أحيت بلديّة أم الفحم والاتّحاد العام للكتّاب ذكرى الاستشهاد ال45 \ أم الفحم 12.02.2022، وفي كلمة الاتّحاد التي ألقاها الأمين العام، جاء:
الأخوات والأخوة!
يشرّفنا الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين – الكرمل 48، ويشرّفني بشكل شخصيّ كالأمين العام للاتّحاد، أن نقف وأقف في هذه الأمسية احتفاء بذكرى راشد حسن.
ارتأيت أن أطلق على مداخلتي هذه الاسم: "حين يجوع التاريخ!"، وهذا الاختيار ليس من فراغ، فهذه الكلمات العميقة الدلالة لراشد حسين وفي سياق عميق الدلالة، سآتي عليه.
راشد حسين له علينا ديْنٌ ثقيل نحمله في وعلى رقابنا؛ نحن هذا الرعيلَ من الكتّاب، رعيلَ ما بعد الروّاد في حركتنا الثقافيّة الفلسطينيّة وما بعد راشد حسين ورفاقِه، ديْنٌ ثقيل إذ لم نعطِه ورفاقَ دربه القوميّين حقّ قدره وقدرهم، وعلى مدى سنوات طويلة.
في كلمة الأسرة جاء: "كانت الساحة خاليةً من أيّ نشاط وطنيّ يفضح سياسة الدولة وعملاءها، فاختار أن "يصنع" راية النضال ويحملَها مهما كان الثمن الذي سيدفعه، لذلك يستحقّ لقبَ ما لا ينكره المبدعون والمناضلون الفلسطينيّون الذين حذوا حذوه: "رائد المقاومة، شعرًا ونثرًا".". وجاء أيضًا:
"الوالد: يريده أن يعمل في سلك التدريس ليُخرج الأسرة من دائرة الفقر. العمّ: يريد إرضاء الحاكم العسكريّ والتقدّم في السلّم الوظيفيّ، ولا يتمّ هذا إلّا بقمع راشد. النضال الوطنيّ: يستوجب أن يقوم راشد بتعرية الواقع وفضحِ ما هو موجود، وإعطاء صورة للمنشود، والتحريض على تحقيق هذا المنشود. القيام بهذا الدور استوجب الابتعادَ عن أيّ نشاط سياسيّ رسميّ وعدمَ الانخراط بأي حزب. وكان لذلك ثمن باهظ: لا عمل، لا دخل، السجن أحيانًا، التعتيم من جانب وسائل الإعلام العربيّة في الداخل... وكان عليه أن يهادن حيث آثر النشر في هذه المنابر (يعدّد الكاتب باسم الأسرة: "الاتّحاد والغد (الحزب الشيوعي)، المرصاد (مبام)، اليوم والأنباء (حزب العمل)، هعولام هزيه (أوري أفنيري).
النكبة عام ال48 خلّفت الكثير وممّا خلّفت، خلّفت أقليّة عربيّة مهيضة الجناح، كان راشد حسين يافعًا من أيفاعِها، ابنًا لأقليّة وجدت نفسها عُرضة أو ضحيّة لولاءات عدّة للمؤسّسة المستجدّة المتكوّنة "الدولة اليهوديّة" وفي مركزها ثلاثة:
الأوّل: ولاء ال"لا حول ولا قوّة"، وهو ولاءُ الكلّ لأقليّة تمزّقت أيدي سبأ، مهزومةٍ عزلاء سافرةِ الظهر، وهي الغالبيّة العظمى من فلسطينيّي البقاء والتي كانت تعاني من كلّ المرارات التي خلقها الله، والت السلطة الجديدة ولاءَ الذي لا حول له ولا قوّة، بعدما انتكبت النكبة الكبرى متروكة من ذوي القربى لمصير مجهول. فعاشت مرارة فقدان الأعزّاء إمّا قتلًا أو تشريدًا، ومرارة صراع البقاء.
الثاني: ولاء المقوَّدين. "القيادات" التي بقيت أو صُنِعت بمعظمها على يد الحركة الصهيونيّة، وبالذات تلك التي مدّت يدها لأعداء شعبها قبل النكبة وبعدها، أعطت ولاءها للسلطة الجديدة بمحض إرادتها وبما يخدم مصالحَها الرخيصة... وفي سياقنا ما يمثّله العمّ حسب كلمة الأسرة.
الثالث: الولاء المؤدلج، وهو الولاء الذي تبّنته أقليّةٌ حزبيّة منّا المعارضةُ لسياسة الدولة الجديدة تجاه عرب البقاء، والتي سمحت لها قوانين إسرائيل بالتنظيم حينها، والمشاركةِ في الحياة السياسيّة الانتخابيّة. ومن منطلق مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحيث أن الشعب اليهودي حقّق هذا الحقّ وأقام دولته التي يستحقّها حتّى ولو امتدّت على أكثر من الحصّة (!) التي خصّته بها الأمم المتّحدة من مساحة فلسطين، وحيث أن الشعب الفلسطيني لم يحقّق هذا الحقَّ وفقط بسبب قيادته (!)، فيجب النضالُ المشترك اليهودي العربي لمساعدته في تقرير المصير في دولة لجانب إسرائيل... خصوصًا وأنّ الصراع طبقيّ لا وطنيّ ولا قوميّ.
في هذا "الوعر الوطنيّ" عاش راشد حسين فتوّتَه ومن ثمّ شبابَه، ولا غرابةَ أن نقرأ ما قرأنا في كلمة الأسرة، ولا غرابة أن نجهلَه نحن الرعيلُ الذي عشنا الثمرات المرّة لتلك الوعورة الوطنيّة. ولكنّ حقَّ راشد وزملائه علينا كلّنا أن نكفّرَ عن خطئنا الذي "ارتُكّبْناه" في حقّهم، جهلًا وتجهيلًا، عاذرين لهم كبواتهم ونواباتهم في هذا الوعرِ الشائك المتشابك.
في مقالة له في الفجر عام 1959 تحت عنوان: "حين يجوع التاريخ"، العنوان الذي اتّخذتُه اسمًا لمداخلتي هذه، يكتب راشد ممّا يكتُب:
"الشعب الإسرائيلي: في سنة 1952 وقف (فلان- حذف الاسم منّي س. ن.) على منصة مؤتمر السلام في ڤيينا وقال: "لا يوجد في إسرائيل قوميتان، وإنما يوجد شعب إسرائيلي فقط". وفسّر (فلان) هذه الثرثرة بما معناه أنّ اللغتين العبرية والعربية من أصل واحد، وأنّ الشعبين العربي واليهودي من أصل واحد. وبما أنّ الشعب اليهودي (أي بني إسرائيل) هم الأكثريّة، فيجب أن يسمى سكان إسرائيل ـ عربًا ويهودًا ـ باسم: الشعب الإسرائيلي. ويومها وقف صهيوني معروف وفنّد أقوال (فلان- كذلك)؛ وأعلن أنّ في إسرائيل شعبين: عربي ويهودي. وانتصر الممثّلون العرب يومها لأقوال الصهيوني. ولم يوافقوا على أقوال (فلان). اللّهم اهدِ (فلان ومن مثله) إلى الصواب، حينما يبحثون فلسفة القوميّات!... لينسَ (الفلانيّون) وليمعِنوا في النسيان. أما نحن فلن ننسى. نحن القوميين العرب لن ننسى الذين طعنوا قوميّتنا أمس ويطعنونها اليوم.
الباحث د. نبيل طنّوس، عضو أمانة الاتّحاد العام للكتّاب الفلسطينيّين- الكرمل48، اجترح مأثرة كبيرة في اقتفائه أثر راشد حسين في دراسته القيّمة: "راشد حسين ويسكنه المكان – دراساتٌ وقصائدُ مختارة"، ولعلّه يكفّر بذلك عن الخطأ الذي "ارتُكّبناها" جهلًا وتجهيلًا.
فعوفيت يا نبيل!
وطابت ذكرى راشد حسين.
أوائل شباط 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق