صَرْحُ البَلاغةِ/ الدكتور حاتم جوعيه


 

( قصيدة  رثائيَّة  في  الذكرى  السنويَّة على  وفاة  الشاعر والأديب الكبير المرحوم الدكتور " جمال قعوار ")  


صَرُحُ البلاغةِ طولَ الدَّهرِ مُنتصِبُ      بكَ القريضُ ارتقى والفكرُ  والأدَبُ

أبا    ربيع ٍ   مَنار  الشعرِ    سُؤدُدَهُ      تشعُ  كالبدرِ  إذ  ما  غابتِ  الشُّهُبُ

أنتَ  الذي  بجبينِ  الشَّمسِ   مُقترنٌ      لكلِّ   خطبٍ   جليلٍ   كنتَ    تُنتدُبُ

كم من نضار ٍ وَدُرٍّ  فيكَ  قد نظمُوا      الشّعرُ   يعجزُ   والأقوالُ   والخطبُ

لا المَدحُ يُعطيكَ ما قد كنتَ  أنتَ لهُ      أهلا  وَكُفئا..  ولا  التاريخُ   والكتبُ

وانتَ   أنتَ   مدى   الأيَّامِ    أغنيةٌ      في سحرها  ينتشي الأحرارُ والنُّجُبُ

أسَّسْتَ  في  عالم ِ الإبداعِ   مدرسَةً      تاهَتْ    برونقِها  ،   أيَّامُها     قشُبُ 

وَشعرُكَ  الشِّعرُ  لا   نظمًا   يُسابقهُ      كالدُّرِّ    مُؤتلِقٌ  ،   سَلسالُهُ    عَذِبُ

وَيَأسُرُ  الروحَ   والوجدانَ   رونقُهُ      لِوَقعِهِ   تنحني   الأسيافُ   والقضُبُ 

يا    فارسا   بهرَ   الدُّنيا   وأذهَلهَا       ففي    روائِهِ    الإعجازُ    والعَجبُ 

وَدوحةُ  الشعرِ طول الدهر  باسقةٌ       نمَّيتَهَا  أنتَ ، لم  تعصفْ  بها  نُوَبُ 

والآنَ ترحلُ عن أهلٍ  بكَ افتخَرُوا      نهارُهُمْ   كالدُّجى ،  والدَّمعُ   ينسكبُ 

تسربلوا  الحِلمَ   والإيمانُ   دَيْدَنُهُمْ       كيفَ  السُّلوُّ   ونارُ   الحزنِ   تلتهبُ

الكلُّ أضحَى رداء  الحزنِ  صبغتهُ       فالفكرُ  مضطرمٌ    والقلبُ   مُكتئِبُ 

في  جنَّةِ  الخُلدِ  أنتَ  الآنَ   مُبتهِجٌ       والجوُّ   بعدَكَ   والآفاقُ   تصطخِبُ 


على حركة فتح ألا تتحول إلى مفرخة للتشبيح/ فراس حج محمد



في مقال سابق يعود إلى عام 2016، حيث كان هناك إضراب للمعلمين دون أن يكون هذا الإضراب تحت راية "اتحاد المعلمين" المناصر والداعم للحكومة لأنه ابنها كما هو حال كل الاتحاد في فلسطين، نشرت مقالة قصيرة بعنوان "عندما تنحاز فتح إلى الجهة الخاسرة"، إذ حاولت بكل ما أوتيت من عنجهية وصلف أن تفشل هذا الإضراب، وأنهيت ذلك المقال بما يأتي: "إن في هذا لبلاغا لقوم يعقلون من حركة فتح أولا تلك التي كانت تطلق على نفسها أم الجماهير، فعليها ألا تتحول إلى خادمة ظلم وطغيان، لتجد نفسها وإذا بها عدوةٌ للجماهير وينفضّ عنها أتباعها أولئك الذين سيشعرون بغصة أن حركتهم لم تنتصر لهم في معركتهم النقابية من أجل لقمة عيش كريمة في وطن متجسد أولا وأخيرا في الإنسان الفلسطيني، ويشكل المعلم حارسا أمينا للذاكرة الثقافية والتاريخية لهذا الوطن، بعد أن أصبح مستَلبا، ولم يعد موجودا منه إلا أشلاء جغرافيا منهوشة على أرض الواقع. فلا تهزموا الفكرة والحلم والإرادة بعد ذلك العجز عن تحرير الأرض من المغتصبين".

وها هي حركة فتح مرة أخرى تنزلق نحو الهاوية في معاداة الشعب الفلسطيني وهو يطالب بألا تتغول على أبنائه أجهزة أمنية وحشية، تسحل الناس في الشوارع، وتعتدي على النساء والصحفيين والناس أجمعين. لقد رضيت فتح أن تمارس دور الشبيحة في لباس مدنيّ لتضرب الناس أو تعتقلهم وتعين الظلمة على المظلومين. فما هو الذنب الذي جناه الناس من أجل أن تتغول حركة فتح عليه؟

إن مثل هذا الأمر ليشعر الناس بالصدمة وخيبة الأمل من حركة كان خطابها السياسي أنها حركة تحرر بكل ما يعنيه مفهوم "التحرر" من معنى. لقد كان الأولى بحركة فتح أن تحترم نضالها وتاريخها الذي يدّعيه قادتها، وألا توظف هذا التاريخ لقهر الناس وإذلالهم، ليجتمع على الناس ثلاث جهات ظالمة، السلطة وأجهزتها الأمنية، والاحتلال، وأخيرا أبناء حركة فتح. والله إنها لكبيرة وعظيمة، وترقى لأن تكون خيانة عظمى للفكرة وللوطن ولكل القيم الإنسانية العالمية. لقد كان من الأولى أن تكون حركة فتح منحازة للجماهير، وضاغطة من أجل إصلاح عمل السلطة وأجهزتها الأمية، وتربأ بنفسها أن تكون أداة قمعية بيد الأجهزة الأمنية، فمن أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه. ومن أقدر من فتح من تصويب المسار والمطالبة بمحاسبة المسؤولين وأن تكون راعية لمطالب الجماهير المحقة وليس ضدها؟ فحركة فتح ليست هي الحكومة إلا إذا نظرت إلى نفسها كذلك، وحركة فتح ليست هي السلطة وإن كان رئيسها هو رئيس السلطة، إلا إذا هي رضيت أن تكون كذلك وتذوب في تلك الدهاليز. 

لا شك في أن هناك عقلاء في حركة فتح، آمل أن يتداركوا الأمر وألا تأخذهم العزة بالإثم، وباستطاعة فتح كحركة أن توقف كل هذا العبث لو فكرت مثلا بسحب وزرائها من الحكومة، كما فعل حزب الشعب الفلسطيني بخطوة شجاعة ووطنية عندما استقال الوزير "نصر أبو جيش" ليسحب الحزب بذلك مقعده من الحكومة، وعلى كل الفصائل، وخاصة فصائل اليسار على الأقل أن تخرج من الحكومة، احتجاجا على ما يجري إن لم تقف فتح وقفة جادة، وتوقف الانهيار.

 وهنا أسجل استنكاري وشجبي العنيفين لموقف وزير الثقافة في عدم انحيازه للحق والعدالة والوطنية والإنسانية، وأستغرب بقاءه وزيرا للثقافة في حكومة أمنية تسحل الناس في الشوارع منتهكة أبسط الحقوق الإنسانية، حق التعبير عن الرأي وممارسة حرية التعبير المكفولة بوصفها حقا فطريا إنسانيا لا خلاف فيه، وأكدت هذا الحق كل الشرائع والمواثيق الدولية والوطنية، بما فيها القانون الأساسي الفلسطيني وميثاق حركة فتح نفسها. إن انسحاب وزير الثقافة من الحكومة- وإن كان منتميا إلى فتح- لهو انحياز لقيم الثقافة أولا، تلك القيم التي يقف دائما مدافعا عنها وأهمها حق التعبير عن الرأي والموقف. وثنيا هو انحياز لنقاء حركة فتح ذاتها، إلا إذا رضي الوزير عن أداء الحكومة وتصرفها الهمجي ورأى فيه "وطنية" و"فعل مقاومة" ثقافية.

فهل تصحو حركة فتح من سكرتها قبل أن يتحول أبناؤها إلى مجرد شبيحة يدافعون عن سلطة باتت مكروهة وبقوة من كل فئات المجتمع الفلسطيني ومثقفيه وقادته؟

 


التطبيع والأسرلة، الموقف والإشهار والتوائم والبويضات!/ سعيد نفّاع



يتواتر الاشتباك حول التطبيع كلّما حدث أن زار البلاد قادم "نخبويّ" من العرب من خارج ال48، سيّاسيّا كان أو ثقافيّا، أو تعامل مثلُ هذا مع جهة وأيّة جهة في إسرائيل مباشرة أو لا مباشرة. أسماء وأفعال عدّة في الجعبة كانت موضوع هكذا اشتباكٍ في العقود الأخيرة، والقضيّة الأساس ليست الأسماء وشكل أفعالها وإنّما آليّات ومرجعيّات النقاش فيها ووجهتها.  

 يختلط الحابل بالنابل ويسود الخلط كلّما اشتبك موضوع التطبيع في حدث تبادليّ العلاقة فيما بيننا، نحن الأقليّةَ العربيّة الفلسطينيّة و\أو فلسطينيّي البقاء (ال48)، وبين امتدادنا الوطنيّ الفلسطينيّ وامتدادنا القوميّ العروبيّ.

كنت على المستوى الشخصيّ تناولت هذا الموضوع سابقًا، حين وقع مثل هكذا اشتباك، وتحديدًا في شباط 2015 بمقالة حملت العنوان: "التطبيع والفاعل والمفعول معه"، وسأضمّن معالجتي هذه بعض ما جاء في المقالة حين يحوجني السياق وإنْ ببعض تصرّف في الصياغة لا في الجوهر.   

لا نجدّد بل نؤكّد حين نقول: إنّ التطبيع (جعْلُ ما هو غير طبيعيّ طبيعيّا)، مُصطلح أُطلِق ويُطلق على إقامة أيّة علاقة افتراضيّة أو فعليّة بين العرب عامّة والفلسطينيّين خارج ال48 خاصّة (الفاعل)، وبين كلّ ما في إسرائيل ومع كلّ من في إسرائيل (المفعول معه). كان اعتُمد هذا المصطلح بعد "اتفاقيات السلام" مع مصر، وتجذّر أكثر بعد اتّفاقيّة أوسلو بين منظّمة التحرير الفلسطينيّة وإسرائيل، ومن ثمّ مع السلام مع الأردن. "الفاعل- المحفوظة له الحقوق على المصطلح" هم نخب سياسيّة ونقابيّة وثقافيّة في البلدان أعلاه، ونخب في بقيّة من العالم العربيّ فتحت دولُها أبوابها لإسرائيل وفي الخفاء المُعلن وبلا اتفاقيّات سلام رسميّة مُبرمة. هؤلاء وأولئك لاقوا الظهير الشريك قولًا وفعلًا في بقيّة العالم العربيّ الأرحب، وأيضًا فيما وراء العربيّ ووراء وراء العربيّ. 

نحن الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في ال48 وجدنا أنفسنا في سياق التطبيع جزءًا من "المفعول معه"، امتدادًا نابعًا عن وعْي أو عن لا وعْي، لرواسب النكبة وصولًا إلى العام 1967م حين كانت الشبهات تحوم حولنا حدّ الخيانة، مُحمَّلين وزر بقائنا (!) وما ترتّب عليه حياتيّا؛ وطنيّا وسياسيّا واجتماعيّا وثقافيّا. بعد ال67 ورغمها بقيت بعض الأطر العربيّة والأفراد، ولكنّهم، ولحسن الحظّ، بعض قليل، يروا أنّ أيّة علاقة معنا تشوبها الشوائبُ انطلاقًا من ضيق أفق أو عمىً أو مزايدة، وحين رأى النور هذا المًصطلح "الحداثيّ\التحديثيّ"؛ التطبيع، ظلّ هذا البعض يرى في أيّة علاقة معنا شائبة وإن اختلفت تسميتها، وصُنّفت العلاقة معنا تحت التصنيف الجديد؛ التطبيع. 

بغضّ النظر وبمعزل عن هذا البعض وما يطرح، واجبنا الوطنيّ والسياسيّ والثقافيّ أن نتذكّر، حين يقع الاشتباك وبمعزل عن الاشتباك، أنّ للتطبيع توأمًا، وإن كان غيرَ شبيه كونُه من بويضة أخرى، ألا وهو "الأسرلة". وهذا، كمُصطلح، يعني التماهي مع المؤسّسة الإسرائيليّة وأطروحاتها تجاهنا حدّ ضياع التمايز أو التمييز بين حملنا الجنسيّة الإسرائيليّة وما يترتّب عليها من علاقات مع المؤسّسة، وحملنا الهويّة العربيّة الفلسطينيّة وما يترتّب عليها من استحقاقات في التعامل مع المؤسّسة؛ فكريّا وسياسيّا واجتماعيّا وثقافيّا. 

أجزم وعلى ذمّتي، أنّه وبعد النكبة في ال48، كان هنالك من أهلنا الفلسطينيين في مخيّمات اللجوء من يرفض أن يستمع إلى برنامج "سلاما وتحيّة" والتي كانت تبثّه الإذاعة الإسرائيليّة، إذ كان يجول مذيعوها في قرانا العربيّة حالّين ضيوفًا على المخاتير بعد أن يكون "الناطور" أعلن قبل أيّام حضورهم، ليلتمّ الكثيرون ممن تبقّى منّا مُمنّيًا النفس أن تتاح له فرصة أن يُرسل عبر "أثير دار الإذاعة الإسرائيلية" سلاما وتحيّة لمن شُرّد من أهله، ومن منّا نحن الكنّا صغارًا من لا تزال محفورة في قاع مخّه الجُمل سيّدة الموقف ولازمة الرسائل: "سلامي إلى ..... مجهول محل الإقامة" و-"نشكر الإذاعة الإسرائيليّة التي أتاحت لنا هذه الفرصة". 

من نافل القول إن لهذا "الكرم الحاتميّ" عند المؤسسة الإسرائيليّة كان ما يبرّره خبثا، وأكيد أنّه لم يخطر حينها على بال المشرّدين من أهلنا أن الاستماعَ إلى البرنامج يُسمّى تطبيعًا، إذ من المؤكد أن هذا المصطلح لم يكن في قاموس توصيف العلاقة معنا أو مع إسرائيل، ولكن من المؤكد أنّ قسمًا منهم وجد لمقاطعة برامجها وحتّى هذا البرنامج ألف سبب وسبب ولو أنّ الامتناع أفقدهم نعمة سماع بارقة حياة لأحبتهم، هذا طبعًا إذا افترضنا أنّهم ملكوا حريّة الاختيار في بلاد اللجوء في هذه وفي غيرها استماعًا وامتناعًا. وأكيد أنّ بعضًا ليس بقليل منّا نحن الباقين رفض "النعمة" (!) التي أتاحتها له دار الإذاعة الإسرائيليّة وليس في مواجهة الأسرلة إذ لم يكن هذا المُصطلح دخل قاموسنا، ولكن وجد أولئك مئة سبب وسبب لذلك ولو صمتًا لا جهرًا خوفًا. 

ما كان يمكن أن يخطر على بال أيّ كان أنّ يلطَخ من اختار من مشرّدينا الاستماع بأنه يقوم بعمل تطبيعي، تماّما مثلما لم يكن ليخطر على البال أن يُلطخ بالأسرلة من اختار أن يستعمل الإذاعة وسيلة، فالتطبيع والأسرلة مصطلحان حديثان والأهمّ وليدا ظرف اختياريّ لا جبريّ والظرف حينها كان جبريّا لا اختياريّا، يعني: "ما الذي أجبرك على المرّ؟ الأمرّ!".     

لم يترجّل التطبيع طوال الأربعة عقود ونيّف من عمره عن جدولنا يومًا، ولكنّ الاشتباك حوله يعلو وينخفض حين تقع واقعةً، فمثالًا، علا بزخمٍ عشيّة وغداة الأمسية التي أحياها شاعرنا طيب الثرى محمود درويش في حيفا تلبية لرغبة محبيه مستثمرين وجودَه على هامش زيارة لأمّه المريضة أواخر أيّامها، وعلا بعدها كثيرًا بين مدّ وجزر، وعاد ليطفو يوم زار الناصرة الفنان التونسي لطفي بُشناق، وكذا يوم زار الروائي الجزائريّ وسيني الأعرج كليّة القاسمي في باقة الغربيّة وسط اصطفاف مستقبلين كُثر منّا، ومؤخّرًا طفا حول ظروف وحيثيّات ترجمة رواية تونسيّة إلى العبريّة تحت مظلّة دار نشر عبريّة. باختصار، التطبيع لم يترجّل عن جدول أعمالنا منذ رأى النور، غير أنّ الاشتباك حوله يقع كلّما "دقّ الكوز في الجرّة!". 

السؤال في سياقنا هو: أين نحن في ال48 من التطبيع سلاحًا؛ موقفًا وإشهارًا؟! 

المُلفت الغريب كان، وهذا ما وراء المقالة هذه، أنّا وجدنا أنفسنا وسلاح التطبيع يخبط فيما بيننا خبط عشواء، وراح نفر ليس بقليل منّا ينتحل وحين يقع اشتباك موقف "الفاعل" وهو أصلّا وفي أضعف الإيمان جزءًا من "المفعول معه"، بمعنى يرفع عقيرته ضدّ التواصل؛ الزيارات وكذا الأفعالِ وسلاحه المُشْهر: التطبيعُ، مسدّدًا إيّاه ضدّ المُطبّع من الخارج وضدّ المستقبِل من الداخل وعلى حدّ سواء؟! 

التطبيع سلاح لصُنّاعِه من العرب والعرب الفلسطينيّين خارج ال48، ولسنا نحن من يقرّر أو يصنّف عملًا ما بأنّه تطبيع أو ليس تطبيعًا رغم وحدة الانتماء الوطنيّ والقوميّ والأهمّ الانتماء بالموقف لقضيّة القضايا؛ القضيّة الفلسطينيّة قضيّتنا الذي صُكّ هذا السلاح أصلًا حماية لها، وكم بالحري أن نمتشقه فيما بيننا. 

واجبنا نحن "الثمانوأربعيّين" هو تبنّي الموقف المؤيّد لل"فاعل" بالمبدأ وكذا الموقف الفاعل في الحالة العينيّة التي يحدّدها الفاعل، والأخذ بما يترتّب عن هذا التأييد من فعل ضدّ التطبيع والمُطبّعين من لدُنهم. وأمّا بالنسبة للشركاء من عندنا داعين كانوا أو مُستقبلين أناسًا مُطبّعين و\أو في فعلهم تطبيع، ومتواصلين أو متعاونين مع مطبّعين، فمواجهتهم هي بسلاح الأسرلة، فهو السلاح الذي يجب أن يُشهر في وجوههم، هذا هو سلاحُنا صحيح الاستعمال والحادّ ضدّهم، لا سلاح التطبيع.

هذا الفارق بيننا وبينهم في خاصيّة سلاح كلّ منّا في مواجهة العلاقة مع إسرائيل والمؤسّسة الإسرائيليّة، ليس شكليّا بل جوهريّا ولو من باب أنّ العمل أو الفعل الذي يعتبرهما "الفاعل" عملًا تطبيعيّا ومدعاة لاتّخاذ موقف ممّن يمارسهما من لدنهم، نحن نمارسهما (العمل والفعل) أو نمارس أشباههما صبح مساء بحكم وجودنا. فعل هو تطبيعيّ بالنسبة للمتواصل العربيّ ليس شبيهه بالنسبة لنا فعل أسرلة بالضرورة، ولم يُحسم فيما بيننا حتّى الآن أيّ الأفعال أو الأعمال تتعدّى حدود حتميّة الوجود لتوسم بالأسرلة وأيّه لا تتعدّى الحتميّة الوجوديّة لتوسم بالمُتاحًة، والاجتهادات متعدّدة تتقاطع وتتقابل مضمونًا وشكلًا. 

الأمثلة كثيرةٌ، ولكنّ المثال الصارخ العينيّ هو ما يُسمّى "جائزة الابداع أو التفرّغ" المُعطاة للكتّاب والشعراء والباحثين العرب من قبل وزارة الثقافة، وهي جائزة ماليّة عينيّة بلغت قيمتها العام 2020م قرابة ال- 15,000 دولار، مرفقة بجائزة رمزيّة على شكل شهادة موقّعة من قبل الوزارة و\ أو ممثّلها رئيس لجنة المِنح. هذه الجائزة تعطيها وزارة الثقافة للكتّاب والشعراء "العرب وغير العرب من غير اليهود" بناء على ترشّح لها من قبل الكاتب أو الشاعر نفسه. 

كثُرٌ من كتّابنا وشعرائنا ومن الصفّ الأوّل، رشّحوا أنفسهم وأخذوها لا بل وبعضهم أكثر من مرّة، وبعض آخر احتفل بها واستقبل المباركات (وتسويغهم على الغالب هذا حقّ لنا!)، ولكنّ غيرهم، وهم قلّة، رفض الترشّح ويرفضه ولم يقبله ولا يقبله "لا من باب ولا من طاقة" بمجرّد كونها معطاة من قبل المؤسّسة، ولعلّ أبرزهم الشاعر الكبير طيّب الثرى والذكر سميح القاسم، وكثُر ممّن ما زالوا أحياء يُرزقون ويبدعون. 

مجرّد التفكير في أن تمنح المؤسّسة الصهيونيّة بذراعها المتمثّلة بوزارة الثقافة جوائز لكتّاب أو شعراء امتشقوا كلّ حياتهم كلمتهم سلاحًا ضد الصهيونيّة وأذرعها المختلفة، يوردك المقولة: "وراء الأكمة ما وراءها" وأكثر العاميّة المتداولة: "كُثرته مش لله!". وأصل الأخيرة، أنّ مُصلّيًا كان يبادر خوريّا بعد كلّ صلاة قائلًا: "قنطار مسك في ذقنك يا أبونا"، ليجيبه الخوري: "باركك الرّبّ يا ابني"، وتكرّر الأمر صلاة بعد صلاة، فما كان من الخوري إلّا نادى المصلّي قائلًا: "يا ابني ذقني يكفيها القليل من المسك وليست بحاجة لقنطار، فكُثرتُهْ مش لله! فما هو غرضك؟!". وكُثر الكرم هذا من وزارة الثقافة ليس لله، وكثرة الجري وراءها من قبلنا ليس حاجة وجوديّة! 

الرّفد الثقافيّ النقيّ المتبادل بيننا هنا (48) وهناك (67) وهنالك (الشتات والعالم العربيّ)، هو ليس حاجةّ تبادليّة فحسب هو مكوّن هامّ في كينونتنا الحياتيّة وفي صلبها الثقافيّة، وكذا التصدّي لكلّ ما يُعيب نقاءه؛ التطبيع والأسرلة. أكبر رفدٍ وأقواه تستطيع أنت "الثمانوأربعينيّ" أن تعطيه لرافعي سلاح "التطبيع" هو دعم الموقف من ناحية، ومن أخرى والأهم أن تحصّن نفسك في وجه "الأسرلة"، وأنت أيّها الفلسطينيّ المشرّد، والمحتَل، والعربيّ عامّة، فإنّ أكبر رفد تستطيع أن تمدّنا به هو مدّ الجسور معنا سدّا في وجه الشقيق التوأم للتطبيع، وإن لم يكن كما أسلفنا شبيهًا من نفس البويضة، الأسرلة. إن كنت فلسطينيّا وكم بالحري مشرّدًا فلا بأس إن كان الجسر، جسر التواصل، باتّجاهين، اتّجاه لك إلينا واتّجاه لنا إليك وأينما كنت، وربّما على هامش التواصل تتواصل مع أطلال قريتك أو بلدتك وحجارة بيت أهلك بين صبّارها، وإن كنت عربيّا فجسر باتّجاه واحد من هنا إلى هناك!          

التواصل هكذا وبين المقيمين على طرفيّ الجسر، كلّنا بحاجة إليه لرفد واحدنا الآخر بمواطن قوى سياسيّة وأكثر ثقافيّة، خصوصًا وأنّه أقيمت فيما بيننا جدران عزل مرصوصة البنيان كنّا وما زلنا بأمس الحاجة لدكّها، فالتواصل بيننا كأبناء أمّة سياسيّا وثقافيّا وفي الاتجاهين اللهم مع الاختلاف في خطوط الاتّجاه، هو ضرورة وحاجة لازمتان وبالذات على ضوء وضعنا الخاص، وهو رافد قوّة وتحصين يجب أن تصغر في سبيله الكثير من الادعاءات الأخرى على صحتها النسبيّة، وما يصحّ لنا هنا ليس بالضرورة أن يصحّ لامتدادنا، ولذا فموقفنا يجب أن يكون منطلِقا من ربوع قرانا المهجرّة، وليس بناء على ما يصدر من الصالونات في القاهرة كانت أو في عمّان أو الرّباط مع الحقّ الكامل لرُوّادها في الخيار والموقف، اللهم إلّا عندما نكون نحن وقضيّتنا موضوع الموقف.           

التطبيع في سياقنا هو فعل يخصّ "الفاعل" ونتاج ظروفه، وكوننا "المفعول معه" وإن اتفقنا مع هذا الفعل أم اختلفنا معه لا يمكن أن يكون ومسوغاته، وفي الحالين؛ الاختلاف والاتفاق، مرجعا أو مصدرا لأي موقف نتخذه من وفي الموضوع. مرجعنا ومصدرنا لبناء موقفنا هما وليدا ظروفنا ومنهما يُختزل الموقف بغض النظر إن كان مع الزيارات أو ضدّ الزيارات و\ أو مع التواصل أو ضدّ التواصل ومهما اختلف لبوسُه، وفي كل الأحوال مصطلح التطبيع ليس المسوّغ ولا يمكن أن يكون المرجع والمصدر للموقف الذي نرى أن نتّخذ في المعادلة القائمة بيننا هنا في الداخل.

الواجب الوطنيّ يحتّم علينا التأييد والشدّ على أيادي رافعي سلاح التطبيع في الموقف، وأضعف الإيمان ألّا نمدّ "البسط الحُمر" للخارجين عن الموقف وتحت أيّ اعتبار، وأن نحصّن ثقافتنا هنا من كلّ ما يلطخها بالأسرلة. 

هذان وكما أسلفنا توأمان وإن من بويضتان، غير أنّهما لا يعيشان إلّا إذا تركنا لهما مراتعنا مشاعًا يمرحان فيها على هواهم!   

سعيد نفّاع- الأمين العام

الاتّحاد العام للأدباء الفلسطينيّين- الكرمل48

أوائل نيسان 2021

عن فصليّة الاتّحاد العام: "شذى الكرمل"، السنة السابعة العدد الثاني.


السورية د. شفق نيصافي شاعرة الياسمين/ شاكر فريد حسن

 


الدكتورة شفق نيصافي شاعرة سورية تقيم في مدينة اللاذقية الساحرة، أنهت دراستها العليا في جامعة تشرين، وتخرجت من كلية الطب البشري. 

تكتب شفق الخاطرة الشعرية والقصيدة النثرية، وتنشر كتاباتها على صفحتها الشخصية في الفيس بوك، وفي عدد من المواقع السورية والعربية، وشاركت في عدة ندوات شعرية. 

في نصوصها الشعرية تعبر شفق عن مشاعرها وأحاسيسها، عن الحب والجمال والطبيعة والوطن وهموم المرأة، وهي تجيد التعبير والبوح وتقديم الصور البديعة والعبارات الخيالية والمعاني الرقيقة. ويلمس القارئ كم هي بارعة في لغة الحب والعشق والعواطف. 

فقصائدها تفيض صورًا ومجازات واستعارات وايحاءات وعاطفة، وتموج بالدفء وعذوبة الحرف ورهافة الإحساس، وعذوبة الحرف، وتحمل سمات الرومانسية، وتشيع فيها مواطن الجمال والرقة والبساطة والسهولة والوضوح والعمق في آن. 

شفق نيصافي تحلق في عالم الخيال، وتشتغل على آليات في تفعيل سماء القصيدة من خلال الصور الضاجة بالمعاني الرقيقة، والجملة الشعرية المكثفة، التي تتجسد كومضات وبرقيات تحمل المضمون الوجداني والعاطفي والإنساني والوطني. وتأتي لغتها متأنقة ذات إيقاع جذاب، ومتوهجة كامرأة تبتهج تحت قطرات المطر.  

لنقرأ من قصائدها وخواطرها الشعرية، حيث تقول: 

من قالَ أنّ الأسودَ يليقُ بي!!! 

وانا المكتظّةُ بيخضورِ الحياة 

 المنسابةُ من عينِ الشّمس. 

لأُبرِّجَ كلَّ يومٍ خدودَ المدى 

رُوحي تتوسّدُ غيمةً شاردة 

تحرّرتْ من قيدِ الفصول 

وتعالتْ على الانهمارِ الرتيب... 

تارةً تُقبّلُ القمر 

فتغدو وهجاً يُسامرُ العاشقين... 

وتارةً... 

تغفو تحتَ جُنحِ سنونو مُهاجر 

فقدَ اتجاهاتِه.. 

انا لمْ أُخلقْ لأصافحَ الرّيح. 

بلْ لأكونَ ميثاقَ عهد 

 ارتبطَ به عطرُ الفجر.. 

لأنثرَ ندى الكلماتِ 

فوقَ عُروقِ الزّهر 

ليصهلَ الزّمردُ في حرفي 

لأُبعَثَ ميلاداً متجدداً للغةٍ خضراء 

تتنفسُها الرّوحُ قطافَ عِطر 

 في مواسم الاشتهاء 

فكٌنْ قصيدتي 

الماطرة حبّاً... 

وكنْ أفقي 

 الذي لا يعرفُ حدوداً... 

وكُنْ لونيَ الورديّ... 

وكنْ حبيبي... 

شفق نيصافي شاعرة تمخر في شراع بوحها، تلوِّن قصيدتها بألوان قزحية، وبلوحات فنية من السحر والجمال، ويأتي بوحها عفويًا تلقائيًا طبيعيًا غير متكلف، وهي تتغلغل في قلب القارئ بلا كلفة، فتجلس معه وتبوح إليه بكل راحة وهدوء ومتعة. 

أطيب التحيات للصديقة الشاعرة د. شفق نيصافي، متمنيًا لها دوام العطاء والمزيد من النجاح والتطور والتألق، ولها الحياة. 

الملف الأبرز في صراع الانتخابات الإيرانية/ د. عبدالله المدني



في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة التي أفضت نتائجها الهزيلة إلى فوز إبراهيم رئيسي المنتمي إلى ما يسمى بـ "التيار المتشدد"، أي كما أراده وخطط له المرشد الأعلى ذو الصلاحيات التي تفوق صلاحيات أي شخصية أخرى في نظامه الكهنوتي، إحتدم الجدل وتصارع المترشحون حول عدة ملفات، لكن الملف الأبرز الذي دارت حوله نقاشات كثيرة ومطولة هو ملف"مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب". حيث قام مرشحو من يسمون أنفسهم بـ "التيار المعتدل" أو "التيار الإصلاحي" بإلقاء اللوم على زملائهم من "التيار المتشدد" متهمين إياهم بعرقلة التصديق على مشاريع القوانين ذات الصلة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالتالي إعاقة تطبيع علاقات إيران المصرفية والتجارية مع العالم الخارجي، ما أدى إلى استمرار معاناة الشعب اقتصاديا ومعيشيا.

والمعروف أن مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى قد أسست في عام 1989 هيئة حكومية دولية تحت إسم "مجموعة العمل المالي" على أن يكون مقرها باريس ومهمتها وضع سياسات وانظمة ملزمة لمكافحة غسيل الأموال. وفي عام 2001 تم توسيع مهام المجموعة لتشمل أيضا وضع قواعد لمكافحة تمويل الإرهاب. علما بأن مجرد إدراج أي دولة في القائمة السوداء للمجموعة ( تضم حاليا دولتين فقط هما إيران وكوريا الشمالية) يعني منع الدول الأخرى من التعامل معها وتوخي الحذر منها حماية للنظام المالي الدولي من غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

والمعروف أيضا، في السياق نفسه، أنه بعد الإتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى في يوليو 2015، وضعت مجموعة العمل المالي خطة عمل لإيران من 40 توصية ومنها التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة والمعروفة بإتفاقية باليرمو، والاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، بل منحتها مهلة محددة لإعتماد تلك المعايير والتوصيات بحيث تطهر نظامها المصرفي كي يكون مؤهلا للإندماج في النظام المالي الدولي.

غير أن ما حدث هو أن طهران حاولت كسب الوقت لأن الإستجابة لما هو مطلوب منها تعني إصابة إحدى ركائز الجمهورية الخمينية في مقتل، ونعني بتلك الركيزة تصدير الثورة وزعزعة الإستقرار في المنطقة عبر تمويل الميليشيات الإرهابية بالمال القذر. وهكذا بدلا من التصديق على ما هو مطلوب منها، اشتبك "المتشددون" مع "الإصلاحيين" في سجال برلماني وإعلامي عقيم إلى أن وضعت إدارة روحاني تشريعات ورفعتها إلى البرلمان للتصديق، لكن البرلمان رفعها إلى ما يسمى بـ "مجلس صيانة الدستور"، فرفضها الأخير وأحالها في سبتمبر 2018 إلى ما يـُعرف بـ "مجلس تشخيص مصلحة النظام" الذي لم يبت في الأمر، في عملية تسويف ومماطلة فاقعة من أجل كسب الوقت كما قلنا، وإنْ قيل أن الموضوع وصل إلى طريق مسدود بسبب تباين المصالح الحزبية.

وهكذا لوحظ في الحملات التي سبقت الانتخابات الرئاسية خلال هذا الشهر والشهر الماضي عودة الموضوع إلى الواجهة، حيث راح "المعتدلون" يدغدغون عواطف الشارع بالقول أن الأوضاع الإقتصادية والمعيشية الصعبة في البلاد ما كانت لتصل إلى المستوى الراهن من التدهور لولا المحافظون ورموز التيار المتشدد من أعضاء "مجلس تشخيص مصلحة النظام" الذين أعاقوا تطبيع علاقات إيران المصرفية والتجارية مع النظام الدولي بترددهم في التصديق على ما تمّ تحويله إليهم من تشريعات. أما "المتشددون" فقد راهنوا على كسب الجمهور المؤدلج الواقع تحت سطوة الشعارات والخرافات والأساطير الطائفية بقولهم أنهم تماهوا، في مواقفهم، مع مواقف المرشد الأعلى المعارضة لـ "الإستكبار العالمي" وللخضوع لإملاءات الولايات المتحدة والغرب. بل راح البعض منهم إلى حد مصارحة جمهوره بأن الإلتزام بتوصيات مجموعة العمل المالي معناه تكبيل يد الجمهورية الإسلامية لجهة توفير الأموال لوكلائها وأتباعها وأنصارها في الدول العربية مثل حماس في غزة وحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن والحشد الشعبي في العراق والميليشيات الشيعية العاملة في سوريا.

والحقيقة أن النظام الإيراني بمختلف رموزه وأجنحته لا يريد أن يلتزم أصلا بأي شيء يؤدي إلى فقدانه الأساليب التي ابتدعها للتحايل على العقوبات الأمريكية والدولية. وبمعنى آخر قإنه حريص على استمرارية الوضع الراهن المتمثل في بيع النفط لبعض الدول من خلال السوق السوداء تهريبا، والاتجار بأسلوب المقايضة مع دول متحالفة معه مثل الصين وكوبا وكوريا الشمالية وروسيا وفنزويلا، أو مع أنظمة تابعة له كما في لبنان وسوريا والعراق، ناهيك عن تسوية المعاملات المالية من خلال مكاتب الصرافة بدلا من المصارف والمؤسسات المالية. أما التبرير الدائم والمتكرر لذلك فهو الحفاظ على السيادة الاقتصادية والمالية للبلاد وحمايتها من تدخلات الأمريكيين والأوروبيين الذين يهيمنون على أعمال مجموعة العمل المالي، بحسب الساسة الإيرانيين.

يتوقع بعض المراقبين أن يؤدي نجاح المفاوضات الدائرة حاليا في فيينا بين إيران والقوى الكبرى إلى سرعة استجابة طهران لتوصيات مجموعة العمل المالي، خصوصا وأن استجابتها يفتح لها الباب للحصول على قرض بقيمة خمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، كانت قد طلبته سابقا من أجل برنامج إنساني وإقتصادي للتعافي من تداعيات جائحة كورونا، لكن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أعاقت الطلب. إلا أن البعض الآخر من المراقبين يؤكد أنه حتى في حالة رفع العقوبات عن طهران فإن تلبيتها لشروط العودة سريعا إلى النظام المالي العالمي لن يكون سهلا من قبل نظام تعود على الخديعة.

د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو 2021م 



سعدي يوسف وبؤس الشاعر الرديء!/ فراس حج محمد



لا أدري كم يلزم الضّمير الحيّ من حجارة كي يصحو؟ ولا أدري كم ينتظر هذا الضّمير تفشّي العفن في أنحائه من وقت لكي يستعيد عافيته وتألّقه؟ وكم يلزم من حبر وشكّ ويقين كي نقول الكلمة الأخيرة لنصل إلى برّ الأمان؟ أم أنّه لا برّ أمان في هذا الخواء المُعَبِّئ أجواء الرّوح المقتولة بكل ما هو رديء؟

آهة تلو أخرى، تظلّ تحرق زافرها كلّ مرّة وهو يرى كلّ تلك المرارة في أروقة الثّقافة والمثقّفين، تفاجئك الحياة الثّقافيّة "بكلّ ما لا تستطيع احتماله"، فتحرق دماءك كلمات شاعر فقد البوصلة وأضاع النّفس في التّرّهات، وهو يظنّ أنّه يحسن شعرا ويبدع فنّاً، تراه يكتب في التّابوهات المحرّمة منتهكا حرمات ومعتقدات، متلفّعا بأوهام مدعاة للفاتنة المفتونة المدعوّة "حرّيّة التّعبير"، مستغلّا ربّما الجهل والسّمعة والصّيت والشّهرة، ليكتب أوهاما تبعده عن مرفأ الفنّ الجميل ومرساة السّعد الجليل.

هذا ما فاضت به المياه الآسنة في بحيرة "سعدي يوسف" الملطّخة بحجارة من التّاريخ في قراءة شعريّة غير شاعريّة وهو يكتب "عيشة بنت الباشا"[1]، متناولا زواج السّيدة عائشة- رضى الله عنها- أمّ المؤمنين من النّبيّ الكريم محمّد- صلّى الله عليه وسلّم- ليقول في النّبيّ الكريم ما لم تتوقعه شياطين الإنس والجن، وهم يوحون إلى بعضهم زخرف القول غرورا في الرّبط بين الصّلاة والجنس والنّظر للسّيدة عائشة المطهّرة الكريمة، ولن أسترسل في الشّرح والتّوضيح، يكفي ما قاله المنصفون في حقّ الرّسول الكريم وفي حقّ زوجاته، ولكن يكفيني هنا أن ألفت النّظر لأمر مهمّ جدّا ربّما يتغاضى عنه السّعدي يوسف وهو وجود قادة بعمر (15) سنة هجريّة في التّاريخ الإسلاميّ، وهم بعرف القانون الدوليّ اليوم أطفال، فهل سيعدّ السّعدي يوسف وغيره قصيدة في الدّفاع عنهم وقد زجّهم الرّسول الكريم بالحرب والقتال، ولم يستمتعوا بطفولتهم الّتي قد يتباكى عليها هو أو غيره من الكتّاب الموهومين.

وما يعمّق الإحساس بالألم هو أنّ هذا الشّاعر قد فاز بجائزة نجيب محفوظ (2012)، وهو ليس بذلك الشّاعر الّذي لا يشقّ له غبار، بل إنّ له نصوصا قد يستغرب المرء كيف يعترف بها شاعر له هذه القامة، وقد وقفتُ قبل سنوات على شيء من منشوره، فأبديت الأسف؛ إذ كيف يكون هذا شعرا؟ أم أنّه كما تقول جدّتي- رحمها الله-: (إن طِلِع صيتك حُط راسك ونام)، وهذا يجعل المرء يقف حائرا أمام تلك الجوائز الّتي تنثر أمام "هؤلاء" هنا وهناك، وتذهب لمن لا يستحقّها، فقط تعطى لمن يعاند أكثر أو يشاكس أو يهذي، هذا ما أصبحت مقتنعا به، وللأسف، يتعمّق كلّ يوم مع إعلان الفائزين بالجوائز الثّقافيّة، وما يثيره النّقّاد حولها من تساؤلات مشروعة، وهم يرون ما يرون من عدم جدارة، وتعدّيا على الأدب، وتخريبا للضّمير الحيّ.

ولم تخرج القصيدة محل هذا المقال "عيشة بنت الباشا" عن تلك القصائد الّتي أسال حبرها السّعدي يوسف في أوراقه الحداثيّة، وأعيد هنا ما قاله عنها أستاذ الأدب والنقد بكليّة آداب عين شمس الدّكتور إبراهيم عوض فينعتها بأنّها قصيدة "بلا قيمة من الناحية الفنّيّة، ويخلط فيها الكلام السّوقيّ الّذي تردّده العامّة في الشّارع، مع مقاطع ألفها بنفسه ليس فيها فنّ ولا ذوق ولا خيال محلّق"[2].

لم تتوقف الرداءة عند هذا الحدّ الجماليّ، بل تعدّتها إلى ما يمسّ الموقف النضالي للمثقف، كون هذا السعدي معروفا بشيوعيته ويساريته، أو ما يحب الآخرون أن يصفوه بأنه تقدميّ، هذا التقدميّ الذي ينال من المثقفين الرواد الذي أعطوا ما لا يستطيع هو وأمثاله أن يعطوه ولو كتبوا ألف عام، فلن يبلغوا مُدّ أحد من هؤلاء ولا نصيفه. ففي حوار نشرته صحيفة عكاظ السعودية مع سعدي يقول عن جبرا إبراهيم جبرا[3]: "لا أراه فاعلاً ثقافياً في التجربة الحداثية. خدم الثقافة الرجعية وانحاز لمصالحه الشخصية". فأين تقدميّة سعدي؟ هل تقدميته في مهاجمة النبي وزوجته عائشة ومدح محمد بن سلمان الذي "أخرج قدرات السعوديين من القمقم"[4] على حد زعم السعدي يوسف، هذا المثقف المدجن والجبان والسلطوي، كأنه لا يرى ولا يسمع ولا يدري، أو أنه لم يكن يرى الأمور كما هي بالفعل، ورحل وهو مكفوف البصيرة.

هذا جانب معتم من جوانب حياتنا الثّقافيّة التي غرق فيها اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين وغيره من المثقفين العرب؛ أفراداً ومؤسسات عندما نعوا هذا الشاعر الذي لم يبق منه شيء إلا وقد مات قبل أن يموت جسدا وروحا وشعرا ومواقف، فكيف تستقيم مواقف هذا الراحل مع تلك الديباجة الإنشائية "الكاذبة" غير الواقعية التي ألبسها بيان نعي اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين[2] لسعدي يوسف إذ اعتبر رحيله "خسارة لا يمكن تعويضها"، "وخرج من الإطار الضيق إلى سعة المدى بكلماته وحسه وأحاسيسه، ليربي الحياة الثورة كواجب ثوري يواجه من خلاله الظلم والعبث والاضطهاد". ويسترسل البيان في معلقته المادحة فيشطّ شططا بعيدا عندما يرى أن "غياب سعدي يوسف الشاعر والإنسان والثائر عن الدنيا، غياب لا يأخذه العدم ولا يلغي حضوره موت، بل غياب الجسد بخلود الذكرى، وبقاء الأثر السرمدي لأمواج البشر المتعاقبة، فمثل سعدي يوسف لا يرحلون بالكلية ولا ينحازون للتلاشي، يبقون على عرش الوجود بقاء الشمس على كرسي البهاء والسماء". إنه كلام إنشائي خاوٍ من المعنى تكذبه سيرة الراحل وشعره.

على أي حال، فالرجال بمواقفهم والشعراء والمثقفون بمواقفهم ونضالهم وثوريتهم، وأظن أن الكلام المكذوب والشعر المكذوب والمواقف المدعاة ساقطة دون أن ننتظر حكم الزمن، فالمنطق كفيل بجعلها هامشية لا أثر لها، وحسب المثقف المنتمي المشتبك هذا المنطق ليكون رادعاً ومصحّحاً؛ فبمثل هذا المنطق يتّقي الضّمير الحيّ بعيدا عن عرض العضلات في الاعتقاد والتّكفير والإرهاب. 

وأخيراً، لقد رحل سعدي يوسف ولم يبق منه غير ما خلفه وراءه من سيئات ومواقف لا تؤهله أن يكون مثقفاً يساريا حراً منحازا لكل القيم النبيلة، فكيف ينحاز للقيم النبيلة وهو يهاجم النبي وزوجته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ويمدح الطغاة؟ أظن أن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين عليه أن يرى أكثر، ويستخدم النظارات، فقد أحوجته الظلامية الغارق فيها حتى أعالي رأسه، إلى واحدة مضبوطة الرؤية تعيد له حدة النظر وصوابيته؛ ليستطيع أن يرى الأمور كما هي عليه دون أن يقول شيئا وهو مصاب بعمى الفكرة وليس الألوان فقط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1] أصبح اسم القصيدة عنوانا لديوان صدر عن دار الجمل في ألمانيا، عام 2013.

 [2] صحيفة الدّستور الأردنيّة، 21/12/2013.

[3] نشر في الموقع الإلكتروني للصحيفة يوم الجمعة: 5 يونيو 2020.

[4] الحوار السابق.

[5] نشر البيان على صفحة الاتحاد على الفيسبوك بتاريخ: 13 يونيو 2021.


كلام في كلام/ محمد محمد علي جنيدي



يا كلام يا ريت ترتاح شويه

صدعت راسي وجيت عليه

كنا زمان نسمع لبعض

ونواسي بعض

والكل بيقولك.. عنيه

بس النهارده لا عاد فيه حب

ولا عاد فيه قلب

ومعدش صبر

ولا عدش فيه غير الأذيه

يا خسارة الزمن الجميل

والبسمة والقلب الأصيل

والقعده في شطك يا نيل

ومنين تعود واحنا بجد

بنهادي بعضينا الأسيه

أصبح وصال الناس كلام

وعتابها وخناقها كلام

ووعودها وعهودها كلام

والرحمه ف. قلوبنا زمان

كانت من الرحمن هديه

m_mohamed_genedy@yahoo.com


هناك أناسٌ يسترقونَ السمعَ/ شوقي مسلماني




1 (لغة)  

أسمعُ لأراك 

أرى لأسمعَك. 


2 (ديكُ الرأس)  

مِنْ أينَ تبدأ 

مِنْ حافّةٍ في الرأس      

مِنْ فوّهةِ بركانِ الرأس    

مِنْ مكْرِ الرأس      

أم مِنْ كراماتٍ للرأس        

أم مِنْ شظيّة       

وفي الرأس مَن يستأصلُ بدأبٍ زهرةَ الحياة     

وفي الرأسِ ثعلب، وفي الرأس أخرق 

الخواءُ وصداه، نصفُ الرأس 

ما خلفَ ظهرِ الرأس 

وديكُ الرأس..     

ممّا في الرأسِ يختبئ 

ذعراً مِنْ كثيرِ ما يكون           

مِنْ بكاء 

أم ممّا يتردّد في أن يكون وجهاً         

أو ممّا في الرأس مِنْ أوبئة وكأسٍ محطَّم؟      

أمامكَ كاتمُ صوت 

مَنْ يفتخر أنّه بلا صوت 

مَنْ لا ينتبه أنّه بلا صوت 

مَنْ يصلّي لكي لا يكون له صوت 

ومَنْ يزمجر 

إذا رأى صوتاً 

سيعدمه عمرَه..  

وفي الطريق عيونٌ وقحة 

تبتسم، تلدغُ، تتثاءبُ 

وتنام. 


3 (المكان)  

قطار 

في الرأس. 


4 (الصدى)  

لا مكان 

لمَنْ لا رأس فيه. 


5 (جيمس داروين)  

السفينةُ 

تمخر بعيداً بعيداً 

بين جزر الباسيفيك 

خَطَّ في دفتر 

مِن سجلِّ الحياةِ الأكبر 

ما لم يُخطّ  

أيّها العالَمُ الثابتُ إنّك تتغيّر 

الثابتُ أنَّ التغيُّرَ ثابت  

خمس سنوات 

من أجل مزيد مِنَ الملح 

على جُرح 

خمس سنوات 

ويخطَّ في دفتر 

مِنْ سجلِّ الحياةِ الأكبر 

عن النشوءِ والتطوّر، عن التولّدِ الذاتي  

وفي الأسابيع الأخيرة 

مِنَ الرحلةِ على متنِ "بيغل" 

التي تمخرُ عُبابَ الفضاء 

انهمرَ ضوءُ نظرةٍ جديدةٍ، كريمةٍ 

تنقض. 


6 (دبيبُ النمل) 

حيثُ الطبولُ الخامدة 

هناك أناسٌ يسترقونَ السمعَ 

إلى دبيبِ النمل. 

Shawkimoselmani1957@gmail.com



معقل الأمل/ الدكتورة بهية أحمد الطشم


 

يزدان أملي بحماسةٍ هُوميرية ( هوميروس)* تثمر انتصاراً في صيف الحياة ,

شتائها, وخريفها .........ويبقى الربيع تقويمه ( أملي )الأمثل..........

تستنطق  نفسي علل ومعلولات الطمأنينة لتلوي أضلُع الشّقاء,

ولتحارب بهدوئها ضجيج الغباء .....

..........................................................................

تحرس ارادتي   معقل طموحها مهما ارتفع جدار الصعوبات بوجه بوصلتها.....

فيتغلغل الأمل الى خلايا روحي مهما اشتدّ زمهرير اليأس في عواصف الحياة  وسيرورة الزّمان.

ينصهر شغفي بأجواق أحلامٍ لا مدى لها ولا حدّ....

وترمق عيون قلبي أفقاً شاسعاً يخرق قيود الخيبات عبر كوّة الصبر,

لأحيا كنه الحياة الحق........


____________________


* هوميروس: شاعر اغريقي ,أُشتهر بالحماسة  الفائقة في  أشعأره ,صاحب الالياذة.


شعر عن لبنان/ روميو عويس


 

طلب احد الشعراء ان تكون قصائد هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان تحاكي الاوضاع المؤلمة وتصف الزمن الرديء وان نبتعد عن قصائد الحب والغزل والتغني بالجمال، من جهتي كنت قد كتبت العديد من القصائد عن اوضاع لبنان ومفهوم السياسة وممارسات الساسة فيه منذ  زمن بعيد  لان من يعيش مناخات الحرية واحترام القوانين في بلدان الاغتراب يرى الفارق البعيد بالتعاطي بالشأن العام وعمل اهل الحكم واحترام الفرد والمجتمع والتباري في تقديم الافضل للوطن والمواطن ، ونزولا عند رغبة زميلي الشاعر المحترم البي طلبه بقصيدتي التالية وان كانت فصولها مكرره حيث كما ذكرت كنت قد كتبت حول نفس الموضوع مرارا.

1

قالو تا نكتب شعر عن لبنان

يوصف الحاله متل ما هيي!..

وننسى الغزل والعشق والغزلان

والحب .. وليالي المَوَرديّه

2

ايّا وطن هَيدا؟ انفتح دكان

لتجّار.. ومدارس سياسيي

للظلم.. والجور.. والطغيان

ونهب المواطن.. والعبوديّه

وبيكفّرو وبيفرّقو الاخوان 

باسم الديانات السماويّه..

يا ريت كنّا منعبد الاوثان 

وضلّيت يا ابن الوطن خَيّي

3

ياما وياما بالدني بلدان

ايمانها ديانات وهميّه

وشعوبها متعدده الالوان

دياناتها زادت على الميّه

فيها التآخي والعدل ميزان

وما في حدا مغطّى بشمسيّه

4

يا موطني المحكوم من حيتان

شطّار بفـنـون اللصوصيّه..

اكلو المعاجن والشعب جوعان

وسرقو الشعب.. كلُّن حراميّه

5

 ايّا وطن يا جنّة الرحمان؟

صرت عا ايادي الافنديّه

ايّا وطن محكوم من زعران

زعران.. بالقانون محميّه

منكن بري الانجيل والقرآن

وكل الديانات السماويّه..

6

يا موطني يا زينة الاوطان

مبارحه غمَّضت عينيي

ونمت نوم منهنه ونعسان

وحلم البيضَل يطلطل عليي

طل ونقلني.. حلمت يا لبنان

بيي ندهلي.. ما شفت بيي

ولا شفت امي ولا شفت جيران

ولا شفت خيّاتي ولا خَيّي

ما كنت اسمع غير بكي نسوان

وطفال عالطرقات مرميّ

وشفت الفزَع مرسوم عالحيطان

من سوادا تشحترو دَيّي!..

فتحت عينيي وانا خـيفـان

يا رب دخلك ساعد الانسان

لبنان تا يرجع متل ما كان

لازمو قدره إلهيّه

روميو عويس

لماذا يصمت اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين عن أعمال السلطة الفلسطينية القمعية؟/ فراس حج محمد



يبدو أن كل شيء في فلسطين مختلف تماماً، ويشكل حالة خاصة في كل شيء، حتى في التخلص من الخصوم السياسيين والثقافيين، فحادثة تصفية نزار بنات حالة تندرج ضمن هذه الحالة الخاصة التي أصبحت عادية في فلسطين، وما تبعها من تداعيات وخاصة من الأذرع الداعمة للسلطة الفلسطينية التي تسكت عما يحدث في كل مرة.

لقد ترك الاحتلال بصمته على عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وذلك واضح في عملية المداهمة؛ الوقت، والكيفية، والتعامل مع المطلوب. وليس الاحتلال فقط، بل أيضا تركت العقلية الأمنية العربية أثرها المقيت في عقلية عنصر الأمن الفلسطيني في أنه نسي للحظة أنه فلسطيني وأنه ينفذ الأوامر، كأن نزار بنات زعيم تنظيم إرهابي، ألقي القبض عليه بعد ملاحقة ومطاردة، ونسيت تلك العناصر أن نزاراً كان آمنا مطمئنا في بيته ينام ملء جفونه، وربما يحلم في أمر أبنائه الصغار وابنته التي ستذهب إلى امتحان الثانوية العامة. هنا أصبح رجل الأمن الفلسطيني "عاهة" مركبة احتلالية صهيونية مع أنظماتية عربية وقحة، لتنتج رجل أمن بطراز مركب يشتمل على كل السيئات التي يمارسها الطرفان، وكأن أجهزتنا الأمنية "مصرف" تتجمع فيه كل قاذورات الأنظمة العربية والأجنبية والاحتلالية.

هذا المشهد الاعتقالي، التصفوي فيما بعد، استتبع صمت رهيب من كل الاتحادات التي تنضوي تحت جناح منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تعد تعنى بالتحرير إطلاقا، بل كل ما يعنيها أن تكون ظلا للسلطة الفلسطينية في سياساتها القمعية، في المظاهرات السلمية، وفي الخطوات الاحتجاجية والاعتصامات، وما ينجم عنها كذلك من مقالات وآراء معارضة. لقد تخلت كل الاتحادات عن دورها، بسبب الامتيازات الممنوحة لأمنائها العامين؛ نقابة الصحفيين، واتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، واتحاد العمال، وغيرها. فلم نسمع ولم نقرأ لهذه الاتحادات أي شجب أو إدانة لما جرى، وصمت أمناؤها ونقباؤها صمتاً مخزيا محزناً. هنا أيضا تثبت تلك الاتحاد أنها ذراع آخر للسلطة. فاتحاد الكتاب الذي فُرض أمينه العام فرضا على الكتاب من المستوى الأمني السياسي لن يجرؤ على أن ينتقد ما حدث لنزار بنات أو لغيره، بل إنه لا يرى السلطة الفلسطينية وهي تضرب الناس في الاعتصامات إلا أنها تؤدي أعمالا وطنية، ويجرّم كل تلك الاحتجاجات التي يراها "ذات أجندة خارجية"، ويسارع إلى استحضار "شماعة الاحتلال" بلغة إنشائية محفوظة ومعلبة، تدعو إلى القرف والتقزز.

في كل مرة يبرهن اتحاد الكتاب الفلسطينيين أنه ليس على قدر المسؤولية ليحمل لواء الدفاع عن حرية التعبير والحقوق المدنية الأخرى، وحق الحياة والعيش بكرامة، فلهذه الحقوق جانب ثقافي أيضا، ولم نسمع من الاتحاد استنكاره لما يتم من اعتقالات سلطوية على خلفيات سياسية أو فكرية، لكنه "يتبجح" بخطاب شعبوي مقيت ضد الاحتلال. وجاهل جدا من يظن أنني أدعم الاحتلال أو ألا نقف في وجه العربدات الهمجية والاعتقالات التعسفية أو الأحكام الإدارية الجائرة، ولكن أنا ضد أن يتحول الاحتلال إلى شماعة أو مَذبّة يضرب بها الاتحاد وجوهنا ويحاول إخراسنا بها كلما طالبنا وقلنا "إن الحرية مسألة لا تتجزأ إطلاقاً". 

عليك أن تنتقد كل ما يشوش فكرة الحرية سواء من الاحتلال أو من السلطة أو من الأنظمة العربية التي تعتقل كتابنا مثل اعتقال أشرف فياض في السعودية وغيره في دول أخرى، وألا تكون انتقائياً أيها الاتحاد. الانتقائية هنا حالة خاصة مذمومة جدا، وهي انحياز ضد الله والوطن والشعب وكل الأخلاق النبيلة، وبذلك فهي حالة إجرامية لا تخدم الأفكار العامة التي ينادي بها المثقف العربي والفلسطيني المنضوي تحت مظلة اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين.

أعلم علم اليقين ألا شيء سيتغير نتيجة هذا المقال، وأنه سيجلب المزيد من الحقد الثقافي والأمني عليّ من الاتحاد وغيره، ولكنني لا أستطيع أن أظل صامتاً. فلعل وعسى أن يأتي يوم يتمرد فيه الكتّاب جميعا على هذا الاتحاد المتجمد السلطوي، ويدعون إلى اعتصام أمام "رئاسة الوزراء"، تنديدا بما حدث ليس لنزار بنات وحده بل لكثيرين غيره ممن تطالهم يوميا أذرعة الأمن المدربة على الأذى، ولا تعرف غير أن تؤذينا نحن فقط معارضي سلطتها، اعتقالا، وضربا، وتصفية جسدية.


العبودية لا تزال في الروح/ حسن العاصي

 


"لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن تحرر إفريقيا نفسها من الاستعمار العقلي الذي يجعل العبث يبدو طبيعياً"

هذه كلمات الكاتب والمناضل من أجل الحرية، الكيني "نجوجي وا تيونجو" Ngugi wa Thiong’o. ستواصل أوروبا تقديم المساعدة لتطبيع العبث. يجب أن تستمر المساعدات في إضفاء الشرعية على فكرة أن إفريقيا بحاجة إلى أوروبا. بينما في حقيقة الأمر أن أوروبا هي التي تحتاج إلى إفريقيا.

يقول الكاتب الكيني  "إنك تسأل لماذا يواجه الحكام الأفارقة صعوبة في التواصل مع شعوبهم. يجب ألا تنسى أن تاريخ أفريقيا كان منذ مئات السنين حول عدم توازن القوى. بالطبع، لا يوجد بلد أو شعب ينجح في دخول "الحداثة دون ألم، ولكن بالنسبة لأفريقيا فإن الألم له جذور عميقة للغاية "

"نجوجي" هو أحد منارات الأدب الأفريقي. ولد في عام 1938، وقد عانى شخصياً من التدخل العميق للعصور الاستعمارية في حياة الفرد، والتحرر الجسدي الدموي، وخيبة الأمل من ان الاستقلال لم يضع حداً للقمع. تم تصوير ذلك بشكل ممتاز في كتاب مذكرات "أحلام في الحرب" Rêves en temps de guerre والمُترجم إلى اللغة الدنماركية بعنوان Drømme i krigens tid.

علاوة على ذلك، فهو مثال للمفكر التمثيلي: طالما أن أدبه المشهور عالمياً نُشر باللغة الإنجليزية، ولم يقرأه إلا النخبة فقط، كان رؤساء كينيا فخورين به. ولكن عندما كان يؤدي مسرحيات نقدية بلغته الأم "غويكويو" سُجن، وبعد إطلاق سراحه هرب وأمضى 22 عاماً في المنفى ينظم الحركة الديمقراطية في كينيا، بينما يواصل مسيرته في الكتابة.

انتقد "نجوجي" كتاب الشاعرة والكاتبة الدنماركية " كارين بليكسن"Karen Blixens عن أفريقيا بعنوان "المزرعة الأفريقية" Den afrikanske Farm. قال عنه "من أكثر الكتب ضرراً عن أفريقيا على الإطلاق" بسبب الوصف المتعالي للأفارقة، ووصفها بأنها عنصرية، وهذا الاتهام للأيقونة الدنماركية أثار غضب "البارناس الدنماركيين" Danske parnas.

استمر "وا تيونجو" على الكتابة عن الـ "جيكويو" Kikuyu منذ رؤيته للمعنى الجوهري للغة، وهم مجموعة عرقية من البانتو موطنها وسط كينيا ينتمي لهم الكاتب. كان مدركاً للغاية بأهمية التاريخ لبنية العقل، ويصر على إظهار كيف تعود جذور الظروف الصعبة في إفريقيا إلى تجارة الرقيق والعصر الاستعماري.

بلا شك، لم تسهم أفريقيا كثيراً فحسب ـ بل ساهمت أيضاً ـ في تحديث أوروبا، فقد أرست تجارة الرقيق أسس الرأسمالية، التي جعلت أوروبا حاكمة العالم. كان العصر الاستعماري استمرارا وامتداداً طبيعياً لمرحلة الرق ثم الرأسمالية. في المرحلة الحالية تبدو القارة بأكملها كمزرعة عبيد عملاقة. واليوم لا يزال هذا الخلل الهائل في التوازن في النظام الاقتصادي قائماً لصالح أوروبا.

لكن هل يوجد عذر لعدم قدرة الحكام الأفارقة على معاملة شعوبهم بشكل لائق؟

في كل خطوة من التاريخ، وكل فصل من القصة، كان هناك متعاونون أفارقة مع الاستعمار على الدوام. معظم حكام اليوم الأفارقة يُنظر لهم على أنهم أولئك الذين يتعاملون مع نظام دولي لا تزال إفريقيا فيه مهملة. "نشأ أقدمهم كمنتجات مستعمرة، والأصغر منهم يحكمهم عقل مستعمر. لا يمكنهم تمثيل شعوبهم دون قطع الهياكل التي يعتقدون أنها تحافظ على سلطتهم". هكذا كان يرى "نجوجي" الحكام الأفارقة.

اللغة والرؤية

"نجوجي" مقتنع بأن هناك حاجة لثورة ثقافية ولغوية لمعالجة نقص التواصل بين الشعوب والحكام. وفي ذلك، يجب أن يأخذ المثقفون زمام المبادرة.

"عندما تكبر النخبة أو الطبقة الوسطى في اللغة الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية، ويعيش الناس في عالم لغوي مختلف، فلا يمكن أن يكونوا على اتصال. لا يمكنهم خلق رؤية مشتركة بدون لغة مشتركة ".

غالبًا ما تكون الحجة لاستخدام لغة المستعمرة هي أن الدول الأفريقية لديها العديد من اللغات واللهجات، لذلك هناك حاجة إلى لغة مشتركة.

إذا كان الناس في بلد ما يتكلمون ألف لغة، فإن الجواب لا يكمن في ضرورة تعلمهم شيئًا آخر. حين دخل المبشرون المسيحيون أفريقيا، وكان عليهم إيصال رسالة. هل بدأوا بمطالبة الناس بتعلم اللغة الإنجليزية والفرنسية أولاً؟ لا، لقد شرعوا على الفور في ترجمة الكتاب المقدس بعدد اللغات الأفريقية.

تواجه أفريقيا تحدياً مع العديد من اللغات، لإنشاء حوار وطني بين مختلف الشعوب. لكن الإصرار على إلغاء اللغات الأجنبية أمر مختلف تماماً. يُعتقد أنها كذبة، لكن البرلمان الكيني أقر قانوناً يحظر التحدث بلغة "جيكويو" في المباني العامة. وإذا كان المزارع بحاجة إلى خدمة عامة ولا يتحدث الإنجليزية، فيجب إحضار مترجم. ـ رغم أن الرئيس الكيني لم يوقع على القانون، لذلك لم يدخل حيز التنفيذ.

لكن ما الذي كان يفكر فيه النواب عندما وضعوا القانون؟

أعتقد أن الجوهر الكامل لاستعمار العقل الذي حدث في إفريقيا منذ أن أبحرت سفن العبيد من الشواطئ المحملة بالرجال المقيدين بالسلاسل هو تطبيع العبث. قانون اللغة هو مثال على عملية التعود. في بعض المدن تم إدخال اللغة الإنجليزية بالقوة، لذلك منذ بداية الحقبة الاستعمارية تمت معاقبة الأفارقة للتحدث بلغتهم الخاصة. وبالتالي ارتبطت اللغة الإفريقية بالألم، والإنجليزية بالمكافأة.

سيقلل الإنسان الألم بشكل انعكاسي ويسعى إلى المكافأة، ويمكن أن تستمر الصدمة كقاعدة. لقد استمر الجهاز البيروقراطي ـ الذي تم إنشاء هياكله في الحقبة الاستعمارية ـ بالإخلاص لهذا المعيار الذي بربط "الإنجليزية" بـ "الذكاء" دون وعي. ربما هذا يفسر جزئياً العمل العبثي للبرلمان الكيني في ضوء ذلك. لذلك، يبدأ التحرر من العقل الاستعماري باستعادة اللغة الوطنية.

إسقاط المساعدات

يشعر الأوروبيون بالحيرة بشكل متزايد، بل وحتى نفاد الصبر، بشأن المدة التي تعتقد أفريقيا أن هذا التحرر من الماضي يجب أن يستغرقه. يوجد الآن إرهاق متزايد فيما يتعلق بمساعدات التنمية، تقول أوروبا: لقد قدمنا المساعدة لأفريقيا لفترة كافية.

 لقد انقلب الأمر. لقد نفد صبر إفريقيا بشكل متزايد وتعبت من المساهمة في رفاهية أوروبا ومستقبلها. حان الوقت لأفريقيا أن تعتني بنفسها وتقول إننا نحتفظ الآن بألماسنا ونفطنا. لأن أوروبا لم تتعب من البحث عن ذلك في إفريقيا. قد يكون هناك إجهاد من ناحية العطاء، ولكن بالتأكيد ليس في الأخذ. ستواصل أوروبا تقديم المساعدة لتطبيع العبث. يجب أن تستمر المساعدات في إضفاء الشرعية على فكرة أن إفريقيا بحاجة إلى أوروبا. انها تخفي حقيقة ان اوروبا هي التي تحتاج افريقيا.

إذن، هل ينبغي وقف المعونات لمساعدة أفريقيا؟

"بالنسبة للكاتب الكيني "نجوجي" الإجابة هي نعم "بالتأكيد. دع أموالك تبقى في أوروبا، وبعد ذلك سنترك موارد إفريقيا في أفريقيا"

إذن من يجب أن يشتريها؟

يجب أن يكون لدينا عالم نكتفي فيه جميعاً بالموارد التي يمتلكها كل منا. كل دولة تنتج بما لديها بالفعل، وما إلى ذلك. ثم يمكن للجميع اللقاء في سوق عادلة، والتجارة النزيهة مع بعضهم البعض في علاقة قوة متساوية. لكنه يتطلب من القادة الأفارقة أن يحرروا أنفسهم من فكرة أنهم يجب أن يكونوا المتآمرين المستعدين للغرب. إنهم يعيشون تحت الوهم بأن إفريقيا بحاجة إلى الغرب. ويصرون على "تطبيع العبث".

- فيما يتعلق بحملات تصفية استعمار العقل فإنه يستغرق وقتًا طويلاً. فالجامعات الأمريكية الكبيرة على سبيل المثال، تبدو وكأنها قدوة أوروبية حتى في مواد البناء. استغرق الأدب الأمريكي قروناً لتحرير نفسه من أوروبا. ولم يشعر الكتاب الأمريكيون أبداً "بالكمال" حتى وصلوا إلى أوروبا. لم يتمكنوا من تحرير أنفسهم من أوروبا كمصدر لثقافتهم الخاصة. سيستغرق الأمر عدة أجيال، ولا مفر من خوض معركة استقلال العقل. لكن من سوء حظ الافارقة أن هناك العديد من القوى في العالم تشعر بالرضا عن ارتباط العقل الأفريقي بأوروبا.

بالرغم من وجود الصين وأمريكا بصورة رئيسية، فإن من يلتقط الماس والنفط والذهب والنحاس، والبن، والكاكاو في أفريقيا هم الأوروبيون.، يريدون استمرار ذلك، وبالتالي فهم يريدون المضي في ذلك، وهم راضون تماماً عن استمرار الأفارقة في النظر إلى هذه العبثية على أنها أمر طبيعي تماماً.

شؤون داخلية/ د. عدنان الظاهر




1 ـ الوَحَدةُ تغريدُ

تفويضٌ منقوضٌ مهدودُ

لا يندى لا يُجهِدُ نَفْسا

عبءٌ محدودُ

جابَ الدُنيا معزوفاً وصْفا

نُصْباً تذكاريّاً مصقولاً صقْلا

يطردُ همّي ويُخففُ آلامي

يعزفُ أوتاري لَحْناً لَحْنا ...

أعددتُ العُدّةَ كي أبقى أقوى

شأنَ مداراتِ الكونِ العُليا والسفلى

مرّتْ خيطاً عفواً

لا مِنْ سَنَدٍ أو شكلٍ أو لونِ

لا أقوى أنْ أسألَ سُؤلا :

مَنْ ينفخُ في رفٍّ نارا

ماذا لو شقَّ الأخدودُ الشمسا ؟

صوتي يتشعبُ بوقا

يسمعُهُ القاصي والداني

والساكنُ في سطحِ الدارِ

2 ـ في بيروت / 1965 

جمّعتُ الأشتاتَ لأنقُضَ عهدا

عهدٌ ولّى أولاني سُقْما

وَلَهاً في التيهِ وأولاعاً تَترى

الطيفُ الفظُّ سريعُ العدوى

يتوارى في الجوِّ الطاغي زحْفاً زَحْفا

يا قاضي حاجاتي مَهْلا

أَرِني ساعاتِ الحائطِ تدّلى وَهْنا

ماذا أُعطيها كي تبقى تُحصي أنفاسي عَدّا 

ستكونُ الأوفى حظّا ...

صدّقتُ الدقّاتِ ودوراتِ العقربِ في الساعةِ ناعورا

ينفيني ويُعيدُ قراءةَ تكويني

ألهذا مدَّ الساحلُ رَمْلا 

ولهذا تَرَكتني ـ إيّاها ـ أجتازُ مصيفي وحدي فرْدا

أبكيها عيناً وأُداري ذِكراها عينا

ماذا لو ظلّتْ شَهْرا

تحملُ همّي عنّي توكيلا ؟

مرَّ الوقتُ سريعا

دقّتْ عجلاتُ الساعةِ أرضَ الشارعِ دّقّا

وانطلقتْ عَدْوا

3 ـ  وحيداً في بيروت

حمّلتُ الساعةَ حالاتِ الذِكرى تعويضا

وطفقتُ أُشاغلُ ما في نفسي تنفيسا

الوقتُ يمرُّ وركبُ الماشينَ يخبُّ سريعا

يا راعي أولاعي هلَاّ

خفّفتَ العِبءَ وأبعدتَ الواقفَ في بابي

يترصَّدُني ساعاً ساعا

 يتفحّصُ ما بي

يسألُني عمّا يُشقيني داءَ

لا يدري أنَّ الراحلَ لا يأتي

يأتي أو لا يأتي مسألةٌ أُخرى

لا مِنْ شأنٍ لي فيها قطُّ

صفّقتُ وأطفأتُ النجمةَ في عيدِ الميلادِ

شُهُبٌ ضاءتْ مرّتْ شاءتْ أتبرّاُ منها

يا جامعَ ضوءِ الشمسِ خيوطا

نوّرتَ البيتَ وأوقدتَ شموعا.

4 ـ ما زِلتُ ..

ما جدوى ما خَطْبُ الراعي وَقْفا

يتسلّلُ مخطوفاً لونا

ما شأني إنْ غامتْ دُنيانا أو صحّتْ

كنتُ المتولي أمري فيها نسياً منسيّا

يا رافعَ أثقالِ الدنيا طوْعا

سائلها خفّتْ أوزاني حِمْلا ؟

يا ما فكّرتُ وأطلقتُ عِناني تحليقا

صدّتني ريحُ التوضيحِ وردّتني رُغْما

أتصفحُ مقداري إحصاءً كمّا

وأُكلِّمُ تلميحاً ظِلاّ

هلْ زارَ فؤادي مخمورٌ ليلا

حطَّ اللوحةَ من أعلى جدراني عسْفا

يدري أني الساكنُ فيها مؤودا

قالوا مَلَكاً يتقمصُّ شمسا

قَمَراً يتبعُ ضوءا

قالوا ما قالوا تبقى أُمّي أُمّا.                                                             


البروفيسور فاروق مواسي .. عام على الغياب/ شاكر فريد حسن


يصادف اليوم السادس والعشرين من حزيران ذكرى مرور عام على وفاة الصديق الشاعر والأديب الناقد والقاص وسادن اللغة الأكاديمي بروفيسور فاروق مواسي، الذي ترك رحيله فراغًا هائلًا في حياتنا وفضائنا الثقافي لا يمكن أن يملأه أحد غيره. وشكلت وفاته خسارة جسيمة بكل المقاييس والمعايير للثقافة العربية الفلسطينية والأدبية التي خسرت علمًا من اعلامها، ساهم في الحفاظ على دورها الطليعي والريادي والنقدي، وكان له اسهامات جلى في الحركة النقدية وإثراء حقول الثقافة بمستوياتها وإشراقاتها المختلفة. 

يُعد الراحل فاروق مواسي أحد القامات الشعرية والأدبية وأيقونات الثقافة وسدنة اللغة، وكان رئيس تحرير مجلة "الحصاد" الفلسطينية المحتجبة المحامي حسين الشيوخي أطلق عليه لقب "كشاجم" تيمنًا بالشاعر الرملي.  

لقد جمعتني وعائلتي الكريمة بالراحل العزيز فاروق مواسي علاقة وثيقة وصداقة عميقة، بدأت مع أخي ابن أمي الأديب المرحوم نواف عبد حسن، صنوه في الأدب وواحد من مجايليه، ثم امتدت وتعمقت من خلال الزيارات واللقاءات معي ومع أبناء العائلة، وكان قد أهداني الكثير من كتبه ومؤلفاته، كتبت مراجعات لعدد منها، مشرت في حينه في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية المختلفة، وكم عز علينا رحيل نواف وفاروق. 

كان أبو السيّد إنسانًا طيب القلب، بشوشًا، محبًا للناس، شغوفًا بالحياة، وكان يردد دائمًا المقولة "أكتب كي لا أموت"، عدا عن كونه مثقفًا موسوعيًا، وقارئًا نهمًا، وشاعرًا حداثيًا، وناقدًا حصيفًا، ومرجعًا لغويًا، غيورًا على لغة الضاد، وممسكًا بناصيتها بشعف العاشق الولهان، ومشاكسًا أمام كل هفوة أو سقطة لغوية. ومنذ صغره وصباه حفظ عن ظهر قلب الكثير من السور القرآنية والتراتيل الدينية. 

ترك فاروق مواسي وراءه إرثًا ثقافيًا في حقول المعرفة والشعر والقصة القصيرة والتراجم والسيرة الذاتية وعلم اللغة والدراسات النقدية، بالإضافة إلى مكتبة جامعة وشاملة غنية بالكتب المتنوعة النادرة والمجلات الأدبية الثقافية العربية المختلفة. 

امتاز فاروق مواسي بمواقفه السياسية العقلانية، وبحسه الوطني الذي يتجلى في قصيدته الطويلة الرائعة "حبي فلسطيني" التي يقول فيها: 

الأرضُ أرضي وليس الشوقُ يَبريني 

                        الشوق  يحدو إلى حبّي-فلسطيني 

درجتُ فيها صغيرًا رُمتُ مأثرةً    

                          من كلِّ جدٍّ منَ الغُرِّ الميامينِ 

شببتُ فيها أنيسًا عاشقـًا بلدًا 

                   رغم العداءِ فطارت لي حساسيني 

زروعُها من جنان العدن أطيبُها           

                       اللهُ  بارك في تيني وزيتوني 

أيامها ألقٌ ، عطاؤُها غد قٌ 

                      وفوحُها عبقٌ في عزّ تشرينِ 

 قالوا  :بلادي   بلا أهل ٍ بلا  سكنٍ 

               يا  بئس ما مكرتْ أوهامُ   مأفون 

فشرّدوها قرًى  كانت  برَغْدتِها 

                 من بروةٍ، بصةٍ ، ميعار دامونِ 

أنّى نظرتَ - مئاتٌ مثلُها نزَحَت 

                        أمامَ ناظرِنا أطلالُ قاقونِ 

يا أهلَها-أهلنا ، يا طيرَ منزلِها 

                اقرأْ سلامي على أحزانِ محزونِ 

ما زلـتُ أذكرُهم في الدارِ في حَلقِ 

                 هذي تنادي ،وهذا واجمٌ دوني 

عينُ الغزالِ وكانتْ عينَ مهجتِهم 

               فقلتُ من بعدُ قولاً غيرَ ممنونِ : 

" قد كنتُ أبكي لأصحابِ الهوى زمنًا 

               فهل ليَ الآن من با كٍ فيبكيني"؟ 

يا جمرةً صهَلتْ في قلبِ هاجرِها 

            يا عتمةً شعَلتْ في قلبِ مغبون ِ 

يا نظرةً نفِذت في وجهِ مغتصبٍ 

          يا قهرةً نهلـتْ خَسفاً ومن هُونِ 

مضَوا بعيدًا ، وكان الكرمُ حاديَهم 

          سكْرًا على ظمأٍ خمرًا كمَسنونِ 

العبدُ سيـدُهمْ ،  والموتُ عمّدَهم 

          والذنْبُ ذنبُهمُ حَيْـنًا على حينِ 

مخيمٌ صاحَ يا أهلاً بطارقِـنا 

            ظلّوا هنا أُسَرًا تبقى لتُبقيني ! 

وإنني نكبةٌ من بعد نكبتكم 

             سطرْتمُ صُورًا في دمعِ تدوينِ 

فقلت : يا أهلُ في حِلٍّ ومُرْتحلٍّ 

              فينا البلادُ ، وما قلنا لها بِيني 

 أرى الحبـيبَ حنـينًا في بصائرِنا 

          وموسمَ الوحيِ يعلو طورَ سينينِ 

القدسُ تشرقُ في أبهى سرائرِكم 

      إسراؤها الوجدُ في الدنيا وفي الدينِ 

قد جاءها عمرٌ في فتحِ عزتّها 

          كُرمى له كرُمت لِـيناً على لينِ 

والكرملُ الزهوُ في أذانِ مِنبرِنا 

            جليلُنا سيرةٌ تَسري  بتلحين 

مثلثٌ سالَ في همْسٍ بخُضرتهِ 

       يا باقتي - باقةَ الأزهارِ ضُمّيني ! 

 يافا وحيفا وشطُّ البحرِ في لهفٍ 

        وموجُهُ جنَّ من ترديدِ مَسكونِ 

يا رؤيةً خضِبتْ واخضوضرتْ شجنًـا 

     جناحُها الشوكُ في ظلِّ البساتينِ 

تستنطقُ الصخرَ هل في الصخرِ من حجرٍ 

                     ليُهربَ البومُ من آلامِ نِسرينِ ؟ 

من كفر قاسمَ "احصدْ " صاح ناعقُهم 

                   مجازرٌ سبقتْ في ديرِ ياسينِ 

والدمُّ يُزهرُ أطفالاً فيغرسُهم 

                 جذراً يُطلُّ فأسقيه ويسقيني 

 اللهُ اكبرُ كم جاشتْ جيوشُهُـمُ 

    تبغي انتهائي فتزهو بي شراييني 

أبقت بجالوتَ يومَ النصرِ أغنيةً  

      ظلت  تناغي بها أنغامَ حطينِ 

ظلّت لنا أملاً  ،  تحلو لنا مُقلاً 

   تروي لنا عسلاً -  كلَّ الأفانينِ 

مرابعُ النُّورِ تَهمي من أواصرِها 

   من علّمَ اللوزَ نَوراً حِفظَ تلقينِ؟ 

مراتعُ الشمسِ تبدو في مناظرِهم 

   فتنتشي نسْـمةٌ في حِضن ليمونِ 

كم كنتُ أوثرُ أن يمتدَّ بي زمني 

       حتى أرى زمني يُكوى فيَشفيني 

حتى أرى قلبيَ الظّامي ببهجتِهِ 

         يراقصُ الفجرَ أفراحًا فيُبكيني 

حتى يراني صلاحُ الدِّين مُتّشحًـا 

     عدلاً وسلمًـا وأحبابي تُصافيني 

أُسلّمَ العشقَ تَحناني برونقِه 

      والشوقُ يحدو إلى 

                          حبّي فلسطيني 

قصائد فاروق مواسي زاخرة بالبوح والتجليات والدلالات، وتجسد تجارب إنسانية تنبض بمشاعره الإنسانية، وتتشابك مع حالات الوعي والحب والحياة والموت والتمرد، وتنزاح بتدفقها الشعري في حركة متواصلة، سكبها وصاغها صياغة لغوية وأسلوبية شديدة الخصوصية والحميمية، بعيدًا عن الانغلاق في المعاني، مع الحرض على الرمزية الشفافة. 

السلام عليك يا سيد الكلمة، وسيد القلم، يا أبا السيد، صديقنا وشاعرنا المبدع، وعلى روحك الطاهرة، في ذكراك الأولى، وستظل خالدًا مخلدًا بتراثك الأدبي الإبداعي، الشعري والنقدي. 

فلسفة الفيلم بين نقد المجتمع والالتزام العاطفي/ د زهير الخويلدي



مقدمة

أصبحت فلسفة الفيلم الآن مجالًا فرعيًا راسخًا لفلسفة الفن المعاصرة. على الرغم من أن الفلاسفة كانوا من أوائل الأكاديميين الذين نشروا دراسات حول الشكل الفني الجديد في العقود الأولى من القرن العشرين، إلا أن المجال لم يشهد نموًا كبيرًا حتى ثمانينيات القرن العشرين عندما حدثت نهضة. هناك العديد من الأسباب وراء النمو الأخير لهذا المجال. يكفي أن نقول هنا أن التغييرات في كل من الفلسفة الأكاديمية والدور الثقافي للأفلام بشكل عام جعلت من الضروري على الفلاسفة أن يأخذوا الفيلم على محمل الجد كشكل فني على قدم المساواة مع الأشكال الأكثر تقليدية مثل المسرح والرقص والرسم. نتيجة لهذا الارتفاع في الاهتمام بالفيلم كموضوع للتفكير الفلسفي، أصبحت فلسفة الفيلم مجالًا مهمًا للبحث في علم الجمال، وقد تم تنظيم هذا الدخول حول عدد من القضايا المركزية في فلسفة الفيلم. يستكشفون جوانب مختلفة من الفيلم كوسيط فني، موضحين مجموعة من الاهتمامات التي تم تناولها في فلسفة الفيلم. فماهي الخصائص الفلسفية للفيلم؟ وكيف يؤدي دورا فنيا؟

1. فكرة فلسفة الفيلم

هناك سمتان لفلسفة الفيلم يجب مناقشتهما قبل الخوض في قضايا أكثر تحديدًا. الأول هو أن علماء السينما من غير الفلاسفة المحترفين قدموا مساهمات عديدة في هذا المجال. وهذا يميز هذا المجال عن العديد من التخصصات الفلسفية الأخرى. بينما يكتب الفيزيائيون غالبًا عن فلسفة العلم، يهيمن الفلاسفة المحترفون على الانضباط الأكاديمي لفلسفة الفيزياء. ليس الأمر كذلك في فلسفة الفيلم. ونتيجة لذلك، فإن استخدامي لمصطلح "فيلسوف الفيلم" سيكون واسعًا، ويهدف إلى تضمين جميع المهتمين بالقضايا النظرية حول السينما. والخصوصية الثانية هي أنه في الدراسات السينمائية - وهي نفسها مجال مؤسسي للدراسة الأكاديمية - هناك هو مجال فرعي لنظرية الفيلم يتداخل بشكل كبير مع فلسفة الفيلم على الرغم من أن غالبية ممارسيها يعملون على افتراضات فلسفية مختلفة بشكل كبير عن الفلاسفة الأنجلو أمريكيين في الفيلم. في ميزان هذا المبحث، سندرج كلا هذين المجالين تحت عنوان فلسفة الفيلم، على الرغم من أن تركيزي الأساسي ينصب على مساهمات المنظرين الأنجلو أمريكيين وسأميز أحيانًا هذا المجال عن نظرية الفيلم كما هو ممارس داخل مجال دراسات الأفلام. من سمات الفلسفة كنظام هو التشكيك في طبيعتها وأساسها. تشترك فلسفة الفيلم في هذه الخاصية مع المجال بشكل عام. في الواقع، فإن القضية الأولى التي يجب أن تتناولها فلسفة الفيلم هي أسس وجودها. لا يشمل هذا فقط السؤال عن الشكل الذي يجب أن يبدو عليه المجال، ولكن أيضًا ما إذا كان لديه أي سبب لوجوده على الإطلاق. رعاية الفيلم نفسه؟ على الرغم من أن هذا السؤال لم يحظ دائمًا بالاهتمام الذي يستحقه من الفلاسفة، إلا أنه في الواقع سؤال ملح، لأنه يطلب من الفلاسفة تبرير اهتمامهم المكتشف حديثًا بالفيلم باعتباره أكثر من مجرد دمج انتهازي لشكل شائع للغاية من الثقافة الشعبية في مجالهم. ومع ذلك، فمن ناحية، لا يحتاج الفلاسفة إلى تبرير اهتمامهم بالفيلم، لأن الجماليات الفلسفية كانت دائمًا تهتم ليس فقط بالفن بشكل عام ولكن بأشكال فنية محددة. بدءًا من شاعر أرسطو - وهو عمل مكرس لشرح طبيعة المأساة اليونانية - سعى الفلاسفة إلى شرح الخصائص المحددة لكل شكل فني مهم في ثقافتهم. من وجهة النظر هذه، لا يوجد سبب للتشكيك في وجود فلسفة الفيلم أكثر من وجود فلسفة الموسيقى أو فلسفة الرسم، وهما مجالان مقبولان جيدًا كعناصر جمالية. نظرًا لأن الفيلم هو شكل فني مهم في عالمنا المعاصر، فقد يتم الحكم على الفلسفة على أنها مسؤولة عن التحقيق في طبيعتها، ومع ذلك، هناك بعض الأسباب التي تجعل وجود مجال أكاديمي منفصل لفلسفة الفيلم يبدو إشكاليًا. نظرًا لأن دراسة الفيلم قد تم إضفاء الطابع المؤسسي عليها بالفعل داخل الأوساط الأكاديمية في مجال دراسات الأفلام، ولأن هذا المجال يتضمن مجالًا فرعيًا منفصلاً لنظرية الفيلم، فقد يبدو أنه، على عكس الأدب والموسيقى، على سبيل المثال، يتم تقديم الفيلم جيدًا بالفعل من قبل هذه القاعدة المؤسسية. من وجهة النظر هذه، فلسفة الفيلم زائدة عن الحاجة، حيث تشغل مساحة تم نحتها بالفعل من خلال تخصص بديل. المشكلة هي أن المجال الفرعي لنظرية الفيلم ضمن دراسات الأفلام قد هيمنت عليه مجموعة من الالتزامات النظرية لا يشاركه العديد من الفلاسفة الأنجلو أمريكيين. لذلك شعر العديد من هؤلاء الفلاسفة بالحاجة ليس فقط لإجراء مراجعات طفيفة في المجال وفهم الفيلم، ولكن بدلاً من ذلك لبدء بداية جديدة في دراسة الفيلم لا تشارك الافتراضات الإشكالية لنظرية الفيلم نفسها. لهذا السبب، بالإضافة إلى وجهة النظر السابقة للفيلم كموضوع شرعي ضمن علم الجمال، فقد شعروا أنه من المهم تطوير طريقة تفكير مستنيرة فلسفيًا حول الفيلم، ولكن بمجرد منح فلسفة الفيلم استقلالية باعتبارها فرعًا منفصلاً من مجال الجماليات، السؤال الذي يطرح نفسه عن شكله. أي أن الفلاسفة مهتمون بمسألة كيفية تشكيل فلسفة الفيلم كمجال للدراسة. ما هو دور الترجمة السينمائية في هذا المجال؟ كيف ترتبط دراسات أفلام معينة بمزيد من الدراسات النظرية للوسيلة على هذا النحو؟ وماذا عن الفلسفة في الفيلم، وهي طريقة شائعة للتفكير الفلسفي في الفيلم؟ هل يوجد نموذج موحد يمكن استخدامه لوصف هذا المجال الحيوي الجديد للبحث الفلسفي؟

هناك طريقة شائعة متزايدة في التفكير في فلسفة الفيلم وهي نمذجتها على أساس التنظير العلمي. على الرغم من وجود خلاف حول التفاصيل الدقيقة لمثل هذا الاقتراح، فإن أتباعه يحثون على التعامل مع دراسة الفيلم كنظام علمي مع وجود علاقة مناسبة بين النظرية والأدلة. بالنسبة للبعض، هذا يعني وجود مجموعة تجريبية من تفسيرات الأفلام التي تؤدي إلى تعميمات نظرية أوسع. بالنسبة للآخرين، فهذا يعني تطوير مجموعة من النظريات الصغيرة التي تحاول شرح الجوانب المختلفة للأفلام وتجربتنا معها. ينصب التركيز هنا على تطوير نماذج أو نظريات لخصائص مختلفة للأفلام، وقد برزت فكرة نمذجة تخصص فلسفة الفيلم في العلوم الطبيعية بين منظري السينما المعرفية. يؤكد هذا النهج سريع التطور على المعالجة الواعية للمشاهدين للأفلام، على عكس التركيز في نظرية الفيلم التقليدية على العمليات اللاواعية. بشكل عام، يميل هؤلاء المنظرون إلى رؤية دراسة الفيلم كمشروع علمي، وقد تم الطعن في فكرة أن فلسفة الفيلم يجب أن تصوغ نفسها على نموذج علمي من عدة وجهات نظر. شكك بعض الفلاسفة، المعتمدين على كتابات البراغماتيين مثل ويليام جيمس، في فكرة أن العلوم الطبيعية توفر طريقة مفيدة للتفكير فيما يفعله الفلاسفة في تأملاتهم في الفيلم. هنا، هناك تأكيد على خصوصية الأفلام كأعمال فنية على عكس الرغبة في الانتقال إلى نظرية عامة للفيلم. يشكك آخرون أيضًا في مثل هذا التوجه العلمي الطبيعي للتأملات الفلسفية في الفيلم، وذلك بالاستفادة من فيتجنشتاين اللاحق بالإضافة إلى تقليد علم التأويل. يرى هذا المعسكر دراسة الفيلم كنظام إنساني يساء فهمه عندما يتم استيعابه في علم طبيعي. المناقشات حول الشكل الذي يجب أن تبدو عليه فلسفة الفيلم قد تم الانضمام إليها للتو. هذا لأنه لم يظهر إلا مؤخرًا مفهوم علمي لفلسفة الفيلم كمنافس. ولكن على الرغم من الشعبية المتزايدة للمقاربة المعرفية للفيلم، إلا أن هناك قضايا أساسية حول بنية فلسفة الفيلم لم يتم تسويتها بعد. إحدى القضايا الأساسية هي تحديد الوسائط التي يجب تضمينها تحت مصطلح "فيلم". على الرغم من أن "الفيلم" أشار في البداية إلى المخزون السينمائي الذي تم تسجيل الأفلام عليه، فإن قصر المصطلح على الأعمال القائمة على السيلولويد فقط سيكون مقيدًا بشكل مفرط. بعد كل شيء، العديد من الأفلام التي نشاهدها اليوم إما مسجلة رقميًا أو تعرض رقميًا أو كليهما. من الواضح أن مثل هذه الأعمال هي جزء من نفس الشكل الفني مثل الأفلام القائمة على شريط سينمائي، لذا فإن الإشارة إلى مصطلح "فيلم" يجب أن تشمل الأعمال المصنوعة على كلا الوسطين، ومن ثم التلفزيون. على الرغم من أن العديد من علماء السينما وفلاسفة السينما لديهم وجهة نظر استخفاف بالتلفزيون، إلا أن ظهور برامج مثل السوبرانو والسلك أسس التلفزيون كوسيلة لصنع أعمال فنية قيمة. ونتيجة لذلك، من المنطقي إدراج مثل هذه العروض تحت عنوان الأفلام. وقد أدى توسيع مفهوم "الفيلم" ليشمل كل من الأفلام غير السليولية والتلفزيون والوسائط الأخرى ذات الصلة ببعض فلاسفة الفيلم إلى اقتراح استبدال المصطلح " فيلم "بفئة أوسع، مثل تحريك الصورة أو نقل الصورة. حتى الآن، لم تغير مثل هذه الاقتراحات الطريقة التي تم بها تعيين المجال، لذلك احتفظت بمصطلح "فلسفة الفيلم" طوال هذا الإدخال.

2. طبيعة الفيلم

كان السؤال الذي سيطر على البحث الفلسفي المبكر في الفيلم هو ما إذا كانت السينما - وهو مصطلح يؤكد على البنية المؤسسية التي يتم من خلالها إنتاج الأفلام وتوزيعها وعرضها - يمكن اعتبارها شكلاً فنياً. كان هناك سببان لعدم استحقاق السينما للتسمية الفخرية للفن. الأول هو أن السياقات المبكرة لمعرض الأفلام تضمنت أماكن مثل عرض زقزقة الفودفيل والعرض الجانبي للسيرك. كشكل ثقافي شعبي، بدا الفيلم وكأنه ابتذال جعله رفيقًا غير مناسب للمسرح والرسم والأوبرا والفنون الجميلة الأخرى. كانت المشكلة الثانية هي أن الفيلم بدا وكأنه يقترض الكثير من أشكال الفن الأخرى. بالنسبة للكثيرين، بدت الأفلام المبكرة أكثر من مجرد تسجيلات للعروض المسرحية أو الحياة اليومية. كان الأساس المنطقي للأول هو أنه يمكن نشرها على جمهور أوسع من الجمهور الذي يمكن أن يشهد أداءً حيًا. لكن يبدو أن الفيلم حينئذٍ فقط هو وسيلة للوصول إلى الفن وليس شكلاً فنياً مستقلاً بمفرده. من ناحية أخرى، بدا الأخير إعادة إنتاج مباشرة للحياة بحيث لا يمكن وصفه بالفن، لأنه بدا أن هناك القليل من التأمل من قبل أي وعي إرشادي. من أجل تبرير الادعاء بأن الفيلم يستحق أن يعتبر شكلاً فنياً مستقلاً، قام الفلاسفة بالتحقيق في البنية الوجودية للفيلم. كان الأمل في تطوير مفهوم للفيلم يوضح أنه يختلف في نواحٍ كبيرة عن الفنون الجميلة الأخرى. لهذا السبب، كانت مسألة طبيعة الفيلم مسألة حاسمة لمنظري الفيلم خلال ما يمكن أن نسميه الفترة الكلاسيكية.  لقد سعى هوغو مونستربرغ ، الفيلسوف الأول الذي كتب دراسة عن الشكل الفني الجديد ، إلى تمييز الفيلم عن طريق الأجهزة التقنية التي استخدمها في تقديم رواياته. تعتبر اللقطات الماضية، واللقطات المقربة، والتعديلات بعض الأمثلة على الوسائل التقنية التي يستخدمها صانعو الأفلام لتقديم رواياتهم التي يفتقر إليها المسرح. بالنسبة لمونستربيرغ ، فإن استخدام هذه الأجهزة يميز الفيلم عن المسرح كشكل فني. ذهب مونستربرغ متسائلاً كيف يمكن للمشاهدين فهم الدور الذي تلعبه هذه الأجهزة التقنية في صياغة الروايات السينمائية. جوابه هو أن هذه الأجهزة كلها موضوعات للعمليات العقلية. تقدم اللقطة المقربة، على سبيل المثال، في شكل مرئي ارتباطًا بالفعل العقلي للانتباه إلى شيء ما. يفهم المشاهدون بشكل طبيعي كيف تعمل هذه الأجهزة السينمائية لأنهم على دراية بعمل عقولهم ويمكنهم التعرف على هذه الوظائف العقلية الموضوعية عندما يرونها. على الرغم من أن هذا الجانب من نظرية مونستربرغ يربطه بالفلاسفة الإدراكيين المعاصرين للفيلم، إلا أنه لا يشرح كيف يعرف المشاهدون أن ما ينظرون إليه هو وظائف عقلية موضوعية. كان مونستربرغ يكتب خلال العصر الصامت. لقد تغير تطوير المسار الصوتي المتزامن - “ناطق” - إلى الأبد. ليس من المستغرب أن يكون هذا الابتكار الهام قد ولّد انعكاسات نظرية مثيرة للاهتمام، فقد قدم عالم النفس المشهور للفن، رودولف أرنهايم ، ادعاءًا مفاجئًا بأن التحدث يمثل انخفاضًا عن ذروة السينما الصامتة. بالاعتماد على فكرة أنه من أجل أن يكون شكلًا فنيًا فريدًا، يجب أن يكون الفيلم صادقًا مع وسيطه الخاص، يقوم أرنهايم بتشويه سمعة الفيلم الصوتي كمزيج من وسيطتين فنيتين متميزتين لا تشكلان كلًا مرضيًا. بالنسبة لأرنهايم ، حقق الفيلم الصامت مكانة فنية من خلال التركيز على قدرته على تقديم أجساد متحركة. في الواقع، بالنسبة له، يتمثل الجانب الفني للسينما في قدرتها على تقديم التجريدات، وهي قدرة فقدت تمامًا عندما بدأت الأفلام تستخدم الموسيقى التصويرية المتزامنة. الكتابة بالقرب من فجر الناطق، لم يستطع أرنهايم أن يرى سوى ما ندركه الآن على أنه تطور طبيعي للشكل الفني باعتباره تراجعًا عن ارتفاع تم تحقيقه سابقًا. سلسلة من المقالات التي لا تزال تمارس تأثيرًا مهمًا على المجال.  بالنسبة لبازين، فإن الانقسام المهم ليس بين الصوت والفيلم الصامت بل بين الأفلام التي تركز على الصورة وتلك التي تركز على الواقع. على الرغم من أن التحرير قد ظهر بالنسبة للكثيرين مثل سيرجي أيزنشتاين باعتباره الجانب المميز للفيلم، فإن بازين يعود إلى العصر الصامت لإثبات وجود وسيلة بديلة لتحقيق فن الفيلم، وهي الاهتمام بالسماح للكاميرا بالكشف عن الطبيعة الفعلية للفيلم. العالمية. بالاعتماد على تصور للفيلم على أنه شخصية واقعية بسبب أساسه في التصوير الفوتوغرافي، يجادل بازين بأن مستقبل السينما كشكل فني يعتمد على تطويرها لهذه القدرة على تقديم العالم لنا "متجمدًا في الوقت المناسب".

في تقديم حجته، يثمن بازين أسلوب الفيلم الذي يصفه بالواقعية، والتي تتميز باللقطات الطويلة والتركيز العميق. جان رينوار وأورسون ويلز والواقعيون الإيطاليون الجدد هم صانعو الأفلام الذين يعتبرهم بازين تتويجًا لهذا التقليد التخيلي في صناعة الأفلام الذي أدرك الإمكانات الحقيقية للوسيط. في دراسته الرائدة لما أسماه "نظرية الفيلم الكلاسيكي"، نويل جادل كارول (1988) بأن هناك العديد من الافتراضات غير المشروعة في اللعب في محاولات المنظرين الكلاسيكيين لتحديد طبيعة الفيلم. على وجه الخصوص، اتهمهم بخلط أنماط معينة من صناعة الأفلام مع مزاعم أكثر تجريدية حول طبيعة الوسيلة نفسها. يبدو أن اتهاماته تشير إلى نهاية مثل هذه المحاولات لتبرير أنماط الأفلام من خلال تأصلها في طبيعة الوسيلة. لكن في الآونة الأخيرة، تلقى ادعاء بازين حول واقعية الفيلم حياة جديدة، وإن كان ذلك بدون الإسراف في كتابات بازين. جادل كيندال والتون، في بحث مؤثر للغاية (1984) ، بأن الفيلم ، بسبب أساسه في التصوير الفوتوغرافي ، كان وسيطًا واقعيًا يسمح للمشاهدين برؤية الأشياء التي تظهر على الشاشة بالفعل. كانت أطروحة الشفافية موضوع قدر كبير من الجدل بين الفلاسفة وعلماء الجمال. غريغوري كوري، على سبيل المثال، يرفض أطروحة الشفافية بينما لا يزال يدافع عن شكل من أشكال الواقعية. يجادل بأن واقعية الفيلم هي نتيجة حقيقة أن الأشياء المصورة على الشاشة تؤدي إلى نفس القدرات التعريفية المستخدمة لتحديد الأشياء الحقيقية، ولا يزال النقاش حول الشخصية الواقعية للفيلم موضوع نقاش ساخن بين فلاسفة الفيلم. في الآونة الأخيرة، أثار ظهور التقنيات الرقمية لتشكيل الصورة أسئلة أساسية للغاية حول معقولية وجهة النظر هذه.

3. الفيلم والتأليف

الأفلام هي نتاج العديد من الأفراد الذين يعملون معًا. يتضح هذا عندما يشاهد المرء الاعتمادات في نهاية أي فيلم هوليوود حديث ويرى الأسماء التي لا تعد ولا تحصى التي تأتي من خلال التمرير. لصياغة عبارة، يتطلب الأمر قرية ما لتصنع فيلمًا، لذلك قد يبدو مفاجئًا أن هناك ميلًا كبيرًا بين علماء السينما لمعاملة الأفلام على أنها نتاج فرد واحد أو مؤلفها أو مؤلفها. في هذا الخط من التفسير، يكون مخرج الفيلم هو الذكاء الإبداعي الذي يصوغ الفيلم بأكمله بطريقة موازية للطريقة التي نفكر بها، على سبيل المثال، الأعمال الأدبية التي يتم تأليفها. اقترح فرانسوا تروفو فكرة المخرج كمخرج لأول مرة. - أصبح لاحقًا أحد المخرجين المركزيين في الموجة الفرنسية الجديدة. استخدم تروفو المصطلح بطريقة جدلية لتشويه سمعة الوضع السائد آنذاك في صناعة الأفلام الذي أكد على تكييف الأعمال الأدبية العظيمة مع الشاشة. في محاولة لتثمين أسلوب مختلف في صناعة الأفلام، جادل تروفو بأن الأفلام الوحيدة التي تستحق أن تكون فنًا معينًا هي تلك التي كان للمخرج فيها سيطرة كاملة على إنتاجه من خلال كتابة السيناريو بالإضافة إلى توجيه الممثلين فعليًا. الأفلام التي تم إنتاجها بهذه الطريقة هي الوحيدة التي تستحق أن تُمنح مكانة الأعمال الفنية، وقد تبنى الباحث والمراجع السينمائي الأمريكي الشهير أندرو ساريس نظرية تروفو من أجل إضفاء الشرعية على الدراسات السينمائية كنظام أكاديمي. بالنسبة إلى ساريس ، كانت نظرية المؤلف هي نظرية لتقييم الأفلام ، لأنها أوحت له بأن أعمال المخرجين العظماء هي الأعمال الوحيدة المهمة. في استخدامه الفردي إلى حد ما للفكرة، حتى أنه جادل بأن الأعمال المعيبة للمخرجين الرئيسيين كانت أفضل من الناحية الفنية من روائع الأعمال الصغيرة. كان الجانب الأكثر قابلية للدفاع في أفكاره هو التركيز على كامل إخراج المخرج. ضمن دراسات الأفلام، يُستمد التركيز على الدراسات السينوبتيكية للمخرجين الفرديين من نسخة ساريس من نظرية المؤلف، والنتيجة السلبية لتأثير التوحد هي الإهمال النسبي للمساهمين المهمين الآخرين في صناعة الفيلم. يقدم الممثلون والمصورون السينمائيون وكتاب السيناريو والملحنون والمخرجون الفنيون مساهمات كبيرة في الأفلام التي تقلل نظرية المؤلف من شأنها. بينما قدم تروفو المصطلح بطريقة جدلية لدعم أسلوب جديد في صناعة الأفلام، مال المنظرون اللاحقون إلى تجاهل سياق ملاحظاته. كنظرية عامة للسينما، إذن، من الواضح أن نظرية المؤلف معيبة. لا يمكن أن تُنسب كل الأفلام - ولا حتى كل الأفلام العظيمة - إلى سيطرة المخرج. الممثلون هم أوضح الأمثلة على الأفراد الذين قد يكون لهم مثل هذا التأثير الكبير على صنع فيلم معين بحيث يجب أن يُنظر إلى الفيلم على أنه يُنسب إليهم بشكل أكثر أهمية من المخرج. على الرغم من أن أفلام مثل تروفو قد تكون (في الغالب) نتاج مؤلفه، فإن فيلم كلينت ايستوود يدين بقدر كبير من نجاحه لوجود هذا الممثل. من الخطأ التعامل مع جميع الأفلام كما لو كانت مجرد نتاج لفرد مهم، هو المخرج. ومع ذلك، فإن العادات القديمة تموت ببطء، ولا يزال يتم الرجوع إلى الأفلام من خلال مخرجيها. لقد نقد أكثر عمومية لنظرية المؤلف هو تأكيدها على الأفراد. عمل معظم المخرجين العظماء الذين درسهم منظرو الأفلام ضمن مؤسسات مؤسسية محددة جيدًا، وأشهرها هوليوود. إن محاولة فهم الأفلام دون وضعها ضمن سياقها الأوسع للإنتاج، قد اعتُبرت عيبًا حقيقيًا في النظرية، وقد تلقى هذا النوع من نقد الذاتوية صياغة نظرية أكثر فيما بعد الحداثة، بإعلانها الشهير (أو سيئ السمعة) وفاة المؤلف. ما تؤكده هذه الإيماءة الخطابية الواعية للذات هو أن الأعمال الفنية، بما في ذلك الأفلام، لا ينبغي أن يُنظر إليها على أنها نتاج لذكاء متحكم واحد، بل يجب أن يُنظر إليها على أنها نتاج عصرها وسياقاتها الاجتماعية. لا ينبغي أن يكون هدف الناقد إعادة بناء مقاصد المؤلف بل عرض السياقات المختلفة التي تشرح إنتاج العمل بالإضافة إلى حدوده. في حين أن السياق المؤسسي العام هو بالتأكيد أمر حاسم لفهم الفيلم، فإن المؤلف ومع ذلك، فإن النظرية توفر تركيزًا مفيدًا لبعض الجهود في الدراسة العلمية للفيلم: استكشاف أعمال المخرجين الفرديين. ولكن حتى هنا، كان هناك قلق من أن النظرية تبالغ في التأكيد على مساهمة المخرج على حساب الأشخاص الآخرين - الممثلين ومديري التصوير وكتاب السيناريو - الذين قد تكون مساهماتهم مهمة بنفس القدر في صناعة بعض الأفلام على الأقل.

4. الالتزام العاطفي

تبدأ المناقشة الفلسفية لتورط المشاهد في الأفلام مع لغز تم طرحه حول العديد من الأشكال الفنية: لماذا يجب أن نهتم بما يحدث للشخصيات الخيالية؟ بعد كل شيء، نظرًا لأنها خيالية، لا ينبغي أن تهمنا مصائرهم بالطريقة التي تهمنا بها مصائر الأشخاص الحقيقيين. لكن، بالطبع، نتدخل في مصائر هذه الكائنات الخيالية. السؤال هو لماذا. نظرًا لأن العديد من الأفلام التي تجذب اهتمامنا هي أفلام خيالية، فإن هذا السؤال مهم لفلاسفة الفيلم للإجابة عليه، وإحدى الإجابات الشائعة في تقليد نظرية الفيلم هي أن سبب اهتمامنا بما يحدث لبعض الشخصيات الروائية هو لأن نتعاطف معهم. على الرغم من أن هذه الشخصيات مثالية للغاية، أو ربما لأن هذه الشخصيات مثالية للغاية - فهي أكثر جمالًا وشجاعة وسعة حيلة، وما إلى ذلك مما يمكن أن يكون عليه أي إنسان حقيقي - يتماثل المشاهدون معهم، وبالتالي يعتبرون أنفسهم مرتبطين بهذه الكائنات المثالية. لكن بمجرد أن نرى الشخصيات كنسخ من أنفسنا، فإن مصيرهم مهم بالنسبة لنا، لأننا نرى أنفسنا منغمسين في قصصهم. في أيدي المنظرين النسويين، تم استخدام هذه الفكرة لشرح كيف تستخدم الأفلام ملذات مشاهديها لدعم مجتمع متحيز جنسياً. المشاهدين الذكور للفيلم، تم عقده، والتعرف على نظرائهم المثاليين على الشاشة والاستمتاع بتجسيد النساء من خلال صور الشاشة التي يشاهدونها بسرور وأيضًا الروايات التي تأتي فيها الشخصيات الذكورية التي يتعرفون عليها لتمتلك الشخصية الأنثوية المنشودة جادل فلاسفة الفيلم بأن التعريف هو أداة فظة للغاية لاستخدامها لشرح تفاعلنا العاطفي مع الشخصيات، لأن هناك مجموعة متنوعة من المواقف التي نتخذها تجاه الشخصيات الخيالية التي نراها معروضة على الشاشة. وحتى لو تعاملنا مع بعض الشخصيات، فإن هذا لن يفسر سبب وجود أي ردود فعل عاطفية على الشخصيات التي لم نتعرف عليها. من الواضح أن هناك حاجة إلى سرد أكثر عمومية لمشاركة المشاهد مع الشخصيات السينمائية والأفلام التي تظهر فيها، والخطوط العريضة العامة للإجابة التي قدمها فلاسفة الفيلم عن مسألة انخراطنا العاطفي في الأفلام هو أننا نهتم بما يحدث في الفيلم. الأفلام لأن الأفلام تجعلنا نتخيل أشياء تحدث، أشياء نهتم بها. لأن الطريقة التي نتخيل بها الأشياء تؤثر على عواطفنا، فإن الأفلام الخيالية لها تأثير عاطفي علينا. هناك روايتان أساسيتان طرحهما الفلاسفة لشرح آثار الخيال علينا. تستخدم نظرية المحاكاة تشبيهًا بالحاسوب، قائلة إن تخيل شيء ما ينطوي على استجابة عاطفية معتادة للفرد للمواقف والأشخاص، فقط العواطف تعمل خارج الخط. ما يعنيه هذا هو أنه عندما يكون لدي استجابة عاطفية مثل الغضب لموقف متخيل، أشعر بنفس المشاعر التي أشعر بها عادةً فقط أنا لست أميل إلى التصرف بناءً على هذه المشاعر، على سبيل المثال، بالصراخ أو الرد بطريقة غاضبة، كما سأكون لو كانت العاطفة عبارة عن عاطفة كاملة. ما يفسر ذلك، إذن، هو سمة متناقضة على ما يبدو لتجربة السينما لدينا: يبدو أننا نستمتع بمشاهدة الأشياء على الشاشة التي نكره رؤيتها في الواقع. الحياة. السياق الأكثر وضوحًا لهذا الأمر هو أفلام الرعب، لأننا قد نتمتع بمشاهدة الأحداث والكائنات المروعة التي نرغب بشدة في عدم مشاهدتها في الحياة الواقعية. آخر شيء أرغب في رؤيته في الحياة الواقعية هو قرد عملاق هائج، ومع ذلك فأنا مفتون بمشاهدة معارض شاشته. يقول مُنظِّر المحاكاة أن السبب في ذلك هو أنه عندما نختبر عاطفة خارج الإنترنت قد تكون مؤلمة في الحياة الواقعية، فقد نستمتع في الواقع بوجود هذه المشاعر في أمان الوضع خارج الإنترنت. تتمثل إحدى المشكلات التي تواجه مُنظِّر المحاكاة في شرح ما يعنيه أن تكون العاطفة خارج الخط. على الرغم من أن هذه استعارة مثيرة للاهتمام، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كان منظري المحاكاة يمكن أن يقدم وصفًا مناسبًا لكيفية الاستفادة منها، وقد أطلق على حساب بديل لاستجابتنا العاطفية للسيناريوهات المتخيلة اسم نظرية الفكر. الفكرة هنا هي أنه يمكن أن يكون لدينا استجابات عاطفية لمجرد الأفكار. عندما قيل لي إن زميلًا صغيرًا لي حُرم ظلماً من إعادة التعيين، فإن التفكير في هذا الظلم كافٍ لتجعلني أشعر بالغضب. وبالمثل، عندما أتخيل مثل هذا السيناريو فيما يتعلق بشخص ما، فإن مجرد التفكير في معاملتهم بهذه الطريقة يمكن أن يثير غضبي. مجرد التفكير يمكن أن يجلب عاطفة حقيقية ما تدعي نظرية الفكر حول استجابتنا العاطفية للأفلام هو أن عواطفنا تأتي من الأفكار التي تخطر ببالنا أثناء مشاهدة فيلم. عندما نرى الشرير الغادر يربط البطلة البريئة بالمسارات، نشعر بالقلق والغضب من فكرة أنه يتصرف بهذه الطريقة وبالتالي فهي في خطر. ومع ذلك، فإننا ندرك طوال الوقت أن هذا مجرد موقف خيالي، لذلك لا يوجد إغراء للاستسلام لرغبة إنقاذها. نحن ندرك دائمًا أنه لا يوجد أحد في خطر حقيقي. نتيجة لذلك، ليست هناك حاجة، كما يقول المنظر الفكري، لتعقيدات نظرية المحاكاة لشرح سبب تأثرنا بالأفلام، كما توجد بعض المشاكل في نظرية الفكر أيضًا. لماذا يجب أن تكون مجرد فكرة، على عكس الاعتقاد، شيئًا يثير استجابة عاطفية منا؟ إذا كنت أعتقد أنك تعرضت للظلم، فهذا شيء واحد. لكن فكرة تعرضك للظلم شيء آخر. نظرًا لأنه لا يمكننا الحصول على معتقدات كاملة حول الشخصيات الخيالية في الأفلام، تحتاج نظرية الفكر إلى تفسير سبب تأثرنا بمصيرهم.

5. فيلم السرد

أفلام الخيال تحكي القصص. على عكس الوسائط الأدبية مثل الروايات، فإنهم يفعلون ذلك بالصور والصوت - بما في ذلك الكلمات والموسيقى. من الواضح أن بعض الأفلام لها رواة. هؤلاء الرواة هم بشكل عام رواة شخصيات ورواة هم شخصيات داخل العالم الخيالي للفيلم. يخبروننا بقصص الفيلم ويفترض أنهم يعرضون لنا الصور التي نراها. في بعض الأحيان، ومع ذلك، يقدم لنا السرد الصوتي نظرة موضوعية على ما يبدو لحالة الشخصيات، كما لو أنها نشأت من خارج عالم الفيلم. بالإضافة إلى ذلك، هناك أفلام روائية، أفلام تحكي قصصًا، لا يوجد فيها وكيل واضح يقوم بالقول. أدت هذه الحقائق إلى ظهور عدد من الألغاز حول السرد السينمائي التي ناقشها فلاسفة الفيلم. إحدى القضايا المركزية التي كانت موضع جدل بين الفلاسفة هي السرد غير الموثوق. هناك أفلام يرى فيها الجمهور أن الراوي الشخصي للفيلم لديه رؤية محدودة أو مضللة لعالم الفيلم. أحد الأمثلة على ذلك هو فيلم رسالة ماكس أوفولس من امرأة غير معروفة (1948)، وهو فيلم نوقش من قبل عدد من الفلاسفة المختلفين. غالبية الفيلم عبارة عن سرد صوتي من قبل ليزا بيرندل ، المرأة المجهولة من عنوان الفيلم ، والتي تقرأ كلمات الرسالة التي أرسلتها إلى حبيبها ، ماكس براند ، قبل وفاتها بفترة وجيزة. يرى الجمهور أن ليزا لديها وجهة نظر مشوهة للأحداث التي ترويها، وبشكل أكثر وضوحًا في سوء تقديرها لشخصية العلامة التجارية. يثير هذا السؤال حول كيف يمكن للجمهور أن يعرف أن وجهة نظر ليزا مشوهة، لأن ما نسمعه ونراه تروي (أو تعرضه). جادل جورج ويلسون (1986) بأن الروايات غير الموثوقة مثل هذه تتطلب افتراض راوي ضمني للفيلم، بينما جادل جريجوري كوري (1995) بأن المخرج الضمني يكفي. أصبح هذا السؤال وثيق الصلة للغاية مع تزايد شعبية أساليب صناعة الأفلام التي تتضمن سردًا غير موثوق به. أثار فيلم بريان سينجر المشتبه بهم المعتادون (1995) موجة من الأفلام التي لا يمكن الاعتماد على رواتها بطريقة أو بأخرى، ومن القضايا ذات الصلة المتعلقة بالسرد والتي كانت محور النقاش هي ما إذا كان لجميع الأفلام رواة، بما في ذلك أولئك الذين ليس لديهم رواة صريحين. في البداية، قيل إن فكرة السرد بلا سرد لم تكن منطقية، وأن السرد يتطلب وكيلًا يقوم بالسرد، وهو راوي الفيلم. في الحالات التي لا يوجد فيها رواة صريحون، يجب طرح الراوي الضمني لفهم كيفية وصول المشاهدين إلى العالم الخيالي للفيلم. رد المعارضون على أن الراوي بمعنى الوكيل الذي منح مشاهدي الفيلم إمكانية الوصول إلى العالم الخيالي للفيلم يمكن أن يكون صانع الفيلم، لذلك لم تكن هناك حاجة لفرض مثل هذا الكيان المشكوك فيه باعتباره راويًا ضمنيًا لفيلم. ومع ذلك، هناك مشكلة أعمق فيما يتعلق بسرد الفيلم حول ما يسمى "أطروحة الرؤية المتخيلة" (ويلسون 1997). وفقًا لهذه الرسالة، يتخيل مشاهدو الأفلام الخيالية السائدة أنهم ينظرون إلى عالم القصة ويرون أجزاء من العمل السردي من سلسلة من المنظورات البصرية المحددة. في نسخته التقليدية، يتم أخذ المشاهدين لتخيل شاشة الفيلم كنوع من النوافذ التي تسمح لهم بمشاهدة القصة تتكشف على "الجانب الآخر". ومع ذلك، يصعب على هذا العرض أن يأخذ في الحسبان ما يتم تخيله، على سبيل المثال، عندما تتحرك الكاميرا، أو عندما يكون هناك تعديل على لقطة تتضمن منظورًا مختلفًا على مشهد، وما إلى ذلك. ونتيجة لذلك، يتم عرض بديل تم اقتراحه، أي أن المشاهدين يتخيلون أنفسهم وهم يرون صورًا متحركة تم اشتقاقها فوتوغرافيًا، بطريقة غير محددة، من داخل العالم الخيالي نفسه. لكن هذا الموقف يواجه مشاكل، لأنه عادةً ما يكون جزءًا من خيال الفيلم أنه لم تكن هناك كاميرا في الفضاء الخيالي للسرد. يدور الجدل الناتج حول ما إذا كان سيتم رفض أطروحة الرؤية المتخيلة باعتبارها غير متسقة أو ما إذا كان من الممكن تطوير نسخة مقبولة من هذه الرسالة. لا يزال الفلاسفة منقسمين بشدة حول هذه القضية الأساسية، وبالتالي يظل موضوع السرد السينمائي موضوعًا للنقاش الفلسفي المكثف والبحث. المحاولات المختلفة لشرح طبيعتها لا تزال محل نقاش ساخن. مع انتشار أنماط جديدة وأكثر تعقيدًا لسرد الفيلم، من المحتمل أن يستمر موضوع السرد السينمائي في تلقي الاهتمام من الفلاسفة وعلماء الجمال.

6. الفيلم والمجتمع

أفضل طريقة لفهم الابتكارات التي قام بها الفلاسفة في فهمنا لكيفية ارتباط الأفلام بالمجتمع هي النظر إلى وجهة النظر التي كانت سائدة في نظرية الفيلم قبل بضع سنوات. وفقًا لهذا الرأي، فإن الأفلام الروائية الشعبية - خاصة تلك التي تنتجها "هوليوود" ، وهو مصطلح يشير إلى صناعة الترفيه الموجودة في هوليوود ، كاليفورنيا ، ولكنه يتضمن أيضًا أفلامًا روائية شعبية منتجة على نموذج مماثل - دعمت حتماً الاضطهاد الاجتماعي من خلال إنكار ، بطريقة أو بأخرى ، وجودها. تم تصوير مثل هذه الأفلام لتقديم لا شيء سوى القصص الخيالية التي استخدمت الطابع الواقعي للوسيط لتقديم تلك القصص الخيالية كما لو كانت صورًا دقيقة للواقع. وبهذه الطريقة، فإن الطابع الفعلي للسيطرة الاجتماعية التي يفترض أن مثل هذه النظرة أنها متفشية في المجتمع المعاصر قد تم حجبها لصالح صورة وردية لوقائع الوجود الاجتماعي البشري. بدراسة الأفلام الفردية بأنفسهم وجادلوا بأن بنية الفيلم السردي تعمل على المساعدة في الحفاظ على الهيمنة الاجتماعية. من وجهة النظر هذه، فإن التغلب على السرد بحد ذاته مطلوب حتى تكون الأفلام تقدمية بشكل حقيقي، وعلى عكس مثل هذه النظرة السلبية لعلاقة الفيلم بالمجتمع، جادل فلاسفة الفيلم بأن الأفلام الشعبية لا تحتاج إلى دعم الهيمنة الاجتماعية بل يمكنها حتى العطاء. التعبير عن المواقف النقدية الاجتماعية. من خلال طرح هذه الحجة، قاموا بتصحيح ميل نظرية الفيلم إلى إجراء تعميمات واسعة حول العلاقة بين الفيلم والمجتمع لا تستند إلى تحليل دقيق للأفلام الفردية. وبدلاً من ذلك، ركزوا على تقديم تفسيرات مفصلة للأفلام التي تظهر كيف تقدم رواياتهم آراء نقدية حول الممارسات والمؤسسات الاجتماعية المختلفة. تعد الطبقة والعرق والجنس والجنس من بين المجالات الاجتماعية المختلفة التي شاهد فيها فلاسفة الفيلم أفلامًا تقوم بتدخلات واعية اجتماعيًا وحاسمة في المناقشات العامة. ان أحد الأمثلة المثيرة للاهتمام على الأفلام التي تطور مواقف سياسية ليست مجرد داعمة للأنماط الحالية للسيطرة الاجتماعية هي تلك التي تنطوي على أزواج من أعراق مختلفة. لذا فإن فيلم ستانلي كرامر عام 1967، خمن من سيأتي للعشاء، يبحث في معقولية التكامل العرقي كحل لمشاكل العنصرية ضد السود في أمريكا من خلال تصويره للمشاكل التي تواجه زوجين من أعراق مختلفة. بعد ما يقرب من 25 عامًا، جادل سبايك لي في الغابة ضد الأجندة السياسية للفيلم السابق، مرة أخرى باستخدام زوجين عرقيين يواجهان العنصرية. هذه المرة فقط، يؤكد الفيلم أن العنصرية المتعنتة للأمريكيين البيض تقوض الاندماج باعتباره الدواء الشافي لأمراض هذا المجتمع العنصري. وتوظف العديد من الأفلام الأخرى هذا الشكل السردي للتحقيق في جوانب أخرى من العنصرية وإمكانيات التغلب عليها، وبالمثل، نظر الفلاسفة خارج هوليوود إلى أفلام صانعي الأفلام التقدميين مثل جون سايلز لتوضيح اعتقادهم بأن الأفلام الروائية يمكن أن تدلي ببيانات سياسية معقدة. يظهر فيلم مثل ماتيوان أنه يتضمن تحقيقًا متطورًا للعلاقة بين الطبقة والعرق كمواقع للسيطرة الاجتماعية، بشكل عام، يمكننا القول إن الفلاسفة قاوموا إدانة متجانسة للأفلام باعتبارها رجعية اجتماعيًا واستكشفوا الوسائل المختلفة لذلك اعتاد صانعو الأفلام على تقديم وجهات نظر نقدية حول مجالات الاهتمام الاجتماعي. في حين أنهم لم يتجاهلوا الطرق التي تقوض بها روايات هوليوود القياسية الوعي الاجتماعي النقدي، فقد أظهروا أن الفيلم السردي هو وسيلة مهمة للتفكير المجتمعي في القضايا الاجتماعية المهمة في ذلك اليوم.

خاتمة:

كيف أصبح الفيلم فلسفة وصارت الفلسفة فيلما؟

منذ أن طرد أفلاطون الشعراء من مدينته المثالية في الجمهورية، كان العداء للفنون مستوطنًا في الفلسفة. يرجع هذا إلى حد كبير إلى الفلسفة والأشكال الفنية المختلفة التي كان يُنظر إليها على أنها مصادر متنافسة للمعرفة والاعتقاد. لقد رفض الفلاسفة المهتمون بالحفاظ على حصرية ادعائهم للحقيقة الفنون باعتبارها ادعاءات سيئة لقب مروّعي الحقيقة، وقد عارض فلاسفة الفيلم هذا الرأي عمومًا، ورأوا الفيلم كمصدر للمعرفة وحتى كمساهم محتمل في الفلسفة نفسها. تم التعبير عن هذا الرأي بقوة من قبل ستانلي كافيل ، الذي ساعد اهتمامه بفلسفة الفيلم على إطلاق تطور المجال. بالنسبة لكافيل ، الفلسفة تهتم بطبيعتها بالشكوك والطرق المختلفة التي يمكن التغلب عليها. جادل كافيل في العديد من كتبه ومقالاته بأن الفيلم يشارك هذا الاهتمام بالفلسفة ويمكنه حتى تقديم رؤى فلسفية خاصة به. وحتى وقت قريب، كان هناك عدد قليل من المؤيدين لفكرة أن الأفلام يمكن أن تصنعها مساهمة فلسفية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن ربط كافيل للفيلم بالشك يبدو غير قائم على أسس كافية، في حين أن روايته للشك كخيار حي للفلسفة المعاصرة مبنية على خصوصية عالية للغاية. قراءة تاريخ الفلسفة الحديثة. ومع ذلك، فإن تفسيرات كافيل لمقابلة الأفلام الفردية مع التشكك موحية للغاية وقد أثرت على العديد من الفلاسفة وعلماء السينما بالجدية التي يأخذون بها الفيلم. لكن، ومع ذلك، هناك نقاش مستمر حول القدرة الفلسفية للفيلم. في مقابل وجهات نظر مثل وجهة نظر كافيل ، جادل عدد من الفلاسفة بأن الأفلام يمكن أن يكون لها على الأكثر وظيفة إرشادية أو تربوية فيما يتعلق بالفلسفة. أكد آخرون أن هناك حدودًا واضحة لما يمكن أن تحققه الأفلام فلسفيًا. يعتبر كلا النوعين من وجهات النظر أن الطابع السردي للأفلام الروائية هو حرمانها من أن تكون الفلسفة حقًا أو تمارسها، وقد أشار المعارضون لوجهة النظر هذه إلى عدد من الطرق المختلفة التي يمكن للأفلام من خلالها القيام بالفلسفة. ومن أهم هذه التجارب الفكرية. تتضمن تجارب الفكر سيناريوهات خيالية يُطلب فيها من القراء تخيل ما ستكون عليه الأشياء إذا كان كذا وكذا هو الحال. أولئك الذين يعتقدون أن الأفلام يمكن أن تفعل الفلسفة بالفعل يشيرون إلى أن أفلام الرواية يمكن أن تعمل كتجارب فكرية فلسفية وبالتالي يمكن اعتبارها فلسفية. تم اقتراح العديد من الأفلام كمرشحين لممارسة الفلسفة، بما في ذلك فيلم واتشوسكي براذرز لعام 1999 ، المصفوفة ، وهو فيلم أحدث نقاشًا فلسفيًا أكثر من أي فيلم آخر ، تذكار (2000) ، و أشعة الشمس الأبدية للعقل النظيف (2004). بدأ الفلاسفة أيضًا في الانتباه إلى سلسلة من صناعة الأفلام الطليعية المعروفة باسم الأفلام الهيكلية. هذه الأفلام هي نظائر للحد الأدنى في الفنون الأخرى، وبالتالي تثير التساؤل عما إذا كانت تجارب فعلية تسعى إلى إظهار المعايير الضرورية لشيء ما أن يكون فيلمًا. إذا تم قبول هذا الرأي، فإن هذه الأفلام - تشمل الأمثلة على الرجفة (1995) وسرعة سيرين (1970) - يمكن اعتبارها مساهمة في الفلسفة من خلال تحديد هذه السمات الضرورية المفترضة للأفلام. هذا الرأي، على الرغم من تبنيه من قبل نويل كارول، تم انتقاده أيضًا على أسس مماثلة لتلك المستخدمة لإنكار الإمكانات الفلسفية للأفلام الخيالية، أي أن الأفلام لا يمكنها فعلاً "العمل الشاق" الفلسفة. دعا الفلاسفة العاملون في التقليد القاري إلى تفسير أكثر شمولاً لمساهمة الفيلم في الفلسفة. في الواقع، تم تقديم مصطلح "فلسفة الفيلم" للإشارة إلى الشكل الجديد المزعوم للفلسفة الذي يحدث في الفيلم. ومهما كان الموقف الذي يتخذه المرء بشأن إمكانية "الفلسفة السينمائية"، فمن الواضح أن الفلاسفة قد أدركوا الصلة الفلسفية للفيلم. حتى أولئك الذين ينكرون أن الأفلام يمكن أن تفعل الفلسفة فعليًا أن يعترفوا بأن الأفلام توفر للجمهور إمكانية الوصول إلى الأسئلة والقضايا الفلسفية. وبالفعل، فإن نجاح سلسلة الكتب بعنوان "الفلسفة والشيء المجهول"، حيث يمكن للمرء أن يستبدل أي فيلم أو برنامج تلفزيوني بـالشيء المجهول، يشير إلى أن الأفلام تلفت انتباه جمهور واسع إلى القضايا الفلسفية. لا يمكن أن يكون هناك شك في أن هذا تطور صحي للفلسفة نفسها. هكذا صبحت فلسفة الفيلم مجالًا مهمًا للبحث الفلسفي والجمالي. ركز الفلاسفة على القضايا الجمالية حول الفيلم كوسيط فني - فلسفة الفيلم - والأسئلة حول المحتوى الفلسفي للأفلام - الأفلام كفلسفة. يستمر تطور وكمية المساهمات في كلا المجالين في الازدياد، حيث أخذ المزيد من الفلاسفة الفيلم على محمل الجد كموضوع للتحقيق الفلسفي، ومع استمرار التوسع في تأثير الفيلم والوسائط الرقمية المرتبطة به على حياة البشر، يمكن توقع أن تصبح فلسفة الفيلم مجالًا أكثر حيوية للبحث الفلسفي. في السنوات القادمة، يمكننا أن نتطلع إلى مساهمات جديدة ومبتكرة في هذا المجال المثير للبحث الفلسفي.