أعلنت مكتبة الشروق عبر صفحتها على الفيسبوك، وبإعلان ممول، عن طباعة أو إعادة طباعة كتب الرئيس محمود عباس وتوفرها لمن أراد اقتناءها، وعددها (23) كتابا، وعلى ما يظهر من الملصق المصاحب للإعلان تبدو الطباعة أنيقة، وكل الكتب تتخذ شكلا واحدا، إذ تبدو كالمجموعة الكاملة. وهذا النشر في سياقه الثقافي السياسي يطرح عدة قضايا للنقاش بعيدا عن التعليقات والأسئلة التي انهال بها قراء ومتابعون على صفحة دار النشر، مع أن بعضها مشروع وجدير بأن يطرح. فهذا العدد الكبير من المؤلفات لسياسي، مع أن أغلب الرؤساء إن لم يكن كلهم كتبوا كتبا، عربا وغير عرب. ولكن هذا الكم من الكتب هو ما يتفوق به الرئيس محمود عباس.
ما الذي تتوقعه دار النشر من هذه الطباعة؟ هل تتوقع أن تجني أرباحا من تلك الكتب؟ وهل تتوقع أن يكون لها مقروئية في فلسطين؟ وهل فكرت دار النشر باعتبارها مؤسسة ربحية غير ثقافية أولا وأخيرا في خسائرها من عدم رواج هذه الكتب؟ يا ليت أن الدار تُطلع الحركة الثقافية على عدد النسخ المبيعة من تلك الكتب خلال سنة. (لن تؤثر حالة الطوارئ والكورونا على البيع، بل ربما هي فرصة للقراءة والمناقشة في ظل توقف الحركة في فلسطين لمدة شهر، فالفاضي يمكن أن يصبح قارئا أيضا وليس قاضيا فقط. هل سيؤثر فايروس كورونا في عملية التلقي؟ موضوع قابل للنقاش. أظن ذلك).
هل عملية طباعة الكتب مولتها الدائرة الثقافية في مؤسسة الرئاسة مثلا أو قطاع رجال الأعمال أم أنه كان على نفقة الرئيس الخاصة أو تكفلت الدار بها؟ لا أعتقد أن وزارة الثقافة لها يد في ذلك أو أن دار النشر تجازف بهذه العملية على نفقتها الخاصة. وأهم من كل ذلك من صاحب هذه الفكرة لإعادة طباعة كتب الرئيس؟
كيف سيكون وقع تلك الكتب على السياسيين الإسرائيليين، لاسيما أن بعض العناوين مستفزة ويمكن أن توقع سيادته بتهمة معادة السامية مثلا لا قدر الله، فالرئيس لا تنقصه مصائب جديدة. هل فكرت دار النشر بترجمة تلك الكتب إلى اللغة العبرية أو الإنجليزية ليسمع الآخر صوت الرئيس ويقرؤوا أفكاره؟ أم أنها لا تشكل هذه الأفكار أية مفاجأة في العقليات الإسرائيلية المختلفة والمتضاربة؛ اليمينية واليسارية، المتطرفة والمعتدلة، العلمانية والمتدينة، الحزبية التوراتية، سياسية أو ثقافية. (موضوع تلقي الآخر لهذه الكتب مهم، يجب أن تفكر دار النشر بذلك. ربما عليها استكتاب البعض بالدولار ليكتب عن تلك الكتب على الأقل مراجعات في الصحافة العبرية، فهناك فريق من الكتاب على استعداد لفعل ذلك. يجب على دار النشر أن تفكر جديا باقتحام الصحف والمجلات العبرية لتروج لهذه الكتب).
ثمة مؤلف ضمني لسيادة الرئيس في هذه الكتب. (صورة المؤلف/ الرئيس كما تبدو في هذه الكتب) هل ستختلف عما هي في الواقع؟ الأمر يستدعي مناقشة الصورتين؛ الكاتب الضمني والكاتب الحقيقي لسيادة الرئيس محمود عباس.
عموما كتب السياسيين تغري بالقراءة والمناقشة. ولكن هل كتب سيادة الرئيس الدكتور محمود عباس لها الحظ نفسه. أم أنه كما قال مرارا وتكرارا في الفترة الأخيرة: "رضينا بالهم والهم ما رضي فينا"؟
كم هو مثير أن تكون سياسيا وكاتبا في الوقت نفسه. مع أن الأكثر إثارة أن تكون سياسيا مؤثرا أولا.
ما بين التنظير والتسويق والتحليل وإعادة قراءة المشهد السياسي الفلسطيني برمته، هل سيظل معنى لقراءة كتب السياسيين ومنهم كتب سيادة الرئيس؟
أظن أن الإجابة عن هذا السؤال والأسئلة الأخرى مشروعة، ويجب أن تكون على طاولة البحث في مدة شهر على الأقل، وهي مدة فترة الطوارئ المعلن عنها. ألا قاتل الله الكورونا وما لف لفه ودخل في فلكه. وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
6 آذار 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق