ريمونتادا شعب العراق/ الاب يوسف جزراوي

في بساتين النَّوى
ثَمَّة نخلة بِلا تمور
أُمسَّدُ سَّعَفها كلّ يومٍ
دون أن أبُوح لها
بشيءٍ مِمَّا يدور في رأسي
.....
ذات يوم 
صنعتُ من جِذعها 
قاربًا ومجِذافًا
لأرحل إلى بلادِ النهرين 
ثم صَيَّرتُ من سَّعَفها كمانًا
ألحَّنُ به ترنيمة
أُكسَرُ بها صمت المحيط
.....
عندما اِقتَرَبتُ 
من سَواحِلِ الوطن
طّالَعْتني جدارن مثقوبة
بالقذائفِ والصواريخ 
ربّما لتحكي للعائدين 
حِكايات آخر الحروب
ومحنة بلادهم المَنكوبة!
.....
من كُوَّةِ الجدار
رأيتُ نُسْوَةً 
أجتمعنَّ حول النخيل
يصنعنَّ منه مُهوّدًا
لصغارهنَّ اليتامى
وتوابيتَ أحتفال
 لازواجهنَّ الشهداء
بينما لدموعهنَّ
صهيل أشبه بالعَوِيل!
.....
شاهدتُ أيضًا أحزابًا 
وضعوا العِراق 
في سيارة إسعاف قديمة
واقتادوه إلى ردهةِ الإنعاش! 
بينما الساسة كانوا
يؤمونَ مقابر الشهداء
يسيرون بحذرٍ ملحوظ 
خشية أن يَدَّوسَ أحدهم
على القبور بالخطأ
لكنهم في الواقع 
يدّهسون شعبًا بِلا رحمة
ثمّ يمشَون في الجِنَازة!!
 هذه الحقيقة التي رأيتها
من كُوَّةِ الوطن!!!
......
تعكر صفاء مزاجي المُتَقَلّب
فأخذتُ نفسًا عميقًا
مليئًا بالغُصَّة والحَسْرة
كَمن ينتَشَلُ غريقًا 
ثمّ أخذتُ بعضي 
وعدتُ لغربةٍ
ليس لها فترة صلاحيّة
مثل طائرٍ عرفَ 
كيف يهرب 
من رصاصِ الصَّيَّاد
ليحطَّ بعشٍ غَير عشه
فصور الموت في بلدي
لم تزل دعايّة مجانيّة
أو إعلان مدفوع الثمن
لنشاطاتِ عزرائيل العلنيّة 
 المُسمّاة بالميليشيات الصفويّة!
....
بالأمس كلّما صفعتني الغربة
كلُما أرتفعُ فيَّ
مَنسُوب الشَّوق لبلدي
أما اليوم
بِتُّ أُدِيرُ لها خدّي الآخر 
وماذا عَساي أن أفعل
وخفافيش اللَّيْل 
لم تزل 
تسرح وتمرح في وطني
تؤدي عروضًا دمويّة!!
.....
ركنتُ إلى غربتي
يتِيم الوطن
أواسِي نفسي
بالسيرِ على آثَارِ حلمٍ 
ببطءٍ وصمتٍ
رغم إنه
لا مكان لاصله
فكان الصّمت ملحًا 
على جرحٍ غائر
بيد أنَّ في سلَّةِ الصّمت
الكثير من الكلام!!
.....
بِلا ظلٍّ يمضى العمرُ 
مُسرعًا في غربتنا 
دون أن يبالي بِنا
وكأننا شمعةٍ تَذوِي في الظلام
لكن في قَلْوبناِ وطنًا
مُحتَجَبًا عن عيون أحلامنا
وفي سماء العِراق
نجمة تُومض بآمالنا 
لذا لقد حان الزمان 
وآن الأوان 
لنقوم بريمونتادا 
على هجمةٍ مرتدة 
شنَّها ساسة مرتزقة
وأحزاب فاسدة
فعَرِين الوطن 
لم يعد بوسعه 
تقبل المزيد من الأهداف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق