمُ أو مرّا ً . سكرتُ بالفعل بين يديها وغبتُ عن الوعي والزمن . لم أسال نفسي عن سبب وسر تجاوبها معي حتى تذكّرتُ ما قالتْ لي قبل قليل : إنك كيميائي تتعامل والمعادن والبشرُ معادنُ . معها كل الحق . إنها فيلسوفة . الذي يتعامل مع المعادن يجيد التعامل مع البشر . ثم إنَّ الكيمياء سحر مُذ ْ عهود فراعنة مصر الأقدمين . هناك بدأت الكيمياء في معابد الفراعنة حيث أفلح كهّان هذه المعابد في تحضير مستلزمات التحنيط وكيمياويات حفظ الأجساد والأنسجة القطنية والصوفية والكتانية من التلف والرطوبة . فضلاً عن تحضير الألوان الثابتة التي تتحدى الزمن وتبقى محافظة ً على رونقها وبقيت لآلاف السنين . أنا كيميائي إذا ً حسبما قالت ساحرتي الفرعونية ورائحة الكافور ومسحوق القرنفل والمسك والحناء تفوح من بدلتها الكتانية الطويلة ومن بين خصلات شعرها المدلاة على كتفيها ومن خلل أناملها الدقيقة التكوين المطلية الأظافر بمزيج معجون الند والزعفران وخلاصة أندر الأزهار والورود . (( أنتَ كيميائي )) ... قالت ، والكيمياءُ سِحرٌ ... إذا ً سأسحرها أو أسحرُ لها فعسى ان تعشقني كما عشقتها ... عسى أنْ تحبَّني كما أحببتها ...  وإلا فلسوف أطلب منها أنْ تقتلَني ... أنْ تحز َّ رقبتي بساطور الحشّاش خبيرِ الحشرات . لم يقتلْ ذاكَ الخبيرُ حشرةً لكنْ قتلَ بشراً ، قتل إمرأة ً حية ً من لحمٍ وعظمٍ ودمٍ . فهل تُرى أمسخ نفسي حشرة ً صغيرة ً لكي تقتلني بإصبعها صاحبتي الفرعونية الشديدة الرقة أو أن تدوسَ عليَّ ولو من باب السهو بأحد قدميها لأتركَ عليها تذكارا ً لحبّي شيئا ً من دمي ، ودمي يحمل إسمي وجيناتي وتوقيعي الذي تعرفُ ؟ الموتُ تحت أقدام الحبيبِ أفضلُ وأهونُ من الموت بساطور تكريبِ جذوعِ النخيلِ ... لا ريبَ . ما أن فرغتُ من قول هذا الكلام حتى تناهي لمسمعي صوت ٌ قوي ٌّ جَهوري ٌّ أتاني من البريّةِ صارخاً : كلّا كلّا ... سأعيرُ حبيبتك ومليكتك الفرعونية ساطورَ تكريب جذوع نخيل [ دقلة النور ] في واحة وصحراء [ تَوْزَرْ ] التونسية  لكي تقصفَ به رقبتك لأنك جبان ٌ خانع ٌ وذليلٌ...  ليس فيك شئ من رجولتي . لا تركع أمام مَنْ تُحبُّ . لا تطأطئ رأسَك حتى لكفِّ جدتكَ لأمّكَ . كنتُ أشجعَ منك فحولة ً ورجولة ً وأشد َّمضاء ً . إختطفتُ التي أحببتُ ... قدتها كقطة ذليلة جائعة لكوخي عنوة ً ... عريتها ... مارستها دون حسابٍ حتى خارت قوايَ  وقواها فنامت كما لم تنم ْ من قبلُ ... ثم تعرفُ ما جرى بعد ذلك !! الحبُّ مقتلة تنتهي في جولة واحدة ميدانها الفراش . تخرج منها إما قاتلاً أو مقتولاً . أفلم يقل الفيلسوف نيتشة إنَّ في الحب حقدا ً  أسودَ  وكرهاً لا حدودَ  لهما ؟ أفلم يقلْ هذا الرجل ُ المعتوه إن َّ في الحروب والغزوات حباً وعشقاً مخفيين دفينين عميقاً في أعماق نفوس البشر منذ أزمنة وعصور الصيد ؟ من غير حبٍّ لا تستطيعُ أكلَ صيدكَ . تجري كأيِّ عاشقٍ حقيقيٍّ سريعاً وراء صيدك حتى تتمكنَ منه فتقتله لكي تتناوله طعاماً سائغاً نيئاً قبل إكتشاف النار أو مشوياً بعد إكتشافها ؟ الحربُ قتلٌ وفي القتل حبٌّ شاذٌّ ساديٌّ ولكنه يبقى حباً رغم آناف البشر . توقف صوتُ أو صدى القاتل ِ حبيبته ِ فأصابني صُداع في رأسي وآلام ٌ  مُبرِّحة ٌ  في أسناني : أحقاً ما قال هذا الرجلُ خبيرُ الحشرات الذي حذا حذو َ الشاعر ديك الجن الحمصي الشامي إذ قتل حبيبته غيرة ً عليها ثم َّ أحرق جثتها وجبل من رمادها قدحاً لخمرة سكرهِ ؟ هل عرف هذا الشاعرَ أو قرأ عنه ؟ هل زار مدينة حمص  أو واحةَ توزر حيث نخيل تمور دقلة النور ؟ هل كان سيقتل الصبية البربرية السمراء التي تحمل ويا للصدفة إسم ( دقلة النور ) لو كانت صدته وأعرضت عنه  ولم تستجبْ  لنداءات إغوائه وإغراءات ما عرض عليها من دولارات أمريكية ومما أغدق عليه شيوخ الخليج من أموال كي يسمسر َ لهم ويعرِّصَ ويزرعَ  في رأسه شتلتي قرنين إثتين من قرون القوادين بدل َ فسيلتي نخيل ؟ هل كان سيحز رأسها كما يفعل الجزّارون  مع رؤوس الضأن والغنم والماشية ؟ أتاني صوت الصبية دقلة النور صافياً رقراقاً قوياً حيث قالت : لا تنسَ أيها العاشق النبيل أنَّ وجودَ شبح الشاعر أبي القاسم الشابي فوق التلة الترابية التي تشرف على ما نصبَ على مسطّحِ الرمالِ شيوخُ الخليجِ من خيام وفساطيط  هائلة وما نضدوا فيها من زرابي َ ونمارق ... مجرد ظهور هذا الشبح أذاب الشيوخ وخيامهم وسياراتهم الباذخة وسمسارهم ذا النظارة السوداء طويل القامة فتبخروا سوية ً مع تجار تهريب فسائل نخيل دقلة النور المشبوهين القادمين من ولاية كالفورنيا الأمريكية خصيصا ً لتهريب سيد الشجر النخيل والبشر المتواضع من فلاحي الواحات . إختفى صوت الصبية البربرية الشريفة العفيفة فأتاني  صوتُ أبي العلاء المعرّي جهورياً يشق عنان صحراء توزر مادحاً ومبجلا ً النخيل في شعر يتذكر فيه إقامته في بغداد :

شربنا ماءَ دجلة َ خيرَ ماء ٍ
وزُرنا أشرفَ الشَجر ِ النخيلا 

إشارة ً منه للنخلة التي ورد ذكرها مرتين في سورة مريم ، المرة الأولى في الآية [[ فأجاءها المخاض ُ إلى جذعِ النخلة ِ ... / الآية 23 ]]  والثانية في الآية [[ وهُزّي إليكٍ بجذع ِ النخلة ِ تُساقط ْ عليكِ رُطباً جنيا / الآية 25 ]] .
أنتهى الفيلمُ المعروضُ أمامي على شاشة التلفزيون فصحوتُ من رقدتي وحلمي العميق << أنام عادةً أمام شاشة التلفزيون ونظارتي على عيني َّ والكتاب في حضني !! >> . فتحتُ عينيَّ المتعبتين الحمراوين باحثاً عن تفاصيل ما قد رأيتُ في حُلمي فلم أعثرْ على أي أثر ٍ منها سوى لوحة هائلة القياسات بدون إطار لصورة وجه لا أروعَ منه ولا أجمل تغطي أحد جدران شقتي كاملاً . تفحصت ُ وجه َ وعيني صاحبة الصورة فعدتُ لنومي مسحوراً بتعويذة ٍ سحرٍ مصرية ٍ فرعونية ٍ غيرَ  مصدق ٍ ما ترى عيناي : صورة سناء كامل الشعلان كما رأيتها قبل يومين في موقع الصديق الفنان الناقد الجزائري محمد بوكرش . ركزتُ بصري فرأيت في أسفل الصورة إسمَ الفنان الغريق الذي رسم الصورة : طارق العسّاف !! 

ملاحظة هامة : في هذه القصة الخيالية تفاصيل أخذتها بتصرف من قصص كتاب { أرض الحكايا / منشورات نادي الجسرة الثقافي الإجتماعي ، قطر ، 2007 } للدكتورة سناء كامل شعلان . القصص التي عنيت ُ هي حسب تسلسل ورودها هنا : الصورة / دقلة النور / اللوحة اليتيمة .   

مأوى العذاب/ عباس علي مراد


من غبار التعب
تُسدل ستائر الألم
القلق معلّق على أرصفة عارية
معذبون
خرجوا من بين جراح
نازفة من جسد وطن
الشموع تسكب قليلاً من الضوء
كثيراً من الدموع
الموت كفن الحياة المنسية
المطرودة من جنة الأحلام
حياة تبحث عن وجوه
سرقتها الأيام
ألقت بها
في غياهب الجب
تلفظها أمواجه المغلقة
على الأنين الصاخب
والصمت الأبدي
تلتقطها صور
الذكرى المنكسرة
المثقلة بالغياب
ليقولوا عبروا من هنا ذات يومٍ
الى مثواهم الأخير
دون شهادة وفاة
دون ان يوارون الثرى
انهم الخارجون
من مآوى العذاب


شجون الحديث في شؤون عربية/ ابراهيم مشارة


هل هناك أفظع من الموت ؟ نعم، الخوف الذي يجبرك على الصمت.
                                                   ***                                                                     
في دولة الاستبداد تنهار الطبقة الوسطى وينقسم المجتمع إلى فئتين الأغنياء والفقراء وتغدو الوظيفة  نوعا من أنواع البغاء فكما أن البغي تبيع جسدها لقاء الخبز يبيع الموظف حريته  وكرامته ويسكت عن الحق وسط رؤيته للفساد حفظا لقوته  أي يعطي  من قدسية روحه لحساب طينية جسده ،فما الفرق بين الفعلين؟  بل الأول أرحم فدعارة الروح أفظع من دعارة الجسد.
                                                   ***                                                                      
 المسئول في نظام مغلق غير شفاف وقائم على عدم الكفاءة والتزوير والوصولية لقاء خدمات مشبوهة  يرى نفسه إلها يفعل ما يشاء ولسان حاله ومقاله يقولان:" لا أسأل عما أفعل وأنتم تسألون" وتزيد التدابير التعسفية من لدن المستبد الأكبر في تدعيم فساد هذا المسئول وتحميه إنه على حق دائما ومن هم تحت وصايته على باطل دائما.
                                                      ***                                                                        
"جوع كلبك يتبعك" يمكن أن أشرحها بهذه الطرفة فالأجرة الشهرية تشبه العادة الشهرية إنها لا تبقى أكثر من خمسة أيام وبعد زمن تحال المرأة على سن اليأس والموظف على سن التقاعد.
                                                      ***  
"اقتل الكلب ولا تقتل سيده" هذا المثل الشعبي يفسر لم يعيش الفاسد أو المستبد؟ إنه يستند إلى منظومة كاملة تحته يستند عليها لذا اللوم عليها لا عليه.
                                                        ***     
كان المفكر الكبير علي عزت بيقوفيتش يقول:" نحن من نصنع طغاتنا بأيدينا " ويمكن أن نفسر ذلك بالاستناد إلى جيولوجيا الاستبداد إنها مثل الجبل  الدفع من القاع هو الذي يشكل القمم . 
                                                         ***                                                                              
هناك من يدعو إلى العلمانية وفق الطرح التالي: فصل الدين عن الدولة ولكنني أرى أن العلمانية الأولى هي فصل المدني عن العسكري.
                                                        ***                                                                   
 فريضة الجمعة شكل من أشكال الديمقراطية الإسلامية إنها برلمان شعبي ذو مصداقية وشفاف يعالج مشاكل الحي أو المدينة ،التعليم، الصحة ،الخدمة العمومية ،الخدمة الإنسانية ،العدالة الاجتماعية ،فضح الغش ، التطور الحضاري، التنمية، رفع نسبة النمو، شبكة العلاقات الاجتماعية ، الكفاءة، النزاهة... كل من يحضر الجمعة هو ممثل شرعي للحي  لكنها في ظل أنظمة استبدادية تحولت إلى غطاء شرعي لهذه الأنظمة مادامت خاتمتها هكذا :"اللهم أصلح ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين وارزقهم البطانة الصالحة، اللهم أعز الإسلام والمسلمين واخذل الشرك والمشركين"  ولا شيء تحقق من هذه الدعوات هذا برهان على انحراف فريضة الجمعة عن معناها الحقيقي.
                                                        ***                                                                           
لا وجود لرجال دين في الإسلام فكل مواطن هو رجل دين فالدين ثقافة ذاتية مثله مثل العقل والضمير ،إن الأنظمة الدغمائية غير الشفافة هي التي خلقت هذا الإكليروس لتزكية شرعية وجودها وسحبت الدين من عقل وضمير كل مواطن  لذا يسأل المواطن المفرغ من دينه عن حكم الدين في كذا عند رجال دين أنتجتهم الأنظمة. وماذا يجد عندهم غير خطاب السلطة ؟ من رفض هذا الطرح من علماء الإسلام كفروه واتهموه بالزندقة والانحراف.
                                                           ***
حين تفقد أمة نماذجها الحضارية الآنية ومنهجها العصري في إدارة الدولة  وتدبير شؤون الحياة المختلفة وتكاد تيأس من  المستقبل تلتفت إلى الماضي  ويصبح نموذج كلامها كان عمر، وووو وهذا هو سبب انتشار المسلسلات التاريخية خاصة في رمضان  بينما الأمة المتحضرة تصنع عمرها في كل آن.
                                                              ***

"من لا معاش له لا معاد له" يمكن أن  أشرحها هكذا تحاسب أمة ما على ميراثها العلمي والحضاري والأخلاقي.

لماذا انسحبت الهند من إتفاقيةRECP/ د. عبدالله المدني

كان من المفترض أن ينبثق عن إجتماع الحكومات الآسيوية الأخيرة في بانكوك يوم الاثنين الرابع من نوفمبر الجاري التوقيع رسميا على إتفاق القرن أو ما يُعرف بـ"اتفاقية الشراكة الإقتصادية الشاملة" في آسيا  والمعروفة إختصارا بأحرفها الأجنبية الأولي أي RECP  حيث أنّ هذه الإتفاقية، التي جرى التفاوض على بنودها على مدى السنوات السبع الماضية، في حال العمل بها بدءا من العام القادم كما هو متوقع سوف تؤسس لقيام أوسع منطقة للتبادل الحر قوامه 30 بالمئة من سكان المعمورة ونحو 30 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للعالم ونحو 40 بالمئة من التجارة العالمية، وذلك بسبب القوى الإقتصادية الكبرى المنضمة اليها إلى جانب القوى الاقتصادية الصاعدة وعدد من الاقتصاديات مكتملة النمو مثل: الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا ودول جنوب شرق آسيا العشر المنضوية تحت تكتل آسيان. غير أن ما حدث هو رفض الهند التوقيع في آخر لحظة رغم أنّ كل المؤشرات كانت تقول خلاف ذلك. 

ومن المؤكد أن القرار الهندي جاء على خلفية خوف نيودلهي من قيام الصين بإغراق أسواقها بمنتجاتها الصناعية وسلعها الزراعية الرخيصة بشكل يهدد مصالح المنتجين والمزارعين الهنود وقطاعات التصنيع الهندية، ويهدد في الوقت نفسه مشروع "إصنع في الهند" وشاهدنا في هذا السياق هو ما صرح به رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي تبريرا لقرار بلاده هذا، إذ سُجل عنه ما مفاده أن الهند إضطرت إلى الإنسحاب من الإتفاقية لأسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية الهندية والتاثير السلبي المحتمل للاتفاقية على حياة وسبل معيشة ملايين الهنود، ولا سيما الطبقات الضعيفة منهم كالمزارعين.

وإذا كان مثل هذا المبرر ليس غائبا عند الآخرين، في ظل حقيقة أن الإتفاقية المشار إليها تهدف إلى تحرير التجارة بين دولها من الرسوم الجمركية وبقية أشكال القيود الحمائية، فإنه عند الهند مرتبط بحركة معارضة يغذيها ويقودها "حزب المؤتمر الهندي" المعارض الذي ما إنفك منذ تلقيه خسارة قاسية في الإنتخابات العامة الأخيرة، التي جرت في مايو من العام الجاري، يبحث عن أي ثغرة لإحراج حكومة مودي وحزبه الحاكم (بهاراتيا جاناتا) والمتحالفين معه. 

من ناحية أخرى، يمكن القول أن القرار الهندى جاء إرضاء لواشنطون التي تقود حربا تجارية ضد بكين وسياسات الأخيرة في عموم آسيا، ويعكس رغبة نيودلهي في إعادة الزخم إلى علاقات الصداقة والتحالف الإستراتيجي مع القوة العالمية الكبرى، واستثمار مثل هذا التحالف ضد ما يهدد الهند سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العلاقات الأمريكية ــ الهندية شهدت في الآونة الأخيرة بعض الخلافات. فإدارة الرئيس دونالد ترامب من بعد إعلانها عن خطط للتقارب مع الهند، ظهرت تجلياتها في تغيير البنتاغون إسم قيادتها العسكرية في آسيا من "قيادة الباسفيك" إلى "القيادة الهندية الباسيفيكية"، مما أعطى مركزية أكبر للهند كشريك إستراتيجي؛ وإعلان ترامب قرب التوقيع على إتفاق كبير جدا للتجارة مع الهند؛ وقيام واشنطون بمنح الهند مزايا تجارية تفضيلية؛ ومنحها تفويضا لشراء المنتجات التكنولوجية الامريكية المتقدمة، قام ترامب بإطلاق تغريدات ندد فيها بالرسوم الجمركية العالية المفروضة على السلع الأمريكية من قبل الهند، كما قام بإلغاء المزايا التجارية الممنوحة للمنتجات الهندية، ناهيك عن فرضه رسوم جمركية على الصلب والألمنيوم الهندي.

وإذا أردنا الخوض في تفاصيل أوسع بشأن إتفاقية RECP ، نجد أنها اكتسبت قوة دفع كبيرة منذ قرار ترامب الانسحاب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي التي هندسها سلفه باراك اوباما. كما نجد أن الهنود دخلوا مفاوضاتها بقوة على أمل أن يفتح شركاؤهم أبواب بلدانهم للخدمات الهندية (حقل تملك فيه الهند ميزة) علّ ذلك يعوض الهند جزئيا عن خسائرها المحتملة من فتح أبوابها للسلع الصينية والآسيوية، لكن رفض عدد من الدول ــ بدعم صيني ــ للمطلب الهندي واصرارها على أن تشتمل الإتفاقية على تحرير السلع دون الخدمات من الرسوم الحمائية جعلت نيودلهي تتراجع عن التوقيع على الاتفاقية في اللحظة الأخيرة. 

على أن بعض أطراف الإتفاقية، وخصوصا اليابان، تأمل أن تتراجع نيودلهي عن قرار رفض الإنضمام من الآن وحتى مؤتمر آسيان المقبل في فيتنام سنة 2020، وهو ما لا يمكن توقعه اذا ما قرأنا تصريحات مودي المشار إليه آنفا.

د. عبدالله المدني
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: نوفمبر 2019 
البريد الإلكتروني: Elmadani@batelco.com.bh

عبارة الهامش:
إضطرت إلى الإنسحاب من الإتفاقية لأسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية الهندية

الظِّلُّ والنّور/ صالح أحمد

صَبرًا فهذا الدُّجى في سِرِّهِ نورُ = سعيًا... فراعِ النهى والجَدِّ مَجبورُ
جفَّت حقولٌ وما جَفَّت روائحها = تذكو بروحٍ سَمَت والخيرُ مَذخورُ
كُفّوا التّشاؤُمَ يا قَومي فمافَتِئَت = أرضي وَلودٌ... فميسورٌ وَمَنظورُ
أصغوا لصَوتِ نِداها صارِخًا أمَلًا = للوَهمِ لا تَرضَخوا يا عِزَّتي ثوروا
عزُّ البلادِ إذا فيها زَنابِقُها = أولادُها، ولها أرواحُهُم سورُ
ذُلُّ البلادِ إذا باتت يسودُ بها = فكرٌ دخيلٌ، وقادَ الرّكبَ مأجورُ 
وأصبَحَ الحاكِمُ الباغي بِها وَثَنًا = يطوفُ مِن حَولِهِ غرٌّ وَمَخمورُ 
الكلُّ يَلهَثُ بحثًا عَن مَطامِعِهِ = يا دارُ ذا حالُنا طاغٍ ومغدورُ
خيراتُنا للسّدى تُهدى ويَسكُننا = شرٌّ يحيقُ بنا... والحقُّ مَهدورُ
كفى ضياعًا فإن الأرضَ يحكُمها = ظلمٌ إذا لم يَكُن من قَلبِها النورُ 
فكلُّ ما يُضمِرُ الأغرابُ إن ظفروا = قهرٌ وَنهبٌ... وأما عَدلُهُم زورُ
هذي الحقيقَةُ يا قومي سنقرَؤُها = في حالِ جيلٍ تغرَّبَ فهوَ مأسورُ 
أجيالُنا باتَتِ الأهواءُ تَحكُمُها = قد ضَيَّعَت نَورَها فامتَدَّ دَيجورُ 
تدورُ تائِهةً في ظِلِّ مَن بَهروا = عيونَها بالسّدى... كم ضَلَّ مَبهورُ
أزروا بما وَرِثوا مِن مَجدِ أمَّتِهم = سادَ الهوانُ بهم والغيُّ موفورُ
كِبرٌ وتَفرِقَةٌ... عُنفٌ وَضَعضَعَةٌ = نَزفَ المَشاعِرِ باتَت تَحضُنُ الدّورُ
تلكَ الحقيقَةُ لو أبصَرتَ عارِيَةٌ = في حالِ جيلٍ تقَلَّبَ وهوَ مَغرورُ
قَد عَلَّمَتني صروفُ الدّهرِ مَوعِظَةً = مَن قَلَّدَ الغيرَ يشقى وَهوَ مَغمورُ
يا أخوةَ القدسِ بغدادي ويا شامي = يا مَشرِقًا صانَهُ الأحرارُ والحورُ
كبِّر وجَلجِل لنا مَجدٌ شمختُ بِهِ = روحي وفِكري لهُ سامٍ ومَعمورُ
قلبي بلادي وفكري شمسُ عِزَّتِها = جَدّي عُلاها وجدُّ الحُرِّ منصورُ
::::::: صالح أحمد (كناعنة) :::::::

في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة/ شاكر فريد حسن

أحيى العالم أمس، اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، والحديث هنا يدور عن القضاء على العنف بحق المرأة، ولكن تحقيق ذلك لن يتم سريعًا وعاجلًا، وإنما يتطلب ويحتاج لنضال طويل ومثابر ومتواصل، ومضاعفته يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام.

فنحن لا نعيش في عالم يسوده العدل والمساواة حتى يستطيع ويتمكن نصفنا الأخر المتمثل بالمرأة والفتاة، العيش والحياة في مأمن وطمأنينة واستقرار، بعيدًا عن الخوف والعنف والقتل. ويظهر التقرير الصادر عن الأمم المتحدة أن 35% من نساء العالم تعرضن لعنف أسري أو جنسي أو جندري.

وفي مجتمعنا العربي الوضع أشد شراسة وقتامة وسوءًا، فالمرأة العربية تعاني القهر المضاعف والتهديد المستمر، وتتعرض للضرب والتعذيب والتحرش الجنسي.

ولا جدال في أن العنف ليس من فراغ، بل هو نتيجة النظرة الدونية تجاه المرأة، والمفاهيم الرجعية والتقاليد البائدة، والبنية الهرمية الذكورية في المجتمع، وهو ليس مسألة منعزلة عن المسائل والظواهر الاجتماعية الأخرى.

إن المعيقات لتصفية العنف ضد المرأة والقضاء عليه واجتثاثه من جذوره عديدة، وذلك لأن المفاهيم السائدة المسيطرة، والرؤى الهدامة التي تكرس واقع القهر والظلم الاجتماعي ضد المرأة، وانعدام مساواتها الكاملة بكل معانيها واشكالها، ما زالت مهيمنة.

وفي حقيقة الامر أن المواقف التي تستنكر وتدين الممارسات وجرائم العنف ضد النساء تحت مسمى " الشرف "، هي عنصر هام من جميع النواحي الاجتماعية والسياسية والفكرية والحضارية، في المعركة الطويلة للقضاء على العنف ضدها، وكل موقف فكري واخلاقي وإنساني، شجاع وصارخ، هو اضافة نوعية لهذا النضال في سبيل ذلك ولأجل تحررها، ولكن هذا الموقف يجب أن يتحول إلى فعل يومي وممارسة وعادة اجتماعية، نحو تغيير واقع القهر والظلم والعنف والتنكيل ضد المرأة، جذريًا وجندريًا، كي نصل إلى واقع لا مكان فيه لشرعية وشرعنة ارتكاب واقتراف الجرائم ضد المرأة  لكونها امرأة، بدافع مفاهيم " الشرف " وأفكار التعصب والتملك والهيمنة والذكورية والنظرة الاجتماعية الدونية بأنها خلقت للمطبخ والسرير ولإشباع الغرائز الجنسية ليس إلا.