العرب وتداعيات «كورونا»/ فهد المضحكي

3 مايو 2020

لا تظهر عيوب النمط الاقتصاد الحالي القاتلة في خضم أزمة كورونا بالنقص في وسائل الحماية الطبية وحسب، بل وفي الأغذية ومنتجات حيوية أخرى، أين موقع الدول العربية من هذه العيوب؟ وهل تتعلم الدرس وتعمل على تجاوزها؟

نجد التغيرات التي يشهدها عالمنا انعكاسها في التغير الدراماتيكي الذي يشهده نمط حياتنا اليومي، فخلال هذه المدة من تفاقم الأزمة أصبحت حياة أكثر من 2.5 مليار نسمة محصورة بين مكان السكن ومتاجر الأغذية والمشروبات والمنظفات المنزلية والصيدلية، وبين ليلة وضحاها توقفت آلاف المصانع والمؤسسات ومعها عشرات الملايين عاطلين عن العمل بخسائر يقدرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بنحو تريليوني دولار، هذا ما ذكره الاقتصادي إبراهيم محمد في تحليل عن اقتصاد الدول العربية ما بعد كورونا.

وفي المقابل، أصبح على عشرات الملايين منا العمل من البيت بدلاً من المكتب او المكان الذي يوفره أصحاب العمل، وفجأة أصبحنا نعيش دون متاجر ألبسة ومطاعم ومقاهٍ وصالونات حلاقة وسياحة، في وقت تتحول فيه مراكزنا الحضرية إلى مدن أشباح.

في ظل هذا الوضع تزدهر التجارة الإلكترونية وتعزز مكانة حياتنا الافتراضية عبر الانترنت ووسائل تواصلها المتعددة بشكل لم يسبق له مثيل، في خضم هذه التغيرات يلوح -على حد زعمه أو بالأحرى رؤيته- في الأفق نمط او نظام اقتصادي جديد على وقع العيوب القاتلة في النمط الحالي الذي يتعامل مع صحة الناس في معظم البلدان على أساس الربح والخسارة.

وتظهر هذه العيوب أيضًا في الغياب المريع للتضامن العالمي مقابل تعزيز النزعة القومية الأنانية، حتى بين دول تشكل أحلافًا واتحادات كحلف الناتو والاتحاد الأوروبي.

ومن الأدلة الكثيرة على ذلك تهم فرنسية وألمانية تفيد بأن واشنطن تقرصن شحنات طبية بأسعار خيالية سبق لجهات فرنسية وألمانية أن اشترتها قبل ذلك، وعلى الصعيد الأوروبي لم تستفق بروكسل على النكبة الإيطالية بالفيروس لتقدم اعتذارها لروما على التقصير في تقديم عون أو مساعدة!

وبدورها، ترفض واشنطن رغم الأسباب الإنسانية رفع العقوبات على العديد من الدول لتزويدها بمعدات طبية لمواجهة كورونا!

ومن الأدلة أيضًا، صندوق النقد والبنك الدوليان فهما شبه مختفيان عن ساحة التضامن مع الدول الأكثر تضررًا! وهنا لحسن الحظ مبادرات فردية وخيرية على مختلف أنحاء العالم تخفف عن جزء من معاناة الناس، لا سيما الفقراء منهم بسبب الارتفاع الكبير الذي بدأت تشهده أسعار بعض الأغذية والأدوية الضرورية، وهنا لا بد من التأكيد على دور كبير يقوم به متبرعون من القطاع الخاص وأفراد وجمعيات خيرية في الدول العربية، بشكل يساعد على التخفيف من حدة تبعات الأزمة.

غير أن أسوأ عيوب نمط الاقتصاد العالمي الحالي تلك المتمثلة في قيام الدول التي تخصصت بإنتاج وتصدير الحبوب والأغذية ومستلزمات الحماية الطبية بوضع قيود على تصديرها، كما فعلت الولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى على صعيد المنتجات الطبية.

ويعتقد أن ما يزيد الطين بلة غياب تشكيل خلية أزمة عالمية للتخفيف من حدة المشاكل الناتجة عن ذلك، رغم وجود الأمم المتحدة وعشرات المنظمات الدولية المتخصصة بالشأن الاقتصادي.

ومن شأن وضع كهذا أن يدفع الدول التي عزفت في ظل عولمة العقود الثلاثة الماضية وتقسيم العمل الحالي، عن إنتاج أغذيتها وأدويتها وسلعها الأخرى الضرورية والاستراتيجية، للعودة إلى إنتاجها محليًا تحسبًا لنقص قد يؤدي إلى انتشار الجوع وحدوث انهيارات في نظمها الصحية.

ولا تقتصر قائمة الدول التي هجرت الإنتاج على الدول فقير ونامية كدول عربية وأفريقية، فهي تشمل أيضًا قائمة من البلدان الصناعية مثل إيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا، ومما تعنيه العودة قيام الدولة بدور أكبر في اقتصاد الإنتاج الواقعي على حساب اقتصاد المضاربات والمشتقات المالية والرأسمالية المتوحشة.

أما على صعيد الدول العربية، فإن هذه الدول تحتاج إلى إعادة النهضة بالمنتج الوطني الزراعي والغذائي والطبي، وإعادة الاعتبار لقطاعاته التقليدية التي تم إهمالها لصالح السياحة والاعتماد على النفط ومعادن أخرى، ويعكس هذا الإهمال تحذير لجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا -‏ اسكوا من أن تداعيات كورونا قد تلقى أكثر من 8 ملايين شخص إضافي من سكان المنطقة العربية في براثن الفقر والجوع، بسبب تقليص تجارة الأغذية وقلة المخزون منها، وتذهب التقديرات إلى أن أكثر من 100 مليون في المنطقة العربية يعانون من الفقر، وسيبلغ عدد الذين يعانون من نقص في التغذية حوالي 52 مليونًا.

واعتبرت الأمينة التنفيذية للجنة اسكوا، رولا تشي، إن عواقب هذه الأزمة ستكون شديدة على الفئات المعرضة للمخاطر، لا سيما النساء والشباب والشابات والعاملين في القطاع غير النظامي، ممن لا يستفيدون من خدمات الحماية الاجتماعية ولا من التأمين ضد البطالة.

في حين شددت على أنه لا بد من أن تنفذ الحكومات العربية استجابة طارئة وسريعة من أجل حماية شعوبها من الوقوع في براثن الفقر وانعدام الأمن الغذائي بسبب «كوفيد 19»، وتخسر الدول العربية وفق اللجنة نحو ستين مليار دولار سنويًا بسبب فقدان الأغذية وهدرها، بينما من شأن الحد من هاتين الظاهرتين بنسبة 50 في المائة أن يزيد دخل الأسر بما لا يقل عن 20 مليار دولار، ويمكّن المنطقة العربية من تحسين مستوى توفر الأغذية إلى حد كبير، ويخفض الواردات من الأغذية وتحسين الموازين التجارية.

وجاءت تقديرات اللجنة المذكورة بأن كورونا قد يتسبّب بخسارة أكثر من 1.7 مليون وظيفة في العالم العربي.

وتوقعت أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بما لا يقل عن 42 مليار دولار هذا العام، على خلفية تراجع أسعار النفط وتداعيات تفشي فيروس كورونا المستجد.

وأكدت أن قطاع الخدمات هو المصدر الرئيس لفرص العمل في المنطقة العربية، سيكون أكثر القطاعات تعرضًا لآثار التباعد الاجتماعي.

وفي مقابل ذلك، أعلنت الأمم المتحدة أن «كوفيد 19» سيؤدي إلى زيادة البطالة بشكل كبير في أنحاء العالم، وسيترك 25 مليون شخص دون وظائف وسيؤدي إلى انخفاض دخل العاملين.

وتوقعت (الاسكوا) أن معدل زيادة الطلب المنزلي على المياه سيرتفع بين أربعة وخمسة ملايين متر مكعب يوميًا في المنطقة العربية، وهذا قد يزيد الوضع سوءًا في عدم كفاية إمدادات المياه للمنازل في 10 بلدان عربية. وبسبب تداعيات كورونا خسر قطاع السياحة والطيران المدني في هذه المنطقة حوالي 46 مليار دولار خلال ثلاثة الأشهر الماضية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق