تبدو تلك الرحلة سهلة ونمطية للنفس المستقرة، ولكنها صعبة ومعقدة للنفس القلقة٠
البيئة وطبيعتها تلعب دورا كبيرا في تلك الرحلة مثلما تلعب الحركة في معدل الزمن دورا كبيرا في انتظام الكون، ورغم من الصعب على المرء اختيار بيئته إلا أنه يستطيع تنظيمها مثلما ينظم الكوّن حركته٠
هذا النوع من التنظيم يسمى الإرادة، إرادة الإنسان بتنظيم حياته٠
لكن كيف يمكن للمراهق أن يمتلك الإرادة الكافية لاكتشاف ذاته، وللشاب التصالح معها ثم تحقيقها في بيئة لا تنتج غير الخراب المقدس؟
هنا تكمن اشكاليات رحلة الفتاة والفتى في بيئة همجية تديرها أحزاب إسلامية، تكبل بالعنف إرادة الإنسان وتمنعه من أكتشاف وتحقيق ذاته٠
بالأمس سمعت رسالة نصية من فتاة عراقية ارسلتها إلى حبيبها٠
الرسالة وما جاء فيها من غنج صوتي ولفظي كان صاعقة لامرأة مثلي يضحك منها جيل الشباب الجديد ويصفها بالقديمة٠
ليس لأنني قديمة بشكلي وثقافتي ولكن تمسكي بالثوابت الأخلاقية التي يرى هذا الجيل بأنها فقدت قيمتها أمام حقيقة معاناتهم وقسوة الزمن عليهم٠
سألت الشاب المعني بالرسالة إذا كانت صاحبتها من بنات الهوى وتحاول إثارته غرائزيا بحديث خالي من البذاءة اللفظية، ولكن في نفس الوقت، متخم بالجميل المتقن والذكاء المتميز لإثارة الغريزة الجنسية٠
فرد الشاب بثقة عالية بأن الفتاة بنت ناس ومن عائلة، ولكنه الانترنت والموبايلات التي افسدت جيلهم خاصة الفتيات لأنهن بحاجة للزواج أكثر من الفتيان٠
الشاب مثل غيره يعتقد بأن الانترنت والموبايل هو سبب تفشي ظواهر الانحلال الأخلاقي في المجتمع العراقي، ولا يفهم بأن الموبايل مجرد جهاز اتصال، والانترنت مثل أي اكتشاف جديد له فوائده واضراره التي يحدد حجمها وخطورتها طريقة وهدف استخدامه٠
لا يفهم بأن المشكلة بالوعي القيادي لهؤلاء الشباب وانحلاله وفساده، وبأنه مع الفتاة ضحية لوعي الإسلام السياسي بمرجعياته واحزابه وحكمه٠
لا يفهم بأن هذا الوعي المتسلط بوهم القدسية، الحاكم بشرعية العنف وفوضى الغرائز لم يترك لهما غير الانترنت وسيلة لاكتشاف ذواتهم والتعبير عن رغباتهم النفسية والجسدية٠
ماذا تفعل الفتاة المحاصرة بين الجدران والمهدد بالعنوسة في مجتمع ظاهره متمدن ووعيه محكوم بثوابت وظلامية القرون الوسطى؟ كيف للفتى أن يفكر بالحب والزواج وهو محاصر بمشاريع طائفية عنصرية تتخذ من جثته معبرا لها؟
ماذا يمكن أن تفعل الفتاة غير تنفس الحياة من خلال الانترنت وموبايلها، وكيف يُنجز الشاب في مجتمع يهيمن عليه القتل المقدس والفساد المقدس؟
منْ يقود هؤلاء الشباب ويعلمهم فن العيش والتطور والنجاح في مجتمع الخرافات المقدسة وقضايا المصير الوهمية؟
حتى دراستهم، متنفسهم الوحيد، صارت كابوس ومصدر قلق نفسي لهم٠ بالإضافة إلى تردي اقتصاد بلادهم ومشكلة البطالة التي تهدد مستقبلهم، أُغلقت مدارسهم وتوقفت دراستهم بسبب التظاهرات مرة، وبسبب وباء كورونا اخرى، واليوم يعاني طلاب المراحل الدراسية المنتهية مشكلة البحث عن حلول لتجاوز الخوف والقلق من عدم قدرتهم على تأدية الامتحانات، وليس هناك منْ يستجيب لهم ويساعدهم٠
هؤلاء الفتيان والفتيات في حالة شلل فكري إرادي بسبب بيئة انتهت كل مظاهر ومستلزمات العيش فيها ولم يبقى لهم غير الانترنت والموبايل يمارسون من خلالهما فرصة اكتشاف وتحقيق ذاتهم٠
ولأن حياتهم ومستقبلهم خارج نطاق إمكانياتهم وإراداتهم لم يبقى لهم غير غرائزهم، ولأنها ملكهم وحدهم، تَرَكُوا العنان لها لتتحكم بهم وتكون مصدرا لكبح خوفهم وتخدير قلقهم٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق