المرحوم محمد أحمد جاموس شاعر وطني فلسطيني بامتياز، يفيض شعره حبًّا وعشقًا وشغفًا بالوطن الفلسطيني الجريح وترابه الغالي، ويطرح قضايا شعبه وهمومه اليومية ومعاناته في ظل الاحتلال البغيض، وله قصائد كثيره كتبها وقالها في المناسبات الوطنية والاجتماعية.
ولد جاموس في مدينة نابلس سنة 1928، تعلم فيها وانهى دراسته الابتدائية، ولم يكمل تعليمه بسبب وفاة والده. عاش حياته في الضفة الغربية والأردن والكويت، وعمل في التجارة الحرة بالقدس وأريحا وحيفا والكويت، وأشغل مديرًا للغرفة التجارية في أريحا ما بين السنوات 1975- 1990، وتوفي فيها سنة 2004.
قرض محمد أحمد جاموس الشعر الموزون المقفى بلغة رصينة ومتينة، وكتب المقالة والقصة والمسرحية الشعرية. ونشر قصائده ومقالاته في الصحف والمجلات الفلسطينية أبرزها مجلة " البيادر" الأدبية و" الفجر الأدبي ".
ولجاموس مجموعة من المؤلفات والإصدارات الشعرية، نذكر منها: " همسات النخيل، مختارات شعرية، ابن الشهيد، مأساة لاجئة، لم الشمل، حكايا التسويق الزراعي في أريحا، وثلاث سنوات وأنا أنتظر جارزة".
وله دواوين شعرية وكتب مخطوطة، منها: " وبكى اليراع فجأة، في الغربة، العودة، نقاط على بعض الحروف، الفاجعة، هذه خلاصة قصتي".
والشعر بالنسبة لمحمد أحمد جاموس لم يكن لغوًا، بل كان كلمة مسؤولة وسلاح مرفوع للدفاع عن قضية شعبه الوطنية والتعبير عن الهموم الوطنية والشعبية. وقد مزج أحاسيسه وخياله وأحلامه كلها بالوجع والعذاب الفلسطيني والهم الوطني العام، وبأرض وطنه وهوائه ومائه وسمائه، وعذابات المسحوقين في كل أرض المعمورة. وتجسدت في شعره الروح الفلسطينية الحقيقية، روح التمرد والرفض والتحدي.
وما يميز تجربة جاموس الشعرية الثرية هي اللغة البسيطة البارعة الممتنعة، التي نحس من خلالها بالنداوة والعذوبة والطلاوة.
ولفتت نصوص محمد أحمد جاموس اهتمام الدارسين والباحثين والنقاد الفلسطينيين، وكتب عنه دراسات ومداخلات وإضاءات نقدية، وتم تكريمه، وصدر عنه كتاب بعنوان" شاعر اريحا- محمد أحمد جاموس، للكاتب فتح اللـه الدخيل العوالمة.
ومن قصائد جاموس " سلوا الرؤوم أريحا "، التي يرثي ويؤبن فيها المناضل كريم خلف، رئيس بلدية رام اللـه، وكان قد نشرها في مجلة " البيادر" في عددها الصادر في نيسان وأيار 1985، نقتطف منها:
ريعت فلسطين، واستفاقت بواكيها
واغتمت الدار والتاعت غوانيها
فقلت ماذا؟؟ فشد السمع رجع صدى
أودى المنون بليث من ضواريها
وقال : ان (كريما) قد قضى ومضى
في ذمة الله رأسًا غاظ عاديها
يا أخوة الدار شحت في أخيلة
لما لقيت من الدنيا بلاويها
غيض البيان وتاهت من على شفتي
عرائس الشعر واستعصت قوافيها
العذر يا أهل : قد جاوزت في كلمي
أفنيت عمري حكايا الموت أحكيها
حظى الرثاء، وقول الآه من قدري
أما التهاني فلم أخلق لأشدوها
أخي (كريم) وجار الجنب من زمن
كيف العزاء!!؟ ومن نفسي يعزيها
يا اخوة العهد، ودي أن أصارحكم
ان البكاء على الأحرار يؤذيها
ليس العزاء بدمع العين نذرفه
ولا مراسيم للموتى نؤديها
بل العزاء بأن نمضي الدروب معًا
نقتات بالحب والآمال نحميها
نستأصل الشر أيا كان منبته
وندفع الضيم والأقداس نحميها
نرد كيد عدانا أينما تقفوا
نستخلص الدار قسرًا من أعياديها
هذي حقيقة ما يعني العزاء لنا
أما المشاعر لم نفقد معانيها
محمد أحمد جاموس شاعر استطاع أن يرسم خطًا شعريًا خاصًا به، ويحقق وجوده وحضوره وريادته في التجربة الشعرية الفلسطينية الحديثة تحت حراب الاحتلال، وفي كل حرف وكلمة في قصائده نشم رائحة الوطن وتراب الأرض ودم الشهداء ونعانق الحرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق