صوتت اللجنة الرابعة لمقاومة الإستعمار في الجمعية العامة للأمم المتحدة على تمديد تفويض عمل وكالة "الأونروا" لثلاث سنوات، التصويت الذي تم في 15/11/2019 كان بموافقة 170 دولة، التصويت الثاني الحاسم والأخير جاء بتاريخ 13/12/2019 وبمشاركة 193 دولة في الأمم المتحدة حصل على 165 صوت لصالح التمديد بخسارة دولتين عن التصويت للتمديد في كانون الأول/ديسمبر 2016، وهذه مسألة ليست ببسيطة على الإطلاق.
لم يكن هذا التمديد ليحصل لولا تظافر جهود مجتمعة سياسية وشعبية وإعلامية وقانونية ودبلوماسية فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية عملت خلال الثلاث سنوات السابقة في السر والعلن على توفير الدعم السياسي والمعنوي للوكالة، وإن كانت قد نجحت وإلى حد كبير بتوفير التأييد والدعم السياسي والمعنوي للوكالة، ولكنها فشلت في تحقيق التخلص من الأزمة المالية المزمنة للوكالة والتي نشهد ذروتها بوصول العجز المالي إلى 167 مليون دولار يجب توفيرها قبل نهاية العام 2019 وإلا ستضطر الوكالة لاتخاذ إجراءات تقشفية سيكون لها إنعكاس سلبي على طبيعة الخدمات التي تقدمها لأكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمسة من الصحة والتعليم والإغاثة والتوظيف وغيرها من الخدمات.
منذ تأسيسها في العام 1949 لم يصل حجم ومستوى ونوع الإستهداف للوكالة كما حصل خلال الثلاثة سنوات السابقة مع وصول ترامب إلى الرئاسة في أمريكا وتماشياً مع ما يسمى بـ "صفقة القرن" إذ كان يُراد شطب الوكالة كلياً من الجمعية العامة، ومحاولات التأثير على كثير من الدول المانحة لم تتوقف، عدا عن تشويه صورة الوكالة وإتهامها بمعادات السامية، ناهيك عن محاولات نزع صفة لاجئ من خلال تقليل أعداد اللاجئين الذين يفترض أن تقدم لهم الوكالة الخدمات، والمقصود بالذين تم طردهم من فلسطين سنة 1948.
خلال الثلاثة سنوات الماضية تلقى مشروع ترامب نتنياهو والحلفاء لتصفية "الأونروا" كمقدمة لشطب قضية اللاجئين وحق العودة ثلاث صفعات قاسية؛ الصفعة الأولى بفشل الهدف الذي أُعلن عنه مطلع سنة 2018 بتصفية الوكالة كما ذكرت نائب وزير خارجية الإحتلال بعد عودتها من لقاء في واشنطن ولقائها بالسيناتور الأمريكي تيد كروز، إثر اللقاء التقت بسفراء الكيان المحتل في دول الإتحاد الأوروبي وفي أمريكا ومناطق "الشرق الأوسط" وأطلعتهم بأن دبلوماسية الإحتلال للعام 2018 ترتكز على مسألتين؛ الأولى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والثانية بأن عهد "الأونروا" قد انتهى إلى الأبد، للأسف تم تحقيق الأول وفشل الثاني.
الصفعة الثانية تمثلت بالفشل الثاني في سنة 2019 عندما عادت نائبة وزير خارجية الإحتلال والتقت هذه المرة بخمسين من الدبلوماسيين وسفراء دول مختلفة في دولة الإحتلال وسلمتهم رسالة مفادها بأن "الأونروا" باتت مشكلة وعليكم أن تبلغوا حكومات بلادكم بضورة وقف الدعم المعنوي والسياسي والمالي عن الوكالة وهو ما لم يتحقق، وتم تمديد عمل الوكالة.
الصفعة الثالثة تمثلت بالفشل الثالث بمحاولة إغلاق مكتب "الأونروا" في القدس المحتلة، ففي تدخل سافر للإحتلال في شؤون "الأونروا"، في تصريح له في تشرين الأول/أوكتوبر 2018 أعلن رئيس بلدية الإحتلال السابق في القدس عن عزمه إنهاء عمل وكالة "الأونروا" في القدس المحتلة، فقد تجرأ ما يسمى بمجلس الأمن القومي للإحتلال الإسرائيلي يوم 23/1/2019 باتخاذ قرار بإغلاق المدارس الستة التابعة للأونروا في الشطر الشرقي من القدس المحتلة في مخيم شعفاط وصور باهر وسلوان، وفي محاولة لتكريس دور للإحتلال بدل "الأونروا" قام موظفون من بلدية الإحتلال بأعمال تنظيف في مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين، كما قام رئيس البلدية السابق ومعه جنود من الإحتلال بإقتحام عيادة "الأونروا" في القدس في منطقة الزاوية الهندية، وآخر المحاولات الفاشلة لإغلاق مكتب "الأونروا" في القدس؛ التوقيع على قانون من قبل خمسة من رؤساء كتل يمينية متطرفة في الكنيست تطالب بوقف عمل "الأونروا" مع بداية سنة 2020 في الضفة الغربية وقطاع غزة عموماً وشرق القدس على وجه الخصوص، الرد على القانون الذي تم العمل عليه من خلال رئيس بلدية القدس المحتلة السابق والنائب عن حزب الليكود نير بيركيات، كان مباشرة من خلال كل من الإتحاد الأوروبي وألمانيا بتوقيع اتفاقية مشتركة مع "الأونروا" من داخل مدرسة الإناث في القدس المحتلة تابعة للأونروا بتاريخ 11/12/2019، وكذلك رد آخر حصل الإثنين 16/12/2019 بالإعلان عن مشروع جديد في القدس للأونروا عبارة عن إنشاء مركز علاج السرطان والرعاية التلطيفية بمستشفى المُطلع بقيمة 26 مليون دولار.
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه الآن طالما الوكالة تحظى بهذا الدعم المعنوي السياسي والذي أدى إلى حالة من الإشتباك بين الإتحاد الأوروبي والدول المانحة و"الأونروا" من جهة وبين الإدارة الأمريكة ودولة الإحتلال من جهة أخرى، إذاً لماذا لا تبادر هذه الدول التي صوتت، بالقيام بالمبادرة وسد العجز المالي غير المسبوق للوكالة، أو على الأقل أن تدفع بأن يكون هناك ميزانية ثابتة للوكالة خلال الثلاث سنوات القادمة ؟!.
وبالتالي تمديد تفويض عمل "الأونروا" لثلاث سنوات تؤرخ لمرحلة جديدة من عمل الوكالة عنوانها التحدي السياسي والمالي، وواهم من يعتقد بأن الإدارة الأمركية ودولة الإحتلال سوف تقبل بالهزيمة في هذه المرحلة لأنه وبكل بساطة باتت "الأونروا" تشكل عقبة كأداء أمام مشروع التسوية لأنها بنظر الإحتلال والإدراة الأمريكية تديم قضية اللاجئين وحق العودة الذي يريد إزالة "دولة اسرائيل" وبالتالي نتوقع مرحلة جديدة من مراحل الضغط على دول مانحة والعمل بمنهجية "الهدوء الدبلوماسي".
مؤشرات العمل بهذه المنهجية (الهدوء الدبلوماسي) ظهر بشكل عملي من خلال أولاً خسارتنا لدولتين صوتتا لصالح التمديد في العام 2016، وثانياً ولأول مرة صوتت 13 دولة ضد مشروع يتعلق بـ "شعبة حقوق الفلسطينيين في الأمانة العامة للأمم المتحدة"، وشعبة حقوق الفلسطينيين هي بمثابة أمانة "اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير قابلة للتصرف" وحق العودة من هذه الحقوق.
أيضا من خلال هذه المنهجية، تم تزويد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة تيجاني محمد باندي بمعلومات خاطئة عن حقيقة أعداد الشعب الفلسطيني خلال إلقائه كلمة بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29/11/2019 وقال باندي بأن نسبة اللاجئين الفلسطينيين هي فقط 43% والصحيح هو أكثر من 61%. وهذه مسألة خطيرة وخطيرة جداً تخدم التوجه الإستراتيجي للإدارة الأمريكية ودولة الإحتلال لشطب قضية اللاجئين بالتدرج، وحتماً النفوذ الأمريكي والصهيوني في الأمم المتحدد ضالع في هذا.
وبالتالي هذه المؤشرات تدفعنا للقول بأن هناك محاولات لم تتوقف ولن تتوقف عن استهداف الوكالة وقضية اللاجئين، وطبيعة هذا الإستهداف الذي نتوقعه خلال الثلاث سنوات القادمة بأن يجري تكثيف حراك "الدبلوماسية الهادئة" من قبل الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي بالضغط على الدول المانحة والمؤيدة للأونروا بالعمل على الحد من دورها، ولتحويلها إلى وكالة شكلية غير فاعلة لا حول لها ولا قوة، وحتى لو تم التصويت لإستمرار عملها كل 3 سنوات وبغض النظر عن عدد الدول التي ستصوت على أن يجري - تدريجياً - إنتقال الخدمات إلى الدول المضيفة من خلال التدرج في تجفيف مصادر تمويل الوكالة من جهة، وتوفير الدعم المالي للدول المضيفة للاجئين وللمؤسسات الأهلية التي ستقدم الخدمات البديلة أول بأول، وفي الوقت الذي يجري فيه إضعاف قرار إنشاء "الأونروا" 302، يعني عملياً تآكل وإضعاف القرار 194 الذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، وبالتالي تكريس تذويب اللاجئين في الدول المضيفة وصولاً للتوطين.
لذلك "نشوة" الإنتصار بالتمديد يجب ألا تحرف بوصلتنا عن أن قضية اللاجئين لا تزال في مرمى واستهداف الإدارة الأمريكية ودولة الإحتلال وبوتيرة أعلى من السابق، وهو ما يستدعي تكثيف الحراك وفي مختلف الميادين فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، وعلى المستويات المختلفة شعبياً وسياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً وقانونياً..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق