أستراليا: ثقافة التحرش والاستقواء/ عباس علي مراد



حسب دراسة لمكتب الإحصاء الأسترالي عن السلامة الشخصية في البلاد اجريت عام 2016، وجدت هذه الدراسة أن  148,000 امرأة و57,200 رجل تعرضوا لإعتداءات جنسية بشكل أو بآخر، وان معظم هذه الإعتداءات لم يتم إخبار البوليس بها، ومن أهم الأسباب لعدم تبليغ الشرطة هو الخوف من عدم تصديق أصحاب الشكوى.  

عقب ظهور الموظفة السابقة في مكتب وزيرة الدفاع  برينتي هيكنز على القناة العاشرة وزعمها أنها تعرضت لعملية اغتصاب من قبل زميل لها بعد  ان احتسيا المشروبات الروحية  في إحدى الحانات قبل العودة إلى مكتب وزيرة الدفاع ليندا رينولد حيث تمت عملية الإغتصاب المزعومة (أذار عام 2019) و كانت رينولد تشغل أنذاك منصب وزيرة الصناعات الدفاعية.

على أثر انتشار الخبر طغت أخبار قضايا الإغتصاب والتحرش الجنسي على ما عداها، وادخلت الحكومة الفيدرالية في أزمة قد لا تنتهي من دون تدحرج بعض الرؤوس المسؤولة والتي لم تعالج المسألة او لم تأخذها على محمل الجد.

رئيس الوزراء سكوت موريسن نفسه يقول انه لم يعلم بالقضية الا بعد ظهورها إلى الإعلام في 15 شباط ،2021 مع انه اصبح مؤكداً ان وزيرة الدفاع ووزير الداخلية وبعض موظفي مكتب رئيس الوزراء كانوا على إطلاع على تفاصيل الحادثة ولم يبلغوا رئيس الوزراء وكل منهم لسبب مختلف! 

حزب العمال من  جهته سخر من مقولة موريسن انه لم يعلم سابقا بالقضية ولكن ليس لدي الحزب أي دليل على عدم صحة كلام موريسن. 

تقول وزيرة الدفاع ليندا رينولد أنها لم تبلغ رئيس الوزراء بالقصة وذلك من اجل المحافظة على الخصوصية وقالت انها حاولت مساعدة هيكنز إذا ما ارادت ان تتقدم بشكوى للشرطة.

هناك من يعتقد انه تم التعامل مع قضية هكينز على انها اختراق أمني وليست جريمة اغتصاب، كأنها محاولة للفلفة القضية رغم انه تم تنظيف مكتب الوزيرة بالبخار مكان وقوع الجريمة المزعومة.

 وزير الداخلية بيتر داتون يقول انه قيّم الموضوع  ولم يريد ان يدخل في مسألة هو قال وهي قالت، ولم يجد من الضرورة ان يبلغ رئيس الوزراء مباشرة بالأمر لأنها مسألة حساسة وإجرائية ولا يريد التدخل في عمل الشرطة الفيدرالية التي تخضع لأمرته ! 

الإغتصاب جريمة يعاقب عليها القانون فكيف إذا وقعت هكذا جريمة داخل البرلمان وبمسافة تبعد عشرات الامتار فقط عن مكتب رئيس الوزراء!

السؤال الرئيسي والبديهي الذي يطرح نفسه وبقوة، اذا كان ليس من المهم ان يطلع رئيس الوزراء على المشاكل بسبب الخصوصية او الحساسية  أو لأي سبب آخر مهما صغر او عظم هذا السبب،  فكيف سيديررئيس الوزراء البلاد؟!

والأنكى من ذلك، ان رئيس الوزراء دافع عن تصرفات وزير داخليته، علماً ان موريسن كان قد وبّخ وزيرة الدفاع بقوة لأنه كان يجب عليها ابلاغه بعملية الإغتصاب المزعوم. 

اولاً، نحن كمواطنون من حقنا ان نعرف أين هي الحقيقة ومن كان يعرف وماذا كان يعرف ومتى عرف ولماذا لم يبلغ السلطات المختصة.

ثانياً، هل كان علينا ان ننتظر مفوّض الشرطة الفيدرالية  ريس كيرشو ليذكّر نواب الأمة وحكومتها بالإبلاغ مباشرة عن أي قضية حتى يتمكن من إجراء التحقيقات اللازمة قبل ضياع الأدلة!

ثالثاً، لماذا على الموظفين الذين يتعرضون لهكذا اعتداءات الخوف من تبليغ الشرطة وذلك من اجل المحافظة على وظيفتهم. هذا هو السبب الذي تحدثت عنه هيكنز.

رابعاً، على السياسيين الكفّ عن تسييس هكذا قضايا من أجل تحقيق مكاسب سياسية على حساب معاناة المواطنين وأمنهم الإجتماعي والنفسي، لأن كل الأحزاب لها مشاكلها الخاصة. هذا ما أظهره استطلاع نقابي لما يقرب من 100 موظف سياسي من مختلف الأطياف السياسية في ديسمبر أن واحدًا من كل ثمانية قد تعرض للتحرش الجنسي أو الإعتداء في مكان العمل في العام الماضي.

خامساً، اذا كانت هكذا جرائم منتشرة بهذه النسب العالية كما تقدم في دراسة مكتب الإحصاء، لماذا لم تبادر الحكومات المتعاقبة على الحد منها ان لم نقل إستئصالها؟ 

رئيس الوزراء بادر إلى تشكيل أربع لجان لدراسة الموضوع ولكن النائبة مادلين كينغ من حزب العمال طالبت بمراجعة مستقلة لثقافة مكان العمل في البرلمان التي أعلن عنها السيد موريسون، وطالبت بتوسيع عمل اللجنة للنظر في التهديدات التي تواجه النواب وموظفيهم من قبل الجمهور.

مع الإعلان عن المزيد من حالات الإغتصاب يبقى السؤال من سيكون كبش الفداء الحكومي لوضع حد لتفاقم الأزمة التي وبدون أدنى شك سوف تؤثر على شعبية الحكومة ورئيسها الذي يحتفظ بشعبية عالية على خلفية معالجته ازمة كوفيد 19. 

ولكن بنظر المواطنيين، هذا يوم أخر وموضوع لا يقل أهمية عن وباء كورونا خصوصاً بعد مزاعم إغتصاب جديدة يعود تاريخها لعام 1988تطال وزير في حكومة موريسن والتي تسربت أخبارها بعد ان ارسلت رسائل من جهة مجهولة الى كل من رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية في حكومة الظل(حزب العمال) باني وونغ والنائبة من حزب الخضر سارة هانسون يانغ.

يشار الى ان الضحية البالغة من العمر 49 عاماً انتحرت السنة الماضية.

فهل يقدم رئيس الوزراء على تعديل حكومي ويطيح بوزيرة دفاعه التي تواجه انتقادات من زملائها الذين تكلموا بشرط عدم الإفصاح عن أسمائهم كما سربت الصحافة. 

وحسب الصحفيتان روزي لويس (صحيفة الاستراليان) ولاناي سكار(وست أستراليان) قالتا على برنامج انسايدر الذي يقدمه ديفيد سبييرز على تلفزيون أي بي سي 28/2/2021  ان بعض زملاء وزيرة الدفاع يقولون اذا لم تستطع الوزيرة مواجهة نادي الصحافة فكيف لها ان تتخذ قررات على مستوى الاجهزة الامنية  وزارة الدفاع التي تأتمربأمرتها كارسال الجنود الى المعركة.

والجدير ذكره ان الوزيرة رينولد كانت قد دخلت الى المستشفى الاربعاء 24/2/2021 بعد نصيحة الاطباء لها بسبب معاناتها من مرض القلب وكان من المفترض ان تحاضر في نادي الصحافة ذلك اليوم وتجيب على أسئلة الصحافيين حول قضية الاغتصاب المزعوم لبريتني هيكنز.   

أخيراً، يجب وضع حد لثقافة التحرش والإستقواء والتنمّر ولثقافة لوم الضحايا ووضع القوى السياسية أمام مسؤولياتها.


Email:abbasmorad@hotmail.com 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق