كتاب " العرب بين الشخصنة والجتمعة" للكاتب عدنان الصباح، صدَر عن دار طباق للنشر والتوزيع، ويقع الكتاب في ١٦٧ صفحة من القطع المتوسط.
الكتابُ يسعى لتغييرِ تفكير القارئ بصورةٍ إيجابيةٍ محفزةٍ، وبالتّالي يحملهُ إلى مساحاتٍ من التأمل والإيحاءِ حيثُ يعدلُ سلوكَه ُ ويقضي على التناقضاتِ الفكريةِِ، ويشقُ طريقا جديدا لخلقِ بنيةٍ فكريةٍ قِيَمةٍ أصيلةٍ تشقُ آفاقَ المستقبلِ الأفضل
.تميزَ هذا الكتابُ بطباعةٍ أنيقةٍ وغلافٍ من تصميم الفنان أيمن حرب، حمل صورةُ أرسطو أول من طور نظامًا رسميًا للتفكير، وأثار الجدل، وكأن الكاتب يعيدنا للبدايات، لقد تاهَ العربُ في الطريق وعليهم العَودة، إلى مسار جديد.
يلغي الكاتب الشخصيةَ الفرديةَ مطالباً الفردَ بأن يجعلَ تجربتَهُ جَمعيةً ، فالهالة حول الذاتِ يجبُ أن تتسعَ لتنيرَ الجميعَ، ...ليس نجاح الفرد باحتكار الفكرة بل يجبُ عليه تعميمَ فكرتهِ لتعيشَ بعده، تتناقلها الأجيالُ ولا تموت برحيله
.يقدم الكاتب أمثلةً على ذلك من قادةٍ اعتبرهُم الشعبُ رموزاً عظيمةً أثرت في التاريخِ والسياسة، ولكن التجارب لم تدم، واختفتْ معَ أصحابها، لأنها بلا مأسَسة.
يجيب الكاتب على سؤال : هل نحن في حالة نهوض أم ركود،؟!
فيعرض مقارنةً بين حضارةِ العربِ والحضارةِ الأوروبية، و مستعرضا القواسمَ المشتركة التي جعلت من الحضارة سائدة، معرّجاً على المحظوراتِ التي ساقها الولاءُ للفكر العربي أو الحضارةِ العربية وتبعاتِ ذلكَ من تقييدٍ لأدوات التفكير لدى الشعوبِ الجديدة.
العالم العربي عليهِ أن يفيقَ من سباتِ الماضي، ويصمتُ عن التغني بالأمجادِ الزائلة، بل يفعلُ كما فعل الغربُ...إذ يجعلُ من تلك الأمجاد ِخطوةً للصعودِ إلى أعلى، فهي درجةُ رقيٍّ تتلوها درجةٌ يصنعُها بنفسه، ليتقدمَ نحو المستقبلِ ، بفتحِ الأبوابِ على مصراعيها لنورِ العصرِ الحديثِ وتِقْنياتِ التكنولوجيا العلمية والتطورِ الإنتاجيِّ ولغةِ الديمقراطيةِ والمأسَسةِ والحرياتِ العامة، وتداولِ السلطةِ على الصعيدين السياسي والاجتماعي
يذكر الكاتبُ أثرَ الشخصنةِ اجتماعياً، فبينَ توظيفٍ الأشخاصٍ لصالحِ المؤسسةِ وتوظيفِ المؤسسةِ لصالحِ الأفرادِ بعيداً عن الكفاءة والقدراتِ والنزاهةِ والمحاسبة والشفافية تتحولُ تدريجياً كلُ إدارات ومقدرات البلدِ إلى أيدي غيرِ الأكْفياء، وفي مقدمتهم رئيسهم، ولتحقيقِ أهدافهِ لا بدّ من تكميمِ أفواهِ الشعب وتكبيلِ أياديهم وهذا ما يحدثُ معَ شبابنا الآن.
ُ فحين تصبح البلد إقطاعيةً للنخبة، يضطرُ الأكْفياءُ إلى الهجرة ويخسرُ الوطن طاقاتٍ إبداعيةٍ مميزة هائلة، ومَن لا يستطيعُ السفرَ يُصاب بالإحباطِ، حيث يحتلُ مَنْ هُم أدنى منهُ كفاءةً مكانه فيحترقون بلا لهيب، إلى أن
ينطفئوا ويصبحوا أفراداً عاديين، همّهم قوتُ يومهم.
يبين الكاتبُ حاجةَ العربِ المتزايدةِ لمجتمعٍ مدنيّ، مجتمعِ مؤسساتٍ وحقوقِ إنسانٍ حقيقية ، ولا يتعدّى الحديثُ عنها كونَها مفرداتٍ في الخطاب المجتمعيّ السياسيّ، دون حقائقَ على الأرض،
كما يُظهرُ الكاتب الظروفَ التي نشأ فيها هذا المفهوم الغربي، والمعيقاتِ في تحقيقه لدى العَرب، مما يجعلُ العرب يعيشون تبعيةً دونيةً مستمرة،
وأثر العشائريةِ في إدارة تلك التبعية
.يقدمُ الكاتب حاجتنا لأن يصبحَ القانونُ العشائري كفكرة، مظهراً له ايجابيات في قيادةِ مجتمعٍ قادرٍ على إيجادِ نظامٍ خاصٍّ للحياة والحراكِ الاجتماعي
يبين الكاتب كيف يتم تزويرُ الثقافة وتسييرُ اللغة وكأن هناكَ: صفوةٌ متسلطة، كما ذكر باولو فرايري في كتابه تعلمْ المقهورين، مما يجعلُ المبدعَ الحقيقي في حالة من الاغتراب، وهي ثقافة مزورةٌ تفنى مع الأيام كما ذكر الكاتب، لكنها بالتأكيدِ تترك أثراً في وعي الإنسان وتبني مداركَه بصورة خاطئة
.أما في الجزء الثاني جتمعة الفرد فيقدمُ الكاتبُ محاضرةً قُدمت لمركز إبداع المعلم، فالكاتب هنا يوصي بإعدادِ أجيالٍ قادمة واعدةٍ، نحن بحاجةٍ ماسةٍ لتربيتها بروح الجماعةِ وروحِ المشاركةِ وروح الآخر مع الآخر
.وما زال بين دفّتي الكتاب المزيد المزيد من اللفتاتِ الفكرية والحضارية ذات البعد الإنسانيّ الذي يحفظ القواعد الفكرية والاجتماعية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق