لم تكن مدينتنا الصغيرة تُعطي للمرء الشعور بالدفء والراحة ، الذّي ينبع من كون الإنسان يعيش سعيداً في موطنه ، في مسقط رأسه بين أهله وأحبائه !
كانت مدينتنا الصغيرة بعيدة ومُنعزلة ، تبعدُ عن مدينة فرندة بعشرين كيلومترا ، وعن عاصمة الولاية بحوالي الستين كيلومترا ...
كان سكانها لا يحبونها ، الكبار يقولون أنهم أخطئوا لما سكنوها ، والشباب ينظرون إليها طوال حياتهم على أنها سجن أو مقبرة ، فلا عمل ، ولا ترفيه ، ولا ثقافة ، والشجعان منهم أو الطموحين رحلوا وهجروها الى وهران ، سيدي بلعباس أو الى تيارت ، لكنهم يحرصون على زيارتها كل صيف مع زوجاتهم وأولادهم وأحفادهم ...
إني أندهش فالكثيرين منهم لا أعرفهم ، ولم يحدثني والدي عنهم ، لكن لما يتكلمون أمامنا ألمس وأرى بعيني أن الحنين الى هذه المدينة البائسة يكاد يقتلهم!
لا نعرفهم ولا نراهم إلا حينما يتوفى أحد سكان مدينتنا القدامى ، ففي الجنائز كنتُ أتعرف من بعيد أو قريب على أناس يُوصفون بأنهم ليزونسيا ، أي السكان الحقيقيون والقدامى لمدينتنا الصغيرة !
لا أزال أدرس ، إني في الثانية ثانوي ، والعام القادم سأجتاز امتحان البكالوريا ، وقد أذهب الى مدينة بعيدة ، هل أعود أم تكون بداية أحلامي من تلك المدينة ؟
هل سأنقطع عن مدينتي الصغيرة ؟ هل بإمكاني العيش بعيداً عنها ، عن أهلي ، عن جيراني وأصدقائي ؟...
هل سيشيرون إلي يوماً : ـــ لونيس من ليزونسيا لمدينتنا الصغيرة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق