يبدو أن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس مزمعة على العودة للمفاوضات العبثية مع الولايات المتحدة الأمريكية والمستعمرة الإسرائيلية .. في تطور " ليس مفاجئاً " ، دون التشاور والتنسيق وإبلاغ الشركاء الفلسطينيين على الأقل ، سواء في دمشق أو غزة أو بيروت ، متخلية عن تفاهمات المصالحة وإعادة بناء السلطة والمنظمة .
إن تغير الإدارة الأمريكية ( الذي ما زال غير محسوم بعد ) وحتى على فرضية أنها مقبلة على تغيير فعلاً ، فإن التبدل الفلسطيني المتهافت هذا ، غير مقبول وضار ، في جوانب منه لتفاهمات المصالحة ( التي لا تعني طرفاً حاكماً في غزة فحسب ) وإنما مراكز فلسطينية أخرى عديدة في دمشق وبيروت ، لا تقل أهمية عن سلطتي رام الله وغزة ، وعلى هوامشها جميعاً .
لا شيء يستدعي المراهنة على العودة للمفاوضات ، حيث لا جديد يذكر ، اما القول بمجيء إدارة أمريكية جديدة ، فلقد تبدلت إدارات امريكية جمهورية وديمقراطية عديدة منذ مفاوضات مدريد حتى الآن، ولم تحصد القضية الفلسطينية سوى التفكيك وتحويلها إلى جدرٍ ومعازل ومستعمرات واراض مصادرة وآلاف الشهداء والجرحى والأسرى من الأطفال والنساء والمسنين وذوي الاحتياجات والرجال .. وتجريف الأراضي والمزروعات وحرقها وتدنيس المقدسات المسيحية والإسلامية والإستيلاء على الأوقاف الإسلامية والمسيحية بطرق شتى وتقنين العبادة وتحويل القدس إلى عاصمة للمستعمرة وغير ذلك كثير .
لقد جرت مفاوضات في أعقاب الإنتفاضة الأولى التي نشبت أواخر عام 1987 أسفرت عن اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة ، وما كانتا لتعقدا، لولا إنحياز النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي إلى جانب حكومة إسحق رابين لتأمين أغلبية بسيطة ، ورغم الماضي الصهيوني الدموي للجنرال رابين ؛ ضد العرب بعامة ، فلم يستوعبه الشارع الصهيوني ، وإغتيل ، فقط لإقترابه قليلاً جداً ، مما قد يمكن إعتباره سلاما ، رغم كل الغموض والنواقص الذي اعتور أوسلو .
لقد أُجبر المستعمرون الإسرائيليون على إجراء مفاوضات بعد انتفاضة فلسطينية عام 1987 ، وفي ظل وحدة فلسطينية ، ظروف عربية غيرها الآن ، ومع ذلك ، فبمجرد وقعت اتفاقيني أوسلو ووادي عربة، إنقلبوا على ما أسمي ظلماً " السلام " وحولوه إلى ما نشهد ، في ظل إدارات بوش الإبن وترامب الجمهورييْن ، و كلينتون وأوباما الديمقراطييْن ..
إن ما ينبغي التأكيد عليه وفهمه جيداً ، أن في الولايات المتحدة أسساً لا محيد عنها ، أولها النظام الإمبريالي ف، لا يمكن تحولها إلى نظام إشتراكي أو شيوعي أو حتى ليبرالي . والأساس الثاني أن الحكم في أمريكا للدولة العميقة ( وإن حدث وإنقسمت إلى دولتين عميقتين كما هو حاصل الآن ) ومكونات الدولة العميقة هي المجمع الصناعي ومركزه المجمع الصاعي العسكري ( صاحب المصلحة في إشعال الحروب والفتن ونشر القواعد العسكرية في العالم ) وياتي بعده في الأهمية مافيا المال ـ الدولار ( البنك والصندوق الدوليين ) وأخبرا الماسونية واللوبي اليهودي .
ليس للجهات المتحكمة بالقرار الأمريكي مصلحة في التحول عن الإستراتيجية الراهنة والثابتة في خدمة (إسرائيل) والتي تعمل في آن في خدمة الدولة العميبقة الأمريكية والتحكم بقراراتها معا .. في علاقة جدلية حاكمة .
الجمهوريون والديمقراطيون ليسوا مختلفين في الجوهر ، فيما يتعلق بالعمل لصالح المستعمرة الإسرائيلية ، إستراتيجياً ، لكن هناك اختلاف حول سبل ووسائل وآليات جعلها المتفوقة على الإقليم برمته ، ومن هنا فمن العبث والغباء المراهنة على تغيير جوهري ، قد يحدث في الإدارة الأمريكية لصالح الشعب الفلسطيني والعرب ، بل سنرى ابداعات أمريكية في خدمة المستعمرة واجتراح أساليب ووسائل جديدة لأجلها، بخاصة طالما الظرف الفلسطيني والعربي والإسلامي الراهن مستداما على ما هو عليه من تفكك وتبعية واحتراب .
قد يحدث تغيير أمريكي في حال استعاد الشعب الفلسطيني وحدته على قاعدة المقاومة بأشكالها كافة ، بما في ذلك السلاح والمقاومة الشعبية والديبلوماسية معاً ، ونسج تحالفات وثيقة نقيضة لأعدائه ، ونبذ عناصر الفساد والتفرقة بين صفوفه ، ووثق صلاته بمحور المقاومة ، وقتذاك قد يفكر أعداؤه بمحاورته من موقع المضطر وليس المتجبر ، فالمفاوضات لا تكون مع ضعيف وإنما من مركز قوة مع قوي .
عندما ذهب أثر الإنتفاضة الأولى ولم تؤت الثانية أكلها ، سوّف الأمريكان والصهاينة ، وأجهضوا حتى إمكانية التوصل إلى حلول دنيا ناقصة ظالمة للشعب الفلسطيني وذهبت 25 سنة هباء بل أدنى من هباء بالنسبة للقضية الفلسطينية وللعرب .
بكلمات لن تُجدِ العودة للمفاوضات مع الأمريكان ولا مع الإسرائيليين ، في ظل الظرف الراهن والموازين القائمة ، بل ستهدر وقتاً إضافياً ، وستتسبب في تصدعات إضافية فلسطينية داخلية، وستخدم الأطراف الأكثر تطرفاً في المستعمرة الإسرائيلية ، وستشغل البال عن قضايا جوهرية باتجاه مسائل ثانوية، وستفقد الثقة نهائياً بالقيادة الفلسطينية لتكرار تراجعها عما يتفق عليه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق