السكان القُدامى/ عبدالقادر رالة



   لم تكن مدينتنا الصغيرة تُعطي للمرء الشعور بالدفء والراحة ، الذّي ينبع من كون الإنسان يعيش سعيداً في موطنه ، في مسقط رأسه بين أهله وأحبائه !

  كانت مدينتنا الصغيرة بعيدة ومُنعزلة ، تبعدُ عن مدينة فرندة بعشرين كيلومترا ، وعن عاصمة الولاية بحوالي الستين كيلومترا ...

   كان سكانها لا يحبونها ، الكبار يقولون أنهم أخطئوا لما سكنوها ، والشباب ينظرون إليها طوال حياتهم  على أنها سجن أو مقبرة ، فلا عمل ، ولا ترفيه ، ولا ثقافة ، والشجعان منهم أو الطموحين رحلوا وهجروها الى وهران ، سيدي بلعباس أو الى تيارت ، لكنهم يحرصون على زيارتها كل صيف مع زوجاتهم وأولادهم وأحفادهم ...

  إني أندهش فالكثيرين منهم لا أعرفهم ، ولم يحدثني والدي عنهم ، لكن لما يتكلمون  أمامنا ألمس وأرى بعيني أن الحنين الى هذه المدينة البائسة يكاد يقتلهم!

  لا نعرفهم ولا نراهم إلا حينما يتوفى أحد سكان مدينتنا القدامى ، ففي الجنائز كنتُ أتعرف من بعيد أو قريب على أناس يُوصفون بأنهم ليزونسيا ، أي السكان الحقيقيون والقدامى لمدينتنا الصغيرة !

  لا أزال أدرس ، إني في الثانية ثانوي ، والعام القادم سأجتاز امتحان البكالوريا ، وقد أذهب الى مدينة بعيدة ، هل أعود أم تكون بداية أحلامي من تلك المدينة ؟ 

  هل سأنقطع عن مدينتي الصغيرة ؟ هل بإمكاني العيش بعيداً عنها ، عن أهلي ، عن جيراني وأصدقائي ؟...

  هل سيشيرون إلي يوماً :  ـــ لونيس من ليزونسيا لمدينتنا الصغيرة!    


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق