منذ أن شيّدت أسرتها البيتَ الجديد، وهي حريصة على الاعتناء بالحديقة.
بنت أحواضا، وملأتها بالتراب الأحمر، وزرعتها زعترا، ونعناعا، وورودا، وفي ركن آخر من الحديقة، غرست شجيرات الليمون والبرتقال، والخوخ، واللوز،والتفاح، والزيتون.
مضت السنون، وكبر الأولاد والبنات، وأكملوا تعليمهم الجامعي، ومنهم من تزوج، ومن استقل في بيته الخاص، ومنهم من هو في المدرسة، وواحد منهم، ما زال معتقلا، أمضى أربع سنوات، وبقيت له ثلاثة أعوام.
أفاقت من نومها مبكرة، صلّت ودَعَت ربّها،أن يوفق بناتها وأبناءها، وأسرتها وأحباءها، وأن يُبعد عنهم الهمّ والغمّ والأحزان والأمراض، والفيروسات، وبالتحديد فايروس الكورونا الذي لم يترك مكانا إلا غزاه، وجعل الناس يتخذون احتياطاتٍ إضافية، الأمر الذي دعاها، إلى حث أفراد أسرتها، على الالتزام التام بالشروط الصحية، ولا سيما ابنها المعتقل في سجون الاحتلال.
حملت هاتفها النقّال، وأغلقت باب البيت، وراحت تسقي نباتات، وورود الحديقة بالماء. لفتت انتباهَها الأزهارُ والورودُ المتفتحة، بألوانها الحمراء، والزرقاء، والزهراء، والبيضاء، والصفراء.
تذكرت ابنها المعتقل، كان يعشق الورود والرياحين، ويحرص على الاتصال بها، صباحا ومساء،كلما مكّنته الظروف. البارحة اتصل بها مساء، طمأنها، وتحادث معها مطوّلا، حدثته عن نيتها، البحث له عن فتاة حلوة تناسبه، قال لها:الوقت ما زال مبكرا، يا أمي، بقيت لي في المعتقل ثلاث سنوات طوال، والله أعلم بما سيحدث خلالها.سألته عن صحته، ونبّهته لخطورة فايروس الكورونا الذي حال دون تمكنها، من زيارته في السجن، منذ عدة شهور.
قالت في نفسها: تعمّدت أن يكون الهاتف معي؛ حتى أردّ على ابني الحبيب، حينما يتصل بي، من معتقل النقب الصحراوي. سأحدثه عن الحديقة، وأشجارها، وورودها المتفتحة، في شهر نيسان، سأشرح له عن غرسة الزيتون التي أسميتها باسمه، سأقول له: نمت شجرتك، ومدّت جذورها في تراب الأرض، وفي هذا الموسم، ستطرح ثمارها. ستخبره عن سعادة أخيه وزوجته، بمولودهما الجديد الذي رزقه الله لهما، وأسمياه باسم عمه الغائب، بعد زواج استمرّ أربع سنوات، دون إنجاب، و........
وقطع عليها شريطَ تأملاتها أبناؤها الكبار الذين حضروا إلى البيت، وسحابات الهموم والأحزان تغطي وجوههم..!!. اللهم، استر ..!!.ما لكم؟!.
قال ابنها الكبير: كان الله في عوننا، يا أمنا الحبيبة.....!.
تسارعت نبضات قلبها، قفز ابنها المعتقل الغالي، أمام عينيها اللتين ملأتهما الدهشة، تساءلت: هل أصابه مكروه؟!. هزوا رؤوسهم آسفين....!!
رافقها أبناؤها إلى داخل البيت.احتضنوها، قالوا لها: البقية في حياتك، يا أمي. وجده إخوته الأسرى مغشيا عليه، تباطأ المحتلون في إسعافه، وعلاجه، لفظ أنفاسه الأخيرة، قبل أن يتم نقله إلى المشفى..!!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق