مسلماني والجالية وحزب العمال الاسترالي/ جورج الهاشم

كثيرون من جاليتنا العربية دخلوا الى العمل السياسي الاسترالي من خلال الأحزاب الاسترالية الأساسية وأثبت بعضهم حضوره من خلال الدفاع عن الجالية، وقضاياها الوطنية الأساسية، جنباً الى جنب مع القضايا التي تهم المجتمع الاسترالي ككل. وبعضهم كان عبئاً على الجالية وعلى الأحزاب التي عمل من خلالها. والبعض ابتعد تماما عن هموم الجالية وذاب في المحيط الاسترالي الواسع.                                                                                 
شوكت مسلماني، عضو المجلس التشريعي في ولاية نيو ساوث ويلز عن حزب العمال الاسترالي، هو من الفئة الاولى. منذ انخراطه في العمل السياسي وضع نصب عينيه ثلاث قضايا أساسية كانت بمثابة البوصلة التي تدّله دائماً الى الاتجاه الذي لم يحد عنه لحظة: الدفاع عن قضايا السكان الأصليين – الأبوريجنيلز – الذين تعرضوا لممارسات عنصرية مستمرة ولحملات ابادة مارسها الغازي الأبيض، ولسرقة أولادهم من أحضانهم بما عُرف بالجيل السليب. والذين لا زالوا يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.  والقضية الثانية، والتي لا تختلف بمنطلقاتها عن الاولى وهي قضية فلسطين وما تعرض له شعبها من حملات ابادة مستمرة واقتلاع من أرضهم وقضمها ووقوف القوى الفاعلة الى جانب المغتصب الصهيوني ضد أصحاب الحق والأرض الأصليين. أما القضية الثالثة فهي التعددية الثقافية الحقّة والتي صدَّقت ان المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات والفرص بغض النظر عن العرق او اللون او الدين أو الموقف السياسي. وقبل كل ذلك آمن بأننا نعيش في مجتمع ديموقراطي عادل، حرية الرأي فيه مصانة وهي من المقدسات.                               
وأخطأ شوكت. فممارسة السياسة في استراليا متعبة جداً خارج المظلة الامريكية الصهيونية. الاعلام معظمه متصهين أو مملوك من قبلهم. السياسي الاسترالي يجب ان يكون مطيعاً لما تقرره واشنطن وتل أبيب فكيف اذا كان معاندا له ومدافعاً عن نقيضه؟ ففي القضايا التي دافع عنها مسلماني حقَّقَ مكاسب مهمة في كل منها مما وضعه، علنا، في خانة الواجب اعدامهم سياسياً. العنصري الأبيض، المتغلغل في الحكم والمعارضة على حد سواء، وضع اسمه على رأس لائحة الاعداء. اللوبي الصهيوني النافذ والمتحكِّم شنَّ عليه حملة شعواء. وانتظره على كل المفارق. اتخذوا من موقفه العقلاني من الصين قميص عثمان رغم انه لم يرتكب التبعية للصين كما التبعية التي يرتكبها معظم السياسيين الاستراليين تجاه أميركا واسرائيل. حريّة رأي السياسي في استراليا، اذا لم تصب في خدمة اميركا واسرائيل، هي تهمة العمالة للصين أو أي عدو يمكن فبركته. الاعلام النزيه والاقلام الاسترالية الحرة  وقيادات كثيرة،  وقفت الى جانبه، ووَصَفت ما جرى انه بكل بساطة عملية اعدام سياسي.                           
                                           
المسيء الأكبر للحقيقة ولشوكت  هو حزبه، حزب العمال الاسترالي الذي ابتعد كثيراً عن قواعده. اتخذ خطوات تأديبية فورية مجحفة بحقه رغم انه لم يُتَّهم بشيء حتى الآن. أقاله من الحزب ومن مسؤولياته وينوي اقالته من عضوية المجلس التشريعي كمستقل. هذا الحزب الذي خدمه مسلماني باخلاص كان، أول من غرز الخنجر في ظهره. فحزب العمال، منذ زمن، تخلّى عن مبادئه وأصبح تابعاً أعمى للسياسات الاميركية والصهيونية. يبحث باسنمرار عن المناسبات ليثبت منافسته لحزب الأحرار في التبعية للسياسة الاميركية. يفقد مواقعه في الساحة التي يُفترض أن تكون ساحته ولا يكسب في الساحة البديلة التي اختارها.            
الجالية العربية، لا شك باخلاصها ودعمها ولكنها كما العادة، تثور، تغضب، تعقد اجتماعات، توقِّع العرائض، ترسل الرسائل الاحتجاجية، تطلق بيانات التضامن وتنام. هذا مهم. لكنه وحده لا يكفي. منذ عقود ونحن نقول، ويقول غيرنا، ان العمل المنظَّم هو الاساس. ولن يسمع السياسون الاستراليون لجاليتنا اذا كان صوتها غير مؤثّر في الانتخابات. السياسي الاسترالي يهمه الأرقام. ونحن عندنا منها الكثير ولكنها مشرذمة. فهل نستطيع استغلال ما تعرّض له شوكت مسلماني لنوحّد ما نستطيع توحيده من هذه الأصوات؟ لننظمها ونجعلها فاعلة لمصلحة جاليتنا ومصلحة استراليا الفعلية ومصلحة الوطن الأم؟ هل عندنا خيارات أخرى تمكّننا من الدفاع عن القضايا المحقة دون ان نُقدَّم قرابين على مذبح الصهيونية العالمية؟ الخيارات كثيرة وعلى المخلصين، ومن ضمنهم شوكت، ان يطرحوها جدياً على بساط البحث.           
                                                 

هناك تعليق واحد:

  1. مرة أخرى تثبت أستراليا أنها تابعة التظام الإمبريالي العالمي ( أميركا على وجه التحديد) ومرة أخرى تثبت ان ديمقراطيتها عوراء ترى بعين واحدة وشعار التعددية الثقافية لآ مكان له إلا على الورق

    ردحذف