هذا الكتاب من بين كتبي السبعة عشر، كتاب محظوظ، قرئ كثيرا، ونُشر عنه الكثير، وعقدت له أربع ندوات لمناقشته، وكتب عنه كتّاب كثيرون وكاتبات كثيرات، وتفاعل معه ومع قصائده كثير من القراء والمعلقين. وثارت حوله زوبعة قصيرة الأمد، ما كنت أتوقع حصولها، لسبب بسيط، وهو أن النص الذي ثارت عليه الزوبعة منشور سابقا في عدة مواقع إلكترونية وصحف، وسبق أن نشرته على حسابي في الفيسبوك، ولم يلتف أحد إلى ما فيه من "ألفاظ خادشة للحياء" وقتئذٍ، وبسبب هذا الكتاب شُتمت ومُدحت، وانشغل الفضاء الإلكتروني بي مدة من الزمن، وبسببه أيضا تم تشبيهي بأقبح التشبيهات، ولكن بسببه أيضا وجدت الكتّاب العارفين يكتبون الحقيقة كما يتصورونها، ويدافعون عنها وعن حرية الكتابة، كما قال الأستاذ شيخ كتّاب القدس جميل السلحوت.
الندوات التي عقدت لمناقشة الكتاب:
- ندوة حفلة الإطلاق/ رام الله في مقر دار النشر: لم يكن حفل إطلاق بالمعنى الحرفي، ولا من باب المجاز، لولا ذلك الخبر الذي أعددتُه عن الجلسة، واتهمت نفسي أنني وقعت الديوان وأطلقته، كانت جَمْعة أصدقاء، تناقشنا في الكتاب والتقطنا الصور، وقدموا لي الدعم النفسي اللازم، كوني مصابا بجروح لا حصر لها ظهرت في قصائد الكتاب، وفي حديثي خلال المناقشة. حضر الأصدقاء فقط، وكانت لمّة جميلة، كأننا نجلس في مقهى ونتحاور. لقد كانت تنقصنا الأرجيلة على كل حال.
- ندوة اليوم السابع المقدسية: سبقها زوبعة بائسة، كان لها آثار سلبية في التلقي النقدي للكتاب وحشره في زاوية واحدة، وكل من تناول الكتاب في الندوة وما بعدها لم يستطع الخروج من هذه النقطة التي أطلق عليها الأستاذ إبراهيم جوهر نظرية "المربع الناقص"، وصرت بفضلها "كمن سجن خمسين عاما وطلع عميل"، والجملة لأحد أعضاء الندوة محمد عويسات. هنا قلت: "مجنون رمى حجر في بير، ألف ما قدروا يِطَلْعوا".
- ندوة دار الفاروق في نابلس: كان لقاء مقتصرا على مجموعة من المثقفين القراء، تحدثوا عن القصائد وما فيها من موضوعات وأساليب متنوعة، لم يحشروني في "المربع الناقص" كما حدث في ندوة اليوم السابع.
- ندوة مكتبة بلدية جنين ومكتب وزارة الثقافة في المحافظة: قُدمت ورقتان نقديتان ومداخلة أشاروا جميعا فيها إلى تلك المنطقة المحظورة ونظرية "المربع الناقص" الجوهرية، لكنهم تجاوزوها إلى بحث قضايا ثقافية وإبداعية متعددة، كانت الندوة احتفالا واحتفاء ممتازا، غلّفه الحب والمرح البهيج بفضل أسلوب الأستاذ عمر عبد الرحمن صاحب الأسلوب الممتع في العرض حيث جمع المناقشة الجادة والنكتة اللطيفة.
القراءات النقدية خارج نطاق الندوات:
قدّم النقاد والناقدات قراءات متعددة، ركزت على ما في الديوان من جماليات أسلوبية، ولم يحشروا قراءاتهم في "المربع الناقص"، كانت قراءات نقدية مهمة أضاءت كثيرا من الجوانب، لقد كانت تلك القراءات سابقة على زوبعة بيت المقدس، لذلك لم يقف عندها أي كاتب، لأنها لم تبدُ نافرة أو مثيرة للتقزّز أو النفور، وكانت أربع قراءات ناجزة لكل من سمر لاشين، ومادونا عسكر، ورائد الحواري، وأمين دراوشة. كلها نشرت إلا قراءة أمين دراوشة.
التعليقات والآراء:
تفاعل القراء كثيرا مع الديوان وعبروا عن آرائهم في تلك التعليقات التي كتبها الأصدقاء المثقفون في تويتر وفيسبوك وفي رسائل البريد الإلكتروني أو محادثات الفيسبوك، ما شكل مظهرا من مظاهر "النقد التفاعلي/ الافتراضي".
وبهذا شكلت تلك القراءات والندوات والتعليقات والآراء "نصوصا فوقية" تصلح لتكون كتابا تحت ما بات يعرف بالكتابة على الكتابة، بالإضافة إلى شهادة طويلة كتبتها حول الديوان وتخلق الفكرة وتطورها حتى أصبحت ديوانا مستقلا، وجاءت تحت عنوان "ما يشبه الرثاء ولا يشبهني".
مواقف طريفة ومؤثرة:
ومن أكثر المواقف تأثرا ما عبرت عنه صديقة شاعرة في أنها عندما قرأت في الديوان بكت من فرط ما فيه من حزن.
وقارئة أخرى في واحدة من ندوات المناقشة، أصرت أن أوقع لها على ورقة مستقلة، لأنها لا تمتلك نسخة من الديوان، وستقوم بإلصاق التوقيع على نسخة منه في حال امتلكت نسختها. إنه نوع من التكريم المعنوي للكاتب، أن يصر قارئ لا تربطه به أي صلة إلا صلة القراءة أن يتخذ هذا الموقف، ويغادر القاعة وهو يشعر بالنشوة والراحة النفسية.
ومن المواقف الغريبة موقف الشاعر محمد شريم عندما تناقشنا على هامش انتخابات اتحاد الكتاب الشكلية الأخيرة في أمر الزوبعة التي حدثت قبيل مناقشة ندوة اليوم السابع، معبرا عن استيائه من تلك "الألفاظ الخادشة للحياء" مع أنه لم يقرأ الديوان بتاتا، ولم يسع لقراءته فيما بعد، ومن شدة تطرّفه قال "إنه لا يقرأ "سورة يوسف" أمام أبنائه". هنا يبلغ التشدد غايته غير المبرر. ولا يشكل هذا الرأي شيئا، يستدعي أن يُردّ عليه إطلاقا، ولذلك عندما سمعته صمتّ، ولست أدري حينها ماذا يكون الجواب. فهل كانت سورة يوسف أيضا مدرجة في نظرية المربع الناقص الجوهرية؟ إلى الآن لست أدري. وهل كان نشيد الإنشاد مثلا خطأ كذلك؟ وهل يوجد من بين المؤمنين المسيحيين من يمتنع عن قراءة النشيد أمام أبنائه؟
موقف صديقي زياد جيوسي الذي عبر يوم انتخابات اتحاد الكتاب الأخيرة عن تشفيه الساخر بي، إذ هاجمتني النساء، فقد فرح بي وأنا أشوى بنيران ألسنتهن، ولكنه كما قال لي لم يتدخل، لأنه لم يقرأ الديوان، لكنه تابع المشهد بلذة واضحة، مستذكرا إحدى مقالاته الانتقادية التي كانت سببا في نفاد طبعة كتاب أحد الكتاب.
مع كل ما حدث، يبقى هذا الكتاب أكثر كتبي حظا إلى الآن، متمنيا أن يكون هناك قراءات أخرى وتعليقات وندوات تناقش الكتاب وتضيئه أكثر وأكثر.
فشكرا لكل قارئ قرأ الديوان وتأثر به سلبا وإيجابا. وها نحن نكتب ونؤلف ونطبع الكتب، ونغرس غرسنا، فكل كتاب هو شجرة لا تدري متى تثمر أو كيف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق