مستقبل حكومة بينيت/ د. رائف حسين


 

الاكثرية الساحقة من المحللين والخبراء السياسيين والمطلعين على خفايا السياسه في إسرائيل يتوقعون عمرا قصيرا لحكومة نفتالي بينيت وائتلافها الثماني … ‏هؤلاء جميعا يستندون إلى أن ما يجمع هذا الثماني الغريب العجيب على بعضه هو فقط اتفاقهم ورغبتهم وتطلعهم على الإطاحة ببنيامين نتانياهو وابعاده عن سدة الحكم .

ويكملوا هؤلاء قراءتهم لمستقبل الحكومه ويتفقون على ان هذه الحكومة سوف تنهار سريعاً أمام أسئلة ومعضلات سياسية استراتيجية تتعلق في فهم الدولة لنفسها و تعاملها مع محيطها الفلسطيني  ومحيطها الشرق اوسطي.

في الحقيقة ان هذه القراءة وهذه الاستنتاجات التي تتعلق بحكومة نفتالي بينيت ومستقبلها ليست جذرية بالكفاية وهي اقرب الى الامنيه منها الى التحليل السياسي العميق. 

صحيح ان ثلثي المشاركين في هذا الائتلاف كان هدفهم الاول اسقاط عرش نتانياهو لكن مركبين مركزيين هما نفتالي بينيت ومنصور عباس لم يكن عندهم مشكله في ان يستمر نتانياهو بالحكم وان يدخلوا معه في ائتلاف حكومي … كل ما في الامر ان ما قدمه نتانياهو لمنصور عباس من فتات كان اقل مما حصل عليه من لبيد وما عُرِض على بينيت من قبل نتانياهو هو ان يبقى الرجل الثاني بينما قدم له لبيد كرسي الحكم له ولحزبه. 

في الحقيقة ان ما يجمع هذا الائتلاف الثماني ويجعلة يرص صفوفه هو حاجة كل مركباته، دون استثناء، الى تسجيل نجاحات عينيه في فترة حكمها، ولو القصيرة، لتقدمها الى ناخبيها الذين وافق بعضهم على هذه التركيبه الائتلافية على مضض. 

فقط الانجازات الزبائنية هي التي تضمن للمركبات الثمانيه لهذا التحالف ان تذهب الى انتخابات جديدة، ان حصلت، بقلب شبه مطمأن ان تحصل على النتيجه التي حصلت عليها في الانتخابات الاخيرة. الكل يعرف ان قطاعات من مؤيدي وناخبي احزاب التحالف الثماني امتعض كثيراً من هذه التركيبة ومنهم من غادر صفوف حزبه ايضاً… لذا اصبحت الاولويه لهذه الاحزاب وقياداتاتها ان تصل باسرع وقت الى تسجيل انجازات تخدم مصالح زبائنه.

 مركبات حكومة بينيت تغض النظر عن سياسات وتصريحات بعضها البعض، التي تصل احيانا الى حد التناقض الحاد، لا لشيء الا لكي لا تهدد استمرار هذا التحالف. هذا السيناريو راقبناه في توزيع الوزارات وراقبناه في الخطوات الاولى التي قامت بها هذه الحكومه من تصريحات بينيت حول مناطق ج في فلسطين المحتله ونيته على تسريع الاستيطان هناك الى تهديد غزه بحرب جديده عليها والسماح الى قطعان المستوطنين باقامة مسيرة الاعلام الفاشية في القدس المحتل … الى النقاش حول قانون لم الشمل العنصري والاعتداءات الاخيرة على اهل السيخ جراح والمداهمات اليومية لبيوت الشباب الفلسطيني في الداخل وامور اخرى حدثت في الاسابيع الاولى لهذه الحكومه. والمستقبل كفيل بان يبرهن لنا ان مركبات هذا التحالف العجيب سوف تغض النظر اكثر عن امور عديدة يقوم بها هذا المركب ووزراءه بدافع الزبائنية دون الالتزام بالخطوط الدقيقة لهذه الحكومه. هذه الحاله المبنية على الخوف من سقوط هذه الحكومة سريعا دون انجازات عينيه تدفع الى التكاتف ورص الصفوف فيما بينها…وبالنتيجة الى اطالة عمر هذه الحكومه ليتعدى السنه على الاقل. 

الذهاب الى انتخابات سريعه، بعد اشهر بانجازات متواضعه، يعني الانتحار السياسي البطيء لجميع مركبات هذا التحالف… والنتيجه ممكن ان تكون عوده نتانياهو الى سده الحكم، ان لم تكن المحاكم خلال هذه الفترة قد اصدرت حكم بالقضايا المرفوعه ضده. والارجح ان تطول جلسات محاكم نتانياهو اشهر  واستراتيجية دفاعه سوف تكون " الطبخ على نار هادئة" وان امكن افتعال امور عديدة لايقاف المرافعات حتى ينهار تحالف بينيت دون تحقيق شيء يذكر ممكن ان تقدمه مركبات هذه الحكومه لناخبيها.  

هنالك سيناريو اخر لحكومة بينيت يُمَّكِنها، ان حدث، ان تكمل سنواتها الاربع بهدوء وراحة وان تحقق انجازات كبيرة في مشروعها العنصري. 

في صلب هذا السيناريو المحتمل تقع محاكمة نتانياهو وبدء اطراف مؤثرة في حزب الليكود بالابتعاد عنه في محاولة تموضع جديدة في فترة ما بعد نتانياهو. رفض المحاكم تأجيل النظر في قضايا نتانياهو الى ما بعد الاعياد اليهوديه كان مؤشر واضح  في الرغبة بالاسراع لانهاء هذا الملف … وتصريحات الوزيرة والقيادية السابقة في اليكود ليمور ليفنات في هجوم غير مسبق على رفيقها بالحزب ورئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، عبر سلسلة مقالات كتبتها في يديعوت احرونوت وتصريحات اطراف اخرى من الحزب حول مستقبل نتانياهو واتهامه حتى بانه دمر الحزب واساءه للسمعة السياسيه باسرائيل عبر عنجهيته وترويجه للاشاعات الكاذبه… كل هذا يشير الى ان الليكود يحضر نفسه الى بداية جديدة دون نتانياهو. ان تمت محاكمة نتانياهو وادانته هذا يعني ان الليكود سيبدأ مرحلة جديدة ممكن ان توصله الى المشاركة بالحكم مع باقي اطراف اليمين، من ساعر وبينيت وغانس ولبيد وليبرمان دون الفاشي بن غفير ودون الاحزاب الدينيه. 

هذا السيناريو، ان بدأت معالمه توضح في ترجيح ادانة نتانياهو سيكون تحقيقه على مراحل…تبدأها بافتعال امر كبير، مشروع استيطاني، او حرب على غزه او امر يتعلق بالقدس ومناطق ج،  يزعج الاطراف الثلاثه على يسار اليمين، اي يزعج حزب العمل وميرتس والموحدة وذلك لحثهم على الخروج من هذا الائتلاف واستبدالهم بمرحله موازيه "بالليكود الجديد" وتشكيل حكومة " وحدة وطنيه" لمواجهة التحديات. هذا السيناريو سوف يعطي بينيت كل الامكانيات لتنفيذ اجندته العنصريه بهدوء واستمرار قيادته للحكومه حتى النهايه… وانا ارشح انه في مرحلة لاحقة ممكن ان يتخلص ايضا من لبيد ليبقى، بدعم من "الليكود الجديد"،  رئيسًا للحكومة لفترة كاملة. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق