وُفَّقَ الكاتبُ في اختيار العنوان؛ فالنّاي آلة موسيقيةٌ شرقيةٌ ذات صوتٍ شجيٍّ ، وهي تصنع عادةً من نبات القصب البريِّ أو الخيزران ، وتتكون من تسعِ عُقلٍ وستةِ ثقوب، وقد استخدمها البابليون وقدماءُ المصريين منذ القدم ، وقد استطاع الشاعرُ من خلالها أن يجمعَ بين الألم والأمل، فتراه يعزفُ لنا من الشعر بآلةٍ لها أجواؤها الخاصة وطقوسُها المتفرّدة ، وقد يصعدُ من خلال درجاتِ هذه الآلة الجميلة الى سلم المجد ، ذاكرًا الناي في العديد من النصوص فتراه يقول " يرقّصن الناي بدمعاتهن".
غلبَ على الكتابِ طابعُ الحزنِ، ولو أن بعض النصوصِ كانت تعود لتضخَّ الحياةَ من خلال الإرادة، التي يتمتع بها الشاعر فتراه يقول "لو أني أكون كمثل عشب البراري ...لتنكسر الريح دون انكساري "
ويبدو أنّ الشاعرَ يبتعد عن الماضي قائلًا: " أمحو أسماء قديمة ...وأقتلُ أخرى لأكملَ روايتي"، كما يحب ما كان عليه الناس قديمًا من البساطة والعفوية، ويكرهُ التعامل مع النمّامين والمتحوّلين بين ليلة وضحاها....الخ ، وفي كثير من الأحيان يداهمه اليأسُ والمللُ فتراه يقول "أروي شجيراتِ في الحديقة الميتة" ورغم ذلك إلا أنه يعود إلى الأمل فتراه يقول: " أُزيل بالماء الفاتر بقايا الليل الثقيل "
قسَّمَ الشاعرُ الكتابَ الى عناوينَ رئيسةٍ منها: "بطانة هوية " ، "سلامٌ على قلبي" ، وقد جذبني ولفت انتباهي ما طرحه من عناوينَ فرعيةٍ شيقةٍ تشد القارئَ للمتابعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر "أكره تلك الصنيعة".
عدا عن المصطلحاتِ والمفرداتِ التي توحي للقارئ بأنّه نهمٌ بالقراءة، فتراه يذكر كلماتٍ مثل "فوبيا " وتعني الرِّهاب والخوف الشديد المتواصل، فيخاف المريض من حدوث ذلك الشيء، أو مجرد التفكير به ، "أنثروبولوجيا" وهي كلمة من أصل يوناني تعني العلم المختص بدراسة الإنسان ، "أفروديت"، إلهة الحب والشهوة والجمال.
تناول الشاعر العديد من المواضيع من خلال النصوص، فتحدث عن سيرته ومراحل حياته مبتدئًا بالطفولة، فتراه يقول: "لوعة السيرة" ، تحدّث عن الحب والرومانسية والنساء ، ووصفهنّ بالفراشات على فنجان القهوة كما وصفهنّ بالأغنيات ، وفي موضع آخر بأنهنّ " علامات والرجال تفاصيل " ، ذكر قلة الحيلة بالحب، كما يبدو أن النساءَ البابلياتِ والكنعانياتِ لهن جمالٌ ورونقٌ خاص لدى الشاعر، ثم تطرّقَ للحديث عن الحرب وما خلفته وما سلبته منه؛ فيقول: "الحرب وحدها تشدُّ أوزارها " ، وتحدث عن القدس قائلًا " لكن القدس قمرٌ من لحم ودم "
o إشارة النصوص إلى أماكن مثل: الكوفة ، قاسيون ، العراق، سمرقند ، النيل زادها قوة، وأضفى عليها لمسة من التخيّلِ والتشويقٍ للقارئ، فتراه يقول " الكوفة ثانيةً يا عليّ" .
o كما أن كثرة استعمال الاستعارات والتشبيهات زاد جمالية النصوص فيقول "ألفُّ الكلام بورق الظنِ
أشعلهُ كسيجارةٍ /أتلاشى وإياها"
o ومن المآخذ على الكاتب تصنيف كتابه الى شعر، وهو يحتوي على خواطر نثرية أيضًا، وأحيانًا يكتب القصة القصيرة كما جاء في "لوعة السيرة "
o جهود مباركة، أتمنى له مزيدًا من الإبداع والتألق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق