الرسالة الستون: رام الله تنتظرنا لنختبر الحبّ والحياة معاً/ فراس حج محمد



الثلاثاء: 22/6/2021

أسعدت أوقاتاً، ومتّعك الله بالرضا وراحة البال. منذ ثلاثة أيام وأنا أحاول كتابة هذه الرسالة. لم أكن أستطع أن أنشئ لك رسالة جديدة، لا أدري ماذا حلّ بلغتي وألجم الأفكار. على كلّ ها أنا أحاول للمرة الخامسة. كم هي صعبة أحيانا الكتابة. لا بأس، سأحاول مرة أخرى لعلي أنجح. لقد كتبت ومحوت وتأففت، وانزعجت، كتبت أيضا على الورق فمزّقت وتألمت. شيء غريب أصاب لغتي بالشلل التام. ربما يحدث معك هذا أليس كذلك؟ فمأزق الورقة البيضاء مزعج ومقلق، ويشعر بالضجر، وبالحزن أحياناً.

اليوم أكتب لك من البيت، سأتوجه إلى رام الله، ثمة عمل مشترك سنقوم به أنا والدكتور لينا الشخشير، تنسيق لفعاليات ثقافية في المدينة، سنلتقي العم نقولا عقل، في مقر مكتبة الرعاة، وسنلتقي المسرحي المشاكس نضال الخطيب، مؤسس مسرح الطنطورة. نضال شخص رائع جدا، عائلته كلها ممثلة معه، يشكلون فرقة؛ عائلة فنية مسرحية؛ زوجته وأولاده. ابنه موسى تعرفت إليه في نابلس السبت الماضي، فتى في مقتبل الحياة، حاصل على جوائز في المسرح. اليوم نحن في ضيافته في بيته لنتعرف إلى عائلته. تذكرني هذه العائلة بعائلات فنية معروفة، كعائلة بندلي وعائلة الرحابنة. وعائلة سمير غانم، وبكثيرين آخرين غير هؤلاء العمالقة.

سأبلغك ببعض التفاصيل عن هذه الجولة في رسالة قادمة، أرجو أن تكوني سيطرت على الوقت، واستطعت إنجاز جانب كبير من العمل. أعرف أن العمل لا ينتهي والعمر ينفد بسرعة، ولكن علينا ألا ننسى أننا بشر ولنا على أنفسنا حقوق إنسانية وترفيهية. حاولت الاتصال بك هاتفيا، لم يكن الحظ موالفا لي، فلم أسمع صوتك ولا رنة ضحكتك. اقترب الوقت كثيرا؛ يوم السبت القادم سيكون -كما أبلغتك سابقا- حفل توقيع ومناقشة لكتاب "نسوة في المدينة" في الخليل. آمل أن تسير الفعالية كما هو مخطط لها في ذهني، على الرغم من أنه إلى الآن لم يعلن الدكتور أحمد الحرباوي عن الموعد والبرنامج. حاولي أن تكوني موجودة بكل ما استطعت، فوجودك حريّ أن يجعل للمكان وللوقت بهجة خاصة.

الأسبوع الحالي أسبوع جيد عموماً أنهيت أعمالي المكتبية، ولم يتبق عليّ أي عمل أقوم به تجاه الوظيفة. وفعاليات يوم السبت كانت ناجحة، الأمسية الشعرية والمعرض الفني؛ (33) فنانا فلسطينيا من الداخل الفلسطيني المحتل شاركوا بالمعرض، رائعة تلك الفسيفساء التي تشكلت في بهو المعرض، ما أثار الانتباه أن عدد الفنانات أكثر من عدد الفنانين. هل هذه مشكلة؟ لا أدري كيف تفسرين الأمر، ربما النساء تحبّذ اللجوء إلى اللوحة لتعبر أكثر من الكتابة، الكتابة فاضحة، لكن اللوحات مخازن الأفكار، تنتقل من حبسها في القلب إلى حبسها في إطار خشبي، فتنتقل الأفكار من سجن إلى سجن. ربما وقت الفراغ هو المسؤول عن هذه الكثرة في عدد الفنانات. عندنا في قطاع التعليم، صرنا نشهد تفوق الطالبات على الطلاب، والمعلمات على المعلمين، حتى المتقدمين للوظائف يقل عدد المتقدمين ويكثر كثيرا عدد المتقدمات. هل نشهد بعد فترة من الزمن تأنيث لقطاع الإنتاج، وخاصة وظائف التعليم والاتصالات والبنوك والتعامل مع الجمهور عموماً. والثقافة أيضا فمن الملاحظ أن عدد الكاتبات في ازدياد، كأنهن يردن تعويض الماضي والتفوق على الكتّاب في العدد، وفي الإنتاج، وربما في النوعية، فالكثرة لا بد من أنها ستحتوي من بينها أعمالاً جيدة. وقد يكون صحيحا أحيانا أن التراكم الكمي يؤدي إلى تراكم نوعي جيد.

إن هؤلاء الفنانات- وخاصة بعض مَن عملت معهن مقابلات- لم يحترفن الرسم، إنما هنّ من "الهواة"، وكنّ يجدن صعوبة في التعريف بأعمالهنّ، لقد طلب العديد منهن أن أعيد التسجيل مرات متعددة، لسن مشبعات بالفن ولا بالرؤيا ولا بالفكرة، إنما مجرد تأطير ورسم خال من الهدف أحيانا، سوى الرغبة في الرسم نفسه. أغلبهن صبايا بعمر الورد، فيهن شهوة الحياة ونشوتها، فرحات بالمشاركة. لقد كانت فرصة لهن- على أقل تقدير- أن يأتين إلى نابلس ضمن رحلة فنية في حافلة واحدة. هذا جيد في ذاته أن يسافرن هذه المسافة من أجل أن ينظر الآخرون إلى أعمالهنّ. لقد أحببت فيهن الإصرار والعزيمة والثقة بالنفس والجمال وتلك السمرة الكنعانية التي تحلي قسمات وجههن.

هناك الكثير مما أرغب في قوله. ولكن عليّ أن أنهي الرسالة، وأعدّ نفسي للسفر إلى رام الله، أرجو أن تقرئي الرسالة وتوافيني بردك الذي أنتظره بلهفة كل العاشقين، ليفرح القلب وينتشي. كوني بخير لأكون سعيداً. 

المشتاق للمسة من راحتيك والتمتع بالنظر إلى جمال قدّك الميّاس، أيتها الجميلة روحا وفكرا وجسدا وشهوة ولذّة حياة. أحبّك وبانتظار لقائك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق