للكاتب الأمريكي جوزيف ستيجلز رأيًا عنوانه «فشل سياسات ترامب في احتواء وباء كورونا» «ذكر فيه أن أزمة فيروس (كوفيد 19) غنية بالدروس خاصة بالنسبة للولايات المتحدة» وفق ما نقله موقع «aliwaa».
إذا كانت جائحة «كورونا» كشفت زيف العدد من الانظمة وخاصة النيوليبرالية فإن مساعدات روسيا والصين وكوبا إلى ايطاليا في مواجهة كورنا يعد انتصارًا للقيم الانسانية. يعد انتشار الامراض أحد الآثار الجانبية السلبية للعولمة، عند ظهور مثل هذه الأزمات العالمية يجب أن تكون هناك استجابة عالمية.
يقول ستيجلز لم تعمل أي إدارة أمريكية على تقويض التعاون العالمي ودور الحكومة مثل حكومة دونالد ترامب، ومع ذلك عندما نواجه أزمة مثل الوباء والإعصار، فإننا نلجأ إلى الحكومة، لأننا ندرك أن مثل هذه الأزمات تتطلب عملًا جماعيًا، الاستجابة الفردية غير كافية ولا يمكننا الاعتماد على القطاع الخاص في كثير من الأحيان، ترى الشركات التي تسعى إلى تحقيق أقصى قدر من الربح أن الازمات تمثل فرصًا لارتفاع الأسعار كما يتضح بالفعل من ارتفاع أسعار أقنعة الوجه، ومواد التعقيم وبعض المواد الغذائية.
ولعل أهم ما يلفت إليه هو منذ إدارة الرئيس الامريكي رونالد ريجان، كان الاعتقاد السائد في الولايات المتحدة أن «الحكومة ليست هي الحل للمشاكل، فالحكومة هي المشكلة»، إن أُخذ هذا الاعتقاد على محمل الجد يقود إلى طريق مسدود لكن ترامب يمضي في هذا الاتجاه أكثر من أي زعيم سياسي امريكي مضى.
في قلب استجابة الولايات المتحدة لأزمة «كورونا» نجد واحدة من أكثر المؤسسات العلمية الرائدة فيها وهي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، والتي كانت مزودة بمهنيين ملتزمين ومعتمدين ومدربين تدريبًا عاليًا، بالنسبة لترامب السياسي الأكثر جهلاً، فإن هؤلاء الخبراء يمثلون مشكلة خطيرة، لأنهم سوف يتناقضون معه كلما حاول قلب الحقائق لخدمة مصالحه الشخصية.
والشيء الآخر قد يساعد الإيمان في التعامل مع الوفيات الناجمة عن الوباء، لكنه ليس بديلاً للمعرفة الطبية والعلمية، كانت قوة الإرادة والصلوات عديمة الفائدة في احتواء وباء الطاعون الأسود في العصور الوسطى، لحسن الحظ حققت الانسانية تطورات علمية ملحوظة منذ ذلك الحين، عندما ظهر فيروس «كورونا» تمكن العلماء بسرعة من تحليله واختباره وتتبع تحولاته وبدأوا في العمل على إنتاج اللقاح، حسب تصوره هناك نقطة شديدة الأهمية وهي يتطلب البحث العلمي الموارد، لكن معظم التطورات العلمية الكبرى في السنوات الاخيرة مكلفة للغاية مقارنة بالمزايا التي قدمها ترامب لأغنى الشركات في أمريكا، والتخفيضات الضريبية لعام 2017 من قبل الجمهوريين في الكونغرس، في الواقع تعد الاستثمارات في العلوم ضعيفة مقارنة بالتكاليف المحتملة للوباء على الاقتصاد، ناهيك عن انخفاض قيمة سوق الأسهم ومع ذلك كما تشير ليندا بيلمز من مدرسة هارفارد كينيدي، اقترحت إدارة ترامب تخفيضات في تمويل مراكز مكافحة الامراض والوقاية منها سنة بعد سنة (10% في عام 2018، 19% في عام 2019) في أسوأ وقت يمكن تصوره، دعا ترامب في بداية هذا العام إلى خفض بنسبة 20% في الإنفاق على برامج مكافحة الامراض المعدية والحيوانية الناشئة (وهي مسببات الامراض مثل فيروس كورونا وفيروسات أخرى تنشأ في الحيوانات وتنتقل إلى البشر) وفي عام 2018 قام بإزالة إدارة الأمن الصحي العالمي ومجلس الدفاع البيولوجي التابع لمجلس الأمن القومي.
لذلك من غير المستغرب أن الحكومة غير مستعدة للتعامل مع تفشي كورونا، على الرغم من وصول الفيروس إلى أبعاد وبائية قبل أسابيع، فقد أظهرت الولايات المتحدة قدرة تشخيصية غير كافية (حتى مع دولة أفقر كثيرًا، مثل كوريا الجنوبية) مع غياب الاجراءات والبروتوكولات للتعامل مع المسافرين العائدين من الخارج المعرضين للاصابة بالفيروس، ينبغي أن تكون هذه الاستجابة المتواضعة بمثابة تذكير آخر بأن الوقاية خير من العلاج، لكن رد فعل ترامب لأي تهديد اقتصادي يتمثل ببساطة في المطالبة بمزيد من المرونة في السياسة النقدية وخفض الضرائب (عادة للأثرياء) كما لو كان خفض أسعار الفائدة هو كل ما يلزم لأحداث طفرة أخرى في سوق الأسهم.
وما يزيد الأمور سوءًا إن التكاليف الإجمالية للوباء على الولايات المتحدة لا تزال مجهولة، خاصة إذا لم يتم احتواء الفيروس في حال عدم وجود إجازة مرضية مدفوعة الأجر فإن العديد من العمال المصابين الذين يكافحون بالفعل لتغطية نفقاتهم اليومية سيمارسون عملهم على أي حال، وفي غياب التأمين الصحي الكافي، سيترددون في القيام بالفحوصات والعلاج، وذلك لتجنب دفع فواتير طبية ضخمة، لا ينبغي التقليل من عدد الامريكيين الفقراء، في ظل إدارة ترامب ارتفعت معدلات الامراض والوفيات، ويعاني نحو 37 مليون شخص من الجوع بانتظام.
كل هذه المخاطر تزداد اذا انتشر الذعر، لمنع حدوث ذلك، هناك حاجة إلى الثقة في المكلفين بإبلاغ الجمهور، والاستجابة للأزمة، لكن سياسة ترامب والحزب الجمهوري يزرعان الشك تجاه الحكومة والعلوم ووسائل الإعلام لسنوات. بينما يمنحان حرية التعبير لعمالقة وسائل الإعلام الاجتماعية المتعطشة للربح مثل فيسبوك، والتي تسمح باستخدام برامجها لنشر المعلومات المضللة، المفارقة المعاكسة هي أن استجابة إدارة ترامب ستقوض الثقة في الحكومة أكثر.
في مقابلة أجرتها معه قناة «DIME 25» على «يوتيوب» تحدث المفكر الامريكي نعوم تشومسكي عن طريقة مكافحة الولايات المتحدة لـ «كورونا» واصفًا إياها بأنها: أسوأ نموذج على الإطلاق يُقاد من قبل رونالد ترامب الذي قال بداية إنه لا وجود لأي أزمة وكورونا مثله مثل الرشح، ثم قال إنها أزمة مروعة، ثم قال إنه كان يعلم بالأمر منذ البداية، ثم قال إنه علينا أن نعود إلى العمل لأن «عليّ أن أفوز في الانتخابات» بالنسبة إلى تشومسكي أن تكون إدارة ترامب أن تقود العالم «هو أمر صادم»، ولكن الفكرة أن «الأزمة بدأت بفشل هائل من قبل اقتصاد السوق، ما يشير إلى مشاكل أساسية في النظام الاقتصادي والاجتماعي، والذي يزداد سوءًا عبر وباء النيوليبرالية، واستمرار كورونا هو نتيجة انهيار المؤسسات التي كان يمكنها أن تتعامل معه لو كانت تلعب دورها».
يذكر أحد المواقع: «يقول تشومسكي، متسائلاً: هل نريد عالمًا يؤدي إلى هذا النوع من الأزمات؟». يستوجب العودة إلى الأصل: «لماذا توجد أزمة كورونا؟» جوابه - كما أشرنا سلفًا – إنها تعبير عن فشل اقتصاد السوق، ويعود سببه إلى جوهر هذا الاقتصاد الذي دفعته النيوليبرالية الوحشية إلى زيادة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العميقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق