بسمه تعالى
الأعزاء الحضور
تكريم السيدة مي الطباع بجائزة شربل بعيني لهذا العام هو تكريم لكل كاتب يحاول نقل مشاعره ومشاعر الناس من خلال الكلمة. فالشعر أولاً وقبل كل شيء هو نقل الشعور الشخصي أو العام بلغة منمقة شعبية تصلح للغناء.
الكاتبة مي الطباع استجمعت في دراسة مختصرة عدداً كبيراً من أسماء شعراء توجَهوا بأقوالهم للشاعر شربل بعيني مدحاً وتكريماً واعترافاً بجميل ما أنجزه من ابتكارات شعرية وصور أدبية فيها علامة فارقة تميز قائلها وكاتبها بصفات خاصة به وتجعله متقدماً في صفوف أصحاب الأقلام.
فالتكريم للسيدة الطباع هو في ذات الوقت تكريم للشاعر شربل بعيني ولشعراء العربية في أوستراليا . ومن العجيب أن العرب يتفرقون في بلادهم ويأتلفون في المهجر من خلال اللقاءات الأدبية تحت عناوين مختلفة. الغربة تجمع كما يقال ومصداق لهذا القول ما نراه من نشاط ثقافي وأدبي في هذه البلاد فلا يكاد يمر شهر أو ربما أقل إلا ويكون هنا احتفال باصدار جديد لكتاب أدبي أو شعري وهذه الظاهرة الجيدة تعوض بكثير أو قليل عن مشاعر المهاجرين اتجاه بلادهم الأصلية التي لا زالت تكابد ما فيها من أزمات.
شربل بعيني ليس استثناءاً في المشاعر رغم أنه استثناء في غزارة العطاء، كل مهاجر يحن إلى وطنه لكن التعبير عن هذا الحنان يملك ناصيته من تطوع عقله وقلمه ولسانه لوصفه بصدق وهذا ما دأب عليه ابن مجدليا اللبناني الأصيل الذي أرغم على ترك البلاد في ظروف يعرفها معظم المهاجرين. كل بلد في العالم جميل في أعين أبنائه، لكن للبنان جمال مختلف. فأي مكان في لبنان ليس جميلاً؟ كل بلاد الدنيا فيها جبال وبحار وزروع وأشجار وورود وأزهار ولكن لسر غيبي تبدو في لبنان أكثر جمالاً وأكثر فتنة ، ومن حق من يعرفها أن يشتاق إليها ومن حق شربل أن يصحب لبنان في قلبه ويحضن ذكراه ثم يرسمه شعراً وكلمات بلغة منمقة بلدية من ألفها إلى يائها سهلة الفهم وواضحة المعاني إلا لمن كان على عينيه غشاوة فيحتاج حينئذ إلى إعادة القراءة مرتين وثلاث فيقول له شربل:
قريت شعري بحب إنك تفهمو
وترجع تعيد قرايتو من جديد
جروحات عمري صعب تايتبلسموا
وبيوت مفروشة شقا وتنهيد.
لنقل هذه الكلمات لأي لبناني في المهجر أليس هذا هو ما يفكر فيه وما يحمله من مشاعر.
شربل كما تحكي "مي الطباع" من خلال نقل آراء عدد كبير جداً من الشعراء، وكما نعرفه من خلال كتاباته، مؤمن بالسليقة، يحمل في قلبه أكثر من حبة خردل إيمان وبها ربما حرك جبال الشعر من مواضعها. لكن الإيمان لا يكون موجوداً عند ارتكاب الخطيئة – المعصية. عن وقوع الخطيئة يجب أن تكون الحجة قوية لتبرير الوقوع. يقول شربل:
إشيا كتيره مخبّى بقلبي
بطردها وبترجع ليّي
جاوبني.. دخلك يا ربي
هالهفوات اللي نسيناها
وبطيبة قلب عملناها
هيدي رح تحسبها خْطيّه؟".
ربما كلام الرب حاضر ليجيبك يا شربل : "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجر" أو كما كما يقول نبي الرحمة: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطّائين التوابون".
تكتشف مي الطباع بذكاء أن ما يواجهه شربل في بعض الأحيان -وهو على حق - هو التطفل لبعض الكتّاب:
كل ال بألّف كلمتين زغار
صفّا بهالغربي أديب كبير
أما الأديب ال كلمتو من نار
مجنون رح يبقى ع طول زغير
وهذا سيطرح تساؤلاً منطقياً: هل كل شاعر أو كاتب يبدأ من فوق من القمة ؟ أم أن ذلك يتدرج نمواً واطراداً بنمو واطراد المعرفة المرتبطة بالكتابة. ما هو مشهور وشائع عن عدد من ذكروا من شعراء الجاهلية العرب (مع الاعتراض على هذا الاسم) يربو العدد على المئة ورد معظمهم في كتاب التعاليبي "يتيمة الدهر" وفي كتاب الأغاني "للأصفهاني" فليس من الممكن ولا من المعقول أن تحفظ كل اسمائهم فكيف بأشعارهم؟ لذلك سيكون من الواقع أن يحفظ الناس في زمان ومكان ما يجدونه من شعر حقيقي وصحيح وقابل للخلود لما فيه من سبك وحكمة ومشاعر.
مرة قلت عن شربل بعيني أن "ما قيل فيه أقل مما فيه" أي أن ما مدح به من كلام لا يستوفي الجوانب التي عمل عليها في حياته (أطال الله في عمره) أليس هو الأستاذ المربي وواضع كتاب مدرسي للتعليم وكاتب مسرحي إضافة إلى شعره ؟
أتمنى أن تكون مناسبة "جائزة شربل بعيني" حدثاً متألقاً يرفع اسماء بعض أدبائنا وكتابنا في زمن نسيهم معظم الباحثين عن الشهرة.
**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق