التمييز العنصري ثقافة أمريكية/ كافي علي

 القوة بلا سياسة فوضى، والسياسة بلا عدل ظلم، والعدل بلا مساواة طغيان٠

في خطابه حول الاحتجاجات التي تعم الولايات المتحدة بعد مقتل المواطن الأمريكي من أصول افريقية جورج فلويد، يقول الرئيس الأمريكي ترامب " أمريكا قائمة على سيادة القانون، وهو أساس ازدهارنا وحريتنا وطريقة حياتنا، وعندما لا يوجد القانون لا توجد الفرص، وحيث لا توجد العدالة لا توجد الحرية"٠

جعل ترامب الحرية قرينا للعدالة بينما الحرية قرين لأخلاقيات المنظومة الثقافية للفرد، ويفترض أن تكون المساواة قرينا للعدالة في المنظومة السياسية والاقتصادية للدولة٠

في حقيقة الأمر اقتران العدالة بالحرية عند ترامب نتاج ثقافة عنصرية أمريكية ترى بأن اقصى ما يحتاجه المواطن الامريكي من اصول أفريقية كجورج فلويد هو حريته الشخصية، وقد حصل عليها  بعد انتهاء نظام العبودية٠

ليس بالزمن البعيد ذاك الذي لا يُسمح فيه للمواطن الأمريكي الأسود بأن يأكل أو يشرب، يسكن أو يعمل في الأماكن المخصصة للبيض، ولا يُسمح له بالتعليم والعلاج في المؤسسات الخاصة بالبيض٠ أحداث وممارسات عنصرية ضد السود في تلك الحقبة الحديثة من التاريخ الامريكي تفاصيلها لا تثير غضب ذوي البشرة السمراء فقط ولكن احرار العالم٠

العنصرية ضد السود ثقافة أمريكية لم يتخلص منها المجتمع الأمريكي إلى اليوم، حيث مازال المسيح المخلص العربي الآسيوي يُرسم على جدران الكنائس بهيئة شاب أبيض بشعر مذهب ناصع وعيون ملونة والملائكة أطفال ذوي بشرة بيضاء وأجنحة٠ 

لم يكن حدث انتقال السود في امريكا من مرحلة العبودية إلى مرحلة المواطنة نتاج السياسة الرأسمالية الامريكية، ولا نتاج إيمان الأسيادالبيض بالمساواة والديمقراطية، لكن حدث بفعل التحول في النظام العالمي بعد الثورة الصناعية من الإقطاعية إلى البرجوازية٠ 
في مرحلة النظام الاقطاعي كانت تجارة العبيد الأكثر ازدهارا في أمريكا، وكان تجار العبيد يصطادون سكان أفريقيا الاحرار ويبيعونهم في أمريكا بسبب حاجة الاسياد البيض المستعمرين الملحة إلى مزارعين للعمل في حقول القارة الشاسعة والخالية إلا من قبائل الهنود الحمر وحضارتهم البدائية القائمة على الصيد لا الزراعة٠ 
لم يكن من السهل على الاسياد القادمين من اوربا بحثا عن الثروة ترويض الطبيعة البرية للهندي الأحمر وارغامه على التحول إلى مزارع، لذلك وجدوا شراء العبيد وسيلة أسهل وأكثر ربحًا لتلبية حاجتهم، حيث يعمل العبد من أجل لقمة تسد جوعه في النهار ومساحة تحتوي جسده في الليل٠
فرضت صناعة الآلة وقدرتها على أداء عمل العشرات من العبيد على الأسياد ضرورة التخلص من العبيد ونفقاتهم وأعبائهم، فوجدوا في تحريرهم والاستجابة لثورتهم فرصة للتهرب من حقوقهم والشروع بنظام اقتصادي جديد قائم على الهجرة واستقطاب الأيدي العاملة الماهرة للعمل في المصانع وذوي الخبرات لإدارتها٠ عبودية من نوع آخر استبدلت فيها صكوك شراء الأجساد السمراء بسياسة استنزاف طاقات الارواح الحالمة بالثراء ورفاهية العيش الكريم في بلد حقيقته وواقعه ضمان فرصة عمل تؤمن للمهاجر تكاليف معيشته ودفع فواتيره وتأمينه الصحي، بينما تكبر وتتضخم ثروات الأسياد الأغنياء بجهوده٠

أما المواطنون من اصول افريقية فبرغم الحرية وتمزيق صكوك عبوديتهم، ظلت ممارسات التميز العنصري ضدهم ورغبة ذاكرة العقل الأبيض باضطهادهم قائمة سياسا حتى تشريع قانون الحقوق المدنية ومقتل مارتن لوثر كينغ، اما ثقافيًا فهي مازالت سائدة حتى موت جورج فلويد خنقا تحت ركبة شرطي اميركي أبيض٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق