عام 2013، صدر كتاب في بيروت للكاتبة والإعلاميّة مهى سمارة بعنوان: "فيليب سالم الثائر والعالم والإنساني"، عن دار النهار ودار الساقي. وأكّدت الكاتبة أنّ البروفسور سالم تعلّم من البحث العلمي "أنّه إذا لم تتمرّد على الdogma، لا يمكنك الوصول إلى الحقيقة. كما تعلّم سالم من الحياة "أنّه إذا لم تَثُرْ على الواقع لا يمكنك صنعُ مستقبل أفضل منه"، فكيف إذا كان الواقع ما هو عليه الآن في لبنان؟
مسيرة فيليب سالم "الطالب المتمرّد" كما عُرِف خلال مراحل دراسته، هي دعوة مستمرّة للتمرّد على أسلوب التلقين في المدرسة والجامعة، وعلى التقاليد البالية. لأنّ التمرّد، برأي سالم، هو محاولة حقيقيّة للسير باتّجاه غدٍ زاهر ومستقبل أفضل. بل إنّ التمرّد هو، كما يقول جبران خليل جبران "سرّ الخلق والإبداع"!
يؤكّد سالم أنّه بين الثورة والحصول على الحريّة مسافة شاسعة فيها الكثير من المطبّات والتضحيات. لكنّ الثورة تفتح الأبواب المغلقة، للإنطلاق باتّجاه "الشمس والحريّة"...
يخشى الدكتور فيليب سالم تطورات الأوضاع في لبنان ويتخوّف على مصير اللبنانيين، علمًا أنه يؤكد دومًا أن لا خوف على لبنان الوطن والرسالة. هو منذ العام 2011 يكتب بأن لبنان ذاهب إلى أزمة كبيرة سياسيًا واقتصاديًا وماليًا واجتماعيًا ويدعو إلى ثورة لا تستخدم العنف... بل وردة مقابل فأس الجلادين!
يُعتبر فيليب سالم من دُعاة الثورة الأوائل... لكن "ثورته" بيضاء لا حمراء، كونه لا يؤمن بـ"ثورة النار وثورة السلاح، بل بثورة الفكر، ثورة العمل، ثورة الحضارة". يرى بأن "التغيير" تفرضه الثورات ويدعو لقيام المجتمع المدني القادر وحده على إقامة تغيير حقيقي، لأن الطبقة السياسية ليس من مصلحتها قيام إصلاح أو تغيير أو تقدّم في لبنان لانها طبقة فاشلة وفاسدة...
فيليب سالم استشرف إنتفاضة لبنان، ورسم خطوات الثورة بمقالاته في صحف العالم بالعربية والإنكليزية، في صحف لبنان وكبريات الصحف في الخارج. وافتتاحياته في جريدة "النهار" اللبنانية مؤشر واضح على دعمه لاستمرار الثورة، حيث يدعو دومًا إلى أن تبقى جذوتها مشتعلة.
استشرف فيليب سالم الثورة قبل اندلاعها وواكب مسيرتها منذ 17 تشرين الأول 2019. وكانت مقالاته مدويّةً وهادفة ومواكبة لأقدس وأشرف "انتفاضة عرفها لبنان في تاريخه الحديث".
يقول سالم في احدى افتتاحياته في "النهار": من زمان، ونحن ننتظر هذه الثورة. ومن زمان نحن نقول ان الذين أخذوا لبنان إلى قعر الذلّ، لا يمكنهم أن يرفعوه إلى قمّة الكرامة. وكم قُلنا إنّ مسؤولية قيامة لبنان هي مسؤولية شعبه، مسؤولية المجتمع المدني فيه. إذ إنّ السلطة السياسية لا تريده أن يقوم من "موته"... تعالَ وأنظر كيف انشقّ اللبناني عن طائفته ومذهبه ومنطقته وزعيمه وتسلّق إلى لبنان.
يؤكد: كنا ندعو، أيها الثوار، إلى التمرد دون عنف. فعلّمتمونا شيئًا أعظم. التمرد الحضاري. وها قد أعطيتم العالم أروع نموذج للثورة الحضارية...
يدعو البروفسور سالم إلى تحديد أهداف الثورة، التي يجب أن تكون أقرب إلى "الحلم" منها إلى الواقعية الضيّقة لأن الأهداف الكبرى تبدأ دائمًا بالحلم. وفي التفاصيل يدعو سالم في أول مقالٍ له بعد اندلاع ثورة تشرين 2019 إلى اتباع برنامج عملي. فالأهداف تسلسلية، تدريجية، تبدأ بتأليف حكومة جديدة وتنتهي ببناء الدولة المدنية. بين الحكومة والدولة المدنية مسار طويل يمرّ بوقف الهدر فورًا، واستعادة الأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين، إلى انتخاب برلمان جديد، وعمليات اصلاح جذري لمؤسسات الدولة، إلى بناء الدولة. ثم فصل الدين عن الدولة وعن التربية، وفصل لبنان عن المحاور وتحييده، إلى بناء الدولة المدنية.
يرفض فيليب سالم أن "يرضخ اللبنانيون للذلّ"، ويتأقلموا مع الواقع، ويلوذوا بالصمت. يريد أن يخرجوا من "القعر ومن الموت السريري". يريدهم أن يعودوا إلى "الحياة" الحقيقية. ويدعو إلى وحدة الثورة ووحدة الثوار "لأن الثورة وحدها تعيدنا وتعيد لبنان إلى الحياة".
ويحمّل الدكتور سالم "حزب الله" و"السلاح غير الشرعي" مسؤولية الانهيار القائم في البلاد. وإذا كان "حزب الله يمتلك قوة السلاح فإن اللبنانيين يمتلكون قوة الحق. ويمتلكون أيضًا الحقّ في الأرض". وهو بالتالي يرفض إيديولوجية "حزب الله" المتجذرة في الدين، فيما يدعو للعمل على فصل الدين عن الدولة وبناء الدولة المدنية في لبنان. أما لبنان فهو وطن الرسالة. والرسالة تكمن في التعددية الحضارية واحترام الآخر، ومعانقة المسيحية للاسلام، ومعانقة حضارة الشرق لحضارة الغرب.
ومع اعتراف سالم بما يمثّل حزب الله يؤكد أنه لا يريد التصادم مع الحزب ويدعوه إلى "مصالحة" مع لبنان وإنجاز تسوية تاريخية لسلاح الحزب وأدواته العسكرية.
يتوجّه فيليب سالم إلى طلاب الجامعات في لبنان، فيدعوهم إلى أن "يثوروا ويتمرّدوا" محذرًا من استخدام العنف. فالدول لا تُبنى بالعنف الذي يورّث أحقاداً، والأحقاد تفتك بصاحبها قبل أن تفتك بالآخرين.
سكنت القضيّة اللّبنانيّة عقل فيليب سالم وروحه، واحتلّت مساحة واسعة في حياته ورافقت خياله وتفكيره ونشاطه السياسي، وصبّ كل اهتمامه من أجل تحقيق هدف واحد هو خدمة لبنان وقضيته، إلى جانب رسالته الإنسانية والطبية لعلاج مرضى السرطان في كل بقعة من الدنيا.
من هنا أيضًا تأتي دعواته المتكررة إلى "الحياد الإيجابي" بشكل أساسي لانقاذ لبنان من مخاطر الانحياز المدمّر إلى جهات إقليمية أو دولية، أدّت إلى إيصال لبنان إلى القعر الذي يتخبّط فيه إقتصاديّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً.
فيليب سالم هو "مُلْهِمُ الثورة" في لبنان، كما يردّد كثيرون. إنّه من أوائل الذين دعوا إلى التمرّد والثورة على الجمود والفساد والهيمنة. لقد ألهَمَ اللّبنانيّين بمواقفه الإصلاحيّة، مركّزاً على حقّهم في الصحّة والتقدّم والحريّة. هكذا كان لبنان عبر تاريخه وهكذا سيبقى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق