أعلن في الجزائر يوم الجمعة الثالث عشر من ديسمبر عن فوز عبد المجيد تبون بنسبة أكثر من 58% من أصوات الناخبين، وعلى هذا الفوز وعلى هذه النتائج وعلى المترشح ملحوظات، أهمها:
أولا لقد كان تبون رئيس وزراء في عهد بو تفليقة، وهو من قيادات حزب جبهة التحرير الجزائرية الذي هو عمليا حزب السلطة وحارس النظام الجزائري الذي كان يتزعمه المخلوع عبد العزيز.
ثانيا: هذه الانتخابات سمح بها الجيش، وكان حريصا على إتمامها بشكل سلس ودون حوادث وكانت تحت رعاية الجيش كما جاء في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات، والجيش هو أيضا حارس النظام الجزائري وقياداته هي قيادات وأعضاء في حزب جبهة التحرير.
ثالثا: إذا كانت نسبة المختارين لتبون 58% من نسبة المقترعين، وهو ابن للسلطة والنظام فهذا يعني أن الحراك الجزائري كان حراكا أعمى، ولم يكن يرى شيئا، أو تم الاحتيال عليه وركوب الموجة المعهودة في تحقيق طموحات الشعب الجزائري الأبي الوفي العظيم كما جاء في كلمة رئيس لجنة الانتخابات محمد شرفي. وهذا يعني أيضا أنه تم الالتفاف على الثورة بطريقة سلسة ولكنها مفضوحة. وأعيد استنساخ النظام وتجديده كما حدث في مصر والسودان.
رابعا: لو قورنت هذه النسبة نسبة فوز تبون مع مجمل من يحق له الاقتراع والتصويت من داخل الجزائر وخارجها، حيث أنه فاز بهذه النسبة من مجمل المقترعين الذين كانت نسبتهم 40% ممن يحق لهم التصويت وعند احتساب هذه النسبة مع مجموع الشعب الجزائري فإنها ستكون لا شيء، فقد كان مجموع ما حصل عليه تبون هو أربعة ملايين صوت؛ بمعنى أن سيتم فرض تبون على الشعب الجزائري بطريقة شرعية ديمقراطية التي هي أكبر خدعة سياسية معاصرة، فمن يفوز ليس هو الأكثر شعبية في حقيقة الأمر، ولكن نتائج هذه اللعبة تفترض المشاركين النازلين إلى أرض الملعب وهم قلة، أما الذين على مقاعد المدرجات، الجماهير الصامتة أو المتفرجة التي خضعت لقانون الانتظار، فليس لهم إلا أن ينصاعوا لإرادة المتنفذين التي تُسوّق على أنها إرادة شعبية.
خامسا: لم يخرج الشعب الجزائري من قيادة شخص كبو تفليقة الذي بلغ من العمر عتيا، حتى يتسلم الحكم شخص مجايل لأبو تفليقة عمرا وحزبيا، فقد بلغ تبون أربعة وسبعين عاما. وعلى ذلك سيكون مصيره التأبيد في الحكم إلى أن يشاء الله وتكون الانتخابات الخادعة قد أرجعت أبو تفليقة الفكرة وإن غاب شخصه إلا أن حزبه ونظامه وفكره وسنواته حاضرة لسنوات قادمة. وكأنك أيها الشعب لا اتتفضت ولا ثرت ولا تحركت. وهذا يعني ببساطة شديدة أن النظام بمفهومه الشامل وبمؤسساته وعقليته وإداراته لم يتغير، فلا يعني بحال من الأحوال تغيير شخص الرئيس تغيير النظام، فالدولة عميقة ومتجذرة في المجتمع الجزائري، ولها وسطها السياسي المتمدد الذي يحتاج إلى كثير من العمل والنضال لانحساره وتقوقعه حتى لا يظل متحكما بمفاصل الدولة والمجتمع في الجزائر، وحتى يستطيع الشعب بناء منظومة فكرية سياسية مغايرة في الفلسفة السياسية يلزمه الكثير من الإيمان والعمل الفكري والسياسي على أرض الواقع، فالدولة ليست هي شخص الرئيس بالتأكيد، ولذلك فقد شهدتُ كثيرا من المدح الفضائي بُعَيْد الانتخابات لشخص تبون وأنه سيكون "المنقذ من الضلال" والضياع، وكما قال أحد الصحفيين الجزائريين المنحازين لتبون، إن كل ما جرى ما هو إلا "إرجاع القاطرة على السكة". هذه القاطرة التي أزاحها الحراك عندما أجبر بو تفليقة على الاستقالة والتنحي.
وأخيرا، وللعلم فقط، فقد شارك "بو تفليقة" في التصويت يوم الخميس، وظهر مسرورا أمام عدسات الكاميرا وهو يدلي بحقه الانتخابي، ومن المؤكد أنه دعم عبد المجيد تبون الذي سيصبح وريثه، فقد كان تبون ذات يوم وزيرا أول تحت ظل قيادة "بو تفليقة" التي كانت توصف حينها بالرشيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق