عاشت الأندلس في ظل حكم الأمويين لأكثر من ثلاثة قرون حياة مليئة بالأفراح والإبداع الحضاري في جميع الميادين ، في الأدب والعلوم والفن والفقه والفلسفة ..
ثم فجأة ، بدون مقدمات ، أو بمقدمات غير ظاهرة أو مُقنعة وقعت أزمة حكم كبيرة فدخلت الأندلس الجميلة ، المرهفة والمتحضرة في فترة مآتم وجنائز استمرت حوالي القرنين من الزمان حتى انتهى الوجود العربي الإسلامي من هذا البلد الجميل تاركا وراءه أثار عمرانية وحضارية عظيمة ، مؤثراً في الناس أجيال بعد أجيال ، في كل مكان إذ بكوا الأندلس بكاء لم يبكوه لا من قبل ولا من بعد ..
ومآتم الأندلس كانت مثل المآتم في أحياء مدننا الصغيرة ، اليوم يموت فلان ويحضر علان جنازته فيُعزي ويبكي الفقيد ويحضر الصلاة والدفن ثم ما يلبث بعد مدة تقصر أو تطول حتى يُتوفى ويبكيه غيره ..
وكان الناس يتسألون خائفين متى تنتهي هذه المآتم وتعود الابتسامة الى الأندلس من جديد ، لكن لا أحد كان يملك الإجابة ، ولا أحد كان بإمكانه أن يتنبأ بما تخفيه الأيام المضطربة والليالي الحالكة !
كانت الأندلس مثل امرأة جميلة رقيقة الحسّ تفقد بين الحين والأخر ولداً عزيزا على قلبها ..فتقيم المآتم ، وما تكاد تنسى فقيدها حتى تُفجع في أخر ...
سقوط طليطلة سنة 1058 م ، أول الإمارات التي سقطت في يد القشتاليين ...
أشبونة سنة 1147، ميورقة سنة 1229، قرطبة ، حاضرة الأندلس ومركز الإشعاع الحضاري في أوروبا لزمن طويل سنة 1236 ، بلنسية1238 ،شاطبة 1240 ، مرسية 1242 ، جيان 1246 ، اشبيلية 1248 ...
استمر تساقط الإمارات الواحدة تلوى الأخرى لأكثر من القرن والنصف ؛ ولما سقطت قرطبة تسارع سقوط الأمارات الأخرى ، لا يكاد يمضي العامين حتى تسقط إمارة أخرى ..
واستمرت غرناطة تُقاوم لأكثر من قرنين لوحدها حتى هوتْ سنة 1492 م..
والعجيب أن بهذه المدينة المنكوبة عُرفت الأندلس فيما بعد ، إذ كلما ذُكرت الأندلس أو ذُكر مجد العرب يتبادر الى الذهن قصر الحمراء ، التحفة المعمارية الخالدة التي شُيدت سنة 1238 م لتبقى شاهدا ً على عبقرية العرب الحضارية ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق