قيود ملكية على خيارات الزعيم الماليزي/ د. عبدالله المدني

 



من المعروف أنه لولا الظروف الإستثنائية التي خلقتها جائحة كورونا لما استطاع رئيس الحكومة الماليزية الحالي محيي الدين ياسين البقاء في السلطة كونه لا يملك سوى أغلبية برلمانية هشة قابلة للتفكك. لقد تمكن ياسين بذكاء وبراعة استغلال تداعيات الجائحة لصالحه من خلال إقناع ملك البلاد السلطان عبدالله ابن السلطان أحمد شاه بإعلان حالة الطواريء في ماليزيا، فاستخدم الأخير صلاحياته الدستورية واستجاب لمقترحات رئيس حكومته، علما بأن العاهل الماليزي، الذي لا يتمتع إلا بسلطات شكلية، يمنحه الدستور حق إعلان الطواري في حالات وجود تهديد أمني خارجي أو أزمة إقتصادية أوإخلال بالنظام العام.

وهكذا حال قانون الطواريء دون انعقاد جلسات البرلمان التي لو كانت قد عقدت لجرى حجب الثقة عن حكومة ياسين، خصوصا في ظل عدم تمتعها بأغلبية قوية وثابتة ومتماسكة، وكثرة المنافسين لها والمتآمرين عليها، ناهيك عن المزايدات والخلافات والانشقاقات والمساومات بين الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان منذ أن انهى رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد تقاعده الإختياري عن العمل السياسي وعاد إلى السلطة في مايو عام 2018 قبل أن يستقيل في فبراير عام 2020 طمعا بتكليف جديد يبقيه في الحكم ويقطع الطريق على حليفه (عدوه السابق) أنور إبراهيم لخلافته كما كان متفقا عليه بينهما، وهو ما تنبه له العاهل الماليزي، فضرب أطماع العجوز مهاتير في مقتل بتكليف ياسين بديلا عنه في مارس 2020. وقتها أصدر الملك بيانا قال فيه: "لايمكن السماح باستمرار تفاقم المشاحنات السياسية في البلاد دون نهاية، لذلك وتمشيا مع أحكام الدستور الإتحادي وجدت أن محيي الدين ياسين يحظى بدعم الأغلبية من أعضاء مجلس النواب ومؤهل لتعيينه ليكون ثامن رئيس للوزراء". وقد عدّ البعض قرار الملك بأنه أول تدخل من عاهل ماليزي، منذ إستقلال البلاد في عام 1957، في الشأن السياسي، وذلك لأنه جرت العادة في ماليزيا أن يسمى الملك رئيس الوزراء بناء على مشاوراته مسبقة مع الكتل البرلمانية، كما في الديمقراطيات العريقة.

في منتصف يونيو الماضي دعا العاهل الماليزي إلى ضرورة عودة البرلمان الإتحادي والمجالس التشريعية المحلية إلى الإلتئام بأسرع وقت لمناقشة حالة الطواريء وخطط الحكومة لمواجهة انتشار وباء كورونا، وطالب في الوقت نفسه بتجاوز الإشكالات البيروقراطية والخلافات السياسية وتسريع حملة التطعيم لجميع سكان البلاد البالغ تعدادهم نحو 32 مليون نسمة (بحسب إحصائيات 2019)

وكان الملك عبدالله ابن السلطان أحمد شاه قد ترأس إجتماعا لسلاطين الولايات الماليزية لإستطلاع آرائهم حول الوضع في البلاد، ويبدو أنه سمع من بعضهم ملاحظات حول أداء حكومة ياسين لجهة تعاملها مع الجائحة وتداعياتها، وكيف أن قرارها بالإغلاق العام الصارم منذ الأول من يونيو الماضي أثر سلبا على المصالح الاقتصادية والمعيشية للسكان، ناهيك عن سنها للكثير من القوانين وإقرارها لإنفاقات مالية كبيرة دون رقابة برلمانية. وكان الملك قد إلتقى أيضا في وقت سابق بزعماء الأحزاب السياسية لنفس الغرض، ومما تسرب عن هذا اللقاء أن السياسي المعارض المعروف أنور إبراهيم كان أكثر من أعرب عن إعتقاده بأن حالة الطواريء أضرت أكثر مما نفعت، وكان من أشد الذين تمنوا على الملك ألا يمدد حالة الطواريء. وهذا الموقف لم يكن مستغربا البتة من إبراهيم المعروف عنه طموحاته لتولي قيادة البلاد بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى منها مرتين، وفي كلتاهما خـُدع من قبل رفيق عمره مهاتير محمد.

والحقيقة أنه على الرغم من قرار الإغلاق الصارم، فإن ماليزيا سجلت أكبر عدد من الإصابات نسبة إلى عدد السكان في منطقة جنوب شرق آسيا (نحو 600 ألف إصابة) مع عدد وفيات بلغ 3100 (ثالث أكبر رقم في المنطقة بعد أندونيسيا والفلبين). ولهذا استبق ياسين إجتماع الملك بسلاطين الولايات بإطلاق خطة وطنية للتعافي ووضع شروط واجبة التنفيذ قبل اي تفكير بإلغاء قرار الإغلاق مع وعد منه بدعوة البرلمان للإنعقاد في سبتمبر المقبل في حال انخفاض المعدل اليومي للإصابات إلى 2000 إصابة من معدله الحالي والبالغ 5000 إصابة. وقال محيي في خطاب متلفز أن خطة حكومته تتضمن الوصول إلى الرقم 500 كمعدل إصابات يومي بحلول نوفمبر القادم كي يتم  السماح بالسفر داخل البلاد وإقامة الأنشطة الإجتماعية المختلفة.

ويظل السؤال القائم في ماليزيا هو عما إذا كانت الضغوط ستجبر ياسين على تنفيذ وعده بانعقاد البرلمان في سبتمبر أو أنه سيماطل مستخدما جائحة كوروبنا كذريعة للتأجيل مرة أخرى؟ أما السؤال الآخر فهو عن كيفية سير الأمور في البرلمان في حال انعقاده، وعمن سيكون صاحب الحظ الأوفر لقيادة البلاد بدلا من ياسين؟ وعما إذا كان كارهو الأخير ومنافسوه سوف يستلون سيوفهم لإلحاقه برئيس الوزراء الأسبق نجيب رزاق، بمعنى تقديمه للمحاكمة بتهم مثل التجاوز واستغلال النفوذ خلال الفترة التي شغل فيها المنصب السياسي الأعلى في البلاد؟.

د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

تاريخ المادة: يوليو 2021م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق