وواضح من تقديم الشاعر المبدع وهيب نديم وهبة لنصّه أنه تستهويه الصورة الأدبية بكل ما فيها من مجازات واستعارات وكنايات وتشبيهات، ولا شكّ أنّ الصورةَ الناجحة هي أَمارةٌ من أمارات فنّ القول ولا سيما الشعري منه، وقد قال عزرا باوند ذات مرة: "إن تقديم صورة واحدة في العمر كلّه هو أفضلُ من إنتاج أعمال ضخمة". ومن يقرأ هذه الخطوات يجدها مكتنزة بالصور.
أ.د. أحمد محمد ويس / أستاذ نظرية الأدب وعلم الأسلوب / جامعة البحرين / جامعة حلب
لقد تعددت روافد وهيب نديم وهبة الثقافية لتشكل ثقافته المعرفية وشخصيته الأدبية؛ فلم يقتصر_ في تحصيل ثقافته_ على رافد واحد من روافد الثقافة، وإنما تعددت روافده المعرفية فظهرت في النص مزيجًا من اللغة، والأدب، والتاريخ، والجغرافيا، والفلسفة، والثقافة الدينية، والتصوف، وانعكس كل ذلك في إنتاجه الأدبي.
أ.د. محمد مصطفى منصور / جامعة الفيوم - كلية دار العلوم - قسم الدراسات الأدبية- جُمهورِيّة مِصر العربيّة.
هذا الديوان يحمل إبداعا مغايرا على مستوى الرؤية والبنية، والطرح والجماليات؛ وليس هذا بمستغرب على شاعر كبير في حجم وهيب نديم وهبة، فقد سبقه بأعمال شعرية وإبداعية عديدة، تشي بجلاء عن سعيه إلى قراءة الواقع والوجود والتاريخ والحياة بشاعرية متوهجة، لا يمتاح فيها من المتداول الشعري، وإنما يسعى إلى التميز الشعري، وهو ما اتضح في تجربته في الديوان.
د. مصطفى عطية جمعة / أستاذ الأدب العربي والنقد - مصر
(1)
قَمَرٌ
يا بدرَ الْبُدورِ يُغطّي السّماءَ
يَفتَحُ سِفْرَ التّكوينِ وَرَسْمَ التّلوينِ
وخرائطَ أقاليمِ الْهِجرةِ مِنْ مكانٍ ما
مِنْ نقطةٍ ما...
مِنْ زمنٍ يَرسُمُ في كُتُبِ الْخلقِ كلامَ اللهِ
(2)
قَمَرٌ
فوقَ الْبحرِ
مُبلَّلٌ قليلًا بالنُّعاسِ وَالْمَطَرِ
ويَنتشِرُ الضَّبابُ
غَزالةٌ
تَنْزِلُ مِنْ سُحُبِ السّوادِ
تَلفُّ الْبحرَ في مِنديلِ الدّمعِ
ويَنسكِبُ نَهرُ الشّوقِ في وادٍ سَحيقٍ
لا زَرْعَ فيهِ... لا غَرْسَ لا نباتَ
حَنيني ليسَ على حَجَرٍ
على رَسْمٍ على الْقِفارِ
حنيني لِمَنْ سكنَ الدِّيارَ...
(3)
خُذْني مَعكَ خُطْوتي في الْهواءِ
خُذْني...
أُجاوِرُ خُطُواتِكَ في ليلِ الْغُربةِ
وَالتَّرْحَالِ...
خُذْني معَكَ
أدْخُلُ خَيمةَ التّاريخِ
عَباءَتي الشّمسُ والصّحراءُ يدي...
وأصابعي أَودِيةٌ دائمةُ الْجَرَيانِ بالْحِبرِ
والْكِتابةِ...
(4)
كمِ انتظرَ الْماءُ أنْ ينفجِرَ (غزالٌ راكضٌ)
مِنْ بئرِ زمزمَ
في بَراري جفافِ الْغَيمِ في قرآنِ السّماءِ...
(5)
يَعرِفُ سيّدُ الْمكانِ
الْوقتَ والزّمانَ
هنا كانُوا
هنا عاشُوا وتَسقُطُ قُرُنفُلةٌ في كُتُب التّاريخِ...
(6)
تَمُرُّ
مَنطقةُ الْبحرِ الْأحمرِ فوقَ يدي
تَصيرُ طيورًا تَطيرُ
تَحمِلُني على أجنحةِ الشّوقِ
أذوبُ في نُعومةِ
الْحريرِ... ... ...
أسمعُ موسيقى أسمعُ وَقْعَ
خُطُواتِ نَبِيٍّ
تَعبُرُ في وَهَجِ الْجنّةِ
والْملائكةُ على أجمَلِ غُصنِ بانٍ
تَهمِسُ للْهَوى... للْهُدى...
نَبيٌّ سيأتي افرشُوا الصّحراءَ بالْوردِ
بالْمِسكِ والزّعفرانِ
وتطيرُ اَلْمَلَائِكَةُ الْخمسةُ بَيْنَ اللّغةِ وَالْمَعْنَى
تُحطُّ على سُعفِ النّخيلِ...
تشدو...
لهذا النَّغَمِ ترانيمُ صدى موسيقى السّماءِ
شئٌ يأتي في فَرَحٍ
يَعزِفُ على وترِ الرّيحِ
صحراءُ...
(7)
قَمَرٌ
فوقَ السَّرابِ
هوَ السَّرابُ رَسْمٌ على نُحاسٍ
رَسْمٌ على اسمٍ على وَشْمٍ على إيقاعٍ
يشدُّني إلى بُزوغِ الْفجرِ الْآتي مِنْ سَراديبِ الظّلامِ
لوحُ وصايا للنّبي، نَقَشَ الْكتابةَ
فوقَ كُثبانِ رمالِ الصّحراءِ
وكلّما أشرقَتْ شمسٌ
تراءى للْقادمِ أنَّ نَبِيًّا يسيرُ هُناكَ
ظلّليني...
يا خَيْمةَ الْبَدويِّ الرّاحلِ
بَيْنَ قِفارِ الْجَفافِ وقَحطِ الْمكانِ
بِظِلِّ الْماءِ وعُشبِ اَلْمَرَاعِي
نبتَتْ لِتوِّها نبتةٌ وسَطعَتْ نَجمةٌ
برقَتْ مثلَ الرّمزِ في خيالي
أينَ نباتُ الْأرضِ مِنْ نباتي
يَجلسُ سيِّدُ الزَّمانِ
على حَجَرٍ مَتروكٍ لمَعبدٍ وَثَنِيٍّ
يَكُتُبُ فوقَ الرّملِ
يُعْلِنُ: سيّدُ الْأرضِ
سيأتي يَهتِفُ باسمِ الْواحدِ الْأحَدِ
سيأتي الصّوتُ مِنَ الْغارِ
مِنْ أعالي "جَبلِ حرّاءَ"
وتكونُ ليلةُ الْقدرِ
صَلصَلةَ أجراسٍ تَتَدلّى
موسيقى مِنْ ذَهَبٍ
وحْيَ اللهِ
في ليلةِ السّابعِ والْعشرينَ مِنْ رمضانَ
بِرِسالةِ التّنويرِ وعصرِ اَلْإِنْسَانِ.
سيأتي مِنْ عِبادِي
يَسكُبُ في النّفوسِ
ماءَ الْحِكمةِ كالدّمِ في الشّرايينِ يَسري
وتَجري في عَتمةِ النّفسِ وظُلْماتِ الْوجودِ
نورًا يُشرِقُ فوقَ الْكونِ في صلاةٍ أبديّةٍ
(8)
أينَ أنتَ الْآنَ مِنْ خُطُواتي
مِنْ سَفَري وهِجرتي وتِرحالي
أينَ أنتَ الْآن مِنْ عُرْسِ الْأنجُمِ في سمائي
مَمْلكتِي ليسَتْ في مَعبدٍ وَثَنِيٍّ
وَصَلاتي وحياتي ليسَتْ منْ نسيجِ خيالي
خُطوتي ليستْ في الرّيحِ
ليسَتْ في فراغِ الْفضاءِ
أسمعُ نشيدَ النّخيلِ في إنشادي
أسمعُ ملائكةً تَهْتِفُ باسْمكَ
وعِبادًا تشهَدُ أوْ تَستَشهِدُ باسْمِكَ
في لحظةِ خلْقٍ أُلوهيّةٍ
(9)
تتوقّفُ جِيادُهُم عندَ النّبعِ
سَلامًا: على "بئرِ زمزمَ" وعلى
الرّسولِ...
سَلامًا: على لُغةِ الْماءِ في التّفسيرِ
ولُغَةِ الظّمَأِ
وجوعِ الْأرضِ إلى ينابيعِ السّماءِ
ينحدرُ ماءُ النّبعِ بينَ يديكَ
في صلاةِ باسمِ اللهِ
باسمِ الرّحمنِ الرّحيمِ
(10)
الْعِبادةُ مصابيحُكَ اَلْمُضَاءَةُ
نجومٌ مِنْ شُعاعٍ
حمَلَتْ جَوْهرَ الْأسماءِ
ومَكنونَ الدّنيا وَالْآخرِةَ
كنْتُ على أعتابِ مكّةَ
أهزُّ قرصَ الشّمسِ...
وكانَتْ "مكّةُ"
تَنزِلُ مثلَ عَروسٍ في ليلةِ فرحٍ
في هَودَجِ ذهبٍ
في ليلةِ عُرسٍ
مِنْ عَنانِ السّماءِ
هيَ لحظةُ الْوجْدِ في التّوحيدِ
ما بَيْنَ الْخَلْقِ والْخالقِ
ما بَيْنَ كتابِ اللهِ
وكتابِ الْماءِ والْحَرَمِ الشّريفِ والْكعبةِ
هيَ لُغَةٌ لا تعرفُ إلا الرّمزَ
ما بَيْنَ النّاسخِ والْمنسوخِ والظّاهرِ والْباطنِ
هيَ لحظةُ خلقٍ في التّكوينِ
أنْ تعودَ إلى مَكّةَ
وأنْ تكونَ «حجّةُ الْوداعِ»
لا إلهَ إلا اللهُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق