خبزة مُرَّة وقصص أخرى قصيرة جدّا/ حسن سالمي

سوف وأخواتها  
ذات قمر: "سوف ننهض بهذه البلاد... سوف نضرب على يد الفاسدين... سوف نشقّ طرقا وأنهارا... سوف نشغّل الشّباب... سوف ننزل الجنّة من عليائها"...      سوف...سوف... سوف...."
فيسري الأمل في العروق ويلتهب الجوّ هتافا...
ويمرّ قمر ويولد آخر، ودار لقمان في أسوء حالها.
     "سوف... سوف... سوف..."
يكوّر الشّعب بزقة في فمه ويسدّد... 

خبزة مُرّة
     
     ما رأيته قطّ، إلّا وشعرت بنفسي تتمزّق... أراه بجسده النّحيف الفاني ورجله المقطوعة، فيتدفّق عليّ من الذّاكرة مشاهد من يوم غابر: شابّ عاري الجسم، معلّق في مخاطيف ويدي الآثمة تنزل عليه بقضيب حديديّ، فتصيب منه ما لا تقوى عليه الجبال... تأكله الحمّى أيّاما، ويزداد جرحه تعفّنا. يتملّكني عذاب الضّمير فأراني وحشا آدميّا، إلّا أن ّكسرة الخبز كانت أقوى من تلك المشاعر...
استوقفته يوما. صافحته. لم يمدّ يده. نظر إليّ مليّا.. فاضت عيناه في صمت وغادرني...

الحِساب
- ما ظنّكَ بي اليوم؟
- أخت كريمة!   
- هههههههههههه!
- الرّحمة!
- لم تكن هكذا؟
- الرّحمة، الرّحمة...!
- أذريتني عارية وفعلتها.
- (...)
- سأقطعه. فقط هو!
- لا لا لا لا... 
ونفر الدّم...

في الظّلمات
"أخرجنا من هنا"...  
وتتعالى همهمات وصرخات.. ألتفت حولي، لا شيء إلّا أثاث غرفتي.
"نحن صنيعتك فلِمَ تتركنا للظّلام؟"
 وتندلع أصوات من كلّ صوب: أحاديث، ثورة ريح، حفيف نخل، زواء يمامة، نباح كلب، فحيح ثعبان.... إنّها أصوات الحياة في تدفّقها.
"نحن غصّة في صدرك حتى يمسّنا النّور..."
أدقّق السّمع، أتتبّع الأصوات... جميعها تخرج من مخطوط: الدّماء لا تنبت القمح! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق