أردوغان الراقص على كل الحبال صعد على شجرة ادلب،ولم ينفذ أي من تفاهمات لا "الأستانة" ولا "سوتشي"،بإخراج الجماعات الإرهابية جبهة النصرة المتحولة لتحرير الشام من قلب ادلب ومن ريف حلب الجنوبي،ومن مناطق التصعيد،حيث واصلت اعتداءاتها على المدنيين في حلب وغيرها من المدن السورية مخلفة العديد من الشهداء والجرحى والدمار الكبير في الممتلكات،ويبدو بان صبر كل من الأسد قد نفذ من مشاغبات هذا " الصبي" واعلنت القيادة السورية بأنها بصدد عملية عسكرية واسعة من اجل تحرير ادلب من الجماعات الإرهابية واستعادة الجغرافيا السورية الخارجة عن سيطرة الدولة وتوفير الأمن والأمان للمواطنين السوريين،ومنع نشوء كيانات عرقية تهدد النسيج الوطني والمجتمعي السوري،ويبدو بان اللحظة التاريخية قد ازفت من أجل انزال أدروغان عن الشجرة العالية التي صعد عليها،وهو يدرك بأن الهجوم السوري على الجماعات الإرهابية التي يدعمها ويرعاها يعني تدفق مئات الآلآف اللاجئين الى تركيا، وكانت سابقاً قد عقدت العديد من اللقاءات السورية - التركية الأمنية برعاية روسية،ولكنها لم تؤدي الى نتائج ملموسة،بسبب سياسة أردوغان "الزئبقية"،كما ذكر وليد معلم وزير الخارجية السورية،ولم يكشف عن تلك الإجتماعات،علماً بان الدول الأوروبية الغربية الشريكة في العدوان على سوريا،هي الأخرى تتواصل أمنياً مع قيادات الجهاز الأمني السوري.
لقاء رئيس مجلس الأمن القومي السوري علي مملوك مع رئيس الإستخبارات التركية حقان فيدان في موسكو برعاية روسية، جاء لكي يقول بشكل واضح انه بعد عملية اغتيال سليماني والرد الإيراني على عملية الإغتيال بقصف قاعدة "عين الأسد" الأمريكية في العراق،القادسية سابقاً،يعني بان الوجود الأمريكي في سوريا والعراق وكما أشار سماحة السيد ن ص ر ا لل ه إذا لم يتم اخراجه عمودياً فسيخرج أفقياً،وسوريا لن تسمح بان يكون هناك كيان إرهابي يهدد امنها واستقرارها ووحدتها الجغرافية على حدودها الشمالية،ومسألة حفظ الأمن على حدودها،هي من مسؤولياتها وصلاحياتها،وعلى تركيا ان تحترم السيادة السورية،وبدون ذلك فليكن الصدام العسكري مع الجيش التركي وادواته من الجماعات الإرهابية ...بوتين مد طوق النجاة الى أردوغان حيث اعتبره شريك في التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا بين قوات حفتر المدعومة روسياً وبيت قوات السراج المدعومة تركياً والتي وقع معها اردوغان اتفاقاً من أجل الإستفادة من النفط والغاز الليبيين،وكذلك أعلن من خلال موافقة برلمانه التركي بانه سيرسل قوات تركية الى ليبيا،ولكن يوتين المتمرس في الدهاء والسياسة،والذي يعرف شخصية أردوغان " الزئبقية" جيداً،عرض عليه ان يكون هناك تزامناً في وقف إطلاق النار في سوريا وليبيا،وبدلاً من إرسال قوات تركية الى ليبيا لدعم السراج،ولكي ينزله عن شجرة إدلب العالية التي صعد عليها،اقترح عليه نقل الجماعات الإرهابية من النصرة وغيرها الى ليبيا للمقاتلة الى جانب حكومة السراج،وبهذا يكون قد تخلص من تلك الجماعات،بمنحها تذكرة خروج وليس عودة ،لكي تقاتل الى جانب شقيقتها من الجماعات السلفية،فمن يقتل منها يلتحق بالحوريات في " الجنة"،ومن يتبقى منها امريكا الخبيرة في إستغلال وتوظيف تلك الجماعات الإرهابية ستنقلها الى ساحة صراع أخرى،وبالتالي تتخلص سوريا وتركيا من تلك الجماعات الى الأبد،وتعود ادلب الى حضن السيادة السورية،ولكي يفتح ملف الإحتلال الأمريكي على
الأراضي السورية،والذي ستتكفل قوى محور المقاومة بإخراجه من هناك سلماً او حرباً.
وقف إطلاق النار في سوريا وليبيا سيكون هشاً وصعباً الإلتزام فيه،فأردوغان راقص على كل الحبال ويبحث عن مصالحه بين روسيا وأمريكا،وصعب عليه ان يلتزم،ووقف النار في ليبيا يحتاج الى آليات مراقبة إقليمية ودولية غير متوفرة،ولذلك اعتقد بان حفتر سيندفع نحو طرد السراج من طرابلس ومصراته،لكي يوحد شرق ليبيا مع غربها،وسيبقى أردوغان ملتصقاً وقريباً من بوتين لحاجته الى الغاز الروسي،فهو يدرك بان الغاز الإسرائيلي اكثر كلفة وأقل إستقراراً،ويواجه الكثير من العقبات،فلبنان لن يسمح بمروره عبر حدوده البحرية، وترسيم حدوده البحرية مع ليبيا يواجه اعتراضات قويه من اليونان وقبرص.
بوتين الذي أعاد روسيا الى المسرح الدولي والإقليمي بقوة كبيرة،يدرك جيداً بأن هناك مشاريع خمسة رئيسية في المنطقة،امريكا وروسيا وايران وتركيا واسرائيل،وأردوغان يتنقل بسرعة قياسية من حضن الى آخر،ولذلك سيسعى بوتين الى جر أردوغان الى الحضن الروسي،وتطبيع علاقاته مع سوريا،وكذلك سيعمل على أن يرث الدور الأمريكي في العراق،فهو على قناعة تامة بان أمريكا ومشروعها في المنطقة،يهزم ميدانياً وعسكرياً،وبأنها أطلقت طلقتها الأخيرة بإغتيال سليماني وأبا المهدي المهندس،لعلها تنجح في تغيير الوقائع على الأرض،وتلجم وتحد من إندفاعات قطار المقاومة في مراكمة الإنتصارات والإنجازات،ولكن واضح بأن ذلك قاد الى تصاعد الصراع مع ايران ومحورها،ولم ينجح في تطويعها وجلبها الى بيت الطاعة الأمريكي،وخاصة بان العقوبات الإقتصادية والمالية المفروضة tبشكل غير مسبوق،هي وحلفائها في بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء،وتوظيف المظاهرات الإحتجاجية التي اندلعت في لبنان والعراق سياسياً لتحجيم وجود حلفاء ايران في هذين البلدين " ح ز ب ا لل ه" و" الحشد الشعبي" لم تعطي النتائج المرجوة،وكذلك المظاهرات التي جرى تحريكها امنياً في ايران نفسها،من اجل الضغط على النظام الإيراني وزعزعة امنه وإستقراره،فشلت هي الأخرى في تحقيق اهداف امريكا، امريكا بعد ضرب ايران لقاعدتها " عين الأسد" وكسر هيبتها،لم ترد عسكرياً،ولجات لتشديد العقوبات الإقتصادية والمالية على طهران ومحورها،وما تريده واشنطن من طهران،ليس العودة للتفاوض حول الإتفاق النووي معها،بل هي تريد ضمان امن اسرائيل،بمنع طهران من تطوير قدراتها من الصواريخ الباليستية والتكنولوجيا العسكرية.
بوتين مد طوق النجاة لأردوغان،وسيحاول ان يجعله مرتمياً في احضانه،لكي يتحاور مع واشنطن بندية وقوة،ويتربع على المسرح العالمي والإقليمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق