عرفت الإعلامي الفلسطيني الكبير البارز، حارس القدس، وراعي مؤسسة البيادر الصحفية، المرحوم جاك خزمو، الذي غادر عالمنا أمس الجمعة، في أواخر السبعينيات من خلال مجلة " البيادر الأدبي "، التي شكلت منبرًا ثقافيًا وحاضنة لجميع الشعراء وكتاب وأدباء الوطن، وكان لها دور كبير في نشر الوعي الفكري والثقافي والنضالي والوطني الفلسطيني، وبناء حركة أدبية وثقافية فلسطينية واعية ملتزمة تحت حرب الاحتلال.
وكان جاك قد حدد أهداف وملامح المجلة في مستهل عددها الأول، حيث كتب قائلًا : " البيادر ميدان مفتوح لكل الأقلام وكل الأفكار تلتقي على صفحاتها، تتحاور فتعطي، واتقد فترسم المعالم لأجواء أدبية وثقافية أكثر رسوخا واقوى محتوى. و" البيادر " اذ ترحب بكل الاقلام فإنها ستهتم أكثر اهتمامها بتنشئة جيل جديد من الكتاب يستطيع، وبحق ان يكون في مستقبل الايام خير معبر عن همومنا الثقافية والفكرية. سنحترم الكلمة الجادة وسننشرها، ولن نهمل أي نتاج بل سنتناوله موجهين ناقدين، ومشجعين ".
آمن راحلنا العزيز جاك خزمو بحرية الرأي والفكر والتعددية، ورأى بأن الأفكار لا يمكن لها أن تعيش إلا إذا كانت تنبع اولًا واخيرًا من مصلحة الوطن.
توطدت علاقتي وصداقتي مع المرحوم جاك خزمو بعد أن بدأت ارسال كتاباتي ومقالاتي للنشر في المجلة عن طريق البريد، فكان يسقبلها وينشرها بكل الحب والاهتمام والاستحسان، وكثيرًا ما كان يبدي لي بعض الملاحظات من خلال بريد المجلة أو من خلال رسائل خاصة. وعرفته أكثر حين جمعنا اللقاء ذات يوم في مقر المؤسسة بالقدس، فتوسمت به أنسانًا وطنيًا غيورًا ومهمومًا بقضايا شعبه ومدافعًا عن القدس وعروبتها وأهلها بوجه مشاريع الاقتلاع، وصحافيًا ومحللًا سياسيًا من الدرجة الأولى، وصاحب قلم صادق يتمتع بالموضوعية والمصداقية والاستقامة السياسية والفكرية.
وبالإضافة إلى إصداره مجلة " البيادر " عمل خزمو على نشر واصدار عدد من الكتب الأدبية والبحثية والفكرية لكتاب ومبدعي الوطن المحتل، كمشروع ثقافي لنشر الكلمة ودعم الكاتب الفلسطيني.
وكان جاك قد بادر إلى إصدار مجلة " البيادر السياسي " كجزء من مشروعه الصحافي والثقافي والفكري، عنيت بالقضايا السياسية والثقافية والاجتماعية واحداث الساعة وهموم ومشاكل الوطن والمسائل العربية والقومية. وحققت المجلة انتشارًا واسعًا بين أبناء المخيمات والقطاعات الشعبية والجماهيرية الفلسطينية، وظلت تصدر بانتظام حتى توقفها عن الصدور نتيجة قلة الموارد المالية والدعم المالي. وكان قد بادر قبل توقف المجلة على اطلاق موقع اعلامي إخباري على الشبكة العنكبوتية، الذي يلقى الترحيب والتقدير والاستحسان واهتمام القراء والمتابعة من المشاهدين.
كانت أحلام جاك خزمو كثيرة، حلم بالحرية لشعبه، وحلم بالمقاومة، فقاوم بالقلم، بالفكرة السياسية المنتظمة، بالصحافة والكلمة المكتوبة، وعرفته ميادين الفكر والاعلام صحافيًا لامعًا، عروبيًا وقوميًا وفلسطينيًا حتى النخاع، يأخذ الحدث من الزمن إلى حضن القضية الوطنية المقدسة، والقضايا العروبية والقومية، فهو سليل الحبر الفلسطيني والعربي الكادح، وصوت الذين لا صوت لهم، ومبدع في الكتابة السياسية اليومية، والتحليل السياسي، ولتحليلاته عمقًا ولكتابته نكهة زعتر الوطن وميرامية القدس، وكان غزير العطاء والكتابة، ولو جمع كتاباته ومقالاته التي نشرها في المجلات التي أصدرها، وفي موقع المجلة ومواقع الانترنت المختلفة والصحف الفلسطينية الورقية، لامتلأت الطريق من مؤسسة البيادر حتى عاصمة الثقافة رام اللـه.
عرف جاك خزمو بمواقفه السياسية والوطنية والقومية الجذرية المشرفة، مدافعًا بشراسة عن قضية وطنه، طارحًا الهموم الفلسطينية والعربية، ومشاكل شعبه الاجتماعية، فاضحًا وكاشفًا المؤامرات التي تحاك ضد شعبه وتستهدف قضيته الوطنية الكبرى، منبهًا من مشاريع الاحتلال ضد القدس العربية، ومحذرًا من اخطار الانقسام والتشرذم على الساحة الفلسطينية، واقفًا بشدة ضده، وداعيًا للوحدة واللحمة الوطنية الفلسطينية لمواجهة تحديات المرحلة.
ونتيجة مواقفه الوطنية والسياسية تعرض للملاحقات والمضايقات الاحتلالية، لكنه بقي صامدًا لم تلن له قناة، متمسكًا بما يؤمن به وبطروحاته ومواقفه.
وحين بدأت الأزمة السورية رأى خزمو أن ما يجري هو مؤامرة وليس ثورة، لضرب المقاومة والعمل على تجزئة سورية وتفتيتها، وكشف حقيقتها أهدافها، وعرى المتآمرين ضد النظام السوري بقيادة بشار الأسد.
هذا هو الصديق الإعلامي والصحفي الألمعي العريق جاك خزمو، كما عرفته وكما عرفه شعبنا بمختلف قطاعاته وشرائحه وأدباءه وكتابه، نموذجًا ومثالًا ساطعًا في الصدق والالتزام الوطني والمصداقية والموضوعية والواقعية السياسية والالتزام الوطني، ووفاته تشكل ضربة وخسارة للمشهد الإعلامي الفلسطيني، وللحركة الوطنية الفلسطينية، وللكلمة الصحفية النظيفة. فله الرحمة والسكينة، وطاب ثراه، وعاشت ذكراه خالدة في التاريخ الفلسطيني والذاكرة الوطنية والشعبية الفلسطينية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق