ما هي الاستراتيجية السياسية الانجع التي على القائمة المشتركة ان تعتمدها في علاقاتها مع النخبة السياسية اليهودية الاسرائيلية وتركيباتها لكي تلتزم بوعودها الجمة لناخبيها من الاقلية الفلسطينية بالداخل؟
هذا السؤال الوجيه يتصدر اليوم لائحة من عشرات الاسالة التي يطرحها الفلسطينيون بالداخل على انفسهم وعلى قائمتهم المشتركة في ظل التراشقات الاعلامية المتنوعة بين مركبات المشتركة اسابيع قبل الانتخابات البرلمانية وانقسامهم حول الايداء السياسي والعمل البرلماني المؤسساتي للمشتركة واعضاءها.
القائمة المشتركة بدأت مسارها التاريخي قبل خمسة سنوات ككتلة انتخابية من ايديولوجيات ومشاريع سياسية مختلفه واحيانا متعارضه أيضاً، لان كان من مصلحة جميع مركباتها ان لا تفوت على نفسها فرصة الوصول الى مقاعد الكنيست وبالتالي ان تبدأ بمسار الاندثار. وللاسف لم تستطع، او لم ترغب، مركبات المشتركة ان تطور هذه الكتله لتصبح تحالف ديمقراطي متين بعمل جبهه سياسية وطنية فلسطينية موحده امام العنصرية المتفاقمة بإسرائيل ووضع استراتيجية سياسية للوجود الفلسطيني بالداخل ومشاركته الحياة السياسية.
بقي مشروع المشتركة السياسي يدور حول شعارات رنانة وانشغال مركباتها، باغلب الاحيان كل طرف لوحده، في محاولة الحصول على فتات مما تقدمه المؤسسة الصهيونيه من "خيرها" للاقلية الفلسطينيه بعد اطمئنانها على حسن سلوك الجهه الطالبه للامتيازات ولعبها وفق قوانين اللعبة الصهيونية المسقوفة بقانون القومية وقانون الولاء العنصريين.
تمحور العمل السياسي للمشتركة بجميع مركباتها خلال الخمسة سنوات الماضيه على التعاطي بالتكتيكات الصغيرة والتمسك ببقايا استراتيجيات قد تأكلت وانتها مفعولها مع الوقت وتطور الاحداث. استراتيجية المساواة التي رفعها الحزب الشيوعي والجبهه واستراتيجية دولة مواطنيها التي تبناها التجمع الوطني اصبحت بعد التغيير الدراماتيكي في السياسة والايدلوجية الاسرائلية وفهم اسرائيل لذاتها المبني على العنصرية اليهودية (استراتيجية السيد والعبد)، استراتيجيات طوباوية واقل من شعارات رنانة. طرح تيار الاخوان المسلمين بالحركة الاسلامية استراتيجية "بوس الكلب من ثمو لتؤخذ حاجتك منو" تحت مسمى التجديد كما يرغب النائب د. منصور عباس بتسميته، هو كمن ينفخ في قربة مثقوبه…هذه الاستراتيجية جربها ومشى عليها من سبق منصور عباس، قبل يوم الارض الخالد وفي زمن حزب العمل الصهيوني الذي اصبح البعض يعتبره "يسار صهيوني" دون ان يصلوا الى اي نتيجة على مدار ثلاثين عام تقريباً … الي بجرب المجرب عقله مخرب.
رفع شعار اسقاط نتانياهو، ومنعه من تشكيل حكومه الخ، يظهر جلياً كم هي بعيدة مكونات المشتركة، التي التفت كلها حول هذا الشعار، عن التفكير الاستراتيجي. اسرائيل اليوم لم تعد كما كانت عليها في العقود الماضيه. اسرائيل تغييرت اجتماعياً وسياسياً وايديولوجيا واقتصادياً. نحن نعيش اليوم في اسرائيل الثالثة التي بدأ نتانياهو بالتحضير لها عندما ترأس الحكومة سنة 1999 واكمل مشروعه باستقالته من حكومة شارون عام 2005 احتجاجاً على الانسحاب من قطاع غزة… واستمر بهندسة مشروعه الجديد لاسرائيل جديدة بفهمها لذاتها وايديولوجيتها الجديدة وسياستها الداخلية والخارجية حتى ترأسه للحكومة عام 2009. وتوجها في الانتقال من العنصرية المبطنة الى العنصرية المؤسساتية.
اسرائيل اليوم تعتمد الصهيونية الجديدة(الصهيونية الثانية) اساساً ايدولوجيا لها. هذه الصهيونية التي اسميها باسم مهندسها بنيامين نتانياهو " النتنياهويه" تختلف كلياً عن الصهيونية الاولى: فهي بدلت مفاهيم اساسية رُسِمَت سياسات اسرائيل الماضية حولها… فبدل:
• الارض مقابل السلام اصبح السلام مقابل السلام (السلام الاقتصادي)
• حل الدولتين، رغم ان الصهيونية الاولى لم تحدد حدود دولتها، استبدله باستحالة قيام كيان كامل السيادة بين الاردن واسرائيل.
• حل القضية الفلسطينية ليس مفتاحاً للوصول الى العالم العربي… في الماضي كان العكس هو الطريق الاسرائيلي للتطبيع مع الدول العربية وتثبيت قدمها وهيمنتها في الشرق الاوسط.
• يهودية الدولة … اي اعتبار من هم غير يهود في الدولة على انهم اناس مقيمين ويملكون حق الاقتراع (المؤقت، كونه مرتبط بولائهم)، ويمكن استبدالهم او نقلهم اذا دعت الحاجة.
هذه الصهيونية الجديدة بمفرداتها وتوجهاتها العريضه هي ايدلوجية الاكثرية الساحقة للحركات والاحزاب والشخصيات السياسية في اسرائيل… الفرق يكمن فقط في الاخراج الاعلامي والحنكة السياسة في تسويق الايدلوجية الجديدة. نتانياهو هو الذئب الشرس والثعلب المحتال لكن حذاري من ان نعتقد ان الاخرين، من ساعر وغانس ولبيد، وبيرتس وليبرمان وبنيت و و، نعاج اليفه… التحالفات الاخيرة بين الاحزاب الصهيونية وضحت لنا اين موقع الاقلية الفلسطينية ونخبها من المعادلة السياسية الاسرائيلية… النخب الفلسطينية بنظرهم مفعول به كامل شامل وبعيدون جداً على ان يبدأوا مسيرة الفاعل البسيط. شعارات اسقاط نتانياهو والتأثير على القرار وبيضة القبان والجسم المانع شعارات جوفاء بعيدة عن الواقع السياسي لاسرائيل الثالثة. شعارات يعرف مروجوها انها فقاعات هوائية لا وزن لها ولا قيمة لها.
في اسرائيل الثالثة، التي لم يعد في نخبتها السياسية الا حركات واحزاب وشخصيات تقف جميعها يمين الوسط، باكثريتها الساحقه حتى في اقصى اليمين العنصري واليمين الفاشي، لم تعد الاستراتيجيات التي وضعتها النخب السياسية الفلسطينية في اسرائيل الاولى واسرائيل الثانية تجدي نفعاً.
اليوم تحتاج الاقلية الفلسطينية بالداخل الى استراتيجيات جديدة لصيانة هويتها الوطنية وتنظيم نفسها كاقلية وطنية وتثبت حقيقة اننا اهل البلد الاصليين. استراتيجية تتعاطى مع المستجد بالمجتمع الفلسطيني بالداخل والمستجد في ايديولوجية المغتصب الحاكم ومستجد على بنية الاقليم بكامله. بداية هذه الاستراتيجية تكون في بناء الذات الفلسطيني وتتمحور حول تشكيل قيادة موحده للاقلية الفلسطينيه منتخبة بالتمثيل النسبي الكامل خليفة للجنة المتابعة التي لم تعد توفي بشروط المرحلة وتكتمل بخلق الية انتخابات اولية، برايمرز، لتمثيل الاحزاب والحركات والشخصيات الفلسطينيه في قائمة مشتركة بعيدا عن مبدأ المحاصصة المقيت. بعد بناء الذات على اسس ديمقراطية وطنيه سليمة نطلق استراتيجيتنا السياسية العصرية بالمطالبه بالاعتراف بنا كأقلية وطنية (ليس قوميه، كون الهوية القوميه لم تكن يوم بخطر بل الهويه الفلسطينية هي التي مانت وما زالت بخطر) بتمثيل نسبي في الكنيست والمطالبه باستقلال ثقافي واداري كاملين واسعين للاقلية الفلسطينيه. هكذا نغلق معظم ابواب العبث بوحدتنا الوطنية ونقطع هرولة البعض الى الحضن الصهيوني الذي لا يعرف علاقة معنا سوى علاقة السيد بالعبد.
التنافس بين اعضاء المشتركة ومكوناتها الانية والمستقبلية طبيعي، مفيد وضروري لكن ان بُنِيٓ هذا التنافس على تكتيكات مسح الجوخ واظهار الولاء ورفع شعارات رنانه فقط فهذا يعني ان نبقى كرة تتقاذفها المصالح الصهيونية بملعبها ونبقى لقمة صائغة للاحزاب الصهيونيه التي تحاول اسكاتها بالفتات القليل والامتيازات الجوفاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق