من يتتبع المشاريع والمخططات الإسرائيلية في مدينة القدس يصل الى نتيجة واحدة بان اسرائيل تريد ان تفرض عليها سيادتها بشكل نهائي وتمنع اي شكل او مظهر من مظاهر العمل والفعل والوجود والسيادة الفلسطينية في وعلى مدينة القدس ....ولعل ما يدلل على ذلك ،ليس فقط شراسة الهجمة التي شنت على المؤسسات المقدسية اغلاقا ودهماً وتفتيشاً ومصادرة لأجهزتها وملفاتها واعتقال القائمين عليها، فضائية فلسطين ومكتب التربية والتعليم والمركز الصحي العربي وغيرها،لتضاف الى أكثر من 35 مؤسسة مقدسية جرى اغلاقها من قبل الاحتلال،والعشرات التي جرى ممارسة الضغوط عليها لترحيل مركز عملها وخدماتها الى خارج حدود ما يسمى بلدية الإحتلال،بل ما أصدره وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي "جلعاد أردان" بمنع محافظ القدس الأخ عدنان غيث من العمل في مدينة القدس والمقصود هنا ضمن ما يسمى بحدود بلدية القدس،المنع من حضور انشطة وفعاليات او عقد لقاءات او اجتماعات او القيام بتقديم المساعدات للفلسطينيين مالية وغيرها ...وهو لم يكتف بذلك بل سيعمل على سن قانون يجرم أي مقدسي يعمل لدى السلطة الفلسطينية في مدينة القدس بالسجن لمدة خمس سنوات.
وما جرى بحق محافظ القدس،اعتقد انه سيطال أية رموز مرتبطة بالسلطة والمنظمة،وكذلك الرموز والشخصيات والفعاليات الوطنية والإسلامية والدينية والتربوية في المدينة.
المرحلة القادمة التي سيعمد اليها الإحتلال ستسير وفق عدة اتجاهات وسيناريوهات،لإزاحة أي قوى او فعاليات أو مؤسسات تقف في طريق تنفيذ مشاريع ومخططات الإحتلال في المدينة...وفي مقدمتها العمل على تحويل الأحياء والبلدات المقدسية الى وحدات اجتماعية منفصلة عن بعضها البعض،بحيث يجري ضرب الرابط الوطني بينها،وحصر الإهتمام في همومها اليومية الإقتصادية والإجتماعية،والعمل على ايجاد قيادات محلية بديلة للقيادات والرموز والشخصيات الوطنية في كل قرية،بحيث يجري العمل على تنفيذ ذلك من خلال اعطاء تلك الشخصيات البديلة صلاحيات مجالس محلية مرتبطة ببلدية الإحتلال على غرار القرى المقدسية الواقعة في غرب المدينة مثل ابو غوش وعين رافه وبيت نقوبا ...وهذا يتطلب العمل على ايجاد مراكز شرطية في كل القرى والبلدات المقدسية في القسم الشرقي من المدينة،تضم أبنيتها بالإضافة للمهام الشرطية التي يناط بها عبر ما يسمى بالشرطة الجماهيرية،الدخول الى المدارس واعطاء ندوات ومحاضرات والتدخل في المشاكل التي تحدث داخل تلك المدارس،وكذلك تعمل على مساعدة اللجان العشائرية المرتبطة معها ،لكي تكون العنوان في المشاكل العشائرية "الطوش" والإجتماعية وغيرها،وتعمل هي كشرطة على تفكيك وتفتيت الأسر المقدسية وهتك نسيجها المجتمعي بالدخول الى حرمات بيوتها والتدخل في أدق خصوصياتها ....وهنا ستضم المراكز الشرطية مباني او غرف تابعة للمراكز الجماهيرية والتي ستكون رأس الحربة الى جانب الشرطة في ان تكون البديل للأندية والمراكز المجتمعية الفلسطينية في الإختراق الشعبي للمجتمع المقدسي،بحيث يجري تخصيص ميزانيات ضخمة لها،لكي تنفذ انشطة وفعاليات في الأحياء والبلدات المقدسية وداخل المدارس،وستعمل البلدية على خلق وكلاء ومتعهدين محليين،تصرف لهم ميزانيات ضخمة،لكي ينفذوا أنشطة وفعاليات داخل المدارس والقرى والبلدات المقدسية،وسيتم ربط الأمور الحياتية للمواطنين من خلالها،القضايا المتعلقة بالترخيص للبناء وإقرار المخططات الهيكلية وغيرها ...وفي المقابل يجري العمل على أسرلة شاملة للعملية التعليمية في مدينة القدس،بدأت بإغلاق مكتب التربية والتعليم في المدينة،كمقدمة لإغلاق وتصفية كافة المدارس التابعة للأوقاف الإسلامية والمستظلة بإدارتها كمقدمة لشطب المنهاج الفلسطيني بشكل كامل في مدينة القدس،وبما يعني ليس فقط العودة بالمدينة الى ما بعد حرب عام 1967 وفرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس الحكومية المقدسية التي سيطر عليها الإحتلال،بل سيشمل ذلك المدارس الخاصة والأهلية،والتي تتلقى تمويل من بلدية الإحتلال،حيث نشهد تدخل سافر من قبل وزارة المعارف الإسرائيلية في شؤونها ....وهناك العديد من المدارس الخاصة أصبحت تفكر بتطبيق منهاج دولي لكي تتجاوز فرض المنهاج الإسرائيلي عليها...ولذلك الإحتلال ضمن مخططه سيجفف كل مصادر الدعم والتمويل للمدارس التي تعمل على تطبيق المنهاج الفلسطيني،وسيفتح صنابير حنفيات المال للمدارس التي تعلم المنهاج الإسرائيلي،وهذا يعني بأن الإحتلال سيعمل على " صهر" و"تطويع" وعي الطلبة المقدسيين،وكذلك السعي للسيطرة على ذاكرتهم الجمعية،بما يضرب انتماءهم الوطني والتشكيك في صحة روايتهم،أي بمعنى فرض الرواية الصهيونية ليس فقط على مسار العملية التعليمية فقط،بل على مجمل الرواية التاريخية،وهنا يصبح مصطلح التطبيع " كادوك" مشرعن وعلني،ومن يقول برفض التطبيع سيجري تجريمه ومحاربته،وهذا يترافق ليس فقط من خلال أسرلة العملية التعليمية،بل اغلاق ومنع انشطة وفعاليات أي مدرسة او مؤسسة تعليمية مقدسية تعمل على التدريس او التنظير للرواية الفلسطينية.
إسرائيل ستواصل مخططاتها ومشاريعها المستهدفة تهويد وأسرلة المدينة،مستهدفة ذلك من خلال الطرد الناعم والخشن للوصول بالمدينة الى مدينة ذات أغلبية يهودية ،وبما يغيير من معالمها وتاريخها وآثارها وواقعها ، مستفيدة من حالة التشظي والإنقسام الفلسطيني،والحالة العربية المنهارة والمتعفنة والمهرولة للتطبيع العلني والشرعي والرسمي مع دولة الاحتلال،ولذلك عملية التصدي والمواجهة ومنع تقدم مثل هذه المشاريع والمخططات،تحتاج الى ما هو أبعد من الشعارات و" الهوبرات" الإعلامية والخطابات النارية والإنشاء المكرر والإسطوانة المشروخة القدس خط احمر،والقدس عاصمة الدولة الفلسطينية،وهي تحتاج كذلك الى ما هو أبعد من الصراخ والبكاء والإستجداء على أبواب ومنصات المؤسسات الدولية، تحتاج الى دعم مالي جدي وحقيقي فلسطيني سواء السلطة او القطاع الخاص ورجال الأعمال والعرب والمسلمين شعوب ومؤسسات وقوى وأحزاب وأنظمة رسمية كتكفير عن خطاياها ضد شعبنا وحقوقنا وقضيتنا التي جزء منهم تخلوا عنها ولم تعد قضيتهم المركزية.
نحتاج في مدينة القدس الى تقوية وتحصين العمل الشعبي والجماهيري،ودعمه وإسناده وان يكون الحلقة المركزية التي تواجه وتتصدى لهذه المشاريع والمخططات،ولا بد من دعم وإسناد كل المبادرات الشعبية والمؤسساتية التي من شأنها ان تمنع تقدم ومخططات ومشاريع الاحتلال في المدينة،وهذا لن يتأتى بدون وحدة وشراكة حقيقية،بين كل المكونات والمركبات المقدسية وطنية إسلامية مجتمعية مؤسساتية ودينية ،وكذلك المرحعيات المشكلة والناطقة باسم القدس رسمية على مستوى المنظمة والسلطة عليها ان تسهم بجهد جدي وحقيقي في إسناد ودعم المقدسيين في مختلف المجالات والميادين ،ولا تحتاج إلى البيانات والشعارات،تحتاج الى حضور وتواجد ودعم وإسناد .
القدس ستبقى الحلقة العصي على الكسر بوحدة سواعد أهلها،ولكن هذه الحلقة ما تملكه من طاقات وإمكانيات،ليست بالقادرة لوحدها على التصدي ومجابهة هذه المشاريع والمخططات،فالمواطن المقدسي في مدينة القدس يتعرض لعملية " طحن" شاملة من قبل الاحتلال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق